بازگشت

كتاب العقل و فضائله


1 - الكليني عن أبي عبدالله الاشعري، عن بعض أصحابنا، رفعه عن هشام بن الحكم قال: قال لي أبوالحسن موسي بن جعفر عليهماالسلام: يا هشام ان الله تبارك و تعالي بشر أهل العقل و الفهم في كتابه فقال: «فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله و اولئك هم اولوا الألباب».

يا هشام ان الله تبارك و تعالي أكمل للناس الحجج بالعقول، و نصر النبيين بالبيان، ودلهم علي ربوبيته بالأدلة ، فقال: «و الهكم اله واحد لا اله الا هو الرحمن الرحيم - ان في خلق السموات و الأرض و اختلاف الليل و النهار و الفلك التي تجري في البحر ما ينفع الناس، و ما أنزل الله من السماء من ماء فأحيي به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة و تصريف الرياح و السحاب المسخر بين السماء و الأرض لآيات لقوم يعقلون».

يا هشام قد جعل الله ذلك دليلا علي معرفته بأن لهم مدبرا، فقال: «و سخر لكم الليل و النهار و الشمس و القمر و النجوم مسخرات بأمره، ان في ذلك لآيات لقوم يعقلون» و قال: «هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم يخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ثم لتكونوا شيوخا و منكم من يتوفي من قبل و لتبلغوا أجلا مسمي و لعلكم تعقلون».

و قال: «ان في اختلاف الليل و النهار و ما أنزل الله من السماء من رزق فأحيي به الأرض بعد موتا و تصريف الرياح و السحاب المسخر بين السماء و الأرض لآيات لقوم يعقلون» و قال: «يحيي الأرض بعد موتها، قد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون».

و قال: «و جنات من أعناب و زرع و نخيل صنوان وغير صنوان يسقي بماء واحد و نفضل بعضها علي بعض في الاكل ، ان في ذلك لآيات لقوم يعقلون».



[ صفحه 222]



و قال: «و من آياته يريكم البرق خوفا و طمعا و ينزل من السماء ماء فيحيي به الأرض بعد موتها، ان في ذلك لآيات لقوم يعقلون». و قال: «قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا و بالوالدين احسانا و لا تقتلوا أولادكم من املاق، نحن نرزقكم و اياهم و لا تقربوا الفواحش ما ظهر منها و ما بطن و لا تقتلوا النفس التي حرم الله الا بالحق، ذلكم وصيكم به لعلكم تعقلون».

و قال: «هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء فيما رزقناكم فأنتم فيه سواء تخافونهم كخيفتكم أنفسكم، كذلك نفصل الآيات لقوم يعقلون».

يا هشام ثم وعظ أهل العقل و رغبهم في الآخرة فقال: «و ما الحيوة الدنيا الا لعب و لهو و للدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون».

يا هشام ثم خوف الذين لا يعقلون عقابه فقال تعالي: «ثم دمرنا الآخرين و انكم لتمرون عليهم مصبحين و بالليل أفلا تعقلون» و قال: «انا منزلون علي أهل هذه القرية رجزا من السماء بما كانوا يفسقون و لقد تركنا منها آية بينة لقوم يعقلون».

يا هشام ان العقل مع العلم فقال: «و تلك الأمثال نضربها للناس و ما يعقلها الا العالمون». يا هشام ثم ذم الذين لا يعقلون فقال: «و اذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا و لا يهتدون» و قال: «و مثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع الا دعاء و نداء صم بكم عمي فهم لا يعقلون».

و قال: «و منهم من يستمع اليك أفأنت تسمع الصم و لو كانوا لا يعقلون» و قال: «أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون ان هم الا كالأنعام بل هم أضل سبيلا».

و قال: «لا يقاتلونكم جميعا الا في قري محصنة أو من وراء جدر بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعا و قلوبهم شتي ذلك بأنهم قوم لا يعقلون». و قال: «و تنسون أنفسكم و أنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون».

يا هشام ثم ذم الله الكثرة فقال: «و ان تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله». و قال: «و لئن سألتهم من خلق السموات و الأرض ليقولن الله قل الحمد لله بل



[ صفحه 223]



أكثرهم لا يعلمون». و قال: «و لئن سألتهم من نزل من السماء ماء فأحيي به الأرض من بعد موتها ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعقلون».

يا هشام ثم مدح القلة فقال: «و قليل من عبادي الشكور». و قال: «و قليل ما هم». و قال: «و قال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم ايمانه أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله». و قال: «و من آمن و ما آمن معه الا قليل». و قال: «ولكن أكثرهم لا يعلمون». و قال: «و أكثرهم لا يعقلون». و قال: «و أكثرهم لا يشعرون».

يا هشام ثم ذكر اولي الألباب بأحسن الذكر، و حلاهم بأحسن الحلية، فقال: «يؤتي الحكمة من يشاء و من يؤت الحكمة فقد اوتي خيرا كثيرا و ما يذكر الا اولو الألباب». و قال: «و الراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا و ما يذكر الا أولوا الألباب» و قال: «ان في خلق السموات و الأرض و اختلاف الليل و النهار لآيات لأولي الألباب».

و قال «أفمن يعلم أنما انزل اليك من ربك الحق كمن هو أعمي انما يتذكر اولو الألباب». و قال: «أمن هو قانت آناء الليل ساجدا و قائما يحذر الآخرة و يرجو رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون و الذين لا يعلمون انما يتذكر اولو الألباب». و قال «كتاب أنزلناه اليك مبارك ليدبروا آياته و ليتذكر اولوا الألباب». و قال: «و لقد آتينا موسي الهدي و أورثنا بني اسرائيل الكتاب هدي و ذكري لأولي الألباب» و قال: «و ذكر فان الذكري تنفع المؤمنين».

يا هشام ان الله تعالي يقول في كتابه: «ان في ذلك لذكري لمن كان له قلب» يعني: عقل: و قال: «و لقد آتينا لقمان الحكمة». قال: الفهم و العقل.

يا هشام ان لقمان قال لابنه: تواضع للحق تكن أعقل الناس، و ان الكيس لدي الحق يسير، يا بني ان الدنيا بحر عميق، قد غرق فيها عالم كثير فلتكن سفينتك فيها تقوي الله، و حشوها الايمان و شراعها التوكل، و قيمها العقل و دليلها العلم، و سكانها الصبر.

يا هشام ان لكل شي ء دليلا و دليل العقل التفكر، و دليل التفكر الصمت، و لكل



[ صفحه 224]



شي ء مطية و مطية العقل التواضع و كفي بك جهلا أن تركب ما نهيت عنه.

يا هشام ما بعث الله أنبياءه و رسله الي عباده الا ليعقلوا عن الله، فأحسنهم استجابة أحسنهم معرفة، و أعلمهم بأمر الله أحسنهم عقلا، و أكملهم عقلا أرفعهم درجة في الدنيا و الآخرة.

يا هشام ان لله علي الناس حجتين: حجة ظاهرة و حجة باطنة، فأما الظاهرة فالرسل و الأنبياء و الأئمة - عليهم السلام -، و أما الباطنة فالعقول.

يا هشام ان العاقل الذي لا يشغل الحلال شكره، و لا يغلب الحرام صبره.

يا هشام من سلط ثلاثا علي ثلاث فكأنما أعان علي هدم عقله: من أظلم نور تفكره بطول أمله، و محا طرائف حكمته بفضول كلامه، و أطفأ نور عبرته بشهوات نفسه، فكأنما أعان هواه علي هدم عقله، و من هدم عقله، أفسد عليه دينه و دنياه.

يا هشام كيف يزكو عند الله عملك، و أنت قد شغلت قلبك عن أمر ربك و أطعت هواك علي غلبة عقلك.

يا هشام الصبر علي الوحدة علامة قوة العقل، فمن عقل عن الله اعتزل أهل الدنيا و الراغبين فيها، و رغب فيما عندالله، و كان الله انسه في الوحشة، و صاحبه في الوحدة، و غناه في العيلة، و معزه من غير عشيرة.

يا هشام نصب الحق لطاعة الله، و لا نجاة الا بالطاعة، و الطاعة بالعلم و العلم بالتعلم، و التعلم بالعقل يعتقد، و لا علم الا من عالم رباني، و معرفة العلم بالعقل.

يا هشام قليل العمل من العالم مقبول مضاعف، و كثير العمل من أهل الهوي و الجهل مردود.

يا هشام ان العاقل رضي بالدون من الدنيا مع الحكمة، و لم يرض بالدون من الحكمة مع الدنيا، فلذلك ربحت تجارتهم.

يا هشام ان العقلاء تركوا فضول الدنيا فكيف الذنوب، و ترك الدنيا من الفضل، و ترك الذنوب من الفرض.

يا هشام ان العاقل نظر الي الدنيا و الي أهلها فعلم أنها لا تنال الا بالمشقة و نظر الي



[ صفحه 225]



الآخرة فعلم أنها لا تنال الا بالمشقة، فطلب بالمشقة أبقاهما.

يا هشام ان العقلاء زهدوا في الدنيا و رغبوا في الآخرة، لأنهم علموا أن الدنيا طالبة مطلوبة و الآخرة طالبة و مطلوبة، فمن طلب الآخرة طلبته الدنيا حتي يستوفي منها رزقه، و من طلب الدنيا طلبته الآخرة فيأتيه الموت، فيفسد عليه دنياه و آخرته.

يا هشام من أراد الغني بلا مال، و راحة القلب من الحسد، و السلامة في الدين فليتضرع الي الله عزوجل في مسألته بأن يكمل عقله، فمن عقل قنع بما يكفيه، و من قنع بما يكفيه استغني، و من لم يقنع بما يكفيه لم يدرك الغني أبدا.

يا هشام ان الله حكي عن قوم صالحين: أنهم قالوا: «ربنا لا تزع قلوبنا بعد اذ هديتنا و هب لنا من لدنك رحمة انك أنت الوهاب» حين عملوا أن القلوب تزيغ و تعود الي عماها و رداها.

انه لم يخف الله من لم يعقل عن الله، و من لم يعقل عن الله لم يعقد قلبه علي معرفة ثابتة يبصرها و يجد حقيقتها في قلبه، و لا يكون أحد كذلك الا من كان قوله لفعله مصدقا، و سره لعلانيته موافقا، لأن الله تبارك اسمه لم يدل علي الباطن الخفي من العقل الا بظاهر منه، و ناطق عنه.

يا هشام كان أميرالمؤمنين عليه السلام يقول: ما عبد الله بشي ء أفضل من العقل، و ما تم عقل امرء حتي يكون فيه خصال شتي: الكفر و الشر منه مأمونان، و الرشد و الخير منه مأمولان، و فضل ماله مبذول، و فضل قوله مكفوف، و نصيبه من الدنيا القوت، لا يشبع من العلم دهره.

الذل أحب اليه مع الله من العز مع غيره، و التواضع أحب اليه من الشرف، يستكثر قليل المعروف من غيره و يستقل كثير المعروف من نفسه، و يري الناس كلهم خيرا منه، و أنه شرهم في نفسه، و هو تمام الأمر.

يا هشام ان العاقل لا يكذب و ان كان فيه هواه.

يا هشام لا دين لمن لا مروة له، و لا مروة لمن لا عقل له، و ان أعظم الناس قدرا الذي لا يري الدنيا لنفسه خطرا أما ان أبدانكم ليس لها ثمن الا الجنة فلا تبيعوها بغيرها.



[ صفحه 226]



يا هشام ان أميرالمؤمنين عليه السلام كان يقول: ان من علامة العاقل أن يكون فيه ثلاث خصال: يجيب اذا سئل، و ينطق اذا عجز القوم عن الكلام، و يشير بالرأي الذي يكون فيه صلاح أهله، فمن لم يكن فيه من هذه الخصال الثلاث شي ء فهو أحمق.

ان أميرالمؤمنين عليه السلام قال: لا يجلس في صدر المجلس الا رجل فيه هذه الخصال الثلاث أو واحدة منهن، فمن لم يكن فيه شي ء منهن فجلس فهو أحمق.

قال الحسن بن علي عليهماالسلام: اذا طلبتم الحوائج فاطلبوها من أهلها، قيل يا ابن رسول الله و من أهلها؟ قال: الذين قص الله في كتابه و ذكرهم، فقال: «انما يتذكر اولو الألباب» قال: هم اولو العقول.

قال علي بن الحسين عليهماالسلام: مجالسة الصالحين داعية الي الصلاح، و آداب العلماء زيادة في العقل، و طاعة ولاة العدل تمام العز، و استثمار المال تمام المروة، و ارشاد المستشير قضاء لحق النعمة، و كف الأذي من كمال العقل، و فيه راحة البدن عاجلا و آجلا.

يا هشام ان العاقل لا يحدث من يخاف تكذيبه، و لا يسأل من يخاف منعه و لا يعد ما لا يقدر عليه،و لا يرجو ما يعنف برجائه، و لا يقدم علي ما يخاف فوته بالعجز عنه [1] .

2 - رواه ابن شعبة الحراني في تحف العقول و بين الروايتين اختلاف في المتن و لذلك أوردناها من تحف العقول أيضا.

«وصيته عليه السلام لهشام وصفته للعقل»

ان الله تبارك و تعالي بشر أهل العقل و الفهم في كتابه فقال: «فبشر عبادي الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله و أولئك هم أولوا الألباب».

يا هشام بن الحكم: ان الله عزوجل أكمل للناس الحجج بالعقول و أفضي اليهم



[ صفحه 227]



بالبيان و دلهم علي ربوبيته بالأدلاء، فقال: «و الهكم اله واحد لا اله الا هو الرحمن الرحيم» «ان في خلق السموات و الأرض و اختلاف الليل و النهار» الي قوله: «لآيات لقوم يعقلون».

يا هشام قد جعل الله عزوجل ذلك دليلا علي معرفته بأن لهم مدبرا، فقال: «و سخر لكم الليل و النهار و الشمس و القمر و النجوم مسخرات بأمره ان في ذلك لآيات لقوم يعقلون» و قال: «حم - و الكتاب المبين - انا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون» و قال: «و من آياته يريكم البرق خوفا و طمعا و ينزل من السماء ماء فيحيي الأرض بعد موتها ان في ذلك لآيات لقوم يعقلون».

يا هشام ثم وعظ أهل العقل و رغبهم في الآخرة فقال: «و ما الحياة الدنيا الا لعب و لهو و للدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون». و قال: «و ما أوتيتم من شي ء فمتاع الحيوة الدنيا و زينتها و ما عند الله خير و أبقي أفلا تعقلون».

يا هشام ثم خوف الذين لا يعقلون عذابه فقال عزوجل: «ثم دمرنا الآخرين و انكم لتمرون عليهم مصبحين و بالليل أفلا تعقلون».

يا هشام: ثم بين أن العقل مع العلم فقال: «و تلك الأمثال نضربها للناس و ما يعقلها الا العالمون».

يا هشام: ثم ذم الذين لا يعقلون فقال: «و اذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا و لا يهتدون» و قال: «ان شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون». و قال: «و لئن سألتهم من خلف السموات و الأرض ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعقلون».

ثم ذم الكثرة فقال: «و ان تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله».

و قال: و لكن أكثرهم لا يعلمون» و «و أكثرهم لا يشعرون».

يا هشام: ثم مدح القلة فقال: «و قليل من عبادي الشكور». و قال: «و قليل ما هم». و قال: «و ما آمن معه الا قليل».

يا هشام: ثم ذكر أولي الألباب بأحسن الذكر و حلاهم بأحسن الحلية، فقال:



[ صفحه 228]



«يؤتي الحكمة من يشاء و من يؤت الحكمة فقد أؤتي خيرا كثيرا و ما يذكر الا أولوا الألباب».

يا هشام: ان الله يقول: «ان في ذلك لذكري لمن كان له قلب». يعني العقل. و قال: «و لقد آتينا لقمان الحكمة». قال: الفهم و العقل.

يا هشام: ان لقمان قال لابنه: «تواضع للحق تكن أعقل الناس. يا بني ان الدنيا بحر عميق قد غرق فيه عالم كثير فلتكن سفينتك فيها تقوي الله و حشوها الايمان، و شراعها التوكل، و قيمها العقل، و دليلها العلم و سكانها الصبر».

يا هشام: لكل شي ء دليل، و دليل العاقل التفكر، و دليل التفكر الصمت، و لكل شي ء مطية، و مطية العاقل التواضع. و كفي بك جهلا أن تركب ما نهيت عنه.يا هشام: لو كان في يدك جوزة و قال الناس [في يدك] لؤلؤة ما كان ينفعك و أنت تعلم أنها جوزة. و لو كان في يدك لؤلؤة، و قال الناس: انها جوزة ما ضرك و أنت تعلم أنها لؤلؤة.

يا هشام: ما بعث الله أنبياءه و رسوله الي عباده الا ليعقلوا عن الله، فأحسنهم استجابة أحسنهم معرفة لله، و أعلم بأمر الله أحسنهم عقلا، و أعقلهم أرفعهم درجة في الدنيا و الآخرة.

يا هشام: ما من عبد الا و ملك آخذ بناصيته، فلا يتواضع الا رفعه الله و لا يتعاظم الا وضعه الله.

يا هشام: ان لله علي الناس حجتين: حجة ظاهرة و حجة باطنة، فأما الظاهرة فالرسل و الأنبياء و الأئمة، و أما الباطنة فالعقول.

يا هشام: ان العاقل الذي لا يشغل الحلال شكره و لا يغلب الحرام صبره.

يا هشام: من سلط ثلاثا علي ثلاث فكأنما أعلن هواه علي هدم عقله: من أظلم نور فكره بطول أمله، و محا طرائف حكمته بفضول كلامه، و أطفأ نور عبرته بشهوات نفسه، فكأنما أعان هواه علي هدم عقله، و من هدم عقله أفسد عليه دينه و دنياه.

يا هشام: كيف يزكو عند الله عملك و أنت قد شغلت عقلك عن امر ربك و اطعت



[ صفحه 229]



هواك علي غلبة عقلك.

يا هشام: الصبر علي الوحدة علامة قوة العقل، فمن عقل عن الله تبارك و تعالي اعتزل أهل الدنيا و الراغبين فيها و رغب فيما عند ربه [و كان الله] آنسه في الوحشة و صاحبه في الوحدة، و غناه في العيلة و معزه في غير عشيرة.

يا هشام: نصب الخلق لطاعة الله. و لا نجاة الا بالطاعة. و الطاعة بالعلم. و العلم بالتعلم. و التعلم بالعقل يعتقد. و لا علم الا من عالم رباني. و معرفة العالم بالعقل.

يا هشام: قليل العمل من العاقل مقبول مضاعف، و كثير العمل من أهل الهوي و الجهل مردود.

يا هشام: ان العاقل رضي بالدون من الدنيا مع الحكمة، و لم يرض بالدون من الحكمة مع الدنيا، فذلك ربحت تجارتهم.

يا هشام: ان كان يغنيك ما يكفيك فادن ما في الدنيا يكفيك. و ان كان لا يغنيك ما يكفيك فليس شي ء من الدنيا يغنيك.

يا هشام: ان العقلاء تركوا فضول الدنيا فكيف الذنوب، و ترك الدنيا من الفضل و ترك الذنوب من الفرض.

يا هشام: ان العقلاء زهدوا في الدنيا و رغبوا في الآخرة، لأنهم علموا أن الدنيا طالبة و مطلوبة، و الآخرة طالبة و مطلوبة، فمن طلب الآخرة طبته الدنيا حتي يستوفي منها رزقه و من طلب الدنيا طلبته الآخرة فيأتيه الموت فيفسد عليه دنياه و آخرته.

يا هشام: من أراد الغني بلا مال و راحة القلب من الحسد و السلامة في الدين، فليتضرع الي الله في مسألته بأن يكمل عقله، فمن عقل قنع بما يكفيه، و من قنع بما يكفيه استغني و من لم يقنع بما يكفيه لم يدرك الغني أبدا.

يا هشام: ان الله جل و عز حكي عن قوم صالحين أنهم قالوا: «ربنا لا تزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا و هب لنا من لدنك رحمة انك أنت الوهاب» حين علموا أن القلوب تزيغ و تعود الي عماها و رداها. انه لم يخف الله من لم يعقل عن الله و من لم يعقل عن الله لم يعقد قلبه علي معرفة ثابتة يبصرها و يجد حقيقتها في قلبه. و لا يكون أحد كذلك الا من



[ صفحه 230]



فان ما هو آت من الدنيا، كما ولي منها، فاعتبر بها.

قال علي بن الحسين عليهماالسلام: «ان جميع ما طلعت عليه الشمس في مشارق الأرض و مغاربها بحرها و برها و سلهلها و جبلها عند ولي من أولياء الله و أهل المعرفة بحق الله كفيي ء الظلال.

ثم قال عليه السلام: أو لا حر يدع [هذه] اللماظة لأهلها - يعني الدنيا - فليس لأنفسكم ثمن الا الجنة فلا تبيعوها بغيرها، فانه من رضي من الله بالدنيا فقد رضي بالخسيس».

يا هشام: ان كل الناس يبصر النجوم، و لكن لا يهتدي بها الا من يعرف مجاريها و منازلها. و كذلك أنتم تدرسون الحكمة، و لكن لا يهتدي بها منكم الا من عمل بها.

يا هشام: ان المسيح عليه السلام قال للحواريين: «يا عبيد السوء يهولكم طول النخلة و تذكرون شوكها و مؤونة مراقيها و تنسون طيب ثمرها و مرافقها. كذلك تذكرون مؤونة عمل الآخرة فيطول عليكم أمده، و تنسون ما تفضون اليه من نعيمها و نورها و ثمرها.

يا عبيد السوء نقوا القمح و طيبوه وأدقوا طحنه تجدوا طعمه و يهنئكم أكله، كذلك فأخلصوا الايمان و أكملوه تجدوا حلاوته و ينفعكم غبه، بحق أقول لكم: لو وجدتم سراجا يتوقد بالقطران في ليلة مظلمة لاستضأتم به و لم يمنعكم منه ريح نتنة. كذلك ينبغي لكم أن تأخذوا الحكمة ممن وجدتموها معه و لا يمنعكم منه سوء رغبتة فيها. يا عبيد الدنيا بحق أقول كلم: لا تدركون شرف الآخرة الا بترك ما تحبون، فلا تنظروا بالتوبة غدا، فان دون غد يوما و ليلة و قضاء الله فيهما يغدو و يروح.

بحق أقول لكم: ان من ليس عليه دين من الناس أروح و أقل هما ممن عليه الدين و ان أحسن القضاء. و كذلك من لم يعمل الخطيئة أروح هما ممن عمل الخطيئة و ان أخلص التوبة و أناب. و ان صغار الذنوب و محقراتها من مكائد ابليس، يحقرها لكم و يصغرها في أعينكم فتجمع و تكثر فتحيط بكم. بحق أقول لكم: ان الناس في الحكمة رجلان: فرجل أتقنها بقوله و صدقها بفعله. و رجل أتقنها بقوله و ضيعها بسوء فعله،



[ صفحه 231]



المستشير قضاء لحق النعمة، و كف الأذي من كمال العقل و فيه راحة البدن عاجلا و آجلا».

يا هشام: ان العاقل لا يحدث من يخاف تكذيبه، و لا يسأل من يخاف منعه،و لا يعد ما لا يقدر عليه، و لا يرجو ما يعنف برجائه. و لا يتقدم علي ما يخاف العجز عنه. و كان أميرالمؤمنين عليه السلام يوصي أصحابه يقول: «اوصيكم بالخشية من الله في السر و العلانية، و العدل في الرضا و الغضب، و الاكتساب في الفقر و الغني، و أن تصلوا من قطعكم، و تعفوا عن ظلمكم، و تعطفوا علي من حرمكم، و ليكن نظر كم عبرا، و صمتكم فكرا، و قولكم ذكرا، و طبيعتكم السخاء، فانه لا يدخل الجنة بخيل، و لا يدخل النار سخي».

يا هشام: رحم الله من استحيا من الله حق الحياء، فحفظ الرأس و ما حوي، و البطن و ما وعي، و ذكر الموت و البلي، و علم أن الجنة محفوفة بالمكاره، و النار محفوفة بالشهوات.

يا هشام: من كف نفسه عن أعراض الناس أقاله الله عثرته يوم القيامة، و من كف غضبه عن الناس كف الله عنه غضبه يوم القيامة.

يا هشام: ان العاقل لا يكذب، و ان كان فيه هواه.

يا هشام: وجد في ذوابة سيف رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم ان أعتي الناس علي الله من ضرب غير ضاربه و قتل غير قاتله، و من تولي غير مواليه فهو كافر بما أنزل الله علي نبيه محمد صلي الله عليه و آله و سلم و من أحدث حدثا، أو آوي محدثا لم يقبل الله منه يوم القيامة صرفا و لا عدلا.

يا هشام: أفضل ما يتقرب به العبد الي الله بعد المعرفة به الصلاة و بر الوالدين، و ترك الحسد و العجب و الفخر.

يا هشام: أصلح أيامك، الذي هو أمامك، فانظر أي يوم هو و أعد له الجواب، فانك موقوف و مسؤول، و خذ موعظتك من الدهر و أهله، فان الدهر طويلة قصيرة فاعمل كأنك تري ثواب عملك لتكون أطمع في ذلك، و اعقل عن الله و انظر في تصرف الدهر و أحواله،



[ صفحه 232]



كان قوله لفعله مصدقا و سره لعلانية موافقا، لأن الله لم يدل علي الباطل الخفي من العقل الا بظاهر منه و ناطق عنه.

يا هشام: كان أميرالمؤمنين عليه السلام يقول: ما من شي ء عبدالله به أفضل من العقل. و ما تم عقل امري ء حتي يكون فيه خصال شتي، الكفر و الشر منه مأمونان، و الرشد و الخير منه مأمولان، و فضل ماله مبذول، و فضل قوله مكفوف، نصيبه من الدنيا القوت، و لا يشبع من العلم دهره.

الذل أحب اليه مع الله من العز مع غيره، و التواضع أحب اليه من الشرف، يستكثر قليل المعروف من غيره و يستقل كثير المعروف من نفسه، و يري الناس كلهم خيرا منه و أنه شرهم في نفسه و هو تمام الأمر.

يا هشام: من صدق لسانه زكي عمله، و من حسنت نيته زيد في رزقه، و من حسن بره باخوانه و أهله مد في عمره.

يا هشام: لا تمنحوا الجهال الحكمة فتظلموها، و لا تمنعوها أهلها فتظلموهم.

يا هشام: كما تركوا لكم الحكمة فاتركوا لهم الدنيا.

يا هشام: لا دين لمن لا مروة له، و لا مروة لمن لا عقل له، و ان أعظم الناس قدرا الذي لا يري الدنيا لنفسه خطرا، أما ان أبدانكم ليس لها ثمن الا الجنة، فلا تبيعوها بغيرها.

يا هشام: ان أميرالمؤمنين عليه السلام كان يقول: «لا يجلس في صدر المجلس الا رجل فيه ثلاث خصال: يجيب اذا سئل و ينطق اذا عجز القوم عن الكلام، و يشير بالرأي الذي فيه صلاح أهله، فمن لم يكن فيه شي ء منهن فجلس فهو أحمق». و قال الحسن بن علي عليهماالسلام: «اذا طلبتم الحوائج فاطلبوها من أهلها».

قيل يا ابن رسول الله و من أهلها؟ قال: «الذين قص الله في كتابه و ذكرهم، فقال: «انما يتذكروا اولوا الألباب» قال: هم أولوا العقول».

قال علي بن الحسين عليهماالسلام: «مجالسة الصالحين داعية الي الصلاح. و أدب العلماء زيادة في العقل، و طاعة ولاة العدل تمام العز و استثمار المال تمام المروة، و ارشاد



[ صفحه 233]



فشتان بينهما.

فطوبي للعلماء بالفعل، و ويل للعلماء بالقول. يا عبيد السوء اتخذوا مساجد ربكم سجونا لأجسادكم و جباهكم. و اجعلوا قلوبكم بيوتا للتقوي. و لا تجعلوا قلوبكم مأوي للشهوات، ان أجزعكم عند البلاء لأشدكم حبا للدنيا، و ان أصبركم علي البلاء لأزهدكم في الدنيا.

يا عبيد السوء لا تكونوا شبيها بالحداء الخاطفة، و لا بالثعالب الخادعة و لا بالذئاب الغادرة و لا بالاسد العاتية كما تفعل بالفراس. كذلك تفعلون بالناس، فريق تخطفون و فريقا تخدعون و فريقا تغدرون بهم. بحق أقول لكم: لا يغني عن الجسد أن يكون ظاهره صحيحا و باطنه فاسدا. كذلك لا تغني أجسادكم التي قد أعجبتكم و قد فسدت قلوبكم. و ما يغني عنكم أن تنقوا جلودكم و قلوبكم دنسة.لا تكونوا كالمنخل يخرج منه الدقيق الطيب و يمسك النخالة. كذلك أنتم تخرجون الحكمة من أفواهكم و يبقي الغل في صدروكم. يا عبيد الدنيا انما مثلكم مثل السراج يضيي ء للناس و يحرق نفسه. يا بني اسرائيل زاحموا العلماء في مجالسهم و لو جثوا علي الركب، فان الله يحيي القلوب الميتة بنور الحكمة كما يحيي الأرض الميتة بوابل المطر».

يا هشام: مكتوب في الانجيل «طوبي للمتراحمين، أولئك هم المرحومون يوم القيامة طوبي للمصلحين بين الناس، أولئك هم المقربون يوم القيامة. طوبي للمطهرة قلوبهم، أولئك هم المتقون يوم القيامة. طوبي للمتواضعين في الدنيا، أولئك يرتقون منابر الملك يوم القيامة».

يا هشام: قلة المنطق حكيم عظيم. فعليكم بالصمت، فانه دعة حسنة و قلة و زر و خفة من الذنوب. فحصنوا باب الحلم، فان بابه الصبر. و ان الله عزوجل يبغض الضحاك من غير عجب و المشاء الي غير أرب. و يجب علي الوالي أن يكون كالراعي لا يغفل عن رعيته و لا يتكبر عليهم. فاستحيوا من الله في سرائركم، كما تستحيون من الناس في علانيتكم. و اعلموا أن الكلمة من الحكمة ضالة المؤمن، فعليكم بالعلم قبل



[ صفحه 234]



أن يرفع و رفعه غيبة عالمكم بين أظهركم.

يا هشام: تعلم من العلم ماجهلت. و علم الجاهل مما علمت. عظم العالم لعلمه و دع منازعته. و صغر الجاهل الجهله و لا تطرده ولكن قربه و علمه.

يا هشام: ان كل نعمة عجزت عن شكرها بمنزلة سيئة تؤاخذ بها. و قال أميرالمؤمنين صلوات الله عليه: «ان لله عبادا كسرت قلوبهم خشيته فأسكتتهم عن المنطق و انهم لفصحاء عقلاء، يستبقون الي الله بالأعمال الزكية، لا يستكثرون له الكثير و لا يرضون لهم من أنفسهم بالقليل. يرون في أنفسهم أنهم أشرار و أنهم لا كياس و أبرار».

يا هشام: الحياء من الايمان و الايمان في الجنة و البذاء من الجفاء و الجفاء في النار.

يا هشام: المتكلمون ثلاثة: فرابح و سالم و شاجب، فأما الرابح فاذاكر لله. و أما السالم فالساكت. و أما الشاجب فالذي يخوض في الباطل، ان الله حرما الجنة علي كل فاحش بذي قليل الحياء لا يبالي ما قال و لا ما قيل فيه. و كان أبوذر - رضي الله عنه - يقول: «يا مبتغي العلم ان هذا اللسان مفتاح خير و مفتاح شر، فاختم علي فيك كما تختم علي ذهبك و ورقك ».

يا هشام: بئس العبد عبد يكون ذا وجهين و ذا لسانين، يطري أخاه اذا شاهده و يأكله اذا غاب عنه، ان اعطي حسده و ان ابتلي خذله. ان أسرع الخير ثوابا البر. و أسرع الشر عقوبة البغي. و ان شر عباد الله من تكره مجالسته لفحشه. و هل يكب الناس علي مناخرهم في النار الا حصائد ألسنتهم. و من حسن اسلام المرء ترك ما لا يعنيه.

يا هشام: لا يكون الرجل مؤمنا حتي يكون خائفا راجيا. و لا يكون خائفا راجبا حتي يكون عاملا لا يخاف و يرجو.

يا هشام: قال الله جل وعز: و عزتي و جلالي و عظمتي و قدرتي و بهائي و علوي في مكاني لا يؤثر عبد هواي علي هواه الا جعلت الغني في نفسه. و همه في آخرته. و كففت عليه [في] ضيعته. و ضمنت السماوات و الأرض رزقه و كنت له من وراء تجارة كل تاجر.

يا هشام: الغضب مفتاح الشر. و أكمل المؤمنين ايمانا أحسنهم خلقا. و ان خالطت



[ صفحه 235]



الناس فان استطعت أن لا تخالط أحدا منهم الا من كانت يدك عليه العليا فافعل.

يا هشام: عليك بالرفق، فان الرفق يمن و الخرق شوم، ان الرفق و البر و حسن الخلق يعمر الديار و يزيد في الرزق.

يا هشام: قول الله: «هل جزاء الاحسان الا الاحسان» جرت في المؤمن و الكافر و البر و الفاجر. من صنع اليه معروف عليه أن يكافي ء به. و ليست المكافأة أن تصنع كما صنع حتي ترك فضلك. فان صنعت كما صنع فله الفضل بالابتداء.

يا هشام: ان مثل الدنيا مثل الحية مسها لين و في جوفها السم القاتل، يحذرها الرجال ذووا العقول و يهوي اليها الصبيان بأيديهم.

يا هشام: اصبر علي طاعة الله و اصبر عن معاصي الله، فانما الدنيا ساعة، فما مضي منها فليس تجد له سرورا و لا حزنا. و ما لم يأت منها فليس تعرفه، فاصبر علي تلك الساعة التي أنت فيها فكأنك قد اغتبطت.

يا هشام: مثل الدنيا مثل ماء البحر كلما شرب منه العطشان ازداد عطشا حتي يقتله.

يا هشام: اياك و الكبر، فانه لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من كبر. الكبر رداء الله، فمن نازعه رداءه أكبه الله في النار علي وجهه.

يا هشام: ليس منا من لم يحاسب نفسه من كل يوم، فان عمل حسنا استزاد منه. و ان عمل سيئا استغفر الله منه و تاب اليه.

يا هشام: تمثلت الدنيا للمسيح عليه السلام في صورة امرأة زرقاء فقال لها: كم تزوجت؟ فقالت: كثيرا، قال: فكل طلقك؟ قالت: لا بل كلا قتلت. قال المسيح عليه السلام: فويح لازواجك الباقين، كيف لا يعتبرون بالماضين.

يا هشام: ان ضوء الجسد في عينه، فان كان البصر مضيئا استضاء الجسد كله. و ان ضوء الروح العقل، فاذا كان العبد عاقلا كان عالما بربه و اذا كان عالما بربه أبصر دينه. و ان كان جاهلا بربه لم يقم له دين.و كما لا يقوم الجسد الا بالنفس الحية، فكذلك لا يقوم الدين الا بالنية الصادقة: و لا تثبت النية الصادقة الا بالعقل.



[ صفحه 236]



يا هشام: ان الزرع ينبت في السهل و لا ينبت في الصفا. فكذلك الحكمة تعمر في قلب المتواضع و لا تعمر في قلب المتكبر الجبار، لأن الله جعل التواضع آلة العقل و جعل التكبر من آلة الجهل، ألم تعلم أن من شمخ الي السقف برأسه شجه. و من خفض رأسه استظل تحته و أكنه. و كذلك من لم يتواضع لله خفضه الله. و من تواضع لله رفعه.

يا هشام: ما أقبح الفقر بعد الغني، و أقبح الخطيئة بعد النسك. و أقبح من ذلك العابد لله ثم يترك عبادته.

يا هشام: لا خير في العيش الا لرجلين : لمستمع واع. و عالم ناطق.

يا هشام: ما قسم بين العباد أفضل من العقل. نوم العاقل أفضل من سهر الجاهل و ما بعث الله نبياً الا عاقلاً حتي يكون عقله أفضل من جميع جهد المجتهدين. و ما أدي العبد فريضة من فرائض الله حتي عقل عنه.

يا هشام: قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: اذا رأيتم المؤمن صموتاً فادنوا منه، فانه يلقي الحكمة. و المؤمن قليل الكلام كثير العمل و المنافق كثير الكلام قليل العمل.

يا هشام: أوحي تعالي الله الي داود عليه السلام قل لعبادي: لا يجعلوا بيني و بينهم عالماً مفتوناً بالدنيا فيصدهم عن ذكري و عن طريق محبتي و مناجاتي، اولئك قطاع الطريق من عبادي، ان أدني ما أنا صانع بهم أن أنزع حلاوة محبتي و مناجاتي من قلوبهم.

يا هشام: من تعظم في نفسه لعنته ملائكة المساء و ملائكة الأرض. و من تكبر علي اخوانه و استطال عليهم فقد ضاد الله و من ادعي ما ليس له فهو أعني لغير رشده.

يا هشام: أوحي الله تعالي الي داود عليه السلام يا داود حذر، فأنذر أصحابك عن حب الشهوات، فان المعلقة قلوبهم بشهوات الدنيا قلوبهم محجوبة عني.

يا هشام: اياك و الكبر علي أوليائي و الاستطالة بعلمك فيمقتك الله، فلا تنفعك بعد مقته دنياك و لا آخرتك. و كن في الدنيا كساكن دار ليست له، انما ينتظر الرحيل.

يا هشام: مجالسة أهل الدين شرف الدنيا و الآخرة. و مشاورة العاقل الناصح يمن و بركة و رشد و توفيق من الله، فاذا أشار عليك العاقل الناصح فاياك و الخلاف فان في



[ صفحه 237]



ذلك العطب.

يا هشام: اياك و مخالطة الناس و الانس بهم الا أن تجد منهم عاقلاً و مأموناً فآنس به واهرب من سايرهم كهربك من السباع الضارية. و ينبغي للعاقل اذا عمل عملاً أن يستحيي من الله. و اذا تفرد له بالنعم أن يشارك في عمليه أحداً غيره. و اذا مر بك أمران لا تدري أيهما خير و أصوب، فأنظر أيهما أقرب الي هواك فخالفه، فان كثير الصواب في مخالفة هواك. و اياك أن تغلب الحكمة و تضعها في الجهالة.

قال هشام: فقلت له: فان وجدت رجلا طالبا له غير أن عقله لا يتسع لضبط ما ألقي اليه؟ قال عليه السلام: فتلطت له في النصيحة، فان ضاق قلبه [ف] لا تعرضن نفسك للفتنة. و احذر رد المتكبرين، فان العلم يذل علي أن يملي علي من لا يفيق. قلت: فان لم أجد من يعقل السؤال عنها؟

قال عليه السلام: فاغتنم جهله عن السؤال حتي تسلم من فتنة القول و عظيم فتنة الرد. و اعلم ان الله لم يرفع المتواضعين بقدر تواضعهم و لكن رفعهم بقدر عظمته و مجده. و لم يؤمن الخائفين بقدر خوفهم و لكن آمنهم بقدر كرمه و جوده. و لم يفرج المحزونين بقدر حزنهم و لكن بقدر رأفته و رحمته.

فما ظنك بالرؤوف الرحيم الذي يتودد الي من يؤذيه بأوليائه، فكيف بمن يؤذي فيه. و ما ظنك بالتواب الرحيم الذي يتوب علي من يعاديه، فكيف بمن يترضاه و يختار عداوة الخلق فيه.

يا هشام: من أحب الدنيا ذهب خوف الآخرة من قلبه و ما أوتي عبد علما فازداد للدنيا حبا الا ازداد من الله بعدا و ازداد الله عليه غضبا.

يا هشام: ان العاقل البيب من ترك ما لا طاقة له به. و أكثر الصواب في خلاف الهوي. و من طال أمله ساء عمله.

يا هشام: لو رأيت مسير الأجل لألهاك عن الأمل.

يا هشام:اياك و الطمع. و عليك باليأس مما في أيدي الناس. و أمت الطمع من المخلوقين، فان الطمع مفتاح للذل و اختلاس العقل و اختلاق المروات. و تدنيس



[ صفحه 238]



العرض. و الذهاب بالعلم و عليك بالاعتصام بربك و التوكل عليه و جاهد نفسك لتردها عن هواها، فانه واجب عليك كجهاد عدوك. قال هشام: فقلت له فأي الاعداء أوجبهم مجاهدة؟

قال عليه السلام: أقربهم اليك و أعداهم لك و أضرهم بك و أعظمهم لك عداة و أخفاهم لك شخصا مع دنوه منك. و من يحرض أعداءك عليك و هو ابليس الموكل بوسواس [من] القلوب فله فلتشتد عداوتك. و لا يكونن أصبر علي مجاهدتك لهلكتك منك علي صبرك لمجاهدته، فانه أضعف منك ركنا في قوته و أقل منك ضررا في كثرة شره. اذا أنت اعتصمت بالله فقد هديت الي صراط مستقيم.

يا هشام: من أكرمه الله بثلاث فقد لطف له: عقل يكفيه مؤونة هواه. و علم يكفيه مؤونة جهله و غني يكفيه مخافة الفقر.

يا هشام: احذر هذه الدنيا و احذر أهلها، فان الناس فيها علي أربعة أصناف: رجل متردي معانق لهواه. و متعلم مقري كلما ازداد علما ازداد كبرا. يستعلي بقراءته و علمه علي من هو دونه. و عابد جاهل يستصغر من هو دونه في عبادته يحب أن يعظم و يوقر. و ذي بصيرة عالم عارف بطريق الحق يحب القيام به، فهو عاجز أو مغلوب و لا يقدر علي القيام بما يعرف [ه] فهو محزون، مغموم بذلك، فهو أمثل أهل زمانه و أوجههم عقلا.

يا هشام: أعرف العقل و جنده، و الجهل و جنده تكن من المهتدين، قال هشام: فقلت: جعلت فداك لا نعرف الا ما عرفتنا؟

فقال عليه السلام: يا هشام: ان الله خلق العقل وهو أول خلق خلقه الله من الروحانيين عن يمين العرش من نوره فقال له: أدبر، فأدبر. ثم قال له: أقبل، فأقبل. فقال الله جل و عز: خلقتك خلقا [عظيما] و كرمتك علي جميع خلقي. ثم خلق الجهل من البحر الاجاج الظلماني، فقال له: أدبر، فأدبر. ثم قال له: أقبل، فلم يقبل.

فقال له: استكبرت فلعنه. ثم جعل للعقل خمسة و سبعين جندا، فلما رأي الجهل ما كرم لله به العقل و ما أعطاه أضمر له العداوة فقال الجهل: يا رب هذا خلق مثلي خلقته و كرمته و قويته و أنا ضده و لا قوة لي به أعطني من الجند مثل ما أعطيته؟ فقال



[ صفحه 239]



تبارك و تعالي: نعم، فان عصيتني بعد ذلك أخرجتك و جندك من جواري و من رحمتي، فقال: قد رضيت. فأعطاه الله خمسة و سبعين جندا فكان مما أعطي العقل من الخمسة و السبعين جندا: الخير و هو وزير العقل و جعل ضده الشر و هو وزير الجهل.

«جنود العقل و الجهل»

الايمان، الكفر، التصديق، التكذيب، الاخلاص، النفاق، الرجاء، القنوط، العدل، الجور، الرضي، السخط، الشكر، الكفران، اليأس، الطمع، التوكل، الحرص، الرأفة، الغلظة، العلم، الجهل، العفة، التهتك، الزهد، الرغبة، الرفق، الخرق، الرهبة، الجرأة، التواضع، الكبر، التؤدة، العجلة، الحلم، السفه، الصمت، الهذر، الاستسلام، الاستكبار، التسليم، التجبر، العفو، الحقد، الرحمة، القسوة، اليقين، الشك، الصبر، الجزع، الصفح، الانتقام، الغني، الفقر، التفكر، السهو، الحفظ، النسيان، التواصل، القطيعة، القناعة، الشره، المؤاساة، المنع، المودة، العداوة، الوفاء، الغدر، الطاعة، المعصية، الخضوع، التطاول، السلامة، البلاء، الفهم، الغباوة، المعرفة، الانكار، المداراة، المكاشفة، سلامة، الغيب، المماكرة، الكتمان، الافشاء، البر، العقوق، الحقيقة، التسويف، المعروف، المنكر، التقية، الاذاعة، الانصاف، الظلم، التقي، الحسد، النظافة، القذر، الحياء، القحة، القصد، الاسراف، الراحة، التعب، السهولة، الصعوبة، العافية، البلوي، القوام، المكاثرة، الحكمة، الهوي، الوقار، الخفة، السعادة، الشقاء، التوبة، الاصرار، المحافظة، التهاون، الدعاء، الاستنكاف، النشاط، الكسل، الفرح، الحزن، الألفة، الفرقة، السخاء، البخل، الخشوع، العجب، صون، الحديث، النميمة، الاستغفار، الاغترار، الكياسة، الحمق.

يا هشام: لا تجمع هذه الخصال الا لنبي أو وصي أو مؤمن امتحن الله قلبه الايمان، و أما ساير ذلك من المؤمنين فان أحدهم لا يخلو من أن يكون فيه بعض هذه الجنود من أجناد العقل حتي يستكمل العقل و يتخلص من جنود الجهل، فعند ذلك يكون في



[ صفحه 240]



الدرجة العليا مع الأنبياء و الأوصياء (ع)، و فقنا الله و اياكم لطاعته [2] .

3 - روي البرقي عن محمد بن عيسي اليقطيني، عن عبيدالله بن عبدالله الدهقان، عن درست بن أبي منصور الواسطي، عن ابراهيم بن عبدالحميد، عن أبي الحسن موسي بن جعفر عليهماالسلام قال: ما بعث الله نبيا قط الا عاقلا، و بعض النبيين أرجح من بعض، و ما استخلف داود سليمان حتي اختبر عقله، و استخلف داود سليمان و هو ابن ثلاثة عشر سنة، و ملك ذو القرنين و هو ابن اثني عشر سنة، و مكث في ملكله ثلاثين سنة [3] .



[ صفحه 243]




پاورقي

[1] الكافي: 1 / 20 - 13.

[2] تحف العقول: 283: 296.

[3] المحاسن: 193.