بازگشت

خواص القمح الطبية


تشكل الحبوب و مشتقاتها جانبا بالغ الأهمية في غذاء الانسان، لا سيما في البلاد الشرقية التي تفننت في استغلال هذه الحبوب و اصطناع أنواع مختلفة من الأطعمة والأغذية منها.

و أهم هذه الحبوب: القمح لذي يعتبر من أقدم ما عرفه الانسان من الغذاء لا سيما في منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط، و يعود عهد الانسان به الي العصر الباليوليتي (الحجري). و في الحفريات الأثرية التي تمت في بعض البلدان كان للقمح نصيب عظيم من احترام الناس و تقديرهم و اعتبارهم اياه نباتا مباركا يستحق التقديس والتوقير.

تتألف حبة القمح من غلاف خارجي ينبذ بعد الطحن و يؤلف 9 درصد من وزن القمح و هو ما يسمي: بالنخالة. و تلي الغلاف الخارجي طبقة رقيقة جدا تؤلف



[ صفحه 177]



3درصد من وزن الحبة وهي تحتوي علي عنصر الآزوت، أما ما يتبقي من الحبة فهو الطبقة الداخلية النشوية، و هي قوام الدقيق الأبيض الصافي، و هذه الطبقة تشغل 85 درصد من وزن الحبة، ثم الرشيم أو جنين القمح و هو قسم صغير يتمركز في زاوية من زوايا حبة القمح و يألف 4 درصد من وزنها، و هو لا يكاد يري بالعين المجردة الا بصعوبة ولكننا نستطيع تمييزه و تحسسه اذا ابتل القمح بالماء أو أصابته رطوبة، لأن الرشيم. اذا ذاك - يذرقونه كما يرفع رشيم البطاطا رأسه اذا ما خزنت في مكان رطب ندي.

و يتألف الخبز الأسمر (رأسه بعبه) من طحن حبوب القمح كاملة، أي بأغلفتها و أجنتها و طبقاتها الداخلية.

و يعتبر رشيم القمح أغني أجزائه بالفيتامينات والمعادن، ويليه الغلاف الخارجي (النخالة)، أما الطبقة الداخلية المؤلفة لقوام الحبة فهي خالية من جميع هذه العناصر عدا النشا.

تحتوي النخالة علي الفيتامين (ب 1، B1)، والفيتامين (ب 2، B2)، و (ب 6، B6) (ب، PP) والفيتامين (ه E). و علي هذا فان تناول الخبز الأسمر المصنوع من الحبوب بكاملها يفي آكليه شر مرض «البري بري» والتهاب الأعصاب، والبلاغرا، كما يهبهم القوة والنشاط والاخصاب نظرا لوجود الفيتامين (ه - E) المنشط الجنسي الممتاز. أما الخبز الأبيض المصنوع من الدقيق الخالي من النخالة فهو خال من الفيتامينات.

لقد تبين أن الطبقة الخارجية من القمح تحتوي علي الفوسفور الذي يغذي الدماغ والأعصاب والأجهزة التناسلية و يقويها، كما يحتوي علي الحديد الذي يهب الدم القوة والحيوية والأوكسيجين،والكالسيوم الذي يبني العظام و يقوي الأسنان، و علي السليكون الذي يقوي الشعر و بزيدة قوة ولمعانا، واليود الذي يعدل عمل الغدة الدرقية و يضفي علي آكله السكينة والهدوء، والبوتاسيوم والصوديوم والمغنزيوم تلك العناصر التي تدخل في تكوين الأنسجة والعصارات الهاضمة.

وبناء علي هذا الاكتشاف راح العلماء ينشرون الأبحاث المطولة منددين بالخبز (العصري) الخالي من النخالة، حاثين الناس علي العودة الي الخبز الأسمر



[ صفحه 178]



الذي يصنع من القمح بكامله، ولكن هذه الدعوة لم تلق آذانا صاغية لدي الجميع، فان منظر الرغيف الأبيض و قوامه ولونه أغرت الناس بالاقبال عليه والانصراف عن الخبز الأسمر الخشن. و قد أراد بعض المطاعم الأميركية تعويض الناس عما يفقدونه باعراضهم عن النخالة فوضعت لهم نخالة القمح في أوان زجاجية مثقوبة تشبه أواني الفلفل والملح، فاذا قدمت الشطائر (السندويش) المصنوعة من الخبز الاسفنجي الأبيض رست عليه النخالة، لاعادة الفوائد التي سلبته اياها الطريقة العصرية في اعداد الخبز.

ولقد تبين أيضا أن ما ابتليت به حضارتنا هي المطاحن الحديثة التي تسحق القمح سحقا ناعما جدا يقتل رشيم الحبة، و تفصل النخالة عن القوام الداخلي للحبوب رغم ما فيه من فوائد جمة.

ان الأطباء وعلماء التغذية ما فتئوا منذ عشرين عاما ينبهون الناس الي فوائد القمح الحقيقية التي يحرمون منها أمام أبصار الحكومات و أسماعها، حتي ان القاعدة التي يحكم الناس بها اليوم علي مدي جودة الطحين هي مدي ما في بياضه من نصاعة، خلافا للتقدير العلمي السليم.

ان فائدة النخالة ليست في فوائدها السالفة الذكر فقط، بل ان لها فوائد علاجية موصوفة.

فان مغلي النخالة يكن استعماله كمهدي ء ضد السعال والزكام الخفيف والحمضيات. و كميته هي مقدار قبضة لكل ليتر من الماء. أما في حالات القبض فان النخالة أيضا فوائدها، فان ملعقة من النخالة في كأس ماء أذيب فيه قليل من العسل مفيد جدا.

و تفيد النخالة أيضا كمهدي ء في حالات آلام تقرحات المعدة، شريطة أن يكون مغليها خفيفا جدا، كما يمكن الاستفادة من المغلي نفسه في حالة الزحار المزمنة.

اذا أردت، يا سيدتي، أن تفيدي من خواص النخالة في اكساب جلدك رونقا وبهاء، فاستعملي ماء النخالة في حمامك بالطريقة التالية:

-ضعي في قفاز من فقازات الحمام مقدار ملعقتين من نخالة القمع مع قشرة ليمونة جافة واربطي عنق القفاز ثم اتركيه يغلي مدة نصف ساعة في ليتر من الماء



[ صفحه 179]



ثم أضيفي هذا الماء الي ماء البانيو، و بعد الحمام استعملي القفاز نفسه للتفريك دون فتحه.

و هذه وصفة أخري (لحمام النخالة) ضد النقرس والروماتيزم: يوضع كيلو من النخالة في خمس ليترات من الماء و تغلي لمدة نصف ساعة ثم يضاف هذا الماء الي ماء البانيو.

أما دقيق القمح (Farine) فيستخدم كعلاج لتهيجات الجلد الملتهب، أو لمصاب بحروق أو بثور، فتصنع ضمادات منه فوق المكان المصاب، و أحيانا تعد حمامات كاملة، من الطحين في لالتهابات الجلدية الحادة.

أما حبة القمح بكاملها فهي دواء شعبي معروف ضد التهابات جلود الأطفال، فتوضع قطعة حديد فوق النار و تحمي ثم توضع فوق قليل من الحب فيخرج منه سائل تدهن به الالتهابات فورا بطرف ازصبع و تكرر العملية حتي لا يبقي أي أثر للالتهاب.

و ينادي الدكتور «ب. كارتون» بالاستفادة من رشيم القمح في علاج الخرع والتهابات الأعصاب نطرا لما يحويه من فيتامينات، ويضع قاعدة لذلك تقضي بأن يتناول المرء مقدار ملعقة من رشيم القمح لمدة أسبوع أو اثنين خلال وقعات الطعام الرئيسية مع المضغ جيدا أو طويلا، أما كيفية الحصول علي الرشيم فهي أن تأخذ قليلا من حبوب القمح فتغسلها جيدا تنقعها في الماء لمدة ساعتين أو ثلاث ثم تنشر في صحن و توضع فوقه خرقة نظيفة أو قطعة قطن معقم مبلول بالماء و تترك في مكان رطب مدة يومين أو ثلاثة أيام. و ما أن يظهر الجنين تحت القشرة حتي تغسل الحبوب و تكون عندئذ جاهزة للتناول، و يجب أن تحفظ بعيدا عن النور، و اذا شعرت بطعم حاد فيها اعمد الي غسلها مجددا.

أما النشاء الموجود في القمح فيستعمل كمسكن لالتهابات المجاري الهضمية كما يستخدم كمسحوق ضد الالتهابات كالأكزيما والحكاك.

و ماذا عن الخبز؟

يقول «بول ربو» ان الخبز المعروف حاليا ضار و مؤذ، ويجد هذا الرأي صدي مؤيدا لدي عدد كبير من الناس الذين يشكون عسر الهضم و بطأه، والحموضة المعدية والنفخة، اعتقادا منهم بأن الخبز هو سبب ما يشعرون به.



[ صفحه 180]



والواقع أن الخبز الذي لا يمضغ جيدا يتجمع في المعدة كتلة واحدة من العجين و هذا هو سبب عسرة هضمه، و استحالة نفوذ عصارات المعدة الي ذراته ما دام الماء والنشاء اللذان يحتوي عليهما يجعلانه أشبه بكتلة من الطين أو العجين، تستعصي علي المعدة فلا تتفتت و لا تتحول الي ذرات سهلة الهضم والتمثل.

ان المسؤول عن هذه الحالة هو الانسان نفسه، الذي يزدرد الخبز ازدرادا دون أن يمضغه جيدا، ساهيا عن حقيقة هامة، هي أن الخبر بما يحويه من مواد نشوية وافرة، يهضم أول ما يهضم داخل الفم بفعل الغدد اللعابية، التي تفرز خميرة «اللعابين» التي تحل المواد النشوية و تحولها من مرحلة الي أخري حتي تصبح قابلة للهضم في المعدة.. اما ان ابتلع الانسان الخبز، لا سيما الطازج منه، دون مضغ تام، فان ذرات النشاء تتجمع و تتحول الي كتل لا تستطيع الهاضمة أن تصل اليها، فيفقد حمض كلور الماء اذ ذاك قدرته علي التأثير في المواد الأزوتية الموجودة في الغذاء.

ان الخبز غذاء ممتاز لا غني عنه للانسان، و أول طرق الاستفادة منه هي مضغه مضغا جيدا.

و خلافا لا درج الناس عليه، فان الخبز الجاف أسهل هضما من الخبز الطازج، فان هذا يكون أكثر قابلة للتكتل داخل المعدة، بينما خلو الخبز الجاف من الماء يجعل العصارات المعدية تصل اليه بسهولة أكثر، و لعل هذا السبب في انتشار تناول الخبز المحمص لدي الغرب، و اصطناعه آلات منزلية خاصة لتجفيف الخبز و تحميصه، فانه يغدو أسهل تناولا بالنسبة لمن لا تقبل نفوسهم تناوله دون تحميص.