بازگشت

تاريخ الحجامة القديمة


ان أول طريقة مسجلة لتنظيف الدم هي فصد الدم التي كان يستخدمها



[ صفحه 523]



المصريون القدماء. فقد استخدمت الابر والكؤوس لهذا الغرض والتي وجدت في سراديب اثار قداء المصريين. و كانت الكؤوس تصنع عادة من قرون الأغنام مع حفر ثقوب عند أطرافها المدببة، و من خلالها يسحب الدم الي خارج الجسم بامتصاصه بواسطة الفم. و كان فصد الدم يتم بواسطة أربع طرق:

1 - من خلال الشرايين (في قسم الشرايين).

2 - من خلال الأوردة (في قسم الأوردة).

3 - من خلال الجلد (بالكؤوس).

4 - باستعمال العلق.

و لقد كتب أبوقراط (377 - 460 ق.م) الذي أشاع طريقة فصد الدم خلال العصر الكلاسيكي... كتب يقول: ان طريقة فصد الدم تحتل المكانة الأولي فيما يتعلق بمداواة قائمة طويلة من الأمراض، التي تبدأ بالصرع والسكتة الدماغية، و تصل الي الالتهاب الرئوي، و الآلام الجنبية، و كانت العملية تجري علي الذراع و غيره من أجزاء الجسم المتصلة بالعضو الملتهب، أو الذي يشكو الألم. و كانت كميات كبيرة من الدم تستخرج من الجسم لغرض العلاج، و كانت تؤدي أحيانا الي تعرض المريض للاغماء. كما سجلت الآثار أثار المينويين [1] ، وقدماء المصريين، والسومريين كانوا يقيمون الحمامات لاجراء عمليات التنظيف الطقوسية ولأغراض الاستشفاء. كما أن الجنود الرومان نقلوا تلك الطريقة الي بلادهم ابان عودتهم اليها. و يذكر أن روما وحدها كانت تضم 900 حمام عمومي تجري فيها عملية فصد الدم. أما في ايطاليا فكانت تلك العملية شائعة الاجراء خلال أيام الأحد عندما كان المستحمون - يتخلصون من الفضلات السمية والدماء الزائدة في أجسامهم. والجدير بالذكر أن تلك الحمامات كانت تقدم المطهرات القوية الي روادها فيما قبل و ما بعد اجراء عمليات فصد الدم.

ولقد ساد تأثير الطب الاغريقي في روما القديمة في أوائل عصر الامبراطور سلسوس (53 ق.م - 7 م) الذي كان يعتبر فصد الدم بمصابة الطريقة الرئيسية



[ صفحه 524]



لاستخراج الفضلات السمية من الجسم مع ملاحظة أنها استخدمت كعلاج لجميع الأمراض تقريبا. كما أن الكهنة في المعابد كانوا يجرون عملية فصد الدم و ذلك بعد أن انقضت فترة كان الجميع خلالها يعتقدون بمنافع و جدوي تلك الطريقة.

أما «أولوس كور نيليوس» Aulus Conelius (300 - 200 م) فكان يجري عملية فصد علي الأوردة، كما كان - في أفضل الأحوال - يسحب في المرة الواحدة كمية من الدم تتراوح بين 7 / 24 أوقية «وأما» «أنتيلوس» Antyllys، و هو جراح بيزنطي شهير، فكان يجري عملية فصد علي المناطق القذالية، الخلفية، والأذنية، والأمامية، والصدغية.

علي أن أكثر وسائل ازالة الفضلات السمية من الجسم شيوعا هي فصد الدم عبر الجلد الذي يعتبر أكبر أعضاء الجسم. و لقد انتشر استعمال هذه الطريقة وسجلها المسلمون تحت مسمي: «كاسات الهواء» أو «الحجامة» (حسب اللفظ العربي) أو «بيكام» Becam (في لغة ماليزيا)... و هي الطريقة التي ظلت سائدة الاستعمال حتي القرن التاسع عشر.

ففي القرن الخامس عشر أصبحت الحمامات العمومية في أوروبا مثيرة للاشمئزاز بسبب عمليات الفسق التي انتشرت بين جدرانها فنبذها الرهبان واصفين اياها بأنها «بيوت ملتهبة بالخطيئة». فقد أظهرت المطبوعات التي نشرت في تلك الفترة رسوما للرجال والنساء معا في مغاطس الحمامات، كما عرضتهم يأكلون مع بعضه البعض في غرف البخار و يشربون أو يعزفون علي الآلات الموسيقية في تلك الحمامات. و في وسط تلك المشاهد كان هناك شخص يجري فصد الدم علي يدي صاحب الحمام الذي كان - هو الآخر - حلاقا، و جراحا، و فصاد دماء. أما أطباء تلك الفترة فكانوا يتجنبون اجراء هذه العملية لا لشي ء الا لأن ممارستها لم تتطلب الحصول علي ترخيص بمزاولة الطب، ومن ثم كان يحتكر اجراءها الحلاقون، والنجارون والحدادون.

أما خلال عصر رسول الله محمد بن عبدالله صلي الله عليه و آله وسلم فقد انتشر استخدام الحجامة وحتي حلول القرن الثالث عشر للميلاد عندما انحرفت عن العلوم البحتة، و ما أن حصل عصر النهضة حتي كانت الحجامة قد ارتبطت بحميمية بعلم التنجيم، ولقد استمتع طب التنجيم بسلطة مطلقة خلال الفترة بين القرنين الثالث



[ صفحه 525]



عشر والسابع عشر لكنه تأثر - الي حد كبير - بعملية الحجامة. و نظرا لأن عملية الفصد كانت تعتبر طريقة علاج ضرورية، فقد وضع لاستخدامها نظام يعتمد علي خرائط النجوم، و كان يقال: أن كل عرق في جسم الانسان يتصل بأحد النجوم أو الكواكب... بالضبط كما يتصل مختلف أعضاء الجسم باشارات في دولاب الأبراج. و اتفاقا مع الاعتقاد السائد بأن حياة كل من أعضاء جسم الانسان محكومة بمجموعة من النجوم، فقد كان فصد الدماء يعتقدون أن باستطاعتهم تشخيص جميع الأمراض من خلال قراءة مواقع النجوم.

و كما تقول السجلات، فانه يوجد (51) موقعا يمكن اجراء فصد الدم عليها بهدف العلاج، و أن كلا من هذه النقاط تتصل بنقاط الوخز و بذلك يصل عدد مواقع فصد الدم المتاحة الي المئات. ذلك أن فصد الدم لم يكن مسبوقا - في جميع الأحوال بفحص طبي كما أنه كان يمارس لأغراض الوقاية حتي في غياب المرض.

و علي أية حال، فقد كان هناك، خلال تلك الفترة، أطباء لم ينبذوا العلاج عن طريق النجوم فحسب بل انهم رفضوا بشدة عملية فصد الدم والتقسيم الشرياني و ما تؤدي اليه عملية الفصد من اهدار مجنون للدم. بيد أن أصوات التحديث تجوهلت في النهاية و استمرت كميات الدم في التدفق من أجسام المرضي. فرغم البدايات غير العلمية لعملية فصد الدم و ارتباطها بالمجهول، فان تلك العملية أثبتت أنها جزء لا يتجزأ من عملية طويلة تفضي الي تطور الديلزة الحديثة. [2] .

أما المجال الآخر لتنظيف الجسم عبر الجلد فكان استخدام العلق Leeching الذي استورد من فرنسا لهذا الغرض. و هكذا ظلت الحمامات العمومية المستخدمة لفصد الدم في كونها جزءا لا يتجزأ من الحياة الاجتماعية. و من ثم ازدهر مع تطور صناعة أنابيب المياه في انجلترا. فقد كان المقصود من استعمالها النهوض بالصحة والراحة الجسمانية و من ثم حلت الحمامات الخصوصية محله



[ صفحه 526]



بمرور الوقت. و مع ظهور و ابتكار الكبريت والكلوروفورم في القرن التاسع عشر لم يعد هناك مجال لاجراء فصد الدم كوسيلة للعلاج. و هكذا، و علي امتداد القرنين التاسع عشر والعشرين، كانت الحجامة تترك المجال تدريجيا للتدابير الجديدة التي يستطيع الأطباء القبول باستخدامها. بيد أن الحاجة الي تنقية الدم، دون اخراجه من الجسم، أدت الي ظهور المعالجة المثلية Hacmo - dialysis مع ما طرأ عليها من تطورات مما أدي - بمرور السنين - الي ظهور الديلزة الحديثة بم تتضمنة من تعقيدات، وهيا لمعرفة لدينا في الوقت الحاضر.

بيد أن عملية الحجامة التي كانت سائدة في القرن التاسع عشر لا يزال في مؤيدوها من أمثال الدكتور هنريتش ستيرن، الذي استخدم عملية وخز الوريد، أي ادخال الابرة أو المبزل الي الوريد مباشرة بغرض سحب الدم أو الحقن في الوريد بمحلول ملحي. و بالتدريج استخدمت هذه الطريقة في الحقن في الوريد بالمحاليل والعقاقير المحافظة علي الحياة. الا أن وخز الوريد تضاءل استخدامه بظهور طرق المعالجة المثلية والمضادات الحيوية. علي أن ضرورة وجود عدد من المراجعين خلال فترة فصد الدم جعلت استخدامه قاصرة فقط علي الهيئات العامة والأشخاص الفاحشي الثراء الذين يملكون أماكن علاج خاصة بهم. و هكذا أصبح من اليسير ملاحظة كيف و لماذا وقع الموضوع في عدم الثقة و بالتالي في اساءة الاستعمال و ذلك عندما نخلط دراسة التقاليد والعادات باحدي التطلعات الشاملة التغير والتي تمخضت عن التعليم الحديث. و فيما يتعلق بمبدأ العلاج فقد ظلت الحجامة ممارسة راسخة و هي لا تزال كذلك... بين أن زمان هذه الطريقة العلاجية قد مضي.

و هكذا فان عملية كاسات الهواء التي تستخدم من الروتين العادي للحياة بهدف تخفيف الآلام والمعاناة، و وقاية الحياة من الأمراض، لا تزال تستحق - في هذا العصر الحديث - قدرا غير يسير من الاهتمام... الأمر الذي دفع بي الي هذا المجال من البحث مستخدمة نفس الفكرة ولكن. بأدوات علمية و معقمة تتفق و احتياجات المجتمع المعاصر.. و من ثم فانني أقدم «الحجامة الحديثة» كواحد من علوم العلاج الحديثة من أجل تخفيف الآلام والمعاناة، و لاستعادة نشاط الوظائف الجسمية، و أيضا للوقاية من الأمراض و علاجها، و بذلك تتحقق لنا جميعا و للأجيال القادمة الصحة الأفضل.



[ صفحه 527]




پاورقي

[1] المينويون Minoans هم أهل حضارة جزيرة كريت القديمة و عاشوا خلال الفترة من 3000 الي 1100 ق. م (المترجم).

[2] الديلزة Dialysis هي فصل المواد شبه الغروية عن المواد الأخري القابلة للذوبان و ذلك باستخدام غشاء فارز. (المترجم).