بازگشت

الخضاب في أحاديث أهل البيت


هو من السنن الشريفة، ووردت أوامر أكيدة به، و بتغيير الشيب، و عدم التشبه باليهود والنصاري والنصاب الذين ينكرون علي الشيعة استعمال الخضاب. وورد أنه من سنن المرسلين.

و أن انفاق درهم فيه أفضل من نفقة ألف درهم في سبيل الله، و أنه يطرد الريح من الاذنين، و يجلو الغشاوة عن البصر، و ينبت الشعر، و يزيد في ماء الوجه والباه ويلين الخياشيم و يطيب الريح والنكهة، و يشد اللثة، و يذهب بالضني والسهك [1] ، و يسكن الزوجة، و يحسن الولد، و يقل وسوسة الشيطان، و تفرح به الملائكة، و يستبشر به المؤمن،و يغيظ به الكافر، و هو زينة و طيب و وبراءة في قبره، و يستحي منه منكر و نكير.

و من جملة فوائد خضاب المرأة رأسها بالحناء أنه يرد الي المرأة المنقطع طمثها حيضها.

ويكره نصول الخضاب - أعني تأخيره الي أن يتبين بياض مقدار من أصول الشعر - للنهي عنه، وأنه بؤس. و كذا يكره نقش اليد بالخضاب حتي للمرأة النهي عنه.

وورد أنه انما هلكت نساء بني اسرائيل من قبل القصص ونقش الخضاب.

ويكره جماع المختضب، فان فعل ورزق ولدا كان مخنثا، و تخف الكراهة أو تزول بعد أخد الحناء مأخذه.

ويكره خضاب المجنب، فان الشيطان يحضره حينئذ، و عند جماع المختضب، ولا يؤمن عليه أن يصيبه الشيطان بسوء.

ثم ان هنا جهات من الكلام:

الأولي: أن استحباب الخضاب يعم كل شعر أبيض من الرأس كان أو اللحية، لاطلاق الأخبار الواردة في فضله، مضافا الي التنصيص بذلك في الأخبار، فقد استفاضت بأن خضاب الرأس واللحية من السنة.



[ صفحه 574]



وورد أن سيد الشهداء أرواحنا فداه كان يخضب رأسه بالوسمة. [2] .

الثانية: أن استحباب الخضاب لا يختص بالحناء، بل يعم الخضاب بكل ما يصبغ، لاطلاق جملة من الأخبار والتنصيص بذلك في جملة أخري، غاية الأمر أن كلا من الحناء والكتم - و هي الوسمة علي التحقيق مفردا و مركبا - أفضل من غيرهما، و أغلب الفوائد المزبورة ورد في الخضاب بالحناء، و من كان من الأئمة عليهم السلام يختضب كان يختضب بها تارة و بالوسمة أخري وبهما مركبا ثالثة، فالصبغ بغيرهما و ان كان يحصل به امتثال أوامر التزين للأهل و يحصل به سكون الزوجة، وفرح الملائكة، و استبشار المؤمن، و غيظ الكافر، والبراءة في القبر، و استحياء منكر و نكير، الا أن ترتب جملة أخري من الثمرات التي هي طبا و تجربة آثار الحناء والوسمة كطرد الريح من الأذنين، و جلاء البصر، و طيب الريح والنكهة،وشد اللثة... و نحو ذلك، محل تأمل، لتخلف بعض تلك الآثار عن الصبغ بالأصباغ الخالية من الحناء و الوسمة بالوجدان، و مقتضي قاعدة عدم حمل المطلق علي المقيد في السنن و ان كان هو القول بترتب تلك الآثار علي مطلق صبغ الشعر بعد اطلاق الأخبار المرتبة جميع تلك الآثار أو أغلبها علي مطلق الخضاب تارة، وعلي الخضاب بخصوص الحناء والوسمة أخري، الا أن تخلف بعض تلك الآثار عن الصبغ بغيرهما من الأصباغ بالوجدان، و انصراف الخضاب الي الصبغ بهما يثبطنا عن الالتزام بترتب جميع الآثار المزبورة علي مطلق الصبغ ولو بغيرهما، و ان كان استحباب مطلق الصبغ ولو بغيرهما، و ترتب جملة من الآثار عليه بالوجدان مما لا ينبغي التأمل فيه. مضافا الي ما ورد في مدح خصوص الحناء مثل قول النبي صلي الله عليه و آله وسلم: «الحناء خضاب الاسلام، يزيد في المؤمن عمله، و يذهب بالصداع، و يحد البصر، و يزيد في الوقاع، وهو سيد الرياحين في الدنيا والآخرة».

وقوله صلي الله عليه و آله وسلم: «ما خلق الله شجرة أحب اليه من الحناء»

الثالثة: أن استحباب الخضاب يعم الخضاب الموجب لصفرة الشعر و حمرته و سواده، لاطلاق جملة من الأخبار والتنصيص بذلك في جملة أخري،



[ صفحه 575]



غايته كون الأحمر أفضل من الأصفر، والأسود أفضل من الأحمر، لنطق جملة من الأخبار بذلك، فقد ورد أن رجلا دخل علي رسول الله صلي الله عليه و آله وسلم وقد صفر لحيته فقال له رسول الله صلي الله عليه و آله وسلم: ما أحسن هذا، ثم دخل عليه بعد هذا و قد أقني بالحناء، فتبسم رسول الله صلي الله عليه و آله وسلم و قال: هذا أحسن من ذاك، ثم دخل عليه بعد ذلك و قد خضب بالسواد، فضحك صلي الله عليه و آله وسلم اليه و قال: هذا أحسن من ذاك و ذاك.

وفي عدة أخبار أخر أنه صلي الله عليه و آله وسلم سمي الشبيه في الاسلام ب: النور، والشيبة المصبوغة بالحناء نورا و اسلاما، والمصبوغة بالسواد بعد ذلك نورا و اسلاما و ايمانا.

وورد أن الخضاب بالسواد مهابة للعدو، و مكتبة له، و أنس للنساء.

و أن رسول الله صلي الله عليه و آله وسلم أمر في بعض غزواته بأن يخضبوا بالسواد ليقووا به علي المشركين.

وورد أن الله يزيد به في عفة النساء، ولقد ترك نساء العفة بترك أزواجهن لهن التهيئة.

و أن أحب خضابكم الي الله الحالك أي الشديد السواد.

ثم أنه قد اشتهر علي الألسن أن الحناء والوسمة يزيدان في الشيب و يعجلان فيه، والقياس الطبي لعله يساعده، و أرسل رواية بأن الحناء تكثر الشيب، ولكن التجربة تشهد بخلاف ذلك، مضافا الي أنه قد قيل لمولانا باب الحوائج عليه السلام: بلغنا أن الحناء تزيد في الشيب، فقال عليه السلام: أي شي ء يزيد في الشيب؟! الشيب يزيد في كل يوم.

الرابعة: أنه لا اشكال في استحباب خضاب اليد والرجل بالحناء للنساء، ذوات بعد كن أم لا، لاطلاق الأخبار المزبورة، مضافا الي ما روي عن الصادق عليه السلام من أنه قال: لا ينبغي للمرأة أن تعطل نفسها ولو أن تعلق في عنقها قلادة، و لا ينبغي لها أن تدع يدها من الخضاب، ولو أن تمسحها بالحناء مسحا و ان كانت مسنة.

وما روي عنه عليه السلام من أنه قال: رخص رسول الله صلي الله عليه و آله وسلم للمرأة أن تخضب رأسها بالسواد، و أمر رسول الله صلي الله عليه و آله وسلم النساء بالخضاب ذات البعل و غير ذات البعل، أما ذات البعل فتتزين لزوجها، و أما غير ذات البعل فلا تشبه يدها يد الرجال.



[ صفحه 576]



وهل يستحب خضاب اليد والرجل للرجال؟ وجهان: من ظهور قوله عليه السلام: فلا تشبه يدها يد الرجال في أن وظيفة الرجال بياض اليدين. و من أعمية ذلك من عدم الاستحباب لاجتماعه مع تعارف الترك، و عدم تأكد الفعل، و اقتضاء اطلاق أخبار الخضاب للرجل والمرأة الشامل لخضاب اليد والرجل أيضا استحباب ذلك لهم أيضا، مضافا الي ما عن أبي الصباح من أني رأيت أثر الحناء في يد أبي جعفر عليه السلام.

وما عن محمد بن صدقة العنبري من أنه لما توفي أبوابراهيم موسي بن جعفر صلي الله عليه و آله وسلم كان في رجليه أثر الحناء.

و ما رواه الحكم بن عيينة قال: رأيت أباجعفر عليه السلام وقد أخذ الحناء و جعله علي أظافيره فقال: يا حكم ما تقول في هذا؟ فقلت: ما عسيت أن أقول فيه و أنت تفعله؟ و ان عندنا يفعله الشبان، فقال: يا حكم ان الأظافير اذا أصابتها النورة غيرتها حتي تشبه أظافير الموتي، فغيرها بالحناء.

و ما رواه الحسين بن موسي عن أبيه موسي بن جعفر صلي الله عليه و آله وسلم أنه خرج يوما من الحمام فاستقبله رجل من آل الزبير - يقال له: كنيد - وبيده أثر حناء فقال: ما هذا الأثر بيدك؟ فقال: أثر حناء، ويلك يا كنيد! حدثني أبي عليه السلام - و كان أعلم أهل زمانه - عن أبيه عليه السلام عن جده عليه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله وسلم: من دخل الحمام فأطلي، ثم اتبعه بالحناء من قرنه الي قدمه كان أمانا له من الجنون والجذام والبرص والأكلة الي مثله من النورة.

و كون مورد هذه الأخبار الأخيرة ما بعد النورة لا يضر بعد عدم القول بالفصل بينه و بين غيره، علي أن من له أنس بالأخبار وفهم رموزها و نكاتها علم أن الاعتذار بكونه بعد النورة تقية من أهل زمانه التاركين لخضاب اليد، المستثقلين لرؤية أثره عليه.

و أما ما روي من أنه نظر أبوعبدالله عليه السلام الي رجل وقد خرج من الحمام و هو مخضوب اليدين فقال له أبوعبدالله عليه السلام: أيسرك أن يكون خلق الله يديك هكذا؟ فقال: لا والله، و انما فعلت ذلك لأنه بلغني عنكم أنه من دخل الحمام فلير عليه أثره - يعني الحناء - فقال: ليس ذلك حيث ذهبت، انما معني ذلك اذا خرج أحدكم من الحمام وقد سلم فليصل ركعين شكرا. فغير صريح في الانكار،



[ صفحه 577]



لاحتمال كونه استفهاما منه عليه السلام ليظهر غلط الراوي فيفهم الحديث، و كون معناه ما ذكر لا ينافي الاستحباب، مضافا الي احتمال كون الانكار أيضا من باب التقية، فان سببه يشبه علل العامة، لأنه لو تم لاقتضي انكار خضاب الرأس واللحية أيضا بالحناء و نحوه، و انكار خضاب يد المرأة و رجلها أيضا.

و بالجملة فاستحباب خضاب البدن بالحناء بعد النورة مما لا ينبغي التأمل فيه، و استحباب خضب اليد و الرجل للرجال سيما أظفارهما حتي عند عدم التنور غير بعيد، ولو تنزلنا عن ذلك فلا أقل من عدم الدليل علي ما أفتي به الفاضل المجلسي رحمه الله من كراهة خضاب اليد و الرجل للرجال، و ما هو الا عودا علي ظاهر ما مر مما ورد تقية و تقييدا للاطلاقات علي خلاف القاعدة المقررة في باب المطلق والمقيد، والله العالم.

الخامسة: ان اطلاق كثرة التأكيد في الأخبار في خضاب اللحية و ان كان يشمل جميع الأزمنة الا أن ظاهر جملة من الأخبار اختصاص تأكد استحباب ذلك علي وجه لا يبعد كراهة تركه ببدو الاسلام، و أما بعد شيوع الاسلام فلا تأكد و ان كان الاستحباب باقيا، و يكشف عما قلناه اختلاف أفعال أئمتنا عليهم السلام في ذلك، فان أميرالمؤمنين عليه السلام لم يخضب شيبه، بل ورد أن النبي صلي الله عليه و آله وسلم لم يختضب الا مرة واحدة، و اختضب سيدالشهداء عليه السلام والسجاد عليه السلام والباقران عليه السلام، وقد سئل أميرالمؤمنين عليه السلام عن قول النبي صلي الله عليه و آله وسلم: غيروا الشيب و لا تشبهوا باليهود، فقال: انما قال صلي الله عليه و آله وسلم ذلك والدين قل، فأما الآن و قد اتسع نطاقه و ضرب بجرانه فامرؤ و ما اختار.

فائدة:

يستفاد من تعليل أميرالمؤمنين عليه السلام عدم خضابه في بعض الأخبار بأني في مصيبة النبي صلي الله عليه و آله وسلم عدم تأكد الاستحباب الخضاب [كذا] في حق المصاب.



[ صفحه 578]




پاورقي

[1] الضناء - بالفتح والمد - هو المرض الملازم حتي يشرف صاحبه علي الموت، والسهك: رائحة كريهة توجد في بعض الناس أن عرق.

[2] الوسمة - بكسر السين - نبت يخضب بورقه، و يقال هو الظلم،و أنكر الأزهري السكون، و في القاموس: الوسمة ورق النبل أو نبات يختضب بورقه. مجمع البحرين.