بازگشت

في آداب النوم والانتباه منه في أحاديث أهل البيت


وفيه مقامات:

الأول: انه يستحب النوم بالليل فانه قرار البدن، بل يكره السهر الا للنفقة و طلب العلوم الدينية، أو التهجد بقراءة القرآن والصلاة والدعاء، أو ليلة العرس، أو السفر [1] .

و يكره كثرة النوم و استيفاء الليل به، فانها تدع الرجل فقيرا يوم القيامة، ممقوتا من الله عزوجل. [2] .

وورد أن كثرة النوم مذهبة للدين والدنيا، و أن الله يبغض كثرة النوم و كثرة الفراغ فينبغي الانتباه بعد نصف الليل والاشتغال مقدارا من الزمان بالعبادة، و يكره النوم بين صلاة الليل و الفجر، فان صاحبه لا يحمد علي ما قدم من صلاته، و لا بأس بالضجعة من غير نوم و أشد كراهة من النوم في ذلك الوقت النوم من طلوع الفجر الي طلوع الشمس. و قد ورد أنه يورث الفقر، و أن الله تعالي يقسم في ذلك الوقت أرزاق العباد يجريها علي يد الأئمة عليهم السلام [3] ، فمن نام في ذلك الوقت حرم من الرزق و لم ينزل نصيبه، وكان اذا انتبه فلا يري نصيبه احتاج الي السؤال والطلب، و أن الأرض لتعج الي الله تعالي من النوم عليها قبل طلوع الشمس، و أن نومة الغداة مشومة، تطرد الرزق، و تصفر اللون، و تقبحه وتغيره، و هو نوم كل مشوم، و أن النوم بعد الغداة خرق. أي حمق وضعف عقل وجهل - و أن ابليس



[ صفحه 622]



انما يبث جنود الليل من حين تغيب الشمس الي مغيب الشفق، و يبث جنود النهار من حين يطلع الفجر الي طلوع الشمس.

و ذكر أن النبي صلي الله عليه و آله وسلم كان يقول: أكثروا ذكر الله عزوجل في هاتين الساعتين، فانهما ساعتا غفلة، و تعوذوا بالله عزوجل من شر ابليس و جنوده، و عوذوا صغاركم في هاتين الساعتين، فانهما ساعتا غفلة.

و ما ورد من أخبار الرضا عليه السلام بأنه ينام بعد صلاة الفجر محمول علي الجواز، أو جهة أخري، و مثل هذا الوقت في كراهة النوم فيه ما بعد صلاة المغرب قبل صلاة العشاء، لأنه يحرم الرزق، و قد ورد عن رسول الله صلي الله عليه و آله وسلم أنه قال: دخلت الجنة فوجدت قصرا من ياقوت أحمر يري باطنه من ظاهره لضيائه ونوره، وفيه قبتان من در و زبرجد، فقلت: يا جبرئيل! لمن هذا القصر؟ فقال: لمن أطاب الكلام، و أدام الصيام، و أطعم الطعام، و تهجد بالليل والناس نيام، ثم فسر صلي الله عليه و آله وسلم اطابة الكلام بقول: سبحان الله والحمدلله و الله أكبر. و ادامة الصيام بصوم جميع شهر رمضان. و اطعام بطلب ما يكف به وجوه عياله عن الناس. والتهجد بالليل والناس نيام بعدم النوم حتي يصلي العشاء الآخر، قال صلي الله عليه و آله وسلم: و يريد بالناس هنا اليهود والنصاري و غيرهم من المشركين لأنهم ينامون بينهما.

و يكره النوم بعد العصر، فقد ورد أنه حماقة، و أنه يورث السقم.

و يستحب نوم القيلولة، وهو النوم نصف النهار، أو بين الضحي ونصف النهار، و قد ورد أن القيلولة نعمة، و أنها نعم العون علي يقظة الليل وعبادته، وورد الأمر بالقيلولة معللا بأن الشيطان لا يقيل.

و قد أمر رسول الله صلي الله عليه و آله وسلم من عرضه النسيان بالعود الي ما كان متعودا به من القيلولة،فعاد اليه فعادت حافظته.

ويكره النوم علي سطح غير محجر [4] و هكذا النوم في بيت ليس عيله باب و لا ستر.



[ صفحه 623]



و يستحب عند النوم. سيما في الليل - غلق الأبواب، وايكاء السقاء، و تغطية الاناء، فان الشيطان لا يكشف غطاء، و لا يحل وكاء.

وورد أن الآنية اذا لم تغط يبزق فيها الشيطان و يأخذ منها، وورد الأمر بحبس المواشي والأهل في الدار حين تجب الشمس الي أن تذهب فحة [5] العشاء.

ويكره النوم وحده، لما مر من أن أجرأ ما يكون الشيطان علي الانسان اذا كان وحده، و أن من نام وحده يتخوف عليه الجنون، وقد لعن رسول الله صلي الله عليه و آله وسلم النائم في البيت وحده، وورد كراهة أن يبيت علي سطح وحده، و من اضطر الي النوم وحده فليكثر ذكر الله سبحانه عند المنام ما استطاع، و يستصحب القرآن المجيد، و ليقل: «اللهم آنس وحشتي و وحدتي» وليقل أيضا: «يا أرض ربي وربك الله، أعوذ بالله من شرك وشر ما فيك، و من شر ما خلق فيك، و من شر ما يحاذر عليك، أعوذ بالله من شر كل أسد و أسود وحية و عقرب من ساكن البلد و من شر والد و ما ولد، أفغير دين الله يبغون و له أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها واليه ترجعون، الحمد لله بنعمته وحسن بلائه علينا، اللهم صاحبنا في السفر و أفضل علينا فانه لا حول و لا قوة الا بالله» ثم يقرأ سورة التكاثر، فانه ان فعل ذلك لم يؤذه شي ء من السباع والهوام والحيات والعقاب، و لو بات علي الحية باذن الله عزوجل.

ويكره ابقاء النار في البيت عند النوم، و كذا يكره ابقاء السراج في البيت عند النوم، للأمر باطفائه حينئذ معللا بأن الفويسقة. يعني الفارة - تجرها و تحرق البيت و ما فيه، و مقتضي هذه العلة عدم كراهة ابقاء السراج الذي لا يمكن جر الفارة له و احراق البيت، كالشمعة في الفانوس المسدود بابه. نعم لا يبعد جريان الكراهة في سرج النفط التي قد تحترق بنفسها.

ويكره النوم وفي اليد غمر الطعام، فانه ان فعل ذلك فأصابه لمم الشيطان فلا يلومن الا نفسه.

ويكره النوم علي الطريق، لنهي أميرالمؤمنين عليه السلام عنه.



[ صفحه 624]



والمشهور بين الفقهاء رضوان الله عليهم كراهة النوم في المساجد. و هو ظاهر بعض الأخبار الا أن جملة من الأخبار تأبي عن ذلك، و لا شك أن الاجتناب أولي. [6] .

وليكن النوم نوم المتعبدين الأكياس الذين ينامون استرواحا، وهم الذين ينامون بعد الفراغ من أداء الفرائض والسنن والواجبات من الحقوق، فانه نوم محمود، وليس في هذا الزمان و أمثاله أسلم من هذا النوم، و احذر من أن يكون نومك نوم الغافلين الخاسرين، و هو النوم عن فريضة أو سنة أو نافلة أتاه سببها.

و أحسن أصناف النوم للمؤمن النوم علي اليمين مستقبل القبلة علي حالة الميت في اللحد فان النوم علي أربعة أصناف:

نوم الأنبياء: و هو النوم علي القفاء مستلقيا مستقبلا بباطن كفي الرجلين القبلة.

و نوم المؤمنين: و هو علي ما وصفناه.

و نوم المنافقين: و هو النوم علي الشمال، وفي بعض الأخبار أنه نوم الملوك و أبنائها ليستمرئوا ما يأكلون.



[ صفحه 625]



و نوم ابليس و جنوده و كل مجنون و ذي عاهلة: وهو النوم علي الوجه منبطحا، و ظاهر بعض الأخبار أن من كان أكله ثقيلا فالراجح له أن يتمدد أولا علي جانبه الأيمن مدة، ثم ينقلب علي الأيسر و ينام عليه.

و يكره النوم للجنب الا بعد الغسل، للنهي عنه، و لأنه لا يعلم ما يطرفه في رقدته، فان لم يجد الماء أو ضره فليتيمم، و تخف الكراهة بالوضوء.

و يستحب للمحدث بالحدث الأصغر أن يتوضأ اذا أراد أن ينام، لأن من نام علي طهارة فكأنما أحيي الليل [كله]، و من تطهر و أوي الي فراشه و فراشه كمسجده، ولم يزل في صلاة ما ذكر الله، فان أوي الي فراشه، ثم ذكر أنه ليس علي وضوء أجزأه أن يتيمم من دثاره كائنا ما كان، و لا يلزمه أن يقوم و يتوضأ. و قد ورد عن أميرالمؤمنين عليه السلام النهي عن النوم الا علي طهور، قال عليه السلام: فان لم يجد الماء فليتيمم بالصعيد، فان روح المؤمن تروح الي الله عزوجل فيلقاها و يبارك عليها، فان كان أجلها قد حضر جعلها في مكنون رحمته، و ان لم يكن أجلها قد حضر، بعث بها مع أمنائه من الملائكة فيردها في جسده.

و يستحب لمن أراد أن يأوي الي فراشه أن يمسحه بطرف ازاره دفعا لاحتمال أن يكون موذيا عليه، فانه لا يدري ما حدث بالفراش قبله.

و ينبغي لمن أراد النوم أن يحاسب نفسه و يستغفر مما صدر منه، و يصلح ما فات منه و يفرض نفسه كأنه يريد أن يموت، و يتشهد الشهادات، فان النوم أخو الموت، و قد لا يقوم من رقدته، و كذا ينبغي له أن يلتفت الي أنه عبد مملوك حقير يريد أن ينام و يمد رجليه و ينبسط في الحركات والسكنات بين يدي مالك عظيم كبير فيتأدب قولا و فعلا، فكلما يتأدب و يتذلل كان مولاه أهلا له و كان العبد أصغر و أحقر محلا، و أن ينوي بنومته أن يتقوي بها في اليقظة علي طاعة الله و علي ما يراد في تلك الحال من العبودية والذلة.

و يستحب أن يستاك قبل النوم تأسيا بالنبي صلي الله عليه و آله وسلم، و أن يضع يده اليمني تحت خده الأيمن عند النوم، للأمر به معللا بأنه لا يدري أينتبه من رقدته أم لا.



[ صفحه 626]




پاورقي

[1] مستدرك وسائل الشيعة: 1 / 352 باب 34، حديث 7، بسنده قال رسول الله صلي الله عليه و آله وسلم: لا سهر الا في ثلاث: متهجد بالقرآن، أو طالب العلم، أو عروس تهدي لزوجها.

[2] الخصال: 1 / 89 حديث 25، وبسنده عن أبي عبدالله 5 قال: ثلاث فيهن المقت من الله عزوجل: نوم من غير سهر، وضحك من غير عجب، و أكل علي الشبع.

[3] وسائل الشيعة، 4 / 1065 باب 36، حديث 11، بسنده عن أبي حمزة، عن علي بن الحسين 4. في حيدث - قال: لا تنامن قبل طلوع الشمس فاني أكرهها لك، ان الله يقسم في ذلك الوقت أرزاق العباد، علي أيدينا يجريها.

أقول: من معتقدات الشيعة الامامية رفع الله تعالي شأنهم و أهلك عدوهم أن النبي و أهل بيته المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين هم الوسائط بين الخالق والخلق، و كل خير يفيضه الله تعالي علي عباده فهم وسائط في الفيض، والوسيلة الحقيقية، والموضوع يستدعي بحثا مسهبا ليس هذا محله، و من شاء ذلك فليراجع الكتب الكلامية والحديثية.

[4] المحاسن: 622 باب 6 حديث 66: بسنده عن أبي عبدالله 5 في السطح يبات عليه غير محجر؟ فقال: يجزيه أن يكون مقدار ارتفاع الحائط ذراعين. و حديث 67، بسنده عن أبي عبدالله 5 قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله وسلم: من بات علي سطح غير محجر فأصابه شي ء فلا يلومن الا نفسه.

[5] فحة العشاء: أي حرارة العشاء، يقال: فحة الفلفل أي حرارته.

[6] كراهة النوم في المساجد مصرح به من جل الفقهاء كالشيخ والحلي والفاضل والشهيد والمحقق الثاني والسيد بحر العلوم قدست أسرارهم و غيرهم، بل هو المشهور عند المتأخرين، و استدلوا علي الحكم بأمور:

أولا: حديث: انما نصبت المساجد للقرآن: و من نام في المسجد ابتلاء الله ببلاء لا زوال له.

وثانيا: من كراهة دخول الصبيان و من في فيه رائحة النوم والبصل كراهة النوم.

و ثالثا: من مخالفة النوم لتوقير المسجد، و مظنة خروج الريح، والحديث من النائم.

و رابعا: من آية (لا تقربوا الصلوة و أنتم سكري) بناء علي أن المراد مواضع الصلاة التي هي المساجد، و من السكاري النوم.

والاستدلال بكل من هذه الأدلة علي الحكم ضعيف جدا، لمناقشات اما في اسنادها و دلالتها، لكن الانصاف ثبوت الكراهة، و ذلك لا من باب التسامح في أدلة السنن فانه غير سديد، بل من حيث حصول الاطمئنان بالحكم من ملاحظة مجموع الروايات والمناسبات و أقوال الفقهاء، والله العالم.