بازگشت

مقدار الطعام


ان الطعام، و ان كان من أجود الأغذية ثم يجاوز المغتذي مقدار ما يهضمه، انفسد، و تولد عنه خلط ردي ء. و لذلك ينبغي أن يكون مقدار الطعام مقدارا يقوي و يستولي عليه الهضم، و يتدرج قليلا الي التزيد منه علي الأيام، ان كان في السن و القوة و البلد موضع ذلك.

و المقدار الذي يمكن أن يستولي عليه الهضم هو أن يدع الانسان طعامه قبل أن يشبعه و يكرهه. لكن حين يسكن جل شهوته له و تبقي معه بقية منها، و لا يصيبه بعده ثقل شديد و تمدد في معدته، يضيق معه النفس أدني ضيق، و يشتاق الي أن يخف ذلك عنه بقي ء أو نزول و تنويم، و يستلذ الانتصاب، و يقلق اذا اضطجع، و يضطر الي كثرة التقلب، و يتجشأ [1] من بعده جشاء حامضا، و يكون متي تجشأ



[ صفحه 654]



ارتفع الطعام معه الي أقصي الفم حتي يحتاج الي أن يتقيا. فان لهذه العلامات اذا عرضت من غير أن يكون قد وقع سرف في الشرب من ماء أو فقاع أو فاكهة رطبة كثيرة، أو الأكل من الجبن الرطب أو اللبأ أو اللبن و نحو ذلك، دلت علي أن الطعام مقداره زائد علي ما يمكن أن يستولي عليه الهضم.

و اذا عرض مثل هذا في يوم ما، و كان التمدد و الشوق الي خف البطن شديدا جدا، فينبقي أن يقذف من ساعة أكله، ثم يأكل من بعد نوم طويل اذا عاودت الشهوة أكلا يسيرا، و من طعام خفيف قليل الاغذاء. و اذا أمسك من الطعام، و في الشهوة أدني بقية، ولم يحدث في المعدة تمدد، و سهل النوم و طاب، و خرج الجشاء بسهولة و هو طيب، فان مقدار الطعام يستولي عليه الهضم. و حينئذ ينبغي أن يتدرج الي التزيد ان أمكن ذلك كما قلنا، لأن ذلك يزيد في لحمه و دمه و قوته.

و بالضد، فان النقصان في هذا المقدار ينقص ما ذكرنا، و يضعف و ينهك عليه البدن، و يمكن ذلك مع سن الصبي و الشباب، و ما دام الكهل قوي الاستمراء، و في البلد البارد الجيد الماء، و في الزمان البارد، و ادمان الراحة بعد الطعام و الحركة قبله.

فهذا هو الحد النافع في مقدار الطعام. فما زاد عليه أفسد الهضم، و أورث أمراضا علي الأيام دموية و بلغمية في الأكثر. و ما نقص عنه حتي يكون المغتذي في أكثر أوقاته كالجائع، فانه يفسد الهضم أيضا فساد تشيط [2] و احتراق، و ينهك البدن، و يتولد منه علي الأيام أمراض مرارية.


پاورقي

[1] يتجشأ: جشأت نفسه جشوءا: ثارت للقي ء، و الجشاء: صوت مع ريح يحصل من الفم عند امتلاء المعدة.

[2] تشيط: شاط الزيت شيطا و شياطة: قارب الاحتراق أو احتراق بعضه. و الشياط: رائحة القطنة المحترقة و نحوها.