بازگشت

تقوية الجسم


وهو: من الناس من يكون قويا كامل الصحة فيعثر به ضعف لا يزال به حتي يلحقه بالمرضي. فأول ما يتبادر الي ذهنه أن يرحل الي الأطباء طلبا للعلاج فلا



[ صفحه 675]



يزال يتردد علي هذا و ذاك مدة حتي يتأصل فيه الضعف و تكون سمية العلاجات قد فعلت بمعدته و أعصابه الأفاعيل.

لو كان اتبع هذا الرجل القانون الطبيعي لعادت اليه قوته من غير أن يصرف درهما واحدا للأطباء والصيدليات و بدون أن يعرض نفسه لخطر السموم العلاجية فيكتسب منها أمراضا عضالا..

والقانون الصحي الطبيعي أمر غير شاق الا علي أسري العادات أو التقاليد فهو يقضي بأن يسكن المصاب في الخلاء و ينقطع عن عمله لمدة شهرين أو ثلاثة معرضا نفسه في أثنائها للهواء الطلق و متبعا نظاما في الاستحمام والغذاء لا يتعداه، فيستيقظ في الساعة الخامسة فيذهب توا الي الحمام فيدلك جسده بفوطة خشنة مبتلة بالماء ثم يخرج من الحمام الي الخلاء يرتاض نحو نصف ساعة ثم يعود فيأكل أكلة الصباح ثم يعود الي الخلاء فيشتغل أشغالا عضلية معتدلة أو يجلس علي شواطي ء البحار أو بين المزارع، ثم يعود وقت الظهيرة فيتناول الغذاء ثم يضطجع في سريره ساعتين بدون نوم، ثم يقوم فيرتاض في الخلاء في جهات يأنس بها و يرتاح اليها، ثم يعود في المساء فيتناول عشاء خفيفا في الساعة السابعة وينام في العاشرة تماما في حجرة نوافذها مفتوحة..

هذا... مع مراعاة الحمية التامة في الأكل فلا يأكل المنبهات الشديدة كاللحم و لا التوابل و لا يتناول من البقول الا ما قل و يجعل عمدة طعامة الخضر والفواكه الناضجة و خصوصا العنب والتين والبطيخ محترزا من الافراط في كل شي ء مع المداومة علي التدلك بالماء يوميا والاستحمام بسكب الماء ثلاث مرات في الأسبوع، والاجتهاد في ترك هموم المعيشة والخلافات البيتية فلا يمضي علي صاحبنا في هذه الحياة أسبوع حتي يحس بالفارق العظيم في جسده و عقله، فاذا استمر شهرين انقلب الي ضد ما كان عليه فعادت اليه قوته و حيويته و رجع الي عمله كأحسن ما كان عليه.

هذا هو الطريق الطبيعي المعقول للتقوية، أما الاعتماد علي العقاقير فلا ينتج غير الأمراض العضالة عادة، لأن أكثر العلاجات سموم قتالة و لا يصح أن يعتمد الانسان عليها الا عند عدم وجود وسيلة سواها لتسكين ألم شديد و اسعاف مغمي عليه. أما فيما عدا هذا فالشافيات التي جعلها الله رحمة للناس هي الماء والهواء و الضوء و هي حق شائع بين الكافة علي السواء.



[ صفحه 676]



هذا هو الأسلوب الطبيعي الحكيم لتقوية الجسم تقوية ثابتة من طريقها الصحيح ولكن السواد الأعظم لا يعقلون ذلك و يرون أن العقاقير هي الوسيلة الوحيدة لاعادة القوة و يغيب عنهم أن فعل تلك العقاقير ينحصر في تهييج الجسم واكسابه ظاهرا من القوة، و ان أفادت الدم أضرت بأعضاء أخري، فيكون المصاب كالمستجير من الرمضاء بالنار، فهل يطول بقاء بعض الناس في هذا الضلال؟

ولا تنس كذلك أخا الاسلام ما ذكره ابن قيم الجوزية في كتابه: «الطب النبوي»، تحت عنوان: حفظ الصحة.

حيث يقول: لما كان اعتدال البدن و صحته و بقاؤه، انما هو بواسطة الرطوبة المقاومة للحرارة: فالرطوبة مادته، والحرارة تنضجها و تدفع فضلاتها، و تصلحها و تلطفها، و الا أفسدت البدن و لم يمكن قيامه. وكذلك الرطوبة: هي غذاء الحرارة، فلولا الرطوبة: لأحرقت البدن و أيبسته و أفسدته، فقوام كل واحدة منهما بصاحبتها، و قوام البدن بهما جميعا. وكل منهما مادة للأخري، فالحرارة مادة للرطوبة: تحفظها و تمنعها من الفساد والاستحالة، والرطوبة مادة للحرارة: تغذوها و تحملها. و متي مالت احداهما الي الزيادة علي الأخري: حصل لمزاج البدن الانحراف، بحسب ذلك. فالحرارة دائما تحلل الرطوبة، فيحتاج البدن الي ما به يخلف عليه ما حللته الحرارة. ضرورة بقائه - و هو: الطعام والشراب، و متي زاد علي مقدار التحلل: ضعفت الحرارة عن تحليل فضلاته، فاستحالت مواد رديئة: فعاثت في البدن و أفسدت، فحصلت الأمراض المتنوعة بحسب تنوع موادها، و قبول الأعضاء و استعدادها.

و هذا كله مستفاد من قوله تعالي: (و كلوا و اشربوا و لا تسرفوا) [1] ، فأرشد عباده الي ادخال ما يقيم البدن: من الطعام والشراب، عوض ما تحلل منه، و أن يكون بقدر ما ينتفع به البدن: في الكمية والكيفية، فمتي جاوز ذلك: كان اسرافا، و كلاهما مانع من الصحة، جالب للمرض. أعني: عدم الأكل والشرب، أو الاسراف فيه.

فحفظ الصحة كله في هاتين الكلمتين الالهيتين. و لا ريب أن البدن دائما:



[ صفحه 677]



في التحلل والاستخلاف، و كلما كثر التحلل: ضعفت الحرارة لفناء مادتها، فان كثرة التحلل تفني الرطوبة، و هي مادة الحرارة، و تنطفي ء الحرارة جملة، فيستكمل العبد الأجل الذي كتب الله له أن يصل اليه.

فغاية علاج الانسان لنفسه و لغيره: حراسة البدن الي أن يصل الي هذه الحالة، لأنه يستلزم بقاء الحرارة والرطوبة اللتين بقاء الشباب والصحة والقوة بهما، فان هذا مما لم يحصل لبشر في هذه الدار. و انما غاية الطبيب: أن يحمي الرطوبة عن مفسداتها من العفونة و غيرها، و يحمي الحرارة عن مضعفاتها، و يعدل بينهما بالعدل والتدبير الذي قام به بدن الانسان، كما أن به قامت السموات والأرض، و سائر المخلوقات انما قوامها بالعدل.

و من تأمل هدي النبي و أهل بيته عليهم السلام، و جده أفضل هدي يمكن حفظ الصحة به، فان حفظها موقوف علي حسن تدبير المطعم والمشرب والملبس والمسكن والهواء، والنوم واليقظة، والحركة والسكون، والمنكح، والاستفراغ والاحتباس. فاذا حصلت هذه علي الوجه المعتدل الموافق الملائم للبدن والبلد والسن والعادة: كان أقرب الي دوام الحصة والعافية أو غلبتها الي انقضاء الأجل.

ولما كانت الصحة من أجل نعم الله علي عبده، و أجزل عطاياه و أوفر منحه بل العافية المطلقة أجل النعم علي الاطلاق.: فحقيق لمن رزق حظا من التوفيق، مراعاتها و حفظها، و حمايتها عما يضادها.



[ صفحه 678]




پاورقي

[1] سورة الأعراف، الآية: 31.