بازگشت

دولتا النهار و الليل


قال الصادق عليه السلام: فكر يا مفضل في طلوع الشمس و غروبها لاقامة دولتي النهار و الليل، فلولا طلوعها لبطل أمر العالم كله فلم يكن الناس يسعون في معايشهم، و يتصرفون في أمورهم، والدنيا مظلمة عيلهم ولم يكونوا يتهنؤون بالعيش مع فقدهم لذة النور و روحه، والارب في طلوعها ظاهر مستغن بظهوره عن الاطناب في ذكره. بل تأمل المنفعة في غروبها فلولا غروبها لم يكن للناس هدوء و لا قرار مع عظم حاجتهم الي الهدوء والراحة، لسكون أبدانهم، و جموم حواسهم، و انبعاث القوة الهاضمة لهضم الطعام و تنفيذ الغذاء الي الأعضاء، ثم كان الحرص سيحملهم من مداومة العمل و مطاولته علي ما يعظم نكايته في أبدانهم، فان كثيرا من الناس لولا جثوم هذا اليل لظلمته عليهم لم يكن لهم هدوء و لا قرار، حرصا علي الكسب والجمع والادخار، ثم كانت الأرض تستحمي بدوام الشمس بضيائها و تحمي كل ما عليها من حيوان و نبات، فقدرها الله بحكمته و تدبيره تطلع وقتا و تغرب وقتا، بمنزل سراج يرفع لأهل البيت تارة ليقضوا حوائجهم، ثم يغيب عنهم مثل ذلك ليهدؤوا و يقروا، فصار النور والظلمة مع تضادهما منقادين متظاهرين علي ما فيه صلاح العالم و قوامه.



[ صفحه 729]



ثم فكر بعد هذا في ارتفاع الشمس، و انحطاطها لاقامة هذه الأزمنة الأربعة من السنة و ما في ذلك من التدبير والمصلحة، ففي الشتاء تعود الحرارة في الشجر والنبات، فيتولد فيهما مواد الثمار، و يستكثف الهواء، فينشأ منه السحاب والمطر و تشتد أبدان الحيوان و تقوي. و في الربيع تتحرك و تظهر المواد المتولدة في الشتاء. فيطلع النبات، و تنور الأشجار، ويهيج الحيوان للسفاد، وفي الصيف يحتدم الهواء، فتنضج الثمار، و تتحلل فضول الأبدان، و يجف وجه الأرض فتهيأ للبناء والأعمال. وفي الخريف يصفو الهواء، و يرتفع الأمراض، و تصح الأبدان و يمتد الليل، و يمكن فيه بعض الأعمال لطوله، و يطيب الهواء فيه الي مصالح أخري لو تقصيت لذكرها لطال فيها الكلام [1] .

و نقل قدس سره عن أميرالمؤمنين قائلا: قال أميرالمؤمنين: ان للشمس ثلاثمائة وستين برجا، كل برج منها مثل جزيرة من جزائر العرب، فتنزل كل يوم علي برج منها فاذا غابت انتهت الي حد بطنان العرش، فلم تزل ساجدة الي الغد، ثم ترد الي موضع مطلعها و معها ملكان يهتقان معها، و ان وجهها لأهل السماء وقفاها لأهل الأرض، ولو كان وجهها لأهل الأرض لأحرقت الأرض [2] و من عليها من شدة حرها، ومعني سجودها ما قال سبحانه و تعالي: (ألم تر أن الله يسجد له من في السموات و من في الأرض والشمس والقمر النجوم والجبال والشجر والدواب و كثير من الناس) [3] - [4] .



[ صفحه 730]




پاورقي

[1] بحارالأنوار: 55 / 176 - 175.

[2] لاحترقت.

[3] سورة الحج، الآية: 18.

[4] بحارالأنوار: 55 / 142 - 141 عن روضة الكافي: 157.