بازگشت

الماء


و أما الماء فهو من ضروريا الحياة لأسباب عديدة، فالمادة الغروية التي



[ صفحه 765]



بداخل الخلايا، يدخل الماء في تركيبها بنسبة تتراوح ما بين 60 و 99 في المائة منهما، كما أن الماء يشكل أكثر من 90 في المائة من الجزء السائل من الدم، و يدخل الماء في نسبة عالية في تركيب افرازات الغدد.

يكون الماء 5 , 58 درصد من الجسم البشري، والجسم في حالة الصحة يحافظ دائما علي هذه النسبة، فهو يفقد باستمرار جزءا من مائة بالتبخر من الرئة و بما يفرزه عرقا و بولا و غير ذلك من الافرازات السائلة، ولا بد للجسم من الاستعاضة عما يفقده من الماء بكمية معادلة تدخل اليه بالشرب أو بما يتناوله من الغذاء، فمثلا أن اللحم و البطاطس يحتويان علي 75 درصد من الماء، و أن الخبز يحتوي علي 30 - 40 درصد من الماء.

يشعر الجسم بمضاعفات مرضية شديدة، اذا فقد 10 درصد من نسبة الماء فيه و تتوقف فيه الحياة اذا بلغ نقص الماء في الأنسجة 40 درصد و ينظم ميزانية الماء في الجسم مركز عصبي خاص في المخيخ، وسبيله الي ذلك الشعور بالعطش عندما يفتقد الجسم المزيد من الماء بزيادة نسبة الأملاح في أنسجته، أو بازدياد ما يفقده من الما بالعرق أو البول أو الاسهال في الأمعاء، والتعريق وسيلة من وسائل تعديل الجسم لحرارته الداخلية، و قد تصل كمية العرق في البلاد الحارة مثلا الي ما يعادل 10 ليترات في اليوم، فمن الطبيعي أن تزداد حاجة الجسم عندئذ الي المزيد من شرب الماء للاستعاضة عنها.

تزداد الحاجة الي شرب المزيد من الماء أيضا عند تناول كمية كبيرة من الأملاح أو عند ازدياد البول كما هو الحال في مرض البول السكري، و خزان الماء في الجسم هو الجلد والأنسجة الدهنية، والدوية المستعملة لتخفيف وزن الجسم و مكافحة السمنة يقتصر مفعولها غالبا علي طرح المزيد من الماء المخزون في الأنسجة الدهنية بتزايد كمية البول. غير أن هذه لا تلبث أن تستعيد ما فقدته من الماء بعد التوقف عن تعاطي الدواء بوقت قصير.

و من الغريب أن الهزال وسوء التغذية يؤديان أيضا الي تجمع الماء في الجلد والأنسجة الدهنية، كما أن عجز الكلي في بعض الحالات المرضية عن افراز البول كله يؤدي الي تجمع السوائل في الجلد و غيره من أنحاء الجسم، و كذلك القصور والاحتقان في الدورة الدموية لوجود ما يعيق جريان الدم في الأوعية أو لاصابة القلب بالمرض والوهن.



[ صفحه 766]



أما تأثير الماء في حاسة الذوق فلا بدلنا أن نتعرف أن وجود اللعاب وكما عرفنا سابق أن الماء يشكل جزءا أساسيا في تركيبه، يلعب دورا هاما في حساسة لذوق، و أن المذاق أربعة أنواع الحامض والمالح والحلو والمر. وقد وجد العلماء أن لكل طعم من هذه الطعوم منطقة معينة من اللسان تختص بذوقه. فتذوق الطعم الحلو متركز في منطقة رأس اللسان، و تذوق الطعم المر مركز في مؤخرته، و تذوق الطعم الحامض مركز في طرفيه، و تذوق الطعم المالح مركز في رأس اللسان و طرفيه، و تتألف كل منطقة، من هذه المناطق، من عدد كبير من الحليمات الدقيقة، فاذا مرت عليها السوائل والمواد المنحلة نبهت الخلايا الذوقية تنبيها كيميائيا، ينتقل بواسطة عصب الذوق الي المنطقة المختصة من الدماغ فيحصل احساس الذوق، وقد وجد أن الحليمات الذوقية المنتشرة علي اللسان نوعان: حليمات كمئية يشبه شكلها الكمأة تتحسس بالطعم الحامض والمالح، و حليمات كأسية يشبه شكلها الكأس تتحسس بالطعم المر.

و قد يحدث أن يكون نوع من هذه الخلايا متخربا في اللسان، فيفقد المرء تذوق طعم من الطعوم فلا يعود يتحسس به مهما تناول من مأكولاته.

فاللسان اضافة الي أنه يلعب دور هام في حس الذوق، و لللعاب دور أساسي في هذا الاحساس، فانه كذلك له دور أساسي و بارز في حس اللمس والمضغ والبلع والتصويت.

و نقل العلامة المجلسي قد سره رواية حول اللسان جاء فيها: و أما اللسان فهو مخلوق من لحم أبيض لين رخو، قد التفت به عروق صغار كثيرة منها شرايين و منها أوردة، و بسببها يحمر لونه، و عند مؤخره لحم غددي يسمي مولد اللعاب، و تحته فوهتان تفضيان الي هذا اللحم تسميان بساكبي اللعاب بهما تنسكب الرطوبة والرضاب [1] من اللحم الغددي الي اللسان والفم، و تحته أيضا عرقان كبيران أخضران تسميان الصردان، و هو ذو شفتين طولا، ولكنهما في غشاء واحد متصل بغشاء الفم و المري ء والمعدة الا في بعض الحيوانات كالحية فان شفتي لسانها ليسا في غشاء واحد، و لهذا يظهران و علي حرم اللسان عصبة منبثة هي محل القوة



[ صفحه 767]



الذائقة للطعوم بتوسط الأجسام المماسة المخالطة للرطوبة اللعابية المستحيلة الي طعم الوارد، و محليتها له من جهة ما هو وراءها من جوهر الروح. و علي اللسان زائدتان ثابتتان الي فوق كأنهما أذنان صغيرتان تسميان باللوزتين وجوهر هما لحم عصباني غليظ كالغدة، و منفعتهما مثل منفعة اللهة و يأتي ذكرها، و انما خلق اللسان ليكون آلة تقطيع الصوت و اخراج الحروف و تبيينها و آلة تقليب الممضوغ كالمجرفة، و آلة تمييز المذوق، و أعدلها في الطول والعرض أقدر علي الكلام من عظميها جدا أو من الصغير المتشنج [2] .

من خلال هذا البحث عرفنا ما هو المقصود بالنار والنور والريح والماء الذي ورد في الروايات، و توصلنا الي أن المقصود من النار هو حامض الهيدروكلريك الموجود في المعدة، و عملية الهضم الكيميائية التي تتم بوجود هذا الحامض اضافة الي وجود خميرة الببسين Pepsin و كذلك عرفنا من خلال البحث أن بواسطة العين و انعكاس النور فيها كيف يتم الابصار.

و كذلك توصلنا في مفهوم الريح علي ما اشتمل عليه من بحث أهمية الهواء و تأثيره المباشر علي الانسان في استمرار الأعمال الحيوية لأعضاء البدن، كالتنفس والسمع و افراز الغدد الداخلية لجسم الانسان.

و عرفنا من خلال البحث أهمية الماء بالنسبة لحياة البشر، و كيف يدخل في تركيبة جسم الانسان و ما هي آثاره الجانبية، و تأثيره في حاسة الذوق من خلال التركيب الأساسي للعاب الموجود في الفم، والذي تفرزه الغدد اللعابية.

فهذا تأكيد و تفسير الي ما ورد في الروايات السابقة عن أئمة الهدي عليهم السلام في شأن طبائع الانسان ومصداق للرواية المنقولة عن نهج البلاغة، قال عليه السلام: «أعجبوا لهذا الانسان ينظر بشحم، و يتكلم بلحم، و يسمع بعظم، و يتنفس من خرم». [3] .

ولاحظنا التفسير العلمي الحديث لهذه الأعضاء و عملها و هي دليل قدرة الخالق جل وعلا لهذا الانسان.



[ صفحه 768]




پاورقي

[1] الرضاب - بالضم: الماء العذب، والريق المرشوف.

[2] بحارالأنوار: 59 / 19 - 18.

[3] بحارالأنوار: 58 / 307.