بازگشت

باب احتجاجه مع أبي حنيفة


289- روي أنه دخل أبوحنيفة المدينة و معه عبدالله بن مسلم فقال له: يا أباحنيفة ان ها هنا جعفر بن محمد من علماء آل محمد فاذهب بنا اليه نقتبس منه علما.

فلما أتيا اذا هما بجماعة من علماء شيعته ينتظرون خروجه أو دخولهم عليه فبينما هم كذلك اذ خرج غلام حدث، فقام الناس هيبة له. فالتفت أبوحنيفة فقال:

يا ابن مسلم من هذا؟

قال: موسي ابنه.

قال: والله اخجله بين يدي شيعته. قال له: لن تقدر علي ذلك.

قال: والله لأفعلنه، ثم التفت الي موسي فقال: يا غلام أين يضع الغريب في بلدتكم هذه؟

قال يتواري خلف الجدار، و يتوقي أعين الجار، و شطوط الأنهار، و مسقط الثمار، و لا يستقبل القبلة و لا يستدبرها، فحينئذ يضع حيث شاء.

ثم قال: يا غلام ممن المعصية؟ قال: يا شيخ لا تخلو من ثلاث:



[ صفحه 117]



اما أن تكون من الله و ليس من العبد شي ء، فليس للحكيم أن يأخذ عبده بما لم يفعله.

و اما أن تكون من العبد و من الله، و الله أقوي الشريكين فليس للشريك الأكبر أن يأخذ الشريك الأصغر بذنبه.

و اما أن تكون من العبد و ليس من الله شي ء، فان شاء عفي و ان شاء عاقب.

قال: فأصابت أباحنيفة سكتة كأنما القم فوه الحجر.

قال: فقلت له: ألم أقل لك لا تتعرض لأولاد رسول الله، و في ذلك يقول الشاعر:



لم تخل أفعالنا اللاتي نذم بها

احدي ثلاث معان حين نأتيها



أما تفرد بارينا بصنعتها

فيسقط اللوم عنا حين ننشيها



أو كان يشركنا فيها فيلحقه

ما سوف يلحقنا من لائم فيها



أو لم يكن لالهي في جنايتها

ذنب فما الذنب الا ذنب جانيها



290- الرضا، عن أبيه موسي بن جعفر عليه السلام قال: كنت عند أبي عبدالله عليه السلام و أنا طفل خماسي اذ دخل عليه نفر من اليهود فقالوا: أنت ابن محمد نبي هذه الأمة و الحجة علي أهل الأرض. قال لهم: نعم. قالوا: انا نجد في التوراة أن الله تبارك و تعالي أتي ابراهيم عليه السلام و ولده الكتاب و الحكم و النبوة و جعل لهم الملك و الامامة و هكذا وجدنا ذرية الأنبياء لا تتعداهم النبوة و الخلافة و الوصية فما بالكم قد تعداكم ذلك و ثبت في غيركم و نلقاكم مستضعفين مقهورين لا يرقب فيكم ذمة نبيكم.

فدمعت عينا أبي عبدالله عليه السلام ثم قال: نعم لم تزل أمناء الله مضطهدة مقهورة مقتولة بغير حق والظلمة غالبة و قليل من عباد الله



[ صفحه 118]



الشكور، قالوا: فان الأنبياء و أولادهم علموا من غير تعليم و أوتوا العلم تلقينا و ذلك ينبغي لأئمتهم و خلفائهم و أوصيائهم فهل أوتيتم ذلك فقال أبوعبدالله عليه السلام: ادنه يا موسي فدنوت فمسح يده علي صدري ثم قال: اللهم أيده بنصرك بحق محمد و آله.

ثم قال: سلوه عما بدا لكم قالوا: و كيف نسأل طفلا لا يفقه قلت: سلوني تفقها و دعوا العنت قالوا: أخبرنا عن الآيات التسع التي أوتيها موسي ابن عمران قلت: العصا و اخراجه يده في جيبه بيضاء و الجراد و القمل و الضفادع و الدم و رفع الطور و المن و السلوي آية واحدة و فلق البحر قالوا: صدقت فما أعطي نبيكم من الآيات التي نفت الشك عن قلوب من أرسل اليه قلت: آيات كثيرة أعدها ان شاء الله فاسمعوا وعوا و افقهوا.

أما أول ذلك فأنتم تقرون أن الجن كانوا يسترقون السمع قبل مبعثه فمنعت من أوان رسالته بالرجوم و انفضاض النجوم و بطلان الكهنة و السحر.

و من ذلك كلام الذئب يخبر بنبوته و اجماع العدو و الموالي علي صدق لهجته و صدق أمانته و عدم جهله أيام طفوليته و حين أيفع وفتأ و كهل لا يعرف له شكل و لا يواريه مثل.

و من ذلك أن سيف بن ذي يزن حين ظفر بالحبشة وفد عليه مثل وفد قريش فيهم عبدالمطلب فسألهم عنه و وصف لهم صفته فأقروا جميعا بأن هذه الصفة في محمد صلي الله عليه و آله و سلم فقال: هذا أوان مبعثه و مستقره أرض يثرب و موته بها.

و من ذلك أبرهة بن يكسوم قاد الفيلة الي بيت الله الحرام لهدمه قبل مبعثه فقال عبدالمطلب: ان لهذا البيت ربا يمنعه ثم جمع أهل مكة فدعي



[ صفحه 119]



و هذا بعد ما أخبره سيف بن ذي يزن فأرسل الله تبارك و تعالي عليهم طيرا أبابيل و دفعهم عن مكة و أهلها.

و من ذلك أن أباجهل عمرو بن هشام المخزومي أتاه و هو نائم خلف جدار و معه حجر يريد أن يرميه به فالتصق بكفه و من ذلك أن اعرابيا باع ذودا له من أبي جهل فمطله بحقه فأتي قريشا فقال: اعدوا بي علي أبي الحكم فقد لوي حقي فأشاروا الي محمد صلي الله عليه و آله و سلم و هو يصلي في الكعبة فقالوا: ائت هذا الرجل فاستعد به عليه و هم يهزأون بالاعرابي فأتاه فقال له: يا عبدالله اعدني علي عمرو بن هشام فقد منعني حقي قال: نعم فانطلق معه فدق علي أبي جهل بابه فخرج اليه متغيرا فقال: ما حاجتك.

قال: اعط الاعرابي حقه قال: نعم فجاء الاعرابي الي قريش فقال: جزاكم الله خيرا انطلق معي الرجل الذي دللتموني عليه فاخذ حقي. فجاء ابوجهل فقالوا: اعطيت الاعرابي حقه قال: نعم قالوا: انما أردنا ان نغريك بمحمد و نهزأ بالاعرابي قال: يا هؤلاء دق بابي فخرجت اليه فقال: اعط الاعرابي حقه و فوقه مثل الفحل فاتحا فاه كأنه يريدني فقال: اعطه حقه فلو قلت لا لابتلع رأسي فاعطيته.

و من ذلك ان قريشا ارسلت النضر بن الحارث و علقمة ابن ابي معيط بيثرب الي اليهود و قالوا لهما: اذا قدمتما عليهم فسألوهم عنه فقالوا: صفوا لنا صفته فوصفوه فقالوا: و من تبعه منكم قالوا: سفلتنا فصاح حبر منهم فقال: هذا النبي الذي نجد نعته في التوراة و نجد قومه اشد الناس عداوة له.

و من ذلك ان قريشا ارسلت سراقة بن جعشم حتي خرج الي المدينة في طلبه فلحق به فقال صاحبه: هذا سراقة يا نبي الله فقال: اللهم اكفينه



[ صفحه 120]



فساخت قوائم ظهره فناداه يا محمد خل عني بموثق اعطيكه ان لا اناصح غيرك و كل من عاداك لا اصالح فقال النبي صلي الله عليه و آله و سلم: اللهم ان كان صادق المقال فاطلق فرسه فاطلق فوفي و ما انثني بعد ذلك.

و من ذلك ان عامر بن الطفيل و ازيد بن قيس أتيا النبي صلي الله عليه و آله و سلم فقال عامر: لأزيد اذا اتيناه فانا اشاغله عنك فاعله بالسيف فلما دخلا عليه قال عامر: يا محمد خائر قال: لا حتي تقول لا اله الا الله و اني رسول الله و هو ينظر الي ازيد و ازيد لا يخبر شيئا فلما طال ذلك نهض و خرج و قال: لأزيد ما كان علي وجه الارض اخوف منك علي نفسه فتكا منك و لعمري لا اخافك بعد اليوم فقال له ازيد: لا تعجل فاني ما هممت بما أمرتني به الا دخلت الرجال بيني و بينك حتي ابصر غيرك فاضربك.

و من ذلك ان ازيد بن قيس و النضر بن حارث اجتمعا علي ان يسألانه عن الغيوب فدخلا عليه فاقبل النبي صلي الله عليه و آله و سلم علي ازيد فقال: يا أزيد أتذكر ما جئت له يوم كذا و كذا و معك عامر بن الطفيل فاخبر بما كان فيهما فقال ازيد: والله ما حضرني و عامرا احد و ما اخبرك بهذا الا ملك من السماء فانا اشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له و انك رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم.

و من ذلك ان نفرا من اليهود أتوه و قالوا لابي الحسن جدي استأذن لنا علي ابن عمك نسأله فدخل علي عليه السلام فاعلمه فقال النبي صلي الله عليه و آله و سلم: و ما يريدون مني فاني عبد من عبيدالله لا اعلم الا ما علمني ربي ثم قال: أذن لهم فدخلوا فقال: اتسألوني عما جئتم له ام انبئكم قالوا: نبئنا، قال: جئتم تسألوني عن ذي القرنين قالوا: نعم قال: كان غلاما من اهل الروم ثم ملك و أتي مطلع الشمس و مغربها ثم بني السد فيها قالوا: نشهد ان هذا كذا.

و من ذلك ان وابصة بن معبد الاسدي أتاه فقال: لا ادع من البر



[ صفحه 121]



و الاثم شيئا الا سألته عنه فلما أتاه قال له بعض اصحابه اليك يا وابصة عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فقال النبي صلي الله عليه و آله و سلم: دعه ادن يا وابصة فدنوت فقال: اتسأل عما جئت له او اخبرك قال: اخبرني قال: جئت تسأل عن البر و الاثم قال: نعم فضرب بيده علي صدره ثم قال: يا وابصة البر ما اطمأن به الصدر و الاثم ما تردد في الصدر و جال في القلب و ان افتاك الناس و افتوك.

و من ذلك انه أتاه وفد عبد القيس فدخلوا عليه فلما ادركوا حاجتهم عنده قال: ائتوني بتمر اهلكم مما معكم فأتاه كل رجل منهم بنوع منه فقال النبي صلي الله عليه و آله و سلم هذا يسمي كذا و هذا يسمي كذا فقالوا: انت اعلم بتمر ارضنا فوصف لهم ارضهم فقالوا: ادخلتها قال: لا ولكن فسح لي فنظرت اليها فقام رجل منهم فقال يا رسول الله هذا خالي و به خبل فأخذ بردائه فقال: اخرج عدوا الله ثلاثا ثم ارسله فبرء و اتوه بشاة هرمة فاخذ باحد اذنيها باصابعه فصار له مثلة ثم قال: خذوه فان هذه السمة في اذان ما تلد الي يوم القيامة و هي توالد و تلك في اذانها معروفة غير مجهولة.

و من ذلك انه كان علي سفر فمر علي بعير قد اعيي و قام منزلا علي اصحابه فدعا بماء فتمضمض منه في اناء و توضأ و قال: افتح فاه و صب في فيه فمر ذلك الماء علي رأسه و حاركه ثم قال؛ اللهم احمل خلادا و عامرا و رفيقيهما و هما صاحبي الجمل فركبوه و انه ليحضر بهم امام الخيل.

و من ذلك ان ناقة لبعض اصحابه ضلت في سفر فقال صاحبها: لو كان نبيا لعلم اين الناقة فبلغ ذلك النبي صلي الله عليه و آله و سلم فقال: ان الغيب لا يعلمه الا الله انطلق يا فلان فان ناقتك بموضع كذا و كذا و قد تعلق زمامها بشجرة فوجدها كما قال.

و من ذلك انه مر علي بعير ساقط فتبصبص له فقالوا: انه ليشكوا شر



[ صفحه 122]



ولاية اهله و يسأله ان يخرج عنهم فسأل عن صاحبه فاتاه فقال: بعه و اخرجه عنك فأناخ البعير يرغو ثم نهض و تبع النبي صلي الله عليه و آله و سلم فقال: يسألني ان اتولي امره فباعه من علي عليه السلام فلم يزل عنده الي ايام صفين.

و من ذلك انه كان في مسجد اذ اقبل جمل ناد حتي وضع رأسه في حجره ثم خرخر فقال صلي الله عليه و آله و سلم: يزعم هذا ان صاحبه يريد ان ينحره في وليمة علي ابنه فجاء يستغيث فقال رجل يا رسول الله هذا لفلان و قد أراد به ذلك فارسل اليه و سأله ان لا ينحره ففعل.

و من ذلك انه دعا علي مضر فقال: اللهم اشدد وطأك علي مضر واجعلها عليهم كسنين يوسف فاصابهم سنون فأتاه رجل فقال: فوالله ما أتيتك حتي لا يخطر لنا فحل و لا يزدد منا رابح فقال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: اللهم دعوتك فاجبتني و سألتك فأعطيتني اللهم فأسقنا غيثا مغيثا مريئا سريعا سجالا عاجلا غير زائب نافعا غير ضار فما قام حتي ملأ كل شي ء و دام عليه جمعة فأتوه فقالوا: يا رسول الله انه انقطعت سبلنا و اسواقنا فقال النبي صلي الله عليه و آله و سلم: حوالينا لا علينا فانجابت السحابة عن المدينة فصار قيما حولها و امطروا شهرا.

و من ذلك انه توجه الي الشام قبل بعثته مع نفر من قريش فلما كان بحيال بحيرا الراهب نزلوا بفناء ديره و كان عالما بالكتب و قد كان قرأ في التوراة مرور النبي صلي الله عليه و آله و سلم به و عرف أوان ذلك فامر فدعي الي طعامه فاقبل يطلب الصفة في القوم فلم يجدها فقال: هل بقي في رجالكم احد قالوا: غلام يتيم قال: فقام بحيرا الراهب فاطلع فاذا هو برسول الله صلي الله عليه و آله و سلم نائم و قد اظلته سحابة فقال للقوم: ادعوا هذا اليتيم ففعلوا و بحيرا مشرف عليه و هو يسير و السحابة قد اظلته.



[ صفحه 123]



فأخبر القوم بشأنه و انه سيبعث فيهم رسولا و يكون من حاله و امره فكان القوم بعد ذلك يهابونه و يجللونه فلما قدموا اخبروا قريشا بذلك و كان عند خديجة بنت خويلد فرغبت في تزويجه و هي سيدة نساء قريش و قد خطبها كل صنديد و رئيس قد أبتهم فزوجته نفسها للذي بلغها من خبر بحيرا.

و من ذلك انه كان بمكة ايام الب عليه قومه و عشائره فامر عليا ان يأمر خديجة ان تتخذ له طعاما ففعلت ثم أمره ان يدعو له اقربائه من بني عبدالمطلب فدعي اربعين رجلا فقال لهم: طعاما يا علي فأتاه بثريدة و طعام تأكله الثلاثة و الاربعة فقدمه اليهم و قال: كلوا و سموا فسميا و لم يسم القوم فاكلوا و صدروا و شبعوا.

فقال ابوجهل: جاد ما سحركم محمد يطعم من طعام ثلاث رجال اربعين رجلا هذا والله هو السحر الذي لا بعده فقال له علي عليه السلام: ثم أمرني بعد ايام فاتخذت له مثله و دعوتهم باعيانهم فطعموا و صدروا.

و من ذلك ان علي بن ابي طالب قال: دخلت السوق فابتعت لحما بدرهم و ذرة بدرهم فأتيت به فاطمة عليهاالسلام حتي اذا فرغت من الخبز و الطبخ قالت: لو أتيت ابي فدعوته فأتيته و هو مضطجع و هو يقول: اعوذ بالله من الجوع ضجيعا فقلت له: يا رسول الله عندنا طعام فقام و اتكأ علي و مضينا نحو فاطمة عليهاالسلام فلما دخلنا قال: هلم طعامك يا فاطمة عليهاالسلام فقدمت البرمة و القرص فغطي القرص.

و قال: اللهم بارك لنا في طعامنا ثم قال: اغرفي لعائشة فغرفت ثم قال:اغرفي لام سلمة فغرفت فما زالت تغرف حتي وجهت الي نسائه التسع قرصة قرصة و مرق ثم قال: اغرفي لابنيك و بعلك ثم قال: اغرفي



[ صفحه 124]



و كلي و اهدي لجاراتك ففعلت و بقي عندهم اياما يأكلون.

و من ذلك ان امرأة عبدالله بن مسلم أتته بشاة مسمومة و مع النبي صلي الله عليه و آله و سلم بشر بن البراء بن عارب فتناول النبي صلي الله عليه و آله و سلم الذراع و تناول بشر الكراع فاما النبي صلي الله عليه و آله و سلم فلاكها و لفظها و قال: انها مسمومة و أما بشر فلاك المضعة و ابتلعها فمات فارسل اليها فأقرت و قال: ما حملك علي ما فعلت قالت: قتلت زوجي و اشراف قومي فقلت: ان كان ملكا قتلته و ان كان نبيا فسيطلعه الله تبارك و تعالي علي ذلك.

و من ذلك ان جابر بن عبدالله الانصاري قال: رأيت الناس يوم الخندق يحفرون و هم خماص و رأيت النبي صلي الله عليه و آله و سلم يحفر و بطنه خميص فأتيت اهلي فاخبرتها فقالت: ما عندنا الا هذه الشاة و محرز من ذرة قال: فاخبزي و ذبح الشاة و طبخوا شقها و شووا الباقي حتي اذا ادرك أتي النبي صلي الله عليه و آله و سلم.

فقال: يا رسول الله اتخذت طعاما فأتني انت و من احببت فشبك اصابعه في يده ثم نادي الا ان جابرا يدعوكم الي طعامه فأتي اهله مذعورا خجلا فقال لها: هي الفضيحة قد حفل بهم أجمعين فقالت: انت دعوتهم ام هو قال: هو قالت: فهو اعلم بهم فلما رآنا أمر بالانطاع فبسطت علي الشوارع و أمره بان يجمع التواري يعني قصاعا كانت من خشب و الجفان.

ثم قال: ما عندكم من الطعام فاعلمته فقال: غطوا السدانة و البرمة و التنور و اغرفوا و اخرجوا الخبز و اللحم وغطوا فما زالوا يغرفون و ينقلون و لا يرونه ينقص شيئا حتي شبع القوم و هم ثلاثة آلاف ثم أكل جابر و أهله و اهدوا و بقي عندهم اياما.

و من ذلك ان سعد بن عبادة أتاه عشية و هو صائم فدعي الي طعامه



[ صفحه 125]



و دعي معه علي بن ابي طالب عليه السلام فلما أكلوا قال النبي صلي الله عليه و آله و سلم: نبي و وصي يا سعد أكل طعامك الابرار و افطر عنه الصائمون و صلت عليكم الملائكة فحمله سعد علي حمار قطوف و القي عليه قطيفة فرجع الحمار و انه لهملاج ما يساير.

و من ذلك انه اقبل علي الحديبية و في الطريق ماء يخرج من وشل بقدر ما يروي الراكب و الراكبين فقال: من سبقنا الي الماء فلا يستقين منه فلما انتهي اليه دعا بقدح فمضمض فيه ثم صبه في الماء ففاض الماء فشربوا و ملأوا ادواتهم و مياضهم و تفصوا فقال النبي صلي الله عليه و آله و سلم لان بقيتم او بقي منكم ليسقين بهذا الوادي يسقي ما بين يديه من كثرة مائه فوجدوا ذلك كما قال.

و من ذلك اخباره عن الغيوب و بما كان و ما يكون فوجد ذلك موافقا لما يقول.

و من ذلك انه اخبر صبيحة الليلة التي اسري به بما رأي من سفره فانكر ذلك بعض و صدقه بعض فاخبرهم بما رأي من المارة و الممتارة و هيأتهم و منازلهم و ما معهم من الامتعة و انه رأي عيرا امامها بعير اورق و انه يطلع يوم كذا من العقبة مع طلوع الشمس فغدوا يطلبون تكذيبه للوقت الذي وقت لهم فلما كانوا هناك طلعت الشمس فقال: بعضهم كذب الساحر و ابصر أخرون بالعير قد اقبلت يقدمها الاورق فقالوا صدق هذه نعم قد اقبلت.

و من ذلك انه قبل من تبوك فجهدوا عطشا و بادر الناس اليه يقولون: الماء الماء يا رسول الله فقال لابي هريرة: هل معك من الماء شي ء فقال: كقدر قدح في ميضاتي فقال: هلم ميضاتك فصب ما فيه في قدح و دعي و اعاده و قال: ناد من أراد الماء فاقبلوا يقولون: الماء يا رسول الله فما زال



[ صفحه 126]



يسكب و ابوهريرة يسقي حتي تروي القوم أجمعون و ملأوا ما معهم ثم قال لابي هريرة: اشرب فقال: اخركم شربا فشرب رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و شرب.

و من ذلك ان اخت عبدالله بن رواحة الانصاري مرت به ايام حفرهم الخندق فقال لها: الي اين تريدين قالت: الي عبدالله بهذه التمرات فقال: هاتيهن فنثرت في كفه ثم دعي بالانطاع فوضعها عليها و غطاها بالأزر و قام فصلي ففاض التمر علي الانطاع ثم نادي هلموا و كلوا فأكلوا و شبعوا و حملوا و دفع ما بقي اليها.

و من ذلك انه كان في سفر فاجهدوا جوعا فقال: من كان معه زاد فليأتنا فأتاه نفر منهم بمقدار صاع فدعي بالأزر و الانطاع ثم ضعف التمر عليها و دعي ربه فأكثر الله ذلك التمر حتي كان ازوادهم الي المدينة.

و من ذلك انه اقبل من بعض اسفاره فأتاه قوم فقالوا: يا رسول الله ان لنا بئرا اذا كان القيظ اجتمعنا عليها و اذا كان الشتاء تفرقنا علي مياه حولها و قد صار من حولنا عدو فادع الله في بئرنا فتفل صلي الله عليه و آله و سلم في بئرهم ففاضت المياه المغيبة فكانوا لا يقدرون ان ينظروا الي قعرها بعد من كثرة مائها فبلغ ذلك مسيلمة الكذاب فحاول ذلك في قليب قليل الماء فتفل الانكد في القليب فغار مائه فصار كالحبوب.

و من ذلك ان سراقة بن جعشم حين وجهه قريش في طلبه ناوله نبلا من كنانة و قال: ستمر برعاع فاذا وصلت اليهم فهذا علامتي عنده و اشرب فلما انتهي اليهم أتوه بعنز حامل فمسح صلي الله عليه و آله و سلم ضرعها فصارت حاملا و درت حتي ملأ الاناء و ارتوا الرتواء.

و من ذلك انه نزل بأم شريك فأتته بعكة فيها سمن يسير فأكل هو و أصحابه ثم دعي لها بالبركة فلم تزل العكة تصب سمنا ايام حياتها.



[ صفحه 127]



و من ذلك ان ام جميل امرأة ابي لهب أتته حين نزلت سورة تبت و مع النبي صلي الله عليه و آله و سلم ابوبكر ابن أبي قحافة فقال: يا رسول الله هذه ام جميل امرأة ابي لهب مخفظة اي مغضبة تريدك و معها حجر تريد ان ترميك به فقال: انها لا تراني فقالت لابي بكر: اين صاحبك قال: حيث شاءالله قالت: لقد جئته و لو اراه لرميته فانه هجاني و اللات و العزي اني لشاعرة فقال ابوبكر: يا رسول الله لم ترك قال: لا ضرب الله بينها و بيني حجابا.

و من ذلك كتابه المهيمن الباهر لعقول الناظرين مع ما اعطي من الخلال التي ان ذكرناها لطالت فقالت اليهود: و كيف لنا ان نعلم هذا كما وصفت فقال لهم موسي: و كيف لنا ان نعلم ما تذكرون من آيات موسي علي ما تصفون قالوا: علمنا ذلك بنقل البررة الصادقين قال لهم: فاعلموا صدق ما انبأتكم به بخبر طفل لقنه الله من غير تلقين و لا معرفة عن الناقلين فقالوا: نشهد ان لا اله الا الله و ان محمدا رسول الله و انكم الائمة القادة و الحجج من عندالله علي خلقه فوثب ابوعبدالله عليه السلام فقبل بين عيني ثم قال: انت القائم من بعدي فلهذا قال الواقفة انه حي و انه القائم ثم كساهم ابوعبدالله و وهب لهم و انصرفوا مسلمين.

291- قال يعقوب بن جعفر بن ابراهيم: كنت عند أبي الحسن موسي عليه السلام اذ أتاه رجل نصراني و نحن معه بالعريض فقال له النصراني: أتيتك من بلد بعيد و سفر شاق و سألت ربي منذ ثلاثين سنة أن يرشدني الي خير الأديان و الي خير العباد و أعلمهم و أتاني آت في النوم فوصف لي رجلا بعليا دمشق، فانطلقت حتي أتيته فكلمته.

فقال: أنا أعلم أهل ديني و غيري أعلم مني، فقلت: أرشدني الي من هو أعلم منك فاني لا أستعظم السفر و لا تبعد علي الشقة و لقد قرأت



[ صفحه 128]



الانجيل كلها و مزامير داوود و قرأت أربعة أسفار من التوراة و قرأت ظاهر القرآن حتي استوعبته كله، فقال لي العالم: ان كنت تريد علم النصرانية فأنا أعلم العرب و العجم بها و ان كنت تريد علم اليهود فباطي بن شرحبيل السامري أعلم الناس بها اليوم.

و ان كنت تريد علم الاسلام و علم التوراة و علم الانجيل و علم الزبور و كتاب هود و كلما أنزل علي نبي من الأنبياء في دهرك و دهر غيرك و ما أنزل من السماء من خبر فعلمه أحد أو لم يعلم به أحد، فيه تبيان كل شي ء و شفاء للعالمين و روح لمن استروح اليه و بصيرة لمن أراد الله به خيرا و أنس الي الحق فأرشدك اليه، فأته و لو مشيا علي رجليك، فان لم تقدر فحبوا علي ركبتيك، فان لم تقدر فزحفا علي استك، فان لم تقدر فعلي وجهك.

فقلت: لا بل أنا أقدر علي المسير في البدن و المال، قال: فانطلق من فورك حتي تأتي يثرب، فقلت: لا أعرف يثرب، قال: فانطلق حتي تأتي مدينة النبي صلي الله عليه و آله و سلم الذي بعث في العرب و هو النبي العربي الهاشمي فاذا دخلتها فسل عن بني غنم بن مالك بن النجار و هو عند باب مسجدها و أظهر بزة النصرانية و حليتها فان واليها يتشدد عليهم و الخليفة أشد، ثم تسأل عن بني عمرو بن مبذول و هو ببقيع الزبير، ثم تسأل عن موسي بن جعفر و أين منزله و أين هو؟ مسافر أم حاضر فان كان مسافرا فالحقه فان سفره أقرب مما ضربت اليه.

ثم أعلمه أن مطران عليا الغوطة - غوطة دمشق - هو الذي أرشدني اليك و هو يقرئك السلام كثيرا و يقول لك: اني لأكثر مناجاة ربي أن يجعل اسلامي علي يديك، فقص هذه القصة و هو قائم معتمد علي عصاه، ثم قال: ان أذنت لي يا سيدي كفرت لك و جلست فقال: آذن لك أن تجلس



[ صفحه 129]



و لا آذن لك أن تكفر، فجلس ثم ألقي عنه برنسه ثم قال: جعلت فداك تأذن لي في الكلام؟ قال: نعم ما جئت الا له، فقال له النصراني: أردد علي صاحبي السلام أو ما ترد السلام.

فقال أبوالحسن عليه السلام: علي صاحبك أن هداه الله فأما التسليم فذاك اذا صار في ديننا، فقال النصراني: انني أسألك - أصلحك الله - قال: سل، قال: أخبرني عن كتاب الله تعالي الذي أنزل علي محمد و نطق به، ثم وصفه بما وصفه به، فقال: (حم - و الكتاب المبين - انا انزلناه في ليلة مباركة انا كنا منذرين - فيها يفرق كل أمر حكيم) ما تفسيرها في الباطن؟ فقال: أما (حم) فهو محمد صلي الله عليه و آله و سلم و هو في كتاب هود الذي أنزل عليه و هو منقوص الحروف.

و أما (الكتاب المبين) فهو أميرالمؤمنين علي عليه السلام و أما الليلة ففاطمة و أما قوله: (فيها يفرق كل أمر حكيم) يقول: يخرج منها خير كثير فرجل حكيم و رجل حكيم و رجل حكيم فقال الرجل: صف لي الأول و الآخر من هؤلاء الرجال: فقال: ان الصفات تشتبه ولكن الثالث من القوم أصف لك ما يخرج من نسله و انه عندكم لفي الكتب التي نزلت عليكم، ان لم تغيروا و تحرفوا و تكفروا و قديما ما فعلتم.

قال له النصراني: اني لا أستر عنك ما علمت و لا أكذبك و أنت تعلم ما أقول في صدق ما أقول و كذبه و الله لقد أعطاك الله من فضله، و قسم عليك من نعمه ما لا يخطره الخاطرون و لا يستره الساترون و لا يكذب فيه من كذب، فقولي لك في ذلك الحق كما ذكرت، فهو كما ذكرت.

فقال له أبوابراهيم عليه السلام: أعجلك أيضا خبرا لا يعرفه الا قليل ممن قرأ الكتب، أخبرني ما اسم أم مريم و أي يوم نفخت فيه مريم و لكم من



[ صفحه 130]



ساعة من النهار، و أي يوم وضعت مريم فيه عيسي عليه السلام و لكم من ساعة من النهار؟ فقال النصراني: لا أدري.

فقال أبوابراهيم عليه السلام: أما أم مريم فاسمها مرثا و هي وهيبة بالعربية و أما اليوم الذي حملت فيه مريم فهو يوم الجمعة للزوال و هو اليوم الذي هبط فيه الروح الأمين و ليس للمسلمين عيد كان أولي عنه، عظمه الله تبارك تعالي و عظمه محمد صلي الله عليه و آله و سلم، فأمر أن يجعله عيدا فهو يوم الجمعة و أما اليوم الذي ولدت فيه مريم فهو يوم الثلاثاء، لأربع ساعات و نصف من النهار و النهر الذي ولدت عليه مريم عيسي عليه السلام هل تعرفه؟ قال: لا.

قال: هو الفرات و عليه شجر النخل و الكرم و ليس يساوي بالفرات شي ء للكروم و النخيل. فأما اليوم الذي حجبت فيه لسانها و نادي قيدوس ولده و أشياعه فأعانوه و أخرجوا آل عمران لينظروا الي مريم، فقالوا لها ما قص الله عليك في كتابه و علينا في كتابه، فهل فهمته؟ قال: نعم و قرأته اليوم الأحدث، قال: اذن لا تقوم من مجلسك حتي يهديك الله، قال النصراني: ما كان اسم أمي بالسريانية و بالعربية؟

فقال: كان اسم أمك بالسريانية عنقالية و عنقورة كان اسم جدتك لأبيك و أما اسم أمك بالعربية فهومية و أما اسم أبيك فعبد المسيح و هو عبدالله بالعربية و ليس للمسيح عبد، قال: صدقت و بررت، فما كان اسم جدي؟ قال: كان اسم جدك جبرائيل و هو عبدالرحمن سميته في مجلسي هذا قال: أما انه كان مسلما؟

قال أبوابراهيم عليه السلام: نعم و قتل شهيدا، دخلت عليه أجناد فقتلوه في منزله غيلة و الأجناد من أهل الشام، قال: فما كان اسمي قبل كنيتي؟ قال: كان اسمك عبدالصليب، قال: فما تسميني؟ قال: أسميك عبدالله،



[ صفحه 131]



قال: فاني آمنت بالله العظيم و شهدت أن لا اله الا الله وحده لا شريك له، فردا صمدا، ليس كما تصفه النصاري و ليس كما تصفه اليهود و لا جنس من أجناس الشرك، و أشهد أن محمدا عبده و رسوله.

أرسله بالحق فأبان به لأهله و عمي المبطلون و أنه كان رسول الله الي الناس كافة الي الأحمر و الأسود كل فيه مشترك فأبصر من أبصر و اهتدي من اهتدي و عمي المبطلون و ضل عنهم ما كانوا يدعون، و أشهد أن وليه نطق بحكمته و أن من كان قبله من الأنبياء نطقوا بالحكمة البالغة و توازروا علي الطاعة لله و فارقوا الباطل و أهله و الرجس و أهله و هجروا سبيل الضلالة و نصرهم الله بالطاعة له و عصمهم من المعصية.

فهم لله أولياء و للدين أنصار، يحثون علي الخير و يأمرون به، آمنت بالصغير منهم و الكبير و من ذكرت منهم و من لم أذكر و آمنت بالله تبارك و تعالي رب العالمين، ثم قطع زناره و قطع صليبا كان في عنقه من ذهب.

ثم قال: مرني حتي أضع صدقتي حيث تأمرني فقال: ههنا أخ لك كان علي مثل دينك و هو رجل من قومك من قيس بن ثعلبة و هو في نعمة كنعمتك فتواسيا و تجاورا و لست أدع أن أورد عليكما حقكما في الاسلام فقال: والله - أصلحك الله - اني لغني و لقد تركت ثلاثمائة طروق بين فرس و فرسة و تركت ألف بعير، فحقك فيها أوفر من حقي.

فقال له: أنت مولي الله و رسوله في حد نسبك علي حالك، فحسن اسلامه و تزوج امرأة من بني فهر و أصدقها أبوابراهيم عليه السلام خمسين دينار من صدقة علي بن أبي طالب عليه السلام و أخدمه و بوأه و أقام حتي أخرج و ابراهيم عليه السلام، فمات بعد مخرجه بثمان و عشرين ليلة.

292- قال يعقوب بن جعفر: كنت عند أبي ابراهيم عليه السلام و أتاه



[ صفحه 132]



رجل من أهل نجران اليمن من الرهبان و معه راهبة، فاستأذن لهما الفضل بن سوار، فقال له: اذا كان غدا فأت بهما عند بئر أم خير، قال: فوافينا من الغد فوجدنا القوم قد وافوا فأمر بخصفة بواري.

ثم جلس و جلسوا فبدأت الراهبة بالمسائل فسألت عن مسائل كثيرة، كل ذلك يجيبها، و سألت أبوابراهيم عليه السلام عن أشياء، لم يكن عندها فيه شي ء، ثم أسلمت ثم أقبل الراهب يسأله فكان يجيبه في كل ما يسأله، فقال الراهب: قد كنت قويا علي ديني و ما خلفت أحدا من النصاري في الأرض يبلغ مبلغي في العلم و لقد سمعت برجل في الهند، اذا شاء حج الي بيت المقدس في يوم و ليلة.

ثم يرجع الي منزله بأرض الهند، فسألت عنه بأي أرض هو؟ فقيل لي: انه بسبذان و سألت الذي أخبرني فقال: هو علم الاسم الذي ظفر به آصف صاحب سليمان لما أتي بعرض سبأ و هو الذي ذكره الله لكم في كتابكم و لنا معشر الأديان في كتبنا، فقال له أبوابراهيم عليه السلام: فكم لله من اسم لا يرد؟ فقال الراهب. الأسماء كثيرة فأما المحتوم منها الذي لا يرد سائله فسبعة.

فقال له أبوالحسن عليه السلام: فأخبرني عما تحفظ منها، قال الراهب لا والله الذي أنزل التوراة علي موسي و جعل عيسي عبرة للعالمين و فتنة لشكر أولي الألباب و جعل محمد بركة و رحمة و جعل عليا عليه السلام عبرة و بصيرة و جعل الأوصياء من نسله و نسل محمد ما أدري، و لو دريت ما احتجت فيه الي كلامك و لا جئتك و لا سألتك.

فقال له أبوابراهيم عليه السلام: عد الي حديث الهندي، فقال له الراهب: سمعت بهذه الأسماء و لا أدري ما بطانتها و لا شرائحها و لا أدري ما هي



[ صفحه 133]



و لا كيف هي و لا بدعائها، فانطلقت حتي قدمت سبذان الهند، فسألت عن الرجل، فقيل لي: انه بني ديرا في جبل فصار لا يخرج و لا يري الا في كل سنة مرتين و زعمت الهند أن الله فجر له عينا في ديره و زعمت الهند أنه يزرع له من غير زرع يلقيه و يحرث له من غير حرث يعمله، فانتهيت الي بابه فأقمت ثلاثا، لا أدق الباب و لا أعالج الباب.

فلما كان اليوم الرابع فتح الله الباب و جاءت بقرة عليها حطب تجر ضرعها، يكاد يخرج ما في ضرعها نم اللبن فدفعت الباب فانفتح فتبعتها و دخلت، فوجدت الرجل قائما ينظر الي السماء فيبكي و ينظر الي الأرض فيبكي و ينظر الي الجبال فيبكي، فقلت: سبحان الله رجل خلفته وراء ظهرك، فقلت له: اخبرت أن عندك اسما من أسماء الله تبلغ به في كل يوم و ليلة بيت المقدس و ترجع الي بيتك.

فقال لي: و هل تعرف بيت المقدس؟ قلت: لا أعرف الا بيت المقدس الذي بالشام؟ قال: ليس بيت المقدس ولكنه البيت المقدس و هو بيت آل محمد صلي الله عليه و آله و سلم، فقلت له: أما ما سمعت به الي يومي هذا فهو بيت المقدس، فقال لي: تلك محاريب الأنبياء، و انما كان يقال لها: حظيرة المحاريب، حتي جاءت الفترة التي كانت بين محمد و عيسي صلي الله عليهما و قرب البلاء من أهل الشرك و حلت النقمات في دور الشياطين.

فحولوا و بدلوا و نقلوا تلك الأسماء و هو قول الله تبارك و تعالي - البطن لآل محمد و الظهر مثل - (ان هي الا أسماء سميتموها أنتم و آباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان) فقلت له: اني قد ضربت اليك من بلد بعيد، تعرضت اليك بحارا و غموما و هموما و خوفا و أصبحت و أمسيت



[ صفحه 134]



مؤيسا الا أكون ظفرت بحاجتي.

فقال لي: ما أري أمك حملت بك الا و قد حضرها ملك كريم و لا أعلم أن أباك حين أراد الوقوع بأمك الا و قد اغتسل و جاءها علي طهر و لا أزعم الا أنه قد كان درس السفر الرابع من سحره ذلك، فختم له بخير، ارجع من حيث جئت، فانطلق حتي تنزل مدينة محمد صلي الله عليه و آله و سلم التي يقال لها: طيبة و قد كان اسمها في الجاهلية يثرب.

ثم اعمد الي موضع منها يقال له: البقيع، ثم سل عن دار يقال لها: دار مروان، فانزلها و أقم ثلاثا ثم سل [عن] الشيخ الأسود الذي يكون علي بابها يعمل البواري و هي في بلادهم، اسمها الخصف، فالطف بالشيخ و قل له: بعثني اليك الذي كان ينزل في الزاوية في البيت الذي فيه الخشيبات الأربع، ثم سله عن فلان ابن فلان الفلاني وسله أين ناديه وسله أي ساعة يمر فيها فليريكاه أو يصفه لك، فتعرفه بالصفة و سأصفه لك.

قلت: فاذا لقيته فأصنع ماذا؟ قال: سله عما كان و عما هو كائن و سله عن معالم دين من مضي و من بقي، فقال له أبوابراهيم عليه السلام: قد نصحك صاحبك الذي لقيت، فقال الراهب: ما اسمه جعلت فداك؟ قال: هو متمم بن فيروز و هو من أبناء الفرس و هو ممن آمن بالله وحده لا شريك له و عبده بالاخلاص و الايقان و فر من قومه لما خافهم، فوهب له ربه حكما و هداه لسبيل الرشاد و جعله من المتقين و عرف بينه و بين عباده المخلصين و ما من سنة الا و هو يزور فيها مكة حاجا و يعتمر في رأس كل شهر مرة و يجي ء من موضعه من الهند الي مكة، فضلا من الله و عونا و كذلك يجزي الله الشاكرين.

ثم سأله الراهب عن مسائل كثيرة، كل ذلك يجيبه فيها و سأل الراهب



[ صفحه 135]



عن أشياء، لم يكن عند الراهب فيها شي ء، فأخبره بها، ثم ان الراهب قال: أخبرني عن ثمانية أحرف نزلت فتبين في الأرض منها أربعة و بقي في الهواء منها أربعة، علي من نزلت تلك الأربعة التي في الهواء و من يفسرها؟ قال: ذاك قائمنا، ينزله الله عليه فيفسره و ينزل عليه ما لم ينزل علي الصديقين و الرسل و المهتدين.

ثم قال الراهب: فأخبرني عن الاثنين من تلك الأربعة الأحرف التي في الأرض ما هي؟ قال: أخبرك بالأربعة كلها، أما أولهن فلا اله الا الله وحده لا شريك له باقيا، و الثانية محمد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم مخلصا، و الثالثة نحن أهل البيت، و الرابعة شيعتنا منا و نحن من رسول الله صلي الله عليه و آله و رسول الله من الله بسبب.

فقال له الراهب: أشهد أن لا اله الا الله و أن محمدا رسول الله و أن ما جاء به من عندالله حق و أنكم صفوة الله من خلقه و أن شيعتكم المطهرون المستبدلون و لهم عاقبة الله و الحمدلله رب العالمين.

فدعا أبوابراهيم عليه السلام بجبة خز و قميص قوهي و طيلسان و خف و قلنسوة، فأعطاه اياها و صلي الظهر و قال له: اختتن، فقال: قد اختتنت في سابعي.

293- قال الطبري: كان بحضرة باب الرشيد رجل من الأنصار يقال له نقيع و كان عريضا و كان آدم بن عبدالعزيز شاعرا طريفا فاتفقنا بباب الرشيد و حضر موسي بن جعفر علي حمار له فلما قرب قام الحاجب اليه فأدخله من الباب فقال نقيع لآدم من هذا؟ فقال أو ما تعرفه؟ قال: لا، قال: هذا شيخ آل ابي طالب اليوم هذا فلان ابن فلان.

فقال: تبا لهؤلاء القوم يكرمون هذا الاكرام من يقصد ليزيلهم عن



[ صفحه 136]



سريرهم اما انه اذا خرج لاسؤنه قال: فقال آدم: لا تفعل ان هؤلاء قوم قد اعطاهم الله [1] رجل حظا في السنتهم و قل ما ناوأهم انسان أو تعرض لهم الا و وسموه بسمة سوء فقال له: ستري و خرج موسي فوثب اليه نقيع فأخذ بلجام حماره و قال له: من أنت؟

فقال بوقار: ان كنت تريد النسب فأنا ابن محمد حبيب الله ابن اسماعيل ذبيح الله ابن ابراهيم خليل الله و ان كنت تريد البيت فهو البيت الذي اوجب الله جل ذكره علي المسلمين كافة و عليك ان كنت منهم ان تحجوا اليه ان كنت تريد المنافرة فوالله ما رضوا مشركوا قومي بمسلمي قومك أكفاء حتي قالوا: يا محمد اخرج الينا اكفاءنا من قريش قال: فاسترخت أصابعه من اللجام و تركه.

294- قال السيد المرتضي: قدم علي الرشيد رجل من الأنصار، يقال له نفيع - و كان عريضا - قال: فحضر باب الرشيد، و معه عبدالعزيز بن عمر بن عبدالعزيز، و حضر موسي بن جعفر عليهماالسلام علي حمار له، فتلقاه الحاجب بالبر و الاكرام، و أعظمه من كان هناك، و عجل له الاذن، فقال نفيع لعبد العزيز: من هذا الشيخ؟ قال: أو ما تعرفه؟ قال: لا.

قال: هذا شيخ آل أبي طالب، هذا موسي بن جعفر، قال: ما رأيت أعجز من هؤلاء القوم! يفعلون هذا برجل يقدر أن يزيلهم عن السرير! أما لئن خرج لأسوءنه، فقال له عبدالعزيز: لا تفعل، فان هؤلاء أهل بيت فلما تعرض لهم أحد في خطاب الا و سموه بالجواب سمة يبقي عارها عليه مدي الدهر.



[ صفحه 137]



قال: و خرج موسي بن جعفر عليهماالسلام، فقام اليه نفيع الأنصاري، فأخذ بلجام حماره ثم قال له: من أنت؟ فقال له: يا هذا، ان كنت تريد النسب فأنا ابن محمد حبيب الله ابن اسماعيل ذبيح الله ابن ابراهيم خليل الله، و ان كنت تريد البلد، فهو الذي فرض الله علي المسلمين و عليك - ان كنت منهم - الحج اليه، و ان كنت تريد المفاخرة، فوالله ما رضي مشركوا قومي مسلمي قومك أكفاء لهم حتي قالوا: يا محمد، أخرج الينا أكفاءنا من قريش؛ خل عن الحمار، قال: فخلي عنه ويده ترعد، و انصرف بخزي، فقال له عبدالعزيز: ألم أقل لك!.



[ صفحه 138]




پاورقي

[1] كذا بياض في الأصل.