بازگشت

كتابه إلي الخيزران، ما بينه وبين خلفاء الجور


محمّد بن عيسي، عن بعض من ذكره، أنّه كتب أبو الحسن موسي عليه السلام إلي الخيزران [1] اُمّ أمير المؤمنين يعزّيها بموسي ابنها، ويهنؤها بهارون ابنها:

بسم الله الرّحمن الرّحيم

لِلخَيزُران اُمِّ أميرِ المُؤمِنينَ مِن موسي بنِ جَعفَرِ بنِ مُحمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ الحُسَينِ.

أمّا بَعدُ: أصلَحَكِ اللهُ وَأمتَعَ بِكَ، وَأَكرَمَكِ وَحَفِظَكِ، وَأتَمَّ النِّعمَةَ وَالعافِيَةَ فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ لَكِ بِرَحمَتِهِ.

ثُمَّ إنَّ الاُمورَ - أطالَ اللهُ بَقاءَكِ - كُلُّها بِيَدِ اللهِ، يُمضيها وَيُقَدِّرُها بِقُدرَتِهِ فيها وَالسُّلطانِ عَلَيها، تَوكّل بِحِفظِ ماضيها وَتَمامِ باقيها، فلا مُقَدِّمَ لِما أخَّر مِنها وَلا مُؤخِّرَ لِما قَدَّمَ، استَأثَرَ بِالبَقاءِ وَخَلَقَ خَلقَهُ لِلفَناءِ، أسكَنَهُم دُنيا سَريعٌ زَوالُها قَليلٌ بَقاؤُها، وَجَعَلَ لَهُم مَرجِعاً إلي دارٍ لا زَوالَ لَها وَلا فَناءَ. وَكَتَبَ المَوتَ علي جَميعِ خَلقِهِ، وَجَعَلَهُم اُسوَةً فيهِ، عَدلاً مِنهُ عَلَيهِم عَزيزاً، وَقُدرَةً مِنهُ عَلَيهِم، لا مَدفَعَ لأَحَدٍ مِنهُ وَلا مَحيصَ لَهُ عَنهُ، حَتّي يَجمَعَ اللهُ تَبارَكَ وَتَعالي بِذلِكَ إلي دارِ البَقاءِ خَلقَهُ، وَيَرِثَ بهِ أرضَهُ وَمَن عَلَيها، وَإلَيهِ يَرجِعونَ.

بَلَغَنا - أطال اللهُ بَقاءَكِ - ما كانَ مِن قَضاءِ اللهِ الغَالِبِ في وَفاةِ أميرِ المُؤمِنينَ موسي صلواتُ اللهِ عَلَيهِ وَرَحمَتُهُ وَمَغفِرَتُهُ وَرِضوانُهُ، وَإِنّا للَّهِِ وَإِنّا إلَيهِ راجِعونَ، إعظاماً لِمُصيبَتهِ وَإِجلالاً لِرُزئِهِ [2] وَفَقدِهِ، ثُمَّ إنّا للَّهِِ وَإِنّا إلَيهِ راجِعونَ، صبراً لِأَمرِ اللهِ وَتَسليماً لِقَضائِهِ، ثُمَّ إنّا للَّهِِ وَإِنّا إلَيهِ راجِعونَ لِشِدَّةِ مُصيبَتِكِ عَلَينا خاصَّةً، وَبُلوغِها مِن حَرِّ قُلوبِنا وَنُشوزِ أنفُسِنا.

نَسأَلُ اللهَ أن يُصَلِّيَ عليَ أميرِ المُؤمِنينَ وَأن يَرحَمَهُ، وَيُلحِقَهُ بِنَبِيِّهِ صلي الله عليه وآله وَبِصالِحِ سَلَفِهِ، وَأن يَجعَل ما نَقَلَهُ إلَيهِ خَيراً مِمّا أخرَجَهُ مِنهُ.

وَنَسأَلُ اللهَ أن يُعَظِّمَ أجرَكِ، أمتَعَ اللهُ بِكَ - وَأن يُحسِنَ عُقباكِ، وَأن يُعَوِّضَكِ مِنَ المُصيبَةِ بِأَميرِ المُؤمنينَ صَلَواتُ اللهِ عَلَيهِ أفضَلَ ما وَعَدَ الصّابِرينَ مِن صَلَواتِهِ وَرَحمَتِهِ وَهُداهُ.

وَنَسأَلُ اللهَ أن يَربُطَ علي قَلبِكِ، وَيُحسِنَ عَزاءَكِ وَسَلوَتَكِ، وَالخَلَفَ عَلَيكِ، وَلا يُريكِ بَعدَهُ مَكروهاً في نَفسِكِ وَلا في شَيءٍ مِن نِعمَتِهِ عَلَيكَ.

وَأسأَلُ اللهَ أن يُهنيكِ خِلافَةَ أميرِ المُؤمِنينَ أمتَعَ اللهُ بِهِ وَأَطالَ بَقاءَهُ وَمَدَّ في عُمُرِهِ وَأَنسَأ في أجَلِهِ، وَأَن يُسَوِّغَكُما بِأَتَمِّ النِّعمَةِ وَأفضَلِ الكَرامَةِ، وَأطوَلِ العُمُرِ، وَأحسَنِ الكِفايَةِ، وَأن يُمَتِّعَكِ وَإِيّانا خاصَّةً، وَالمُسلِمينَ عامَّةً بِأَميرِ المُؤمِنينَ، حَتّي نَبلُغَ بِهِ أفضَلَ الأَمَلِ فيهِ لِنَفسِهِ وَمِنكِ - أطالَ اللهُ بقاءَهُ - وَمِنّا لَهُ.

لَم يَكُن - أطالَ اللهُ بَقاءَكِ - أحَدٌ مِن أهلي وَقَومِكِ وَخاصَّتِكِ وَحُرَمتِكِ، كانَ أشَدَّ لِمُصيبَتِكِ إِعظاماً وَبِها حُزناً، وَلَكِ بِالأَجرِ عَلَيها دُعاءً، وَبِالنِّعمَةِ الّتي أحدَثَ اللهُ لِأَميرِ المُؤمِنينَ - أطالَ اللهُ بَقاءَهُ - دُعاءً بِتَمامِها وَدَوامِها وَبَقائِها، وَدَفعِ المَكروهِ فيها، مِنّي.

وَالحَمدُ للَّهِِ لِما جَعَلَ اللهَ عَلَيهِ بِمَعرِفَتي بِفَضلِكِ، وَالنِّعمَةِ عَلَيكِ، وَشُكري بَلاءَكِ، وَعَظيمِ رَجائي لَكِ، أمتَعَ اللهُ بِكِ وَأَحسَنَ جزاءَكِ.

إن رأيتِ - أطالَ اللهُ بَقاءَكِ - أن تَكتُبي إلَيَّ بِخَبَرِكِ في خاصَّةِ نَفسِكِ، وَحالِ جَزيلِ هذهِ المُصيبَةِ وَسَلوَتِكِ عَنها، فَعَلتِ، فَإنّي بذِلِكَ مُهتَّمٌ إلي ما جاءَني مِن خَبَرِكِ وَحالِكِ فيهِ مُتَطَلِّعٌ، أتَمَّ اللهُ لَكِ أفضَلَ ما عَوَّدَكِ مِن نِعَمِهِ، وَاصطَنَعَ عِندَكِ مِن كرامَتِهِ، وَالسَّلامُ عَليكِ وَرَحمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ.

وَكُتِبَ يَومَ الخَميسِ لِسَبعِ لَيالٍ خَلَونَ مِن شَهرِ رَبيعِ الآخِرِ سَنَةَ سَبعينَ وَمِئَةٍ. [3] .

قال العلّامة المجلسي رحمة الله عليه: انظُر إلي شِدَّةِ التقيّة في زمانِهِ عليه السلام حَتّي أحوجته إلي أن يكتب مثل هذا الكتاب لموت كافر لا يؤمن بيوم الحساب، فهذا يفتح لك من التّقية كلّ باب.


پاورقي

[1] خيزران أمّ هارون الرشيد والهادي: المتوفية سنة 173، هي من ربات السياسة والنفوذ والسّلطان لعبت دوراً عظيماً في خلافة ولدها واستبدت بالأمر حتي شاركته في شؤون الدولة، وكان الهادي كثيراً لطاعتها ومجيباً لها فيها تسأله من الحوائج... (تراجم أعلام النساء: ج 1 ص 314 و ج 2 ص 67).

[2] وفي نسخة: «لرزيته».

[3] قرب الإسناد: ص306 ح1201، بحار الأنوار: ج48 ص134 ح7.