بازگشت

كتابه إلي هارون الرشيد


قال الرّشيد [1] : بحقّ آبائك لمّا اختصرت كلمات جامعة لمّا تجاريناه. فقال عليه السلام: نعم. واُتي بدواة وقرطاس فكتب:

بِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

جَميعُ اُمورِ الأديانِ أربَعَةٌ: أمرٌ لا اختِلافَ فيهِ وَهُوَ إجماعُ الاُمَّةِ علي الضَّرورَةِ الّتي يَضطَرّونَ إلَيها، وَالأخبارِ المُجمَعِ عَلَيها، وَهِيَ الغايَةُ المَعروضُ عَلَيها كُلُّ شُبهَةٍ، وَالمُستَنبَطُ مِنها كُلُّ حادِثَةٍ، وَهُوَ إجماعُ الاُمَّةِ.

وَأمرٌ يَحتَمِلُ الشَّكَ وَالإنكارَ، فَسَبيلُهُ استيضاحُ أهلِهِ لِمُنتَحِليهِ بِحُجَّةِ مِن كِتابِ اللهِ مُجمَعٍ علي تَأويلِها، وَسُنَّةٍ مُجمَعٍ عَلَيها لا اختِلافَ فيها، أو قياسٍ تَعرِفُ العُقولُ عَدلَهُ وَلا يَسَعُ خاصَّةَ الاُمَّةِ وَعامَّتَها الشَّكُّ فيهِ وَالإنكارُ لَهُ.

وَهذانِ الأمرانِ مِن أمرِ التَّوحيدِ فَما دونَهُ، وَأرشُ الخَدشِ فَما فَوقَهُ. فَهذا المَعروضُ الّذي يُعرَضُ عَلَيهِ أمرُ الدّينِ، فَما ثَبَتَ لَكَ بُرهانُهُ اصطَفَيتَهُ وَما غَمَضَ عَلَيكَ صَوابُهُ نَفَيتَهُ. فَمَن أورَدَ واحِدَةً مِن هذهِ الثَّلاثِ فَهِيَ الحُجَّةُ البالِغَةُ الّتي بَيَّنَها اللهُ في قَولِهِ لِنَبِيِّهِ: «قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَآءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ» [2] يَبلُغُ الحُجَّةَ البالِغَةَ الجاهِلُ فَيَعلَمُها بِجَهلِهِ كَما يَعلَمُهُ العالِمُ بِعلمِهِ، لِأنَّ اللهَ عَدلٌ لا يَجورُ، يَحتَجُّ علي خَلقِهِ بِما يَعلَمونَ، وَيَدعوهُم إلي ما يَعرِفونَ، لا إلي ما يَجهَلونَ وَيُنكِرونَ. [3] .

وفي الاختصاص في حديث أبي الحسن موسي بن جعفر عليهما السلام: محمّد بن الحسن بن أحمد، عن أحمد بن إدريس، عن محمّد بن أحمد بن محمّد بن إسماعيل العلويّ، قال: حدّثني محمّد بن الزّبرقان الدّامغانيّ الشّيخ [4] ، قال: قال أبو الحسن موسي بن جعفر عليهما السلام:

لمّا أمَرَهُم هارونُ الرَّشيدُ بِحَملي... فَقالَ: اُحِبُّ أن تَكتُبَ لي كَلاماً مُوجزاً لَهُ اُصولٌ وَفُروعٌ، يُفهَمُ تَفسيرُهُ، وَيَكونُ ذلِكَ سَماعَكَ مِن أبي عَبدِ اللهِ عليه السلام؟

فَقُلتُ: نَعَم... فَكَتَبتُ:

بِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

جَميعُ اُمورِ الدُّنيا أمرانِ: أمرٌ لا اختِلافَ فيهِ، وَهُوَ إجماعُ الاُمَّةِ علي الضَّرورَةِ الّتي يَضطَرّونَ إلَيها، والأخبارِ [5] المُجمَعِ عَلَيها، المَعروضِ عَلَيها كُلُّ شُبهَةٍ، وَالمُستَنبَطِ مِنها علي كُلِّ حادِثَةٍ.

وَأمرٌ يَحتَمِلُ الشَّكَّ وَالإنكارَ، وَسَبيلُهُ استيضاحُ أهلِ الحُجَّةِ عَلَيهِ، فَما ثبَتَ لِمُنتَحليهِ مِن كِتابٍ مُستَجمَعٍ علي تَأويلِهِ، أو سُنَّةٍ عَنِ النَّبيّ صلي الله عليه وآله لا اختِلافَ فيها، أو قِياسٍ تَعرِفُ العُقولُ عَدلَهُ، ضاقَ علي مَنِ استَوضَحَ تِلكَ الحُجَّةِ رَدُّها، وَوَجَبَ عَلَيهِ قَبولُها وَالإقرارُ وَالدِّيانَةُ بِها، وَما لَم يَثبُت لِمُنتَحِليهِ بِهِ حُجَّةٌ مِن كِتابٍ مُستَجمَعٍ علي تَأويلِهِ أو سُنَّةٍ عَنِ النَّبيّ صلي الله عليه وآله، لا اختِلافَ فيها، أو قِياسٍ تَعرِفُ العُقولُ عَدلَهُ وَسِعَ خاصَّ الاُمَّةِ وَعامَّها الشَّكُّ فيهِ، وَالإنكارُ لَهُ.

كَذلِكَ هذانِ الأمرانِ مِن أمرِ التَّوحيدِ فَما دونَهُ إلي أرشِ الخَدشِ فَما دونه، فَهذا المَعروضُ الّذي يُعرَضُ عَلَيهِ أمرُ الدّينِ، فَما ثَبَتَ لَكَ بُرهانُهُ اصطَفَيتَهُ، وَما غمَضَ عَنكَ ضَوؤهُ نَفَيتَهُ وَلا قُوَّةَ إلّا بِاللهِ، وَحَسبُنا اللهُ وَنِعمَ الوَكيلُ.

فَأخبَرتُ المُوكَّلَ بي أنِّي قَد فَرَغتُ مِن حاجَتِهِ، فَأخبَرَهُ فَخَرَجَ وَعَرَضتُ عَلَيهِ فَقالَ: أحسَنتَ، هُوَ كَلامٌ مُوجَزٌ جامِعٌ فَارفَع حَوائِجَكَ يا موسي... [6] .


پاورقي

[1] هو هارون العبّاسيّ.

[2] الأنعام: 149.

[3] تحف العقول: ص407، بحار الأنوار: ج10 ص243، وسائل الشيعة: ج27 ص103 ح33329 وفيه: «عن أبي الحسن موسي بن جعفرعليه السلام، كان لأبي يوسف معه كلام في مجلس الرّشيد فقال الرّشيد - بعد كلام طويل - لموسي بن جعفرعليه السلام: بحقّ آبائك...».

[4] روي عن أبي الحسن موسي بن جعفرعليه السلام، وروي عنه محمّد بن أحمد بن محمّد بن إسماعيل العلويّ، في حديث أبي الحسن موسي بن جعفرعليه السلام مع هارون الرّشيد، والرّواية طويلة ومشتملة علي عدّة مسائل، سأل عنها هارون والإمام عليه السلام أجابه وأفهمه. (راجع: معجم رجال الحديث: ج16 ص85 الرّقم 10753).

[5] في المصدر: «وأخبار»، والصّواب ما أثبتناه.

[6] الاختصاص: ص54، بحار الأنوار: ج2 ص239.