بازگشت

مع موسي الهادي


قال علي بن يقطين:

«لما حمل رأس صاحب فخ [1] الي موسي بن المهدي - أي الهادي العباسي - أخذ ينال من الطالبيين الي أن نال من موسي بن جعفر، و حلف الله بقتله. فتكلم فيه القاضي أبويوسف حتي سكن غضبه.

و أنهي الخبر الي الامام عليه السلام، و عنده جماعة من أهل بيته، فقال لهم: بم تشيرون؟.

قالوا: نري أن تتباعد عنه، و أن تغيب شخصك، فانه لا يؤمن شره.

فتبسم ثم قال:



زعمت سخينة أن ستغلب ربها

و لتغلبن مغالب الغلاب [2] .



[ صفحه 170]



ثم رفع يده الي السماء فقال:

الهي كم من عدو شحذ لي ظبة مديته - أي حد سيفه - و أرهف لي شبا حده وداف لي قواتل سمومه - أي خلط سمومه بالطعام - و لم تنم عني عين حراسته. فلما رأيت ضعفي عن احتمال الفوادح - أي المصائب - و عجزي عن ملمات الجوائح - العواصف الهائلة - صرفت عني ذلك بحولك و قوتك، لا بحولي و قوتي. فألقيته في الحفيرة التي احتفر لي، خائبا مما أمله في دنياه، متباعدا مما رجاه في آخرته، فلك الحمد علي قدر استحقاقك سيدي.

أللهم فخذه بعزتك، وافلل حده عني بقدرتك، واجعل له شغلا في ما يليه، و عجزا عمن يناويه.

أللهم و أعدني عليه عدوي حاضرة تكون من غيظي شفاء، و من حقي عليه وفاء، و صل اللهم دعائي بالاجابة، و انظم شكايتي بالتغيير، و عرفه عما قليل ما وعدت الظالمين، و عرفني ما وعدت في اجابة المضطرين، انك ذو الفضل العظيم، و المن الكريم.

ثم أقبل علي أصحابه فقال لهم:

يفرح روعكم. فأنه لا يأتي أول كتاب من العراق، الا بموت موسي - الهادي - بن المهدي - العباسي -.

قالوا: و ما ذلك أصلحك الله.

قال: و حرمة صاحب القبر - يعني رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم - قد مات من يومه هذا!. والله (انه لحق مثل ما أنكم تنطقون (23)). [3] .



[ صفحه 171]



ثم تفرق القوم، فما اجتمعوا الا لقراءة الكتب الواردة بموت موسي بن المهدي». [4] .

فالأئمة من أهل بيت النبي صلوات الله عليه و عليهم، كانوا يعملون بين يدي ربهم، و لا يتاجرون مع غيره، و كانوا - اذا لزم الأمر - يضربون الضربة القاصمة - باذن الله - فلا تخفي علي خصومهم، ولكنهم يأخذهم الكبر و الكفر و الفساد، و سورة العزة بالاثم، فتزداد طباعهم قساوة و صلابة.

فهذا الهادي الي الضلال و سوء الفعال، قد نال من الطالبيين سبا و شتما و لعنا، و لم يشف غليله بقتل الحسين بن علي بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام، و حمل رأسه اليه، بل عزم علي قتل الامام الكاظم عليه السلام أيضا ليبرد حر قلبه الذي كان أسود تضطرم فيه نار الحقد!.

فما كان من أمامنا عليه السلام، الا أن برز الي الله تعالي في خلوة روحانية، و رفع اليه كفيه ابتهالا و تضرعا، و دعا علي ذلك الحاكم الظالم الذي كان يصر بأنيابه حنقا عليه، ثم انفتل من دعائه ليخبر أصحابه بأن الهادي - السلطان المتجبر - الذي يخافون عليه منه قد لوت عنقه دعوة الامام عليه السلام، فأوردته الموت الزؤام.

فيا أيها المتعالي في الأرض، الغافل عما يراد بك، هل ضمنت لنفسك طول العمر حتي تنتقم لعشيرتك المارقة من الدين، و توغل في الانتقام؟!

و هلا ذكرت المتعالي في السماء، المنتقم الجبار، و لا ذكرت أن سيف عزرائيل عليه السلام مصلت فوق رأسك، و لا تعرف متي يهوي عليه فيشقه نصفين؟!.



[ صفحه 172]



أأمنت مكر الله؟! (فلا يأمن مكر الله الا القوم الخاسرون (99)) [5] .

و أنت منهم كما دلت عليه سيرتك، و ما تنطوي عليه سريرتك... و قد دفن غلك معك، فابتلع الزقوم، و اشرب من ماء الحميم.



[ صفحه 173]




پاورقي

[1] صاحب فخ هو أبوعبدالله، الحسين بن علي بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام، بايعه جماعة من العلويين بالخلافة، و خرج في سنة 169 هجرية، فلقيته جيوش بني العباس في واد قرب مكة - هو وادي فخ- فقتل هناك.

[2] هذا البيت لكعبة من مالك، و قيل: هو لحسان بن ثابت. و السخينة لقب قريش لأنها كانت تكثر من أكل السخينة فتعاب به. و السخينة طعام يصنع من الدقيق و السمن مع اضافة غير ذلك اليها.

[3] سورة الذريات: 23.

[4] مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 307-306 و حلية الأبرار ج 2 ص.

[5] سورة الأعراف: 99.