بازگشت

آياته و معجزاته


قال أبوبصير رحمه الله:

«قلت لأبي الحسن، موسي: جعلت فداك، بم يعرف الامام؟.

قال: بخصال.

أما أولاهن، فانه شي ء قد تقدم فيه عن أبيه، و أشار اليه ليكون حجة.

و يسأل فيجيب، و اذا سكت عنه ابتدأ،

و يخبر بما في غده،

و يكلم الناس بكل لسان.

ثم قال: يا أبامحمد، أعطيك علامة قبل أن تقوم.

فلم ألبث أن دخل عليه رجل من خراسان، فكلمه الخراساني بالعربية، فأجابه أبوالحسن بالفارسية.

فقال الخراساني: والله ما منعني أن أكلمك بالفارسية الا أني قد ظننت أنك لا تحسنها.

فقال: سبحان الله!. اذا كنت لا أحسن أن أجيبك، فما فضلي عليك فيما أستحق به الامامة؟!.



[ صفحه 275]



ثم قال: يا أبامحمد، ان الامام لا يخفي عليه كلام أحد من الناس، و لا منطق الطير، و لا كلام شي ء فيه روح» [1] .

أجل، ولو لا ذلك لما كان حجة علي المخلوقين، و لا اماما للانس و الجن.

و ان الذي ينتدبه ربه للأمر العظيم، لابد أن يكون عظيما لا شبيه له في العظماء. فلو فاقه أحد بخلة من الخلال، لظهر فيه عدم الكفاءة؛ ولو سها عن باله أمر، صغير أو كبير، لكان جاهلا بما يعلمه غيره، و تعالي الله عن أن يرصد لأمره الا انسانا كاملا في سائر معانيه.

و قال بدر مولي الرضا:

«ان اسحاق بن عمار دخل علي موسي بن جعفر عليه السلام فجلس عنده، اذ استأذن رجل خراساني فكلمه بكلام لم يسمع مثله كأنه كلام الطير!.

قال اسحاق: فأجابه موسي بمثله، و بلغته الي أن قضي و طره من مساءلته، و خرج من عنده. فقلت: ما سمعت مثل هذا الكلام!.

قال - أي الامام عليه السلام -: هذا كلام قوم نم أهل الصين، و ليس كلام كل أهل الصين مثله.

ثم قال: أتعجب من كلامي؟!.

قلت: هو موضوع العجب.

قال: أخبرك بما هو أعجب منه. ان الامام يعلم منطق الطير، و نطق كل ذي روح خلقه الله، و ما يخفي علي الامام شي ء» [2] .



[ صفحه 276]



نعم، و من شك في ذلك فقد شك مسبقا بامامة الامام، بل يكون قد شك بقدرة الله تعالي علي كل شي ء، و من ثم لم يعط الامامة معناها الحقيقي، و جل الله و عز عن أن يضع خليفة له يفتقر الي شي ء يوجد عند غيره، و تعالي علوا كبيرا عن أن يجعل العصفور يفهم لغة العصافير، و الامام يعجز عن ذلك. بل ينبغي أن يكون خليفته علي مستوي مركزه الرباني، رضينا بذلك أم أبينا، و عقلناه أم أنكرناه... فلا يجوز أن يمثل الدولة سفير لا تتوفر فيه الكفاءات اللائقة بالسفارة عن دولته؛ و الدولة التي لا تحسن اختيار مندوبها تكون قد أخفقت فعلا في ممارسة أعمالها. فلا بد للامام أن يعرف كل ما يجري من حوله في الأرض من أطرافها باذن ربه عزوعلا، و اذا تفوق عليه في فضل أو علم أو فقه أو معرفة، لبطل اختياره و كان المتفوق عليه أولي بالمركز منه.

و روي محمد بن جزل أن ياسر الخادم قال:

«كان غلمان أبي الحسن عليه السلام - أي خدمه - في البيت: صقالبة وروما. و كان أبوالحسن عليه السلام قريبا منهم فسمعتهم بالليل يتراطنون بالصقلبية و الرومية - أي يتكلمون بغير العربية - و يقولون: انا كنا نقتصد في بلادنا في كل سنة، ثم لم نفتصد هاهنا.

فلما كان من الغد، وجه أبوالحسن عليه السلام الي بعض الأطباء فقال له: افصد فلانا عرق كذا و كذا، و افصد فلانا عرق كذا و كذا، ثم قال: يا ياسر، لا تفتصد أنت.

قال - ياسر -: فافتصدت، فورمت يدي و اخضرت.

فقال: يا ياسر، مالك؟!.



[ صفحه 277]



فأخبرته، فقال: ألم أنهك عن ذلك؟. هلم يدك.

فمسح يده عليها، و تفل فيها، ثم أوصاني أن لا أتعشي. فكنت بعد ذلك كم شاء الله أتغافل و أتعشي، فيضرب علي» [3] - أي يهيج جرحه -.

فمن الذي دل الامام عليه السلام علي معني ما تراطن به خدمه... و من علمه الطب و الفصد، و دله علي عرق كل واحد يجوز فصده فيه، ثم نبهه الي أن الخادم ياسر لا ينبغي له أن يفتصد؟.

هل دله الطبيب؟!. لا، بل هو الذي دل الطبيب، و هو الذي أرشد الخادم أن لا يتعشي حتي لا يضطرب فصده و تتورم يده.

و انها لتساؤلات هامة يجوز أن تصدر في حق غير الامام. أما الامام فهو امام الطبيب، و العالم، و الفيلسوف، و الفقيه، و كل مخلوق... و ان الذي اختاره للولاية، أعطاه كل أسباب الدراية و العلم.

قال علي بن حمزة: «دخل رجل من موالي أبي الحسن عليه السلام، فقال: جعلت فداك، أحب أن تتغدي عندي.

فقام أبوالحسن حتي مضي معه؛ و دخل البيت فاذا في البيت سرير، قعد علي السرير و اذ تحت السرير زوج حمام. فهدر الذكر علي الأنثي، و ذهب الرجل ليحمل الطعام، فرجع و أبوالحسن عليه السلام يضحك.

قال: أضحك الله سنك، مم ضحكت؟.

فقال: ان هذا الحمام هدر علي هذه الحمامة فقال لها: يا سكني



[ صفحه 278]



و عرسي، والله ما علي وجه الأرض أحد أحب الي منك الا هذا القاعد علي السرير!.

قلت: جعلت فداك، و تفهم كلام الطير؟!.

قال: نعم، علمنا منطق الطير، و أوتينا من كل شي ء». [4] .

و الحقيقة أن الامام عليه السلام يؤتي من الله كل شي ء، الا ما استأثر به ربه عزوجل لنفسه. و كدليل علي أن امام الزمان يفهم لغة كل ذي روح من الانسان و الحيوان و الطير، نورد لك القصة التالية:

قال علي بن حمزة البطائني: «خرج أبوالحسن، موسي عليه السلام في بعض الأيام من المدينة الي ضيعة له خارجة عنها، فصحبته. و كان عليه السلام راكبا بغلة و أنا علي حمار لي. فلما صرنا في بعض الطريق اعترضنا أسد فأحجمت عنه خوفا، و أقبل أبوالحسن عليه السلام غير مكترث به. فرأيت الأسد يتذلل لأبي الحسن و يهمهم. فوقف له أبوالحسن عليه السلام كالمصغي الي همهمته. و وضع الأسد يده علي كفل بغلته!. و قد همتني نفسي من ذلك و خفت خوفا عظيما.

ثم تنحي الأسد الي جانب الطريق، و حول أبوالحسن عليه السلام وجهه الي القبلة و جعل يدعو و يحرك شفتيه بما لم أفهمه. ثم أومي بيده الي الأسد أن امض، فهمهم الأسد همهمة طويلة، و أبوالحسن عليه السلام يقول: آمين، آمين.

ثم انصرف الأسد حتي غاب عنا، و مضي أبوالحسن عليه السلام لوجهه.

فلما بعدنا عن الموضع قلت له: جعلت فداك، ما شأن هذا الأسد، فقد خفت والله عليك، و عجبت من شأنه معك!.



[ صفحه 279]



فقال لي أبوالحسن عليه السلام: انه خرج يشكو الي عسر الولادة علي لبوءته - أي أنثاه - وسألني أن أسأل الله تعالي أن يفرج عنها؛ ففعلت ذلك و ألقي في روعي أنها تلد ذكرا، فخبرته بذلك، فقال لي: امض في حفظ الله، و لا سلط الله عليك، و لا علي ذريتك، و لا علي أحد من شيعتك، شيئا من السباع. فقلت: آمين» [5] .

و هي آية في غاية الغرابة لو حدثت مع أي انسان... الا مع الامام فانها طبيعية؟ و هي من صلب وظيفته كهمزة صلة بين السماء و الأرض، ولو تعجبنا نحن منها فذلك لقصور أفهامنا.

و روي أن علي بن يقطين قال:

«استدعي الرشيد رجلا يبطل به أمر أبي الحسن، و يخجله في المجلس. فانتدب له رجل معزم. - و هو الذي يستعمل الرقي و السحر -.

فلما أحضرت المائدة، عمل ناموسا - أي احتيالا و سحرا - علي الخبز. فكان كلما رام خادم أبي الحسن تناول رغيف من الخبز، طار من بين يديه!.

و استقر هارون الفرح والضحك لذلك.

فلم يلبث أبوالحسن أن رفع رأسه الي أسد مصور علي بعض الستور، فقال له: يا أسدالله، خذ عدوالله.

قال: فوثبت تلك الصورة كأعظم ما يكون من السباع، فافترس ذلك المعزم!.



[ صفحه 280]



فخر هارون و ندماؤه علي وجوههم مغشيا عليهم، و طارت عقولهم من هول ما رأوه!.

فلما أفاقوا من ذلك بعد حين، قال هارون لأبي الحسن عليه السلام: أسألك بحقي عليك لما سألت الصورة أن ترد الرجل.

فقال [عليه السلام]: ان كانت عصا موسي ردت ما ابتلعته من حبال القوم و عصيهم، فان هذه الصورة ترد ما ابتلعته من هذا الرجل» [6] .

فسلام عليك يا سيدي و مولاي يا أباالحسن، فانك قد أبطلت افكهم و سحرهم و خروا مغشيا عليهم فزعا و رعبا، كما خر سحرة فرعون ساجدين ايمانا و تصديقا.

و كما سجد سحرة فرعون تعظيما لله حين وقعت معجزة موسي عليه السلام، فكذلك وقع أعداؤك مغمي عليهم أمام عظمتك و قدرتك التي وهبها لك ربك عزوعلا... و يا ليتهم ما أفاقوا من غشيتهم و لا استفاقوا....

و مثل هذه الظاهرة الباهرة نري في القصة التالية أيضا.

«في رواية أن الرشيد أمر حميد بن مهران الحاجب بالاستخفاف به عليه السلام.

فقال له: ان القوم قد افتتنوا بك بلا حجة. فأريد أن يأكلني هذان الأسدان المصوران علي المسند.

فأشار عليه السلام اليهما، و قال: خذا عدوالله!.

فأخذاه، و أكلاه ثم قالا: و ما الأمر؟. أنأخذ الرشيد؟.



[ صفحه 281]



قال: لا، عودا الي مكانكما» [7] .

فيا هارون، بل يا قارون السلطة، هل بقي عندك رشد ان كنت تملك الرشد، بعد هذه النازلة الهائلة؟.انها قد أودت بصاحبك الوقح الذي غششته فأوردته مورد الهلاك في الدنيا و الآخرة...

و اذا كان الامام عليه السلام قد خلع عليه صفة عدوالله، فأية صفة يخلع عليك لو كنت تعقل؟!. مات صاحبك و غله في صدره، و مت أنت فدفن معك حقك و مكرك... و كفرك... ولم يكن الامام عليه السلام بصدد طلب سلطان في الدنيا، بل كان شأنه كشأن آبائه عليهم السلام، يبطل ما أنت عليه، كما أبطلوا ما كان آباؤك عليه...

و عن عبدالله بن المغيرة أنه قال:

«مر العبد الصالح بامرأة بمني و هي تبكي و صبيانها من حولها يبكون، و قد ماتت لهم بقرة.

فدنا منها، ثم قال لها: ما يبكيك يا أمة الله؟.

قالت: يا عبدالله، ان لنا صبيانا يتامي، و كانت لي بقرة معيشتي و معيشة صبياني كان منها، و قد ماتت، و بقيت منقطعا بي و بولدي لا حيلة لنا.

فقال: يا أمة الله، هل لك أن أحييها لك!.

فألهمت أن قالت: نعم، يا عبدالله.

فتنحي، و صلي ركعتين، ثم رفع يده هنيئة و حرك شفيته. ثم قام



[ صفحه 282]



فصوت بالبقرة، فنخسها نخسة - أي و كزها بعود في جسمها - أو ضربها برجله، فاستوت علي الأرض قائمة.

فلما نظرت المرأة الي البقرة، صاحت و قالت: عيسي بن مريم و رب الكعبة!.

فخالط الناس و صار بينهم، و مضي عليه السلام». [8] .

و هذه آية و معجزة ثالثة.

فالأولي كمعجزة سليمان عليه السلام الذي علم منطق الطير،

والثانية كمعجزة موسي عليه السلام حين أبطل السحر و ما جاء به الساحرون،

و الثالثة - هذه - كواحدة من معاجز المسيح عيسي بن مريم، سلام الله عليهما. و كهذه، و تلك و تلك، ما جاء في القصة التي رواها الثقة التقي علي بن أبي حمزة الذي قال:

«أخذ بيدي موسي بن جعفر يوما فخرجنا من المدينة الي الصحراء، فاذا نحن برجل مغربي علي الطريق يبكي و بين يديه حمار ميت، و رحله مطروح.

فقال له موسي: ما شأنك؟.

قال: كنت مع رفقائي نريد الحج، فمات حماري هاهنا، و بقيت و مضي أصحابي. و بقيت متحيرا ليس لي شي ء أحمل عليه.

فقال له موسي: لعله لم يمت.



[ صفحه 283]



فقال: أما ترحمني، حتي تلهو بي؟!.

قال: ان عندي رقية جيدة.

قال الرجل: ما يكفيني ما أنا فيه، حتي تستهزي ء بي؟!.

فدنا موسي عليه السلام من الحمار، و دعا بشي ء لم أسمعه، و أخذ قضيبا كان مطروحا فنخسه به وصاح عليه، فوثب قائما صحيحا سليما.

فقال: يا مغربي أتري هاهنا شيئا من الاستهزاء؟!. الحق بأصحابك.

ومضينا و تركناه.

قال علي بن حمزة: فكنت واقفا يوما علي زمزم، و اذا المغربي هناك.

فلما رآني عدا الي وقبلني فرحا مسرورا. فقلت: ما حال حمارك؟.

فقال: هو والله صحيح سليم، و لا أدري من أين من الله علي و أحيا لي حماري بعد موته.

فقلت له: قد بلغت حاجتك، فلا تسأل عما لا تبلغ معرفته» [9] .

فكل واحد من أئمتنا صلوات الله عليهم، يكون مسيح زمانه، لأن القدرة الالهية التي سلحت عيسي عليه السلام بمواهبه و معاجزه، هي ذاتها تسلح كل منتجب لأمر الله بمواهب مماثلة تراها منه عند الحاجة اليها كدليل قاطع علي صلته الحقيقية بالسماء التي اختارته لخير البشر.

... قال اسحاق بن عمار:

«لما حبس هارون أباالحسن عليه السلام، دخل عليه أبويوسف - قاضي



[ صفحه 284]



قضاة القصر - و محمد بن الحسن، صاحبا أبي حنيفة، فقال أحدهما للآخر: نحن علي أحد أمرين، اما أن نساويه، و اما أن نشككه - و في بعض النسخ: نسكته، و هو الأصح -.

فجلسا بين يديه، فجاء رجل كان موكلا به من قبل السندي، فقال: ان نوبتي قد انقضت، و أنا علي الانصراف. فان كانت لك حاجة فأمرني حتي آتيك بها في الوقت الذي تلحقني النوبة.

فقال [عليه السلام]: ما لي حاجة.

فلما خرج قال لأبي يوسف، و محمد بن الحسن: ما أعجب هذا، يسألني أن أكلفه حاجة ليرجع، و هو ميت في هذه الليلة.

قال: فغمز أبويوسف محمد بن الحسن، فقاما.

فقال أحدهما للآخر: انا جئنا نسأله عن الفرض و السنة، و هو الآن جاء بشي ء آخر كأنه من علم الغيب!.

ثم بعثا برجل مع الرجل الآخر فقالا: اذهب حتي تلازمه و تنظر ما يكون من أمره في هذه الليلة، و تأتينا بخبره من الغد.

فمضي الرجل حتي قام في مسجد عند باب داره، فلما أصبح سمع الواعية و رأي الناس يدخلون داره، فقال: ما هذا؟!.

قالوا: مات فلان في هذه الليلة فجأة، من غير علة.

فانصرف اليهما فأخبرهما، فأتيا أباالحسن عليه السلام فقالا: قد علمنا أنك أدركت العلم في الحلال و الحرام، فمن أين أدركت أمر هذا الرجل الموكل أنه يموت في هذه الليلة؟!.

قال: من الباب الذي كان أخبر بعلمه رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم علي بن أبي طالب عليه السلام.



[ صفحه 285]



فلما ورد عليهما هذا، بقيا لا يحيران جوابا» [10] .

و حق لهما أن يسكتا و لا يجيباه عليه السلام.

فقد دخلا عليه ليماحكاه مماحكة مقصودة، فرماهما بمعجزة سماوية أبقتهما جامدين باهتين، بلا جواب و لا احتجاج... فلم يساوياه، و لم يسكتاه، بل عادا خائبين.

و أعجب من الآية السابقة التي تدهش من لا يعرف علم الامام و لا قدرته، آية السرقين الذي أراد هارون العنيد أن يعبث به مع الامام عليه السلام، فأراه الامام عجبا.

فقد «روي أن هارون الرشيد بعث يوما الي موسي عليه السلام، علي يد ثقة له، طبقا من السرقين الذي هو علي هيئة التين، و أراد استخفافه.

فلما وضع الازار عنه، فاذا هو من أحلي التين و أطيبه!. فأكل عليه السلام، و أطعم الحامل منه، ورد بعضه الي هارون الرشيد.

فلما تناوله هارون الرشيد صار سرقينا في فيه - أي لما أكل منه - و كان تينا جنيا» [11] .

فيا خليفة الزمان... الذي استخلفه، علي عرش رسول الله، الشيطان:

أردت الاستخفاف بامام الزمان، ففقأ في عينك حصرمة، وفقا في فيك سرقينا حريفا، بعد أن قلبه الله تعالي في فمه الشريف تينا لذيذا...



[ صفحه 286]



و عن علي بن حمزة رحمه الله، قال:

«كنت معتكفا في مسجد الكوفة، اذ جاءني أبوجعفر الأحول بكتاب مختوم من أبي الحسن عليه السلام.

فقرأت كتابه، فاذا فيه: اذا قرأت كتابي الصغير الذي في جوف كتابي المختوم فأحرزه حتي أطلبه منك.

فأخذ علي الكتاب فأدخله بيت بزه - أي محل ثيابه - في صندوق مقفل في جوف قمطر - أي محفظة - في جوف حق - صندوق صغير - مقفل، و باب البيت مقفل، و مفاتيح هذه الأقفال في حجرته. فاذا كان الليل فهي تحت رأسه، و ليس يدخل بيت البز غيره.

فلما حضر الموسم خرج الي مكة، و أفاد بجميع ما كتب اليه من حوائجه.

فلما دخل عليه، قال له العبد الصالح: يا علي، ما فعلت بالكتاب الصغير الذي كتبت اليك فيه أن احتفظ به؟.

فحكيته. - أي قص عليه كيف خبأه داخل الأقفال -.

قال: اذا نظرت الي الكتاب، أليس تعرفه؟.

قلت: بلي.

فرفع مصلي تحته، فاذا هو قد أخرجه الي، فقال: احتفظ به. فلو تعلم ما فيه لضاق صدرك.

قال علي: فرجعت الي الكوفة و الكتاب معي. فأخرجته في درور جيبي عند ابطي.

فكان الكتاب: حياة علي في جيبه. فلما مات علي قال محمد و حسن،



[ صفحه 287]



ابناه: فلم يكن لنا هم الا الكتاب. ففقدناه فعلمنا أن الكتاب قد صار اليه» [12] .

فما ألطف هذه المعجزة، حين أبرز أبوالحسن عليه السلام الكتاب لصاحبه في مكة، مع أن صاحبه تركه في الكوفة داخل أقفال و أقفال.

فكيف حصل عليه من وراء أربعة أقفال؟!. بالسحر؟. لا، بل بقدرة الله عزوجل الذي هو علي كل شي ء قدير، و الذي يفعل ما يستحيل فعله علي الناس.

و أجمل ما في هذه القصة أنه عليه السلام، قد رد الكتاب الي صاحبه و أمره أن يحتفظ به، و أخبره أنه لو عرف ما فيه لضاق صدره، لأن فيه موعد أجله و فراق الحياة.

و بالمناسبة أحيي أمثال هذا الصاحب العظيم الذي يأتمر بأمر امامه الي هذا الحد و يحمل الكتاب بدنو موته سنة كاملة و لا يخطر بباله أن يفتح الكتاب امتثالا لأمر مولاه صلوات الله عليه.

و قال مولي لأبي عبدالله عليه السلام:

«كنا مع أبي الحسن عليه السلام حين قدم البصرة، فلما أن كان قرب المدائن ركبنا في أمواج كثيرة، و خلفنا سفينة فيها امرأة تزف الي زوجها، و كانت لهم جلبة - أي ضجة و صراخ - فقال:

ما هذه الجلبة؟.

قلنا: عروس.

فما لبثنا أن سمعنا صيحة، فقال: ما هذا؟.

فقالوا: ذهبت العروس لتغترف ماء، فوقع منها سوار من ذهب، فصاحت.



[ صفحه 288]



فقال: احبسوا، و قولوا لملاحهم يحبس. - أي قفوا -.

فحبسنا، و حبس ملاحهم.

فاتكا علي السفينة، و همس قليلا - أي تكلم بكلام خفي - و قال:

قولوا لملاحهم يتزر بفوطة ثم ينزل فيتناول السوار.

فنظرنا فاذا السوار علي وجه الأرض، و اذا ماء قليل؛ فنزل الملاح و أخذ السوار.

فقال: أعطها، و قل لها فلتحمد الله ربها، ثم سرنا.

فقال له أخوه اسحاق: جعلت فداك، الدعاء الذي دعوت به، علمنيه.

قال: نعم، و لا تعلمه من ليس له بأهل، و لا تعلمه الا من كان من شيعتنا. ثم قال: اكتب، فأملاه علي انشاء:

يا سابق كل فوت، يا سامعا لكل صوت قوي أو خفي، يا محيي النفوس بعد الموت، لا تغشاك الظلمات الحندسية - أي الشديدة العتمة - و لا تشابه عليك اللغات المختلفة، و لا يشغلك شي ء عن شي ء؛ يا من لا تشغله دعوة داع دعاه من الأرض، عن دعوة داع دعاه من السماء، يا من له عند كل شي ء من خلقه سمع سامع، و بصر نافذ، يا من لا تغلطه كثرة المسائل، و لا يبرمه الحاح الملحين، يا حي حين لا حي في ديمومة ملكه و بقائه، يا من سكن العلي، و احتجب عن خلقه بنوره. يا من أشرقت لنوره دجاء الظلم، أسألك باسمك الواحد الأحد الفرد الصمد الذي هو من جميع أركانك كلها، صل علي محمد و أهل بيته. ثم سل حاجتك» [13] .

و ان هذه العزائم لو قرئت - بايمان صادق - علي جبل لاندك و غار في



[ صفحه 289]



الأرض، فانها كلمات تجعل البحر جمدا اذا صدرت عن قلب موقن بعظمة الخالق العظيم القادر علي كل شي ء. و ان الامام عليه السلام، كان يفعل مثل هذه الغرائب ليثبت أصحابه علي الحق، و ليشد قلوبهم، و يرسخ عقيدتهم، و يزيد في يقينهم، و يضمن لهم حسن المنقلب.

و قال الرافعي: «كان لي ابن عم يقال له: الحسن بن عبدالله. و كان زاهدا، و كان من أعبد أهل زمانه. و كان السلطان يتقيه لجده في الدين و اجتهاده و ربما استقبل السلطان بالأمر بالمعروف، و النهي عن المنكر بما يغضبه، فيحتمل ذلك لصلاحه. فلم تزل هذه حاله حتي دخل يوما المسجد و فيه أبوالحسن، موسي عليه السلام، فأومأ اليه، فأتاه، فقال له:

يا با علي، ما أحب الي ما أنت فيه، و أسرني به!. الا أنه ليست لك معرفة. فاطلب المعرفة.

فقال له: جعلت فداك، و ما المعرفة؟!.

قال: اذهب تفقه واطلب الحديث.

قال: عن من؟!.

قال: من فقهاء المدينة، ثم اعرض علي الحديث.

فذهب، فكتب. ثم جاء فعرضه عليه، فأسقط كله!.

ثم قال: اذهب فاعرف. و كان الرجل معنيا بدينه، فلم يزل يترصد أباالحسن حتي خرج الي ضيعة له. فلقيه في الطريق فقال له: جعلت فداك، اني أحتج عليك بين يدي الله عزوجل، فدلني علي ما تجب علي معرفته.

فأخبره أبوالحسن عليه السلام بأمر أميرالمؤمنين عليه السلام و حقه و ما يجب له، و أمر الحسن و الحسين، و علي بن الحسين، و محمد بن علي، و جعفر بن محمد صلوات الله عليهم، ثم سكت.



[ صفحه 290]



فقال له: جعلت فداك، فمن الامام اليوم؟.

قال: ان أخبرتك تقبل مني؟.

قال: نعم.

قال: أنا هو.

قال: فشي ء أستدل به؟!.

قال: اذهب الي تلك الشجرة - و أشار الي بعض شجر أم غيلان - و قل لها: يقول لك موسي بن جعفر: أقبلي.

قال: فأتيتها، فرأيتها والله تخذ الأرض خدا - أي تشقها - حتي وقفت بين يديه.

ثم أشار لها بالرجوع، فرجعت.

قال: فأقر به، ثم لزم الصمت و العبادة. و كان لا يراه أحد يتكلم بعد ذلك» [14] .

و هذه من علاه احدي المعالي. و هي من معاجز جده سيد الخلق نبينا محمد صلي الله عليه و اله و سلم، و كفي بذلك شرفا له عليه السلام.

قال الراوندي - رحمه الله تعالي -: الباب الثامن من معجزات موسي بن جعفر عليه السلام:«عن أبي الحسن، الرضا عليه السلام، قال:

قال أبي، موسي بن جعفر عليه السلام، لعلي بن أبي حمزة مبتدئا:



[ صفحه 291]



انك لتلقي رجلا من أهل المغرب يسألك عني، فقل: هو الامام الذي قال لنا أبوعبدالله، الصادق عليه السلام. فاذا سألك عن الحلال و الحرام فأجبه.

قال: فما علامته؟.

قال: رجل طويل جسيم، اسمه يعقوب بن يزيد، و هو رائد قومه. و ان أراد الدخول الي، فأحضره عندي.

قال علي بن أبي حمزة: فوالله اني لفي الطواف، اذ أقبل رجل طويل جسيم فقال لي: اني أريد أن أسألك عن صاحبك.

قلت: عن أي الأصحاب؟.

قال: عن موسي بن جعفر عليه السلام.

قلت: ما اسمك؟

قال: يعقوب بن يزيد.

قلت: من أين أنت؟.

قال: من المغرب.

قلت: من أين عرفتني؟!.

قال: أتاني آت في منامي فقال لي: الق علي بن أبي حمزة، فسله عن جميع ما تحتاج اليه. فسألت عنك، فدللت عليك.

قلت: اقعد في هذا الموضع حتي أفرغ من طوافي و أعود اليك.

فطفت ثم أتيته فكلمته، فرأيت رجلا عاقلا فطنا، فالتمس مني الوصول الي موسي بن جعفر عليه السلام، فأوصلته اليه.

فلما رآه قال: يا يعقوب بن يزيد، قدمت أمس و وقع بينك و بين أخيك



[ صفحه 292]



خصومة في موضع كذا حتي تشاتمتما. و ليس هذا من ديني و لا دين آبائي؛ فلا نأمر بهذا أحدا من شيعتنا. فاتق الله، فانكما ستفترقان عن قريب بموت.

فأما أخوك فيموت في سفرته هذه قبل أن يصل الي أهله، و تندم أنت علي ما كان منك اليه. فانكما تقاطعتما، و تدابرتما، فقطع الله عليكما أعماركما.

فقال الرجل: يابن رسول الله، فأنا متي يكون أجلي؟.

قال: كان قد حضر أجلك، فوصلت عمتك بما وصلتها في منزل كذا و كذا، فنسأ الله في أجلك عشرين حجة.

قال علي بن أبي حمزة: فلقيت الرجل من قابل بمكة، فأخبرني أن أخاه توفي و دفنه في الطريق قبل أن يصلي الي أهله» [15] .

فتأمل - يا قارئي الكريم - واحكم بما آتاك الله من انصاف، وطأطي ء بعدها رأسك لهذا الامام الكريم الذي دل صاحبه علي المغربي، و فند للمغربي ما جري له مع أخيه، و أخبره بما يجري لأخيه قبل رجوعه لأهله، و بما فعله من صنيع جميل مع عمته في موضع كذا و كذا، فمد الله تعالي في عمره عشرين سنة.. فمن أطلعه علي ذلك مما كان، و مما سيكون؟!. معلوم.

و قال الحسن بن علي، الوشاء: «حدثني محمد بن يحيي، عن وصي علي بن السري،قال:

قلت لأبي الحسن، موسي بن جعفر عليه السلام: ان علي بن السري قد توفي و أوصي الي.



[ صفحه 293]



فقال: رحمه الله.

فقلت: و ان ابنه جعفرا وقع علي أم ولد له، و أمرني أن أخرجه من الميراث.

فقال: أخرجه، و ان كان صادقا فسيصيبه خبل - أي جنون -.

فرجعت، فقدمني الي أبي يوسف القاضي، فقال له: أصلحك الله، أنا جعفر بن علي السري، و هذا وصي أبي؛ فمره أن يدفع الي ميراثي من أبي.

فقال - أي القاضي -: ما تقول؟

قلت: نعم، هذا جعفر، و أنا وصي أبيه.

قال: فادفع اليه ماله.

فقلت له: أريد أن أكلمك.

فقال: ادنه.

فدنوت حيث لا يسمع أحد كلامي، فقلت: هذا وقع علي أم ولد لأبيه، فأمرني أبوه أخرجه من الميراث و لا أورثه شيئا. فأتيت موسي بن جعفر عليه السلام في المدينة، فأخبرته و سألته، فأمرني أن أخرجه من الميراث.

فلا أورثه شيئا.

فقال: الله!. ان أباالحسن أمرك بذلك؟!.

قلت: نعم.

فاستحلفني ثلاثا، و قال: أنفذ ما أمرك به، فالقول قوله.

قال الوصي: وأصابه الخبل بعد ذلك.

و قال الحسن بن علي، الوشاء: رأيته علي ذلك - أي مخبلا-» [16] .



[ صفحه 294]



فمن الذي أنبأ أباالحسن عليه السلام بأن جعفر بن علي السري سيصاب بالخبل؟

لقد قالها بمل ء فيه...لأنه لا ينطق عن ضرب بالرمل، بل هي أمر حادث عن قرب ويراه أمام ناظريه، و لا يرجم بالغيب، و لا يقول قول العرافين، بل يخبر عن علم كمن رأي و كمن سمع... و لا عجب اذ ترفده السماء بعطاياها السنية.

«ان بعض الخلفاء من كان له نائب عظيم الشأن في الدنيا، من مماليكه الأعيان في ولاية عامة طالت فيها مدته. و كان ذا سطورة و جبروت. فلما انتقل الي الله تعالي، أمر الخليفة أن يدفن في ضريح مجاور لضريح الامام موسي بن جعفر عليه السلام بالمشهد المطهر. و كان بالمشهد نقيب معروف مشهود له بالصلاح، فذكر أنه بعد دفن النائب المتوفي في المشهد، رأي في منامه أن القبر قد انفتح و النار تشتعل فيه، و قد انتشر منه دخان و رائحة قتار هذا المدفون فيه الي أن ملأت المشهد - أي رائحة العظام المحروقة-. و رأي أن الامام موسي الكاظم عليه السلام واقف، فصاح بهذا النقيب باسمه و قال له:

تقول للخليفة: يا فلان - و سماه باسمه - لقد آذيتني بمجاوره هذا الظالم، و قال كلاما خشنا.

فاستيقظ ذلك النقيب و هو يرتعد فزعا و خوفا!. فلم يلبث أن كتب ورقة و سيرها الي الخليفة منهيا فيها صورة الواقعة بتفصيلها.

فلما جن الليل، جاء الخليفة الي المشهد المطهر بنفسه، و استدعي النقيب، و دخلوا الضريح، و أمر بكشف ذلك القبر و نقل ذلك المدفون الي موضع آخر خارج المشهد.



[ صفحه 295]



فلما كشفوه و جدوا فيه رماد الحريق، و لم يجدوا للميت أثرا». [17] .

فاذا كان حال النائب الظالم للخليفة هكذا.

فما حال الخليفة اذا كان ظالما و متعديا؟!.

رباه!. ألم تجعل للسلاطين عقولا؟!

لقد تم احراق جثمان الحاكم الظالم ليلة دفنه... و تلقفنه ملائكة العذاب بلهيب النار!. و قلما يصدق ذلك ظلمة الحكام...

و عن المفضل بن عمر، قال:

«لما مضي الصادق كانت وصيته الي الكاظم عليه السلام، فادعي أخوه عبدالله الامامة، و كان أكبر ولد جعفر في وقت ذلك، و هو المعروف بالأفطح.

فأمر موسي بجمع حطب كثير في وسط داره، و أرسل الي أخيه عبدالله أنت يصير اليه. فلما صار اليه كان مع موسي جماعة من الامامية.

فلما جلس موسي أمر بطرح النار في الحطب، فاحترق و لا يعلم الناس السبب فيه، حتي صار الحطب كله جمرا، ثم قام موسي و جلس بثيابه في وسط النار و أقبل يحدث الناس ساعة!.

ثم قام فنفض ثوبه و رجع الي المجلس فقال لأخيه عبدالله: ان كنت تزعم أنك الامام بعد أبيك فاجلس في ذلك المجلس.

قالوا: فرأينا عبدالله قد تغير لونه، وقام يجر رداءه حتي خرج من دار موسي عليه السلام» [18] .



[ صفحه 296]



و هكذا كانت النار بردا و سلاما علي امامنا الكاظم عليه السلام، كما كانت علي أبيه ابراهيم خليل الله عليه السلام من قبل. و امامنا حفيده - صلوات الله عليهما - فلا بأس أن يرث هذه المكرمة عن جده أبي الأنبياء.

و ما ذكرناه من آياته و بيناته يطلع القاري ء الكريم علي عظمة حفيد سيد الخلق رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم، و حفيد أميرالمؤمنين و الزهراء عليهما أفضل الصلاة والسلام.

و قال - أخيرا - خالد السمان:

«ان الرشيد دعا رجلا يقال له: علي بن صالح الطالقاني، و قال له: أنت الذي تقول: ان السحب حملتك من بلد الصين الي الطالقان؟!.

قال: نعم.

قال: فحدثنا كيف كان؟!.

قال: كسر مركبي في لجج البحر، فبقيت ثلاثة أيام علي لوح تضربني الأمواج. فألقتني الأمواج الي البر؛ فاذا أنا بأنهار و أشجار، فنمت تحت ظل شجرة.

فبينا أنا نائم اذ سمعت صوتا هائلا، فانتبهت فزعا مذعورا، فاذا أنا بدابتين يقتتلان علي هيئة الفرس لا أحسن أن أصفهما. فلما بصرا بي دخلا في البحر.

فبينما أنا كذلك اذ رأيت طائرا عظيما الخلق وقع قريبا مني، بقرب كهف في جبل، فقمت مستترا بالشجرة حتي دنوت منه لأتأمله. فلما رآني



[ صفحه 297]



طار. و جعلت أقفو أثره. فلما قمت بقرب الكهف سمعت تسبيحا و تهليلا و تكبيرا و تلاوة قرآن.

فدنوت من الكهف، فناداني مناد من الكهف: أدخل يا علي بن صالح الطالقاني رحمك الله.

فدخلت و سلمت، فاذا رجل فخم ضخم عليه الكراديس، عظيم الجثة، أنزع، أعين، فرد علي السلام و قال: يا علي بن صالح الطالقاني، أنت من معدن الكنوز [19] و لقد أقمت ممتحنا بالجوع و العطش و الخوف لولا أن الله رحمك في هذا اليوم، فأنجاك وسقاك شرابا طيبا. ولقد علمت الساعة التي ركبت فيها، و كم أقمت في البحر، و حين كسر بك المركب، و كم لبثت تضربك الأمواج، و ما هممت به من طرح نفسك في البحر لتموت، اختيارا للموت لعظيم ما نزل بك، والساعة التي نجوت فيها، و رؤيتك لما رأيت من الصورتين الحسنتين، و اتباعك للطائر الذي رأيته واقفا، فلما رآك صعد طائرا الي السماء. فهلم فاقعد رحمك الله.

فلما سمعت كلامه قلت: سألتك بالله، من أعلمك بحالي؟.

فقال: عالم الغيب و الشهادة (الذي يراك حين تقوم (218) و تقلبك في الساجدين (219)) [20] ثم قال: أنت جائع. فتكلم بكلام تململت به شفتاه، فاذا بمائدة عليها منديل، فكشفه و قال: هلم الي ما رزقك الله، فكل.

فأكلت طعاما ما رأيت أطيب منه. ثم سقاني ماء ما رأيت ألذ منه و لا أعذب. ثم صلي ركعتين، ثم قال: يا علي، أتحب الرجوع الي بلدك؟.



[ صفحه 298]



فقلت: و من لي بذلك؟!.

فقال: كرامة لأوليائنا أن نفعل بهم ذلك. ثم دعا بدعوات، و رفع يديه الي السماء و قال: الساعة الساعة، فاذا سحاب قد أظلت باب الكهف قطعا قطعا، و كلما وافت غمامة قالت: سلام عليك يا ولي الله و حجته، فيقول: و عليك السلام و رحمة الله و بركاته أيتها السحابة السامعة المطيعة. ثم يقول لها: أين تريدين؟.

فتقول: أرض كذا و كذا.

فيقول: لرحمة أو لسخط!.

فتقول: لرحمة أو سخط، و تمضي. حتي جاءت سحابة حسنة مضيئة فقالت: السلام عليك يا ولي الله و حجته.

قال: و عليك السلام أيتها السحابة السامعة المطيعة؛ أين تريدين؟.

فقالت: أرض الطالقان.

فقال: لرحمة أو لسخط؟.

فقالت: لرحمة.

فقال لها: احملي ما حملت مودعا في الله.

فقالت: سمعا وطاعة.

قال لها: فاستقري باذن الله علي وجه الأرض.

فاستقرت. فأخذ بعض عضدي و أجلسني عليها.

فعند ذلك قلت له: سألتك بالله العظيم، و بحق محمد خاتم النبيين، و علي سيد الوصيين، و الأئمة الطاهرين، من أنت، فقد أعطيت والله أمرا عظيما!.



[ صفحه 299]



فقال: ويحك يا علي بن صالح، ان الله لا يخلي أرضه من حجة طرفة عين، اما باطن، و اما ظاهر. أنا حجة الله الظاهرة، و حجته الباطنة، أنا حجة الله يوم الوقت المعلوم، و أنا المؤدي الناطق عن الرسول، أنا في وقتي هذا موسي بن جعفر.

فذكرت امامته و امامة آبائه.. و أمر السحابة بالطيران، فطارت.

والله ما وجدت ألما و لا فزعت. فما كان بأسرع من طرفة العين حتي ألقتني بالطالقان، في شارعي الذي فيه أهلي و عقاري سالما في عافية.

فقتله الرشيد، و قال: لا يسمع بهذا أحد» [21] .

فها قد سمعنا بذلك يا قارون العنيد... رغما عنك.

أفتريد أن تستر نور الشمس عن الأرض بكفك البالية يا خليفة الظلم.

ان قصة كهذه كلما حاولت طمسها، كلما ازدادت شيوعا، و كلما تحدثت بها الركبان، و نقلها لسان الي سمع فالي لسان....

انك الآن تذوق مرارة تحديك لمشيئة الله عزوجل، و تجني ثمرة أعمالك التي أغضبت بها ربك حين ناصبت العداء لآل الرسول صلي الله عليه و عليهم، و حين قطعت رحمهم و هم أبناء عمومتك... ولن نلومك فقد سبقك الي أعظم منها، عمك أبولهب، فخلد الله تعالي ذمه في القرآن، و أنت خلدت تاريخا لك أسود تعج بموبقاته بطون الكتب و أسفار التاريخ...

و عجبا ممن يعتبرك رشيدا في كتب التاريخ و بين الناس!.



[ صفحه 300]




پاورقي

[1] اعلام الوري ص 295 - 294 و الارشاد ص 274 و كشف الغمة ج 3 ص 14 و مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 299.

[2] كشف الغمة ج 3 ص 37.

[3] الاختصاص ص 291- 290 و قال: و رواه الصفار في بصائر الدرجات ج 7 باب 12 و نقله في بحارالأنوار ج 7 ص 321.

[4] بصائر الدرجات ج 7 ص 246.

[5] الارشاد ص 277-276 و كشف الغمة ج 3 ص 17 و المحجة البيضاء ج 4 ص 275 - 274 و هو في مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 298 باختلاف يسير في اللفظ أول الحديث.

[6] مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 299 و هي في وفاة الامام موسي الكاظم ص 29-28 بلفظ قريب.

[7] مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 300.

[8] الكافي م 1 ص 284 و مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 309.

[9] كشف الغمة ج 3 ص 38-37 و المحجة البيضاء ج 4 ص 280-278 نقلا عن مطالب السؤل ص 84.

[10] كشف الغمة ج 3 ص 38.

[11] كشف الغمة ج 3 ص 39-38.

[12] مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 304.

[13] كشف الغمة ج 3 ص 30-29.

[14] كشف الغمة ج 3 ص 14-13 و المحجة البيضاء ج 4 ص 272 و الارشاد ص 274-273 و مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 288 و بصائر الدرجات ج 5 ص 255-254 و هو في اعلام الوري ص 292 عن الواقفي.

[15] كشف الغمة ج 3 ص 36- 35 و المحجة البيضاء ج 4 ص 279-278 و مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 294 و هو في الاختصاص ص 61 بتمامه، و قال: رواه الكشي في رجاله، و الطبري في الدلائل ص 166 و هو في بحارالأنوار ج 11 ص 241.

[16] كشف الغمة ج 3 ص 30.

[17] حلية الأبرار ج 2 ص 249 و هو في كشف الغمة ج 3 ص 6-5 مع اختلاف يسير في بعض ألفاظه.

[18] كشف الغمة ج 3 ص 37-36 و المحجة البيضاء ج 4 ص 254 نقلا عن الخرائج و الجرائح ص 201-200.

[19] في الرواية الصحيحة أن في الطالقان كنوزا أي كنوز، و هم عدد كبير من أنصار الامام الحجة عجل الله تعالي فرجه. و قد سماهم الامام في الرواية: كنوزا.

[20] سورة الشعراء: 219-218.

[21] مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 32-31.