بازگشت

من فلسفته و علمه


قال عليه السلام:

- ينبغي لمن عقل عن الله، أن لا يستبطئه في رزقه، و لا يتهمه في قضائه.

- سئل عن اليقين، فقال عليه السلام: يتوكل علي الله، و يسلم لله، و يرضي بقضاء الله، و يفوض الي الله.

- قال عبدالله بن يحيي: كتبت اليه في دعاء: الحمدلله منتهي علمه، فكتب عليه السلام: لا تقولن منتهي علمه، ولكن قل: منتهي رضاه.

- و سأله رجل عن الجواد، فقال عليه السلام: ان لكلامك وجهين: فان كنت تسأل عن المخلوقين، فان الجواد الذي يودي ما افترض الله عليه، و البخيل من يبخل بما افترض الله. و ان كنت تعني الخالق، فهو الجواد ان أعطي، و هو الجواد ان منع، لأنه ان أعطاك أعطاك ما ليس لك، و ان منعك منعك ما ليس لك [1] .



[ صفحه 349]



- و قال له و كيله: والله ما خنتك. فقال عليه السلام له: خيانتك، و تضييعك علي مالي سواء،و الخيانة شرهما عليك.

- قال عليه السلام: اياك أن تمنع في طاعة الله، فتنفق مثليه في معصية الله.

- المؤمن مثل كفتي الميزان، كلما زيد في ايمانه، زيد في بلائه.

- و قال عليه السلام علي قبر حضره: ان شيئا هذا آخره خليق أن يزهد في أوله. و ان شيئا هذا أوله لخليق أن يخاف آخره» [2] .

- و قال عليه السلام: من تكلم في الله هلك، و من طلب الرسالة هلك، و من دخله العجب هلك.

- و قال عليه السلام: اشتدت مؤونة الدنيا والدين. فأما مؤونة الدنيا فانك لا تمد يدك الي شي ء منها الا وجدت فاجرا قد سبقك اليه، و أما مؤونة الآخرة فانك لا تجد أعوانا يعينونك عليها [3] .

- و قال عليه السلام: أربعة من الوسواس: أكل الطين، وفت الطين - أي سحقه بين الأصابع - وتقليم الأظافر بالأسنان، و أكل اللحية. و ثلاث يجلين البصر: النظر الي الخضرة، و النظر الي الماء الجاري، و النظر الي الوجه الحسن.

- ليس حسن الجوار كف الأذي، ولكن حسن الجوار الصبر علي الأذي.



[ صفحه 350]



- لا تذهب الحشمة بينك و بين أخيك، و أبق منها، فان ذهابها ذهاب الحياء.

- قال عليه السلام لبعض ولده: يا بني، اياك أن يراك الله في معصية نهاك عنها، و اياك أن يفقدك الله في طاعة أمرك بها. و عليك بالجد، و لا تخرجن نفسك من التقصير في عبادة الله و طاعته، فان الله لا يعبد حق عبادته. و اياك و المزاح فانه يذهب بنور ايمانك و يستخف مروتك. و اياك و الضجر و الكسل، فانهما يمنعان حظك من الدنيا و الآخرة.

- و قال عليه السلام: ليس القبلة علي الفم الا للزوجة و الولد الصغير.

- و قال عليه السلام: اجتهدوا في أن يكون زمانكم أربع ساعات: ساعة لمناجاة الله، و ساعة لأمر المعاش، و ساعة لمعاشرة الاخوان والثقات الذين يعرفونكم عيوبكم و يخلصون لكم في الباطن، و ساعة تخلون فيها للذاتكم في غير محرم. و بهذه الساعة تقدرون علي الثلاث ساعات!. لا تحدثوا أنفسكم بفقر و لا بطول عمر، فانه من حدث نفسه بالفقر بخل، و من حدث بطول العمر يحرص... اجعلوا لأنفسكم حقا من الدنيا باعطائها ما تشتهي من الحلال و ما لا يثلم المروة و مالا سرف فيه، و استعينوا بذلك علي أمور الدين، فانه روي: ليس منا من ترك دنياه لدينه، أو ترك دينه لدنياه.

- و قال عليه السلام: اذا كان الجور أغلب من الحق، لم يحل لأحد أن يظن بأحد خيرا حتي يعرف ذلك منه.

- تفقهوا في دين الله، فان الفقه مفتاح البصيرة، و تمام العبادة، و السبب الي المنازل الرفيعة و الرتب الجليلة في الدين و الدنيا. و فضل الفقيه علي العابد. كفضل الشمس علي الكواكب!. و من لم يتفقه في دينه، لم يرض الله له عملا.



[ صفحه 351]



- و قال عليه السلام لعلي بن يقطين: كفارة عمل السلطان، الاحسان الا الاخوان.

- كلما أحدث الناس من الذنوب ما لم يكونوا يعملون، أحدث الله لهم من البلاء ما لم يكونوا يعلمون!. [4] .

- اذا كان الامام عادلا كان له الأجر و عليك الشكر، و اذا كان جائرا كان عليه الوزر و عليك الصبر.

- قال له أبوأحمد الخراساني: الكفر أقدم أم الشرك؟.

فقال عليه السلام: ما لك و لهذا؟!. ما عهدي بك تكلم الناس.

قال: أمرني هشام بن الحكم أن أسألك.

فقال: قل له: الكفر أقدم. أول من كفر ابليس (أبي و استكبر و كان من الكافرين (34)) [5] و الكفر شي ء واحد، و الشرك يثبت واحدا و يشرك معه غيره.

- و رأي رجلين يتسابان فقال عليه السلام: البادي ء أظلم، و وزره و وزر صاحبه عليه ما لم يعتد المظلوم.

- و قال عليه السلام: ينادي مناد يوم القيامة: ألا من كان له علي الله أجر فليقم. فلا يقوم الا من عفا و أصلح، فأجره علي الله.

- السخي الحسن الخلق في كنف الله. لا يتخلي الله عنه حتي يدخله الجنة. و ما بعث الله نبيا الا سخيا، و مازال أبي يوصيني بالسخاء و حسن الخلق حتي مضي.



[ صفحه 352]



- و قال عليه السلام لأحد أصحابه: أبلغ خيرا، و قل خيرا، و لا تكن امعة.

قال: و ما الامعة؟.

قال: لا تقل: أنا مع الناس، و أنا كواحد من الناس؛ ان رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم قال: يا أيها الناس انما هما نجدان - أي طريقان -: نجد خير، و نجد شر. فلا يكن نجد الشر أحب اليكم من نجد الخير.

- و قال عليه السلام: لا تصلح المسألة الا في ثلاثة: في دم منقطع، أو غرم مثقل، أو حاجة مدقعة.

- تعجب الجاهل من العاقل، أكثر من تعجب العاقل من الجاهل [6] .

- المصيبة للصابر واحدة، و للجازع اثنتان.

- يعرف شدة الجور من حكم به عليه [7] .

- صلاة النوافل قربان الي الله لكل مؤمن، و الحج جهاد كل ضعيف. ولكل شي ء زكاة، و زكاة الجسد [الصيام و قيام] النوافل.

- أفضل العبادة بعد المعرفة انتظار الفرج.

- من دعا قبل الثناء علي الله والصلاة علي النبي صلي الله عليه و اله و سلم، كان كمن رمي بسهم بلا وتر.

- من أيقن بالخلف جاد بالعطية و ان امرؤ اقتصد.

- التدبير نصف العيش.

- التودد الي الناس نصف العقل.



[ صفحه 353]



- كثرة الهم يورث الهرم.

- العجلة هي الخرق.

- قلة العيال أحد اليسارين.

- من أحزن والديه فقد عقهما.

- من ضرب بيده علي فخذه، أو ضرب بيده الواحدة علي الأخري عند المصيبة فقد حبط أجره.

- المصيبة لا تكون مصيبة يستوجب صاحبها أجرها الا بالصبر و الاسترجاع عند الصدمة.

- الصنيعة لا تكون صنيعة الا عند ذي دين أو حسب.

- من اقتصد وقنع بقيت عليه النعمة، و من بذر و أسرف زالت عنه النعمة.

- أداء الأمانة، والصدق، يجلبان الرزق، و الخيانة و الكذب يجلبان الفقر و النفاق.

- الصنيعة لا تتم صنيعة عند المؤمن لصاحبها الا بثلاثة أشياء: تصغيرها، و سترها، و تعجيلها. فمن صغر الصنيعة عند المؤمن فقد عظم أخاه، و من عظم الصنيعة عنده فقد صغر أخاه. و من كتم ما أولاه من صنيعة فقد كرم فعاله، و من عجل ما وعد فقد هني ء العطية [8] .

سئل عليه السلام عن حد الاناء، فقال:

حده أن لا تشرب من موضع كسر ان كان به. فانه مجلس الشيطان فاذا



[ صفحه 354]



شربت سميت، فاذا فرغت حمدت الله [9] .

و قال عليه السلام: انما ينزل المعونة علي القوم، علي قدر مؤونتهم. و ان الضيف لينزل بالقوم فينزل رزقه معه في حجره. [10] .

و قال عليه السلام: والله ينزل المعونة علي قدر المؤونة، و ينزل الصبر علي قدر المصيبة... و اذا أراد الله بالنملة شرا أنبت لها جناحين، فطارت، فأكلها الطير [11] .

و قال عليه السلام: أولي العلم بك ما لا يصلح لك العمل الا به. وأوجب العمل عليك ما أنت مسؤول عن العمل به. وألزم العلم لك ما دلك علي صلاح قلبك و أظهر لك فساده. و أحمد العلم عاقبة ما زاد في علمك العاجل. فلا تشغلن بعلم ما لا يضرك جهله، و لا تغفلن عن علم ما يزيد في جهلك تركه [12] .

- قال علي بن سويد المديني: سألته عن العجب الذي يفسد العمل، فقال:

ألعجب درجات: منها أن يزين للعبد سوء عمله فيراه حسنا، فيعجبه و يحسب أنه يحسن صنعا. و منها أن يؤمن العبد بربه، فيمن علي الله تبارك و تعالي، ولله تعالي عليه فيه المن [13] .



[ صفحه 355]



و سمع رجلا يتمني الموت فقال له:

هل بينك و بين الله قرابة يحابيك لها - أي يسامحك و يتساهل معك -.

قال: لا.

قال: فهل لك حسنات قدمتها تزيد علي سيئاتك؟.

قال: لا.

قال: فأنت تتمني هلاك الأبد! [14] .

و قال عليه السلام: من استوي يوماه فهو مغبون، و من كان آخر يوميه شرهما فهو ملعون. و من لم يعرف الزيادة في نفسه فهو في النقصان، و من كان الي النقصان فالموت خير له من الحياة [15] .

و روي أنه قال: اتخذوا القيان فان لهن فطنا و عقولا ليست لكثير من النساء [16] .

- و نلفت النظر أن كل عبد و خادم فهو عند العرب قين، و الأمة قينة. و بعض الناس يظن أن المغنية خاصة هي قينة، و ليس هو كذلك في اللغة. فكأنه عليه السلام يحث الناس علي التزوج بأمهات الأولاد، لأن النجابة و الفصاحة تظهران في أولاد الاماء غالبا.

«عن ابن حمدون في تذكرته:



[ صفحه 356]



قال موسي بن جعفر عليه السلام: وجدت علم الناس في أربع:

أولها أن تعرف ربك؟.

و الثانية أن تعرف ما صنع بك.

و الثالثة أن تعرف ما أراد منك.

و الرابعة أن تعرف ما يخرجك من دينك.

معني هذه الأربع:

الأولي وجدت معرفة الله تعالي التي هي اللطف.

الثانية معرفة ما صنع بك من النعم التي يتعين عليك لأجلها الشكر و العبادة.

الثالثة أن تعرف ما أراده منك فيما أوجبه عليك و ندبك الي فعله، لتفعله علي الحد الذي أراده منك، فتستحق بذلك الثواب.

الرابعة أن تعرف الشي ء الذي يخرجك من طاعة الله فتجتنبه» [17] .

روي اسماعيل، عن أبيه موسي بن جعفر، عن أبيه، عن جده علي بن الحسين، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب عليهم السلام، قال:

قال رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم: نظر الولد الي والديه حبا لهما عبادة» [18] .

«و عنه، عن آبائه عليهم السلام:

قال الحسين: جاء رجل الي أميرالمؤمنين عليه السلام يسعي بقوم - أي ينم



[ صفحه 357]



عليهم - فأمرني أن دعوت له قنبرا - الخادم - فقال له علي عليه السلام:

أخرج الي هذا الساعي - المفسد - فقل له: قد أسمعتنا ما كره الله تعالي، فانصرف في غير حفظ الله تعالي» [19] .

ولو أن كل انسان اتبع سيرة هذه الامام العظيم عليه السلام، و طرد المفسد و لم يسمع له و حقره و صغره في عين نفسه، لكنا وقفنا بوجه النميمة و حطمنا المفسدين من بين الناس! و أميرالمؤمنين عليه السلام هو معلمنا، و هادينا الي طرق الخير بعد رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم و منقذنا من سلوك سبل الشيطان المؤدية الي الهلاك.

قال محمد بن حكيم:«قلت لأبي الحسن، موسي عليه السلام: جعلت فداك، فقهنا في الدين، و أغنانا الله بكم عن الناس، حتي أن الجماعة منا لتكون في المجلس ما يسأل رجل صاحبه تحضره المسألة و يحضره جوابها فيما من الله علينا بكم. فربما ورد علينا الشي ء لم يأتنا فيه عنك و لا عن آبائك شي ء، فننظر الي أحسن ما يحضرنا، و أوفق الأشياء لما جاءنا عنكم فتأخذ به؟.

فقال: هيهات هيهات في ذلك؟!. والله هلك من هلك يابن حكيم... لعن الله [من] يقول: قال علي، و قلت» [20] .

و سأل علي بن جعفر أخاه عليه السلام عن المحرم اذا اضطر الي أكل الصيد أو الميتة؟.

فقال: يأكل الصيد.



[ صفحه 358]



قلت: ان الله عزوجل حرم الصيد، و أحل له الميتة!.

فقال عليه السلام: يأكل الصيد و يفديه، فانما يأكل من ماله.

و قال علي بن جعفر: و سألته عن رمي الجمار، و لم جعل؟.

قال: لأن ابليس اللعين كان يتراءي لابراهيم عليه السلام في موضع الجمار، فرجمه ابراهيم عليه السلام، فجرت العادة بذلك [21] .

فلكل حكم عند الامام عليه السلام علة يستند اليها فتظهر صدقه و صحته، فلا يمكن لأحد من الناس أن يرد حكما يصدر عنه لأن حكمه حكم الله تعالي.

و قال عليه السلام: «لعن رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم ثلاثة: الأكل زاده وحده، و النائم في بيت وحده، و الراكب في الفلاة وحده» [22] .

- من خرج في سفر وحده فليقل: ماشاءالله، لا حول و لا قوة الا بالله. اللهم آنس وحشتي، و أعني في وحدتي، و أد غيبتي» [23] .

- في وصية رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم لعلي عليه السلام: لا تخرج في سفر وحدك، فان الشيطان مع الواحد، و هو من الاثنين أبعد.

يا علي، ان الرجل اذا سافر وحده فهو غاو، والاثنان غاويان، و الثلاثة نفر» [24] .

و قال عليه السلام:«أنا ضامن لمن خرج يريد سفرا معتما تحت حنكه



[ صفحه 359]



ثلاثا، أن لا يصيبه السرق، و الغرق، و الحرق» [25] .

و الجمع بين هذه الأقوال الكريمة يدل صراحة علي كراهية السفر وحيدا، لما في ذلك من تعرض للأخطار و المفاجآت التي لا منقذ منها، و لا مساعد عليها.

قال عليه السلام:«قال رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم:

تخللوا، فان ليس شي ء أبغض الي الملائكة من أن يروا في أسنان العبد طعاما» [26] .

و هذا أمر صحي، فان عدم تنظيف الأسنان يفسد رائحة الفم، و يعرض الأسنان للتسوس و التلف، فضلا عما ذكره النبي صلي الله عليه و اله و سلم.

و قال عليه السلام: «نهي رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم عن طعام وليمة يخص بها الأغنياء و يترك الفقراء» [27] .

«و عنه أيضا، عن أبيه، عن جده عليهم السلام، قال:

ان فيما أوصي به رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم عليا عليه السلام، قال:

يا علي، لا تجامع أهلك في أول ليلة من الهلال، و لا في ليلة النصف، و لا في آخر ليلة، فانه يتخوف علي ولد من يفعل ذلك الخبل. - أي الجنون -.

فقال علي عليه السلام: و لم ذلك يا رسول الله؟!.



[ صفحه 360]



فقال: ان الجن يكثرون غشيان نسائهم في أول ليلة من الهلال، و ليلة النصف، و في آخر ليلة. أما رأيت المجنون يصرع في أول الشهر، و في وسطه، و في آخره؟» [28] .

و عنه عليه السلام أيضا:«من أتي أهله في محاق الشهر، فليسلم السقط الولد» [29] .

و قال عليه السلام: «ان العقيقة واجبة» [30] .

و قال اسحاق بن عمار:«سألت أباالحسن عليه السلام عن العقيقة علي الموسر و المعسر؟.

فقال: ليس علي من لا يجد، شي ء» [31] .

أي ليس شي ء واجبا علي من لا يجد ما ينفقه.

و قال عليه السلام: «جاء رجل الي النبي صلي الله عليه و اله و سلم، فقال: يا رسول الله، ما حق ابني هذا؟.

قال: تحسن اسمه، و أدبه، وضعه موضعا حسنا» [32] .

و صلوات الله و سلامه علي من أوتي جوامع الكلم، فاختصر واجب الأب نحو ابنه بثلاث مراحل قد يتفرع علي كل منها ثلاث و ثلاث و ثلاث.



[ صفحه 361]



سأل هشام بن الحكم موسي بن جعفر عليه السلام؛ لأي علة صار التكبير في الافتتاح سبع تكبيرات، و لأي علة يقال في الركوع: سبحان ربي العظيم و بحمده، و في السجود: سبحان ربي الأعلي و بحمده؟.

قال عليه السلام: ان الله تعالي خلق السماوات سبعا، و الأرضين سبعا؛ فلما أسري بالنبي صلي الله عليه و اله و سلم، و صار من ملكوت الأرض كقاب قوسين أو أدني، رفع له حجابا من حجبه فكبر رسول الله و جعل يقول الكلمات التي تقال في الافتتاح.

فلما رفع له الثاني كبر.

فلم يزل كذلك حتي رفع سبعة حجب، و كبر سبع تكبيرات. فلذلك - فلتلك - العلة يكبر في الافتتاح سبع تكبيرات.

فلما ذكر ما رأي من عظمة الله ارتعدت فرائصه، فابترك علي ركبتيه و أخذ يقول: سبحان ربي العظيم و بحمده.

فلما اعتدل من ركوعه قائما، نظر الي تلك العظمة في موضع أعلي من ذلك الموضع، فخر علي وجهه و هو يقول: سبحان ربي الأعلي و بحمده.

فلما قالها سبع مرات، سكن ذلك الرعب، فلذلك جرت به السنة» [33] .

و روي حماد بن عيسي، عن بعض أصحابنا، عنه عليه السلام، قال:

«الخمس من خمسة أشياء: من الغنائم، و الغوص، و من الكنوز، و من المعادن، و الملاحة - منبت الملح -، يؤخذ من كل هذه الصنوف الخمس



[ صفحه 362]



فيجعل لمن جعله الله تعالي له، و يقسم الأربعة الأخماس بين من قاتل عليه - يعني في الغنائم - و ولي ذلك.

و يقسم بينهم الخمس علي ستة أسهم: سهم لله، و سهم لرسول الله، و سهم لذوي القربي، و سهم لليتامي، و سهم للمساكين، و سهم لأبناء السبيل.

فسهم الله، و سهم رسول الله، لأولي الأمر من بعد رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم وراثة؛ فله ثلاثة أسهم: سهمان وراثة - يعني من رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم - و سهم مقسوم له من الله - هو سهم ذي القربي - و له نصف الخمس كملا.

و نصف الخمس الباقي بين أهل بيته: فسهم ليتاماهم، و سهم لمساكينهم، و سهم لأبناء سبيلهم، يقسم بينهم علي الكتاب و السنة - و قيل و السعة - ما يستغنون به في سنتهم. فان فضل عنهم شي ء فهو للوالي، و ان عجز أو نقص عن استغنائهم، كان علي الوالي أن ينفق من عنده بقدر ما يستغنون به. و انما صار عليه أن يمونهم - أي يقوتهم وزنا و معني - لأن له ما فضل عنهم.

و انما جعل الله هذا الخمس خاصة لهم دون مساكين الناس و أبناء سبيلهم، عوضا لهم من صدقات الناس، و تنزيها من الله لهم لقرابتهم من رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم، و كرامة من الله لهم من أوساخ الناس. فجعل لهم خاصة من عنده ما يغنيهم به عن أن يصيرهم في موضع الذل و المسكنة. و لا بأس بصدقات بعضهم علي بعض.

و هؤلاء الذين جعل الله لهم الخمس هم قرابة النبي صلي الله عليه و اله و سلم، الذين ذكرهم الله تعالي:(و أنذر عشيرتك الأقربين (214)) [34] و هم بنو عبدالمطلب



[ صفحه 363]



أنفسهم، الذكر منهم و الأثني، ليس فيهم من أهل بيوتات قريش و لا من العرب أحد. و لا فيهم، و لا منهم في هذا الخمس من مواليهم. و لقد تحل صدقات الناس لمواليهم، و هم و الناس سواء. و من كانت أمه من بني هاشم، و أبوه من سائر قريش، فان الصدقات تحل له، و ليس له من الخمس شي ء. لأن الله تعالي يقول: (ادعوهم لأبائهم) [35] .

و للامام صفو المال أن يأخذ من هذه الأموال صفوها: الجارية الفارهة - أي الصبية الحسناء - و الدابة الفارهة- أي الجيدة - و الثوب و المتاع بما يحب و يشتهي؛ فذلك له قبل القسمة، و قبل اخراج الخمس. و له أن يسد بذلك المال جميع ما ينوبه - أي ما يصيبه - من مثل اعطاء المؤلفة قلوبهم و غير ذلك مما ينوب. فان بقي بعد ذلك شي ء أخرج الخمس منه، فقسمه في أهله، و قسم الباقي علي من ولي ذلك. و ان لم يبق بعد سد النوائب شي ء، فلا شي ء لهم. و ليس لمن قاتل شي ء من الأرضين، و لا ما غلبوا عليه الا ما احتوي عليه العسكر.

و ليس للأعراب من القسمة شي ء و ان قاتلوا مع الوالي، لأن رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم صالح الأعراب أن يدعهم في ديارهم و لا يهاجروا، علي أنه ان دهم - أي فوجي ء- رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم من عدوه، دهم أن يستنفرهم فيقاتل بهم و ليس لهم في الغنيمة نصيب. و سنته جارية فيهم و في غيرهم، و الأرضون التي أخذت عنوة - اذلالا و غصبا - بخيل و رجال، فهي موقوفة متروكة في يد من يعمرها و يحييها و يقوم عليها، علي ما يصالحهم الوالي علي قدر طاقتهم من الحق؛ النصف، أو الثلث، أو الثلثين، و علي قدر ما يكون لهم صلاحا و لا يضرهم. فاذا أخرج منها ما أخرج، بدأ فأخرج منه



[ صفحه 364]



العشر من الجميع مما سقت السماء أو سقي سيحا - أي جريا بدون واسطة دفع - و نصف العشر مما سقي بالدوالي و النواضح، فأخذه الوالي فوجهه في الجهة التي وجهها الله علي ثمانية أسهم: للفقراء، و المساكين، و العاملين عليها، و المؤلفة قلوبهم. و في الرقاب، و الغارمين، و في سبيل الله، و ابن السبيل. ثمانة أسهم يقسم بينهم في مواضعهم بقدر ما يستغنون به في سنتهم بلا ضيق و لا تقتير. فاذا فضل من ذلك شي ء رد الي الوالي، و ان نقص من ذلك شي ء و لم يكتفوا به، كان علي الوالي أن يمونهم من عنده بقدر سعتهم حتي يستغنوا. و يؤخذ بعد ما بقي من العشر فيقسم بين الوالي و بين شركائه الذين هم عمال الأرض و أكرتها - أي المأجورون لزرعها - فيدفع اليهم أنصباؤهم علي ما صالحهم عليه، و يؤخذ الباقي فيكون بعد ذلك أرزاق أعوانه علي دين الله، و في مصلحة ما ينوبه من تقوية الاسلام، و تقوية الدين، في وجوه الجهاد و غير ذلك مما فيه مصلحة العامة، و ليس لنفسه من ذلك قليل و لا كثير.

و له بعد الخمس الأنفال. و الأنفال كل أرض خربة قد باد أهلها، و كل أرض لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب، ولكن صالحوا صلحا و أعطوا بأيديهم علي غير قتال. و له رؤوس الجبال، و بطون الأودية، و الآجام، و كل أرض ميتة لا رب لها. و له صوافي الملوك - أي ما كان قد اصطفاه الملوك لأنفسهم من مال و غيره - ما كان في أيديهم من غير وجه الغصب، لأن الغصب كل مردود. و هو وارث من لا وارث له، يعول من لا عيلة له.

و قال عليه السلام: ان الله لم يترك شيئا من صنوف الأموال الا و قد قسمه علي كل ذي حق حقه، الخاصة و العامة، و الفقراء و المساكين، و كل صنف من صنوف الناس. فقال: لو عدل في الناس لاستغنوا. ثم قال: ان العدل أحلي من العسل، و لا يعدل الا من يحس العدل.



[ صفحه 365]



و قال: و كان رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم يقسم صدقات البوادي في البوادي، و صدقات أهل الحضر في أهل الحضر. و لا يقسم بينهم بالسوية علي ثمانية، حتي يعطي أهل كل سهم ثمنا؛ ولكن يقسمها علي قدر من يحضره من أصناف الثمانية علي قدر ما يقيم كل صنف منهم يقدر لسنته، ليس في ذلك شي ء موقوت - أي مفروض في الأوقات - و لا مسمي، و لا مؤلف، انما يضع ذلك علي قدر ما تري و ما يحضره، حتي يسد كل فاقة- أي حاجة - كل قوم منهم، و ان فضل من فقراء أهل المال فضل، عرضوا المال جملة الي غيرهم.

و الأنفال الي الوالي، و كل أرض فتحت في أيام النبي صلي الله عليه و اله و سلم الي آخر الأبد، و ما كان افتتاحا بدعوة أهل الجور و أهل العدل، لأن ذمة رسول الله في الأولين و الآخرين ذمة واحدة، لأن رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم قال:

المسلمون اخوة، تتكافأ دماؤهم، و يسعي بذمتهم أدناهم.

و ليس في مال الخمس زكاة، لأن فقراء الناس جعل أرزاقهم في أموال الناس علي ثمانية أسهم، فلم يبق منهم أحد. و جعل للفقراء قرابة الرسول صلي الله عليه و اله و سلم نصف الخمس، فأغناهم به عن صدقات الناس، و صدقات النبي صلي الله عليه و اله و سلم، و ولي الأمر؛ فلم يبق فقير من فقراء الناس، و لم يبق فقير من فقراء قرابة رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم، الا و قد استغني، فلا فقير. و لذلك لم يكن علي مال النبي صلي الله عليه و اله و سلم، والوالي، زكاة، لأنه لم يبق فقير محتاج. ولكن عليهم أشياء تنوبهم من وجوه، و لهم من تلك الوجوه كما عليهم» [36] .

وصيته عليه السلام لهشام بن الحكم البغدادي الكندي - مولي بني شيبان - الذي اتفق الأصحاب علي وثاقته و عظيم قدره و رفيع منزلته:



[ صفحه 366]



صفاته للعقل:

ان الله تبارك و تعالي بشر أهل العقل و الفهم في كتابه فقال:(فبشر عباد (17) الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله و أولئك هم أولوا الألباب (18)) [37] .

يا هشام بن الحكم، ان الله عزوجل أكمل للناس الحجج بالعقول، و أفضي اليهم بالبيان، و دلهم علي ربوبيته بالأدلاء فقال: (و الهكم اله واحد لا اله الا هو الرحمن الرحيم (163)). (ان في خلق السموات و الأرض و اختلاف اليل و النهار و الفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس و ما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها و بث فيها من كل دابة و تصريف الرياح و السحاب المسخر بين السماء و الأرض لأيات لقوم يعقلون (164)) [38] .

يا هشام، قد جعل الله عزوجل ذلك دليلا علي معرفته، بأن لهم مدبرا فقال:(و سخر لكم اليل و النهار و الشمس و القمر و النجوم مسخرات بأمره ان في ذلك لأيات لقوم يعقلون (12)) [39] و قال: (حم (1) و الكتاب المبين (2) انا جعلناه قراءنا عربيا لعلكم تعقلون (3)) [40] و قال: (و من ءاياته يريكم البرق خوفا و طمعا و ينزل من السماء ماء فيحي به الأرض بعد موتها ان في ذلك لأيات لقوم يعقلون (24)) [41] .

يا هشام، ثم وعظ أهل العقل و رغبهم في الآخرة فقال: (و ما الحيوة الدنيا الا لعب و لهو و للدار الأخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون (32)) [42] و قال:



[ صفحه 367]



(و ما أوتيتم من شي ء فمتاع الحيوة الدنيا و زينتها و ما عندالله خير و أبقي أفلا تعقلون (60)) [43] .

يا هشام، ثم خوف الذين لا يعقلون عذابه فقال عزوجل:(ثم دمرنا الأخرين (136) و انكم لتمرون عليهم مصبحين (137) و باليل أفلا تعقلون (138)) [44] .

يا هشام، ثم بين أن العقل مع العلم فقال:(و تلك الأمثال نضربها للناس و ما يعقلها الا العالمون (43)) [45] .

يا هشام، ثم ذم الذين لا يعقلون فقال: (و اذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه ءاباءنا أولو كان ءاباؤهم لا يعقلون شيئا و لا يهتدون (170)) [46] و قال: (ان شر الدوآب عندالله الصم البكم الذين لا يعقلون (22)) [47] و قال: (و لئن سألتهم من خلق السماوات و الأرض ليقولن الله قل الحمدلله بل أكثرهم لا يعلمون (25)) [48] .

ثم ذم الكثرة فقال: (و ان تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله...) [49] و قال: (ولكن أكثرهم لا يعلمون (37)) [50] (و هم لا يشعرون (66)) [51] .

يا هشام، ثم مدح القلة فقال: (و قليل من عبادي الشكور(13)) [52] .



[ صفحه 368]



و قال: (و قليل ما هم...) [53] و قال:(و ما ءامن معه الا قليل (40)) [54] .

يا هشام، ثم ذكر أولي الألباب بأحسن الذكر، و حلاهم بأحسن الحلية فقال: (يؤتي الحكمة من يشاء و من يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا و ما يذكر الا أولوا الألباب (269)) [55] .

[وانفرد الكافي م 1 ص 15 بهذه الزيادة التي بين قوسين، و هي:]

[و قال: (و الراسخون في العلم يقولون ءامنا به كل من عند ربنا و ما يذكر الا أولوا الألباب (7)) [56] و قال (ان في خلق السماوات و الأرض واختلاف اليل والنهار لأيات لأولي الألباب (190)) [57] و قال: (أفمن يعلم أنما أنزل اليك من ربك الحق كمن هو أعمي انما يتذكر أولوا الألباب (19)) [58] و قال: (أمن هو قانت ءاناء اليل ساجدا و قائما يحذر الأخرة و يرجوا رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون و الذين لا يعلمون انما يتذكر أولوا الألباب (9)) [59] و قال: (ان الذين أجرموا كانوا من الذين ءامنوا يضحكون (29)) [60] و قال: (و لقد ءاتينا موسي الهدي و أورثنا بني اسرائيل الكتاب (53) هدي و ذكري لأولي الألباب (54)) [61] و قال: (و ذكر فان الذكري تنفع المؤمنين (55)) [62] ].



[ صفحه 369]



يا هشام، ان الله يقول: (ان في ذلك لذكري لمن كان له قلب...) [63] يعني العقل؛ و قال: (و لقد ءاتينا لقمان الحكمة...) [64] قال: الفهم و العقل.

يا هشام، ان لقمان قال لابنه: تواضع للحق تكن أعقل الناس؛ يا بني ان الدنيا بحر عميق قد غرق فيه عالم كثير، فلتكن سفينتك فيها تقوي الله، وحشوها الايمان، و شراعها التوكل، و قيمها العقل، و دليلها العلم، و سكانها الصبر - أي مقدمها الذي يوجهها -.

يا هشام، لكل شي ء دليل، و دليل العاقل التفكر، و دليل التفكر الصمت. ولكل شي ء مطية، و مطية العاقل التواضع؛ و كفي بك جهلا أن تركب ما نهيت عنه.

يا هشام، لو كان في يدك جوزة و قال الناس انها لؤلؤة، ما نفعك و أنت تعلم أنها جوزة، ولو كان في يدك لؤلؤة و قال الناس انها جوزة، ما ضرك و أنت تعلم أنها لؤلؤة؟!.

يا هشام، ما بعث الله أنبياءه و رسله الي عباده الا ليعقلوا عن الله، فأحسنهم استجابة أحسنهم معرفة لله؛ و أعلمهم بأمر الله أحسنهم عقلا، و أعقلهم أرفعهم درجة في الدنيا و الآخرة.

يا هشام، ما من عبد الا و ملك آخذ بناصيته، فلا يتواضع الا رفعه الله، و لا يتعاظم الا وضعه الله.

يا هشام، ان الله علي الناس حجتين: حجة ظاهرة، و حجة باطنة. فأما الظاهرة فالرسل و الأنبياء و الأئمة؛ و أما الباطنة فالعقول.

يا هشام، ان العاقل [هو] الذي لا يشغل الحلال شكره، و لا يغلب الحرام صبره.



[ صفحه 370]



يا هشام، من سلط ثلاثا علي ثلاث فكأنما أعان هواه علي هدم عقله: من أظلم فكره لطول أمله، و محا طرائف حكمته بفضول كلامه، و أطفأ نور عبرته بشهوات نفسه فكأنما أعان هواه علي هدم عقله. و من هدم عقله أفسد عليه دينه و دنياه.

يا هشام، كيف يزكو عند الله عملك، و أنت قد شغلت عقلك عن أمر ربك، و أطعت هواك علي غلبة عقلك؟!.

يا هشام، الصبر علي الوحدة علامة قوة العقل؛ فمن عقل عن الله تبارك و تعالي اعتزل أهل الدنيا و الراغبين فيها، و رغب فيما عند ربه [و كان الله] آنسه في [الوحشة] و صاحبه في الوحدة، و غناه في العيلة، و معزه في غير عشيرة.

يا هشام، نصب الخلق لطاعة الله، و لا نجاة الا بالطاعة. و الطاعة بالعلم، و العلم بالتعلم، و التعلم بالعقل يعتقد. و لا علم الا من عالم رباني، و معرفة العالم بالعقل.

يا هشام، قليل العمل من العاقل مقبول مضاعف، و كثير العمل من أهل الهوي و الجهل مردود.

يا هشام، ان العاقل رضي بالدون من الدنيا مع الحكمة، و لم يرض بالدون من الحكمة مع الدنيا.

يا هشام، ان كان يغنيك ما يكفيك، فان ما في الدنيا يكفيك، و ان كان لا يغنيك ما يكفيك، فليس شي ء من الدنيا يغنيك.

يا هشام، ان العقلاء تركوا فضول الدنيا، فكيف الذنوب؟!. و ترك الدنيا من الفضل، و ترك الذنوب من الفرض!.

يا هشام، ان العقلاء زهدوا في الدنيا و رغبوا في الآخرة، لأنهم علموا



[ صفحه 371]



أن الدنيا طالبة و مطلوبة، و الآخرة طالبة و مطلوبة. فمن طلب الآخرة طلبته الدنيا حتي يستوفي منها رزقه، و من طلب الدنيا طلبته الآخرة فيأتيه الموت فيفسد عليه دنياه و آخرته.

يا هشام، من أراد الغني بلا مال، و راحة القلب من الحسد، والسلامة في الدين، فليتضرع الي الله في مسألته بأن يكمل عقله. فمن عقل قنع بما يكفيه، و من قنع بما يكفيه استغني، و من لم يقنع بما يكفيه لم يدرك الغني أبدا...

يا هشام، ان الله جل و عز حكي عن قوم صالحين أنهم قالوا: (ربنا لا تزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة انك أنت الوهاب (8)) [65] حين علموا أن القلوب تزيغ و تعود الي عماها ورداها - أي هلاكها -. انه لم يخف الله من لم يعقل عن الله، و من لم يعقل عن الله لم يعقد قلبه علي معرفة ثابتة يبصرها و يجد حقيقتها في قلبه. و لا يكون أحد كذلك الا من كان قوله لفعله مصدقا، و سره لعلانيته موافقا، لأن الله لم يدل علي الباطل الخفي من العقل الا بظاهر منه و ناطق عنه.

يا هشام، كان أميرالمؤمنين عليه السلام يقول: ما من شي ء عندالله به أفضل من العقل، و ما تم عقل امري ء حتي يكون فيه خصال شتي: الكفر و الشر منه مأمونان، و الخير و الرشد منه مأمولان، و فضل ماله مبذول، و فضل قوله مكفوف. نصيبه من الدنيا القوت، و لا يشبع من العلم دهره، الذل أحب اليه مع الله، من العز مع غيره. و التواضع أحب اليه من الشرف. يستكثر قليل المعروف و من غيره، و يستقل كثير المعروف من نفسه، و يري الناس كلهم خيرا منه، و أنه شرهم في نفسه، و هو تمام الأمر.



[ صفحه 372]



يا هشام، من صدق لسانه زكا عمله، و من حسنت نيته زيد في رزقه، و من حسن بره باخوانه و أهله مد في عمره.

يا هشام، لا تمنحوا الجهال الحكمة فتظلموها، و لا تمنعوها أهلها فتظلموهم.

يا هشام، كما تركوا لكم الحكمة، فاتركوا لهم الدنيا.

يا هشام، لا دين لمن لا مروة له، و لا مروة لمن لا عقل له؛ و ان أعظم الناس قدرا الذي لا يري الدنيا لنفسه خطرا. أما أن أبدانكم ليس لها ثمن الا الجنة، فلا تبيعوها بغيرها.

يا هشام، ان أميرالمؤمنين عليه السلام كان يقول: لا يجلس في صدر المجلس الا رجل فيه ثلاث خصال: يجيب اذا سئل، و ينطق اذا عجز القوم عن الكلام، و يشير بالرأي الذي فيه صلاح أهله. فمن لم يكن فيه شي ء منهن فجلس فهو أحمق.

و قال الحسن بن علي عليه السلام: اذا طلبتم الحوائج فاطلبوها من أهلها. قيل: يابن رسول الله، و من أهلها؟. قال: هم أولوا العقول.

و قال علي بن الحسين عليه السلام: مجالسة الصالحين داعية الي الصلاح، و أدب العلماء زيادة في العقل، و طاعة ولاة العدل تمام العز، و استثمار المال تمام المروة، و ارشاد المستشير قضاء لحق النعمة، و كف الأذي من كمال العقل و فيه راحة البدن عاجلا و آجلا.

يا هشام، ان العاقل لا يحدث من يخاف تكذيبه، و لا يسأل من يخاف منعه، و لا يعد ما لا يقدر عليه، و لا يرجو ما يعنف برجائه - أي ما يلام عليه - و لا يتقدم علي ما يخاف العجز عنه.

و كان أميرالمؤمنين عليه السلام يوصي أصحابه، يقول: أوصيكم بالخشية



[ صفحه 373]



من الله في السر و العلانية، و العدل في الرضا و الغضب، و الاكتساب في الفقر و الغني، و أن تصلوا من قطعكم، و تعفوا عمن ظلمكم، و تعطفوا علي من حرمكم. وليكن نظركم عبرا، وصمتكم فكرا، و قولكم ذكرا، و طبيعتكم السخاء فانه لا يدخل الجنة بخيل، و لا يدخل النار سخي.

يا هشام، رحم الله من استحيا من الله حق الحياء، فحفظ الرأس و ما حوي، و البطن و ما وعي - أي احتوي - و ذكر الموت و البلي، و علم أن الجنة محفوفة بالمكاره، و النار محفوفة بالشهوات.

يا هشام، من كف نفسه عن أعراض الناس أقاله الله عثرته يوم القيامة، و من كف نفسه عن الناس كف الله عنه غضبه يوم القيامة.

يا هشام، ان العاقل لا يكذب و ان كان فيه هواه.

يا هشام، وجد في ذؤابة سيف رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم: ان أعتي الناس علي الله من ضرب غير ضاربه، و قتل غير قاتله. و من تولي غير مواليه فهو كافر بما أنزل الله علي نبيه محمد صلي الله عليه و اله و سلم. و من أحدث حدثا، أو آوي محدثا، لم يقبل الله منه يوم القيامة صرفا و لا عدلا.

يا هشام، أفضل ما يتقرب به العبد الي الله، بعد المعرفة به، و الصلاة، و بر الوالدين، و ترك الحسد، و العجب و الفخر.

يا هشام، أصلح أيامك الذي هو أمامك، فانظر أي يوم هو، و أعد له الجواب فانك موقوف و مسؤول. و خذ موعظتك من الدهر و أهله، فان الدهر [أيامه] طويلة قصيرة. فاعمل كأنك تري ثواب عملك لتكون أطمع في ذلك و أعقل عن الله. و انظر في تصرف الدهر و أحواله، فان ما هو آت من الدنيا لكما ولي منها، فاعتبر بها [66] .



[ صفحه 374]



قال علي بن الحسين عليه السلام: ان جميع ما طلعت عليه الشمس في مشارق الأرض و مغاربها، بحرها و برها، و سهلها و جبلها، عند ولي من أولياء الله و أهل المعرفة بحق الله، كفي ء الظلال.

ثم قال عليه السلام: أولا حر يدع [هذه] اللماظة لأهلها - و اللماظة بقية الطعام في الفم، و كل شي ء قليل؛ و يريد بها هنا الدنيا - فليس لأنفسكم ثمن الا الجنة، فلا تبيعوها بغيرها، فانه من رضي من الله بالدنيا فقد رضي بالخسيس...

يا هشام، ان كل الناس يبصر النجوم، ولكن لا يهتدي بها الا من يعرف مجاريها و منازلها، و كذلك أنتم تدرسون الحكمة ولكن لا يهتدي بها منكم الا من عمل بها.

يا هشام، ان المسيح عليه السلام قال للحواريين:

يا عبيد السوء، يهولكم طول النخلة و تذكرون شوكها و مؤنة مراقيها، و تنسون ثمرها و مرافقها- أي منافعها - كذلك تذكرون مؤنة عمل الآخرة فيطول عليكم أمده، و تنسون ما تفضون اليه من نعيمها و نورها و ثمرها...

يا عبيد السوء، نقوا القمح و طيبوه تجدوا طعمه و يهنئكم أكله. كذلك فأخلصوا الايمان و أكملوه تجدوا حلاوته و ينفعكم غبه - أي عافيته و ما بعده -.

بحق أقول لكم: لو وجدتم سراجا يتوقد بالقطران في ليلة مظلمة لاستظأتم به ولم يمنعكم ريح نتنة؛ كذلك ينبغي لكم أن تأخذوا الحكمة ممن وجدتموها معه، و لا يمنعكم منها سوء رغبته فيها.

يا عبيد الدنيا، بحق أقول لكم: ان من ليس عليه دين من الناس، أروح و أقل هما ممن عليه الدين و ان أحسن القضاء. و كذلك من لم يعمل الخطيئة



[ صفحه 375]



أروح هما ممن عمل الخطيئة و ان أخلص التوبة و أناب. و ان صغار الذنوب و محقراتها من مكائد ابليس، يحقرها لكم، و يصغرها في أعينكم، فتجمع و تكثر فتحيط بكم.

بحق أقول لكم: ان الناس في الحكمة رجلان: فرجل أتقنها بقوله و صدقها بفعله، و رجل أتقنها بقوله وضيعها بسوء فعله، فشتان بينهما!. فطوبي للعلماء بالفعل، و ويل للعلماء بالقول!.

يا عبيد السوء اتخذوا مساجد ربكم سجونا لأجسادكم و جباهكم، واجعلوا قلوبكم بيوتا للتقوي، و لا تجعلوا قلوبكم بيوتا للشهوات. ان أجزعكم عند البلاء لأشدكم حبا للدنيا، و ان أصبركم علي البلاء لأزهدكم في الدنيا.

يا عبيد السوء، لا تكونوا شبيها بالحداء الخاطفة - أي الطيور التي تخطف، و هو جمع حدأة - و لا بالثعالب الخادعة، و لا بالذئاب الغادرة، و لا بالأسد العاتية، كما تفعل بالفراس كذلك تفعلون بالناس: فريقا تخطفون، و فريقا تخدعون، و فريقا تغدرون بهم.

بحق أقول لكم: لا يغني عن الجسد أن يكون ظاهره صحيحا و باطنه فاسدا؛ كذلك لا تغني أجسادكم التي قد أعجبتكم، و قد فسدت قلوبكم و ما يغني عنكم أن تنقوا جلودكم، و قلوبكم دنسة، لا تكونوا كالمنخل يخرج منه الدقيق الطيب و يمسك النخالة. كذلك أنتم تخرجون الحكمة من أفواهكم، و يبقي الغل في صدوركم.

يا عبيد الدنيا، انما مثلكم مثل السراج يضي ء للناس، و يحرق نفسه. يا بني اسرائيل، زاحموا العلماء في مجالسهم و لو جثوا علي الركب، فان الله يحيي القلوب الميتة بنور الحكمة، كما يحيي الأرض الميتة وابل المطر.



[ صفحه 376]



يا هشام، مكتوب في الانجيل: طوبي للمتراحمين، أولئك هم المرحومون يوم القيامة!. طوبي للمصلحين بين الناس، أولئك هم المقربون يوم القيامة!. طوبي للمطهرة قلوبهم، أولئك هم المتقون يوم القيامة!. طوبي للمتواضعين في الدنيا، أولئك يرتقون منابر الملك يوم القيامة!.

يا هشام، قلة المنطق حلم عظيم، فعليكم بالصمت فانه دعة حسنة، و قلة وزر، و خفة من الذنوب. فحصنوا باب الحلم فان بابه الصبر. و ان الله عزوجل يبغض الضحاك من غير عجب، و المشاء الي غير أرب. و يجب علي الوالي أن يكون كالراعي لا يغفل عن رعيته و لا يتكبر عليهم. فاستحيوا من الله في سرائركم كما تستحيون من الناس من علانيتكم. و اعلموا أن الكلمة من الحكمة ضالة المؤمن، فعليكم بالعلم قبل أن يرفع، و رفعه غيبة عالمكم بين أظهركم.

يا هشام، تعلم من العلم ما جهلت، و علم الجاهل مما علمت. عظم العالم لعلمه ودع منازعته، و صغر الجاهل لجهله، و لا تطرده، ولكن قربه و علمه.

يا هشام، ان كل نعمة عجزت عن شكرها، بمنزلة سيئة تؤخذ بها. و قال أميرالمؤمنين صلوات الله عليه: ان الله عبادا كسرت قلوبهم خشيته فأسكنتهم عن المنطق و انهم لفصحاء عقلاء؛ يستبقون الي الله بالأعمال الآلية، و لا يستكثرون له الكثير، و لا يرضون لهم من أنفسهم بالقليل، و يرون في أنفسهم أنهم أشرار، و انهم لأكياس أبرار.

يا هشام، الحياء من الايمان، و الايمان في الجنة، و البذاء من الجفاء، و الجفاء في النار.



[ صفحه 377]



يا هشام، المتكلمون ثلاثة: فرابح، و سالم، و شاجب - أي مهذار الكلام -. فأما الرابح فالذاكر لله، و أما السالم فالساكت، و أما الشاجب الذي يخوض في الباطل.. ان الله حرم الجنة علي كل فاحش بذي ء قليل الحياء لا يبالي ما قال و لا ما قيل فيه. و كان أبوذر - رضي الله عنه - يقول: يا مبتغي العلم، ان هذا اللسان مفتاح خير و مفتاح شر، فاختم علي فيك كما تختم علي ذهبك و ورقك.

يا هشام، بئس العبد عبد يكون ذا وجهين و ذا لسانين، يطري أخاه اذا شاهده، و يأكله اذا غاب عنه؛ ان أعطي حسده، و ان ابتلي خذله. ان أسرع الخير ثوابا البر، و أسر الشر عقوبة البغي، و ان شر عباد الله من تكره مجالسته لفحشه!. و هل يكب الناس علي مناخرهم في النار الا حصائد ألسنتهم؟!. و من حسن اسلام المرء ترك ما لا يعنيه.

يا هشام، لا يكون الرجل مؤمنا حتي يكون خائفا راجيا. و لا يكون خائفا راجيا حتي يكون عاملا لما يخاف و يرجو.

يا هشام، قال الله جل و عز: و عزتي و جلالي، و عظمتي و قدرتي، و بهائي و علوي في مكاني، لا يؤثر عبد هواي علي هواه، الا جعلت الغني في نفسه، و همه في آخرته، و كففت عليه [في] ضيعته، و ضمنت السماوات و الأرض رزقه، و كنت له من وراء تجارة كل تاجر.

يا هشام، الغضب مفتاح الشر، و أكمل المؤمنين ايمانا أحسنهم خلقا. و ان خالطت الناس، فان استطعت أن لا تخالط أحدا منهم الا من كانت يدك عليه العليا، فافعل.

يا هشام، عليك بالرفق، فان الرفق يمن، و الخرق شؤم. ان الرفق، و البر، و حسن الخلق يعمر الديار و يزيد في الرزق.



[ صفحه 378]



يا هشام، قول الله:(هل جزاء الاحسان الا الاحسان (60)) [67] جرت في المؤمن و الكافر، و البر و الفاجر. من صنع اليه معروف فعليه أن يكافي ء به.

و ليست المكافأة أن تصنع كما صنع حتي تري فضلك؛ فان صنعت كما صنع فله الفضل بالابتداء.

يا هشام، ان مثل الحياة مثل الحية، مسها لين، و في جوفها السم القاتل، يحذرها الرجال ذو و العقول، و يهوي اليها الصبيان بأيديهم.

يا هشام، اصبر علي طاعة الله، و اصبر عن معاصي الله، فانما الدنيا ساعة، فما مضي منها فليس تجد له سرورا و لا حزنا، و ما لم يأت منها فليس تعرفه. فاصبر علي تلك الساعة التي أنت فيها، فكأنك قد اغتبطت.

يا هشام، مثل الدنيا، مثل ماء البحر، كلما شرب منه العطشان ازداد عطشا حتي يقتله.

يا هشام، اياك و الكبر، فانه لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من كبر. الكبر رداء الله، فمن نازعه رداءه أكبه الله في النار علي وجهه.

يا هشام، ليس منا من لم يحاسب نفسه كل يوم، فان عمل حسنا استزاد منه، و ان عمل سيئا استغفر الله منه و تاب اليه.

يا هشام، تمثلت الدنيا للمسيح عليه السلام في صورة امرأة زرقاء، فقال لها: كم تزوجت؟!. فقالت: كثيرا. قال: فكل طلقك؟. قالت: لا، بل كلا قتلت!. قال المسيح عليه السلام: فويل لأزواجك الباقين، كيف لا يعتبرون بالماضين؟!.

يا هشام، ان ضوء الجسد في عينه، فان كان البصر مضيئا استفاد



[ صفحه 379]



الجسد كله، و ان ضوء الروح العقل، فاذا كان العبد عاقلا، كان عالما بربه، و اذا كان عالما بربه أبصر دينه، و ان كان جاهلا بربه لم يقم له دين. و كما لا يقوم الجسد الا بالنفس الحية، فكذلك لا يقوم الدين الا بالنية الصادقة، و لا تثبت النية الصادقة الا بالعقل.

يا هشام، ان الزرع ينبت في السهل و لا ينبت في الصفا - أي الصخر -. فكذلك الحكمة تعمر في قلب المتواضع، و لا تعمر في قلب المتكبر الجبار، لأن الله جعل التواضع آلة العقل، و جعل التكبر من آلة الجهل. ألم تعلم أن من شمخ الي السقف برأسه شجه، و من خفض رأسه استظل تحته و أكنه!.

و كذلك من لم يتواضع لله خفضه الله، و من تواضع لله رفعه.

يا هشام، ما أقبح الفقر بعد الغني، و أقبح الخطيئة بعد النسك؛ و أقبح من ذلك العابد لله، ثم يترك عبادته.

يا هشام، لا خير في العيش الا لرجلين: لمستمع واع، و عالم ناطق.

يا هشام، ما قسم بين العباد أفضل من العقل. نوم العاقل أفضل من سهر الجاهل. و ما بعث الله نبيا الا عاقلا حتي يكون عقله أفضل من جميع جهد المجتهدين. و ما أدي العبد فريضة من فرائض الله حتي عقل منه.

يا هشام، قال رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم: اذا رأيتم المؤمن صموتا فادنوا منه فانه يلقي الحكمة. و المؤمن قليل الكلام، كثير العمل. و المنافق كثير الكلام، قليل العمل.

يا هشام، أوحي الله تعالي الي داود عليه السلام: قل لعبادي لا يجعلوا بيني و بينهم عالما مفتونا بالدنيا فيصدهم عن ذكري، و عن طريق محبتي و مناجاتي؛ أولئك قطاع الطريق من عبادي!. ان أدني ما أنا صانع بهم أن أنزع حلاوة محبتي و مناجاتي من قلوبهم.



[ صفحه 380]



يا هشام، من تعظم في نفسه لعنته ملائكة السماء و ملائكة الأرض. و من تكبر علي اخوانه و استطال عليهم فقد ضاد الله، و من أدعي ما ليس له، فهو أعتي لغير رشده.

يا هشام، أوحي الله تعالي الي داود عليه السلام: يا داود حذر و أنذر أصحابك عن حب الشهوات، فان المعلقة قلوبهم بشهوات الدنيا قلوبهم محجوبة عني.

يا هشام، اياك و الكبر علي أوليائي و الاستطالة بعلمك فيمقتك الله فلا تنفعك بعد مقته دنياك و لا آخرتك. و كن في الدنيا كساكن دار ليست له، انما ينتظر الرحيل.

يا هشام، مجالسة أهل الدين شرف الدنيا و الآخرة، و مشاورة العاقل الناصح يمن و بركة و رشد و توفيق من الله. فاذا أشار عليك العاقل الناصح فاياك و الخلاف فان في ذلك العطب!.

يا هشام، اياك و مخالطة الناس و الأنس بهم، الا أن تجد منهم عاقلا و مأمونا فأنس به، واهرب من سائرهم كهربك من السباع الضارية. و ينبغي للعاقل اذا عمل عملا أن يستحيي من الله، و اذا تفرد له بالنعم أن يشارك في عمله أحدا غيره. و اذا مر بك أمران لا تدري أيهما خير و أصوب، فانظر أيهما أقرب الي هواك فخالفه، فان كثير الصواب في مخالفة هواك. و اياك أن تغلب الحكمة و تضعها في الجهالة.

قال هشام: فقلت له: فان وجدت رجلا طالبا [لها] غير أن عقله لا يتسع لضبط ما ألقي اليه؟.

قال عليه السلام: فتلطف له في النصيحة؛ فان ضاق صدره [ف]لا تعرضن



[ صفحه 381]



نفسك للفتنة. واحذر رد المتكبرين، فان العلم يذل علي أن يملي علي من لا يفق - أي لا ينتبه من الغفلة -.

قلت: فان لم أجد من يعقل السؤال عنها؟.

قال عليه السلام: فاغتنم جهله عن السؤال حتي تسلم من فتنة القول، و عظيم فتنة الرد. و اعلم أن الله لم يرفع المتواضعين بقدر تواضعهم، ولكن رفعهم بقدر عظمته و مجده. و لم يؤمن الخائفين بقدر خوفهم، ولكن آمنهم بقدر كرمه وجوده. و لم يفرج المحزونين بقدر حزنهم، ولكن بقدر رحمته و رأفته!. فما ظنك بالرؤوف الرحيم الذي يتودد الي من يؤذيه بأوليائه، فكيف بمن يؤذي فيه؟!.و ما ظنك بالتواب الرحيم الذي يتوب علي من يعاديه، فكيف بمن يترضاه و يختار عداوة الخلق مه؟!.

يا هشام، من أحب الدنيا ذهب خوف الآخرة من قلبه. و ما أوتي عبد علما فازداد للدنيا حبا، الا ازداد من الله بعدا، و ازداد الله عليه غضبا.

يا هشام، ان العاقل اللبيب من ترك ما لا طاقة له به. و أكثر الصواب في خلاف الهوي. و من طال أمله، ساء عمله.

يا هشام، لو رأيت مسير الأجل، ألهاك عن الأمل!.

يا هشام، اياك و الطمع، و عليك باليأس مما في أيدي الناس. و أمت الطمع من المخلوقين، فان الطمع مفتاح للذل، و اختلاس للعقل، و اختلاق المروات، و تدنيس العرض، و الذهاب بالعلم. و عليك بالاعتصام بربك و التوكل عليه، و جاهد نفسك لردها عن هواها، فانه واجب عليك كجهاد عدوك.

قال هشام: فقلت له: فأي الأعداء أوجبهم مجاهدة؟.

قال عليه السلام: أقربهم اليك، و أعداهم لك، و أضرهم بك، و أعظمهم



[ صفحه 382]



لك عدواة، و أخفاهم لك شخصا مع دنوه منك، و من يحرض أعداءك عليك، و هو ابليس الموكل بوسواس القلوب. فله فلتشتد عدواتك. و لا يكونن أصبر علي مجاهدتك لهلكتك منك علي صبرك لمجاهدته. فانه أضعف منك ركنا في قوته، و أقل منك ضررا في كثرة شره اذا أنت اعتصمت بالله فقد هديت الي صراط مستقيم.

يا هشام، من أكرمه الله بثلاث فقد لطف له: عقل يكفيه مؤونة هواه، و علم يكفيه مؤونة جهله، و غني يكفيه مخافة الفقر.

يا هشام، احذر هذه الدنيا و احذر أهلها، فان الناس فيها علي أربعة أصناف: رجل مترد معانق لهواه، و متعلم مقري ء كلما ازداد علما ازداد كبرا، و يستعلي بقراءته و بعلمه علي من هو دونه. و عابد جاهل يستصغر من هو دونه في عبادته، يحب أن يعظم و يوقر. و ذي بصيرة، عالم، عارف بطريق الحق، يحب القيام به، فهو عاجز أو مغلوب، فلا يقدر علي القيام بما يعرف، فهو محزون مغموم بذلك؛ فهو أمثل أهل زمانه و أوجههم عقلا.

يا هشام، اعرف العقل و جنده، و الجهل و جنده، تكن من المهتدين.

قال هشام: فقلت: جعلت فداك، لا نعرف الا ما عرفتنا.

فقال عليه السلام: يا هشام، ان الله خلق العقل. و هو أول خلق خلقه الله من الروحانيين عن يمين العرش، من نوره، فقال له: أدبر، فأدبر؛ ثم قال له: أقبل فأقبل. فقال الله جل و عز: خلقتك خلقا [عظيما] و كرمتك علي جميع خلقي. ثم خلق الجهل من البحر الأجاج الظلماني، فقال له: أدبر، فأدبر؛ ثم قال له: أقبل، فلم يقبل. فقال: استكبرت!. فلعنه. ثم جعل للعقل خمسة و سبعين جندا. فلما رأي الجهل ما كرم الله به العقل و ما أعطاه، أضمر له العداء. فقال الجهل: يا رب هذا خلق مثلي، خلقته و كرمته و قويته، و أنا ضده و لا قوة لي به. أعطني من الجند مثلما أعطيته، فقال تبارك



[ صفحه 383]



و تعالي: نعم، فان عصيتني بعد ذلك أخرجتك و جندك من جواري و من رحمتي. فقال: قد رضيت. فأعطاه الله خمسه و سبعين جندا. فكان مما أعطي العقل من الخمسة و السبعين جندا الخير، و هو وزير العقل. و جعل ضده الشر، و هو وزير الجهل.

[و هذه جنود العقل، و ما يقابلها من جنود الجهل:]

الايمان - الكفر، التصديق - التكذيب، الاخلاص - النفاق، الرجاء- القنوط، العدل - الجور، الرضي - السخط، الشكر - الكفران، اليأس - الطمع، التوكل - الحرص، الرأفة - الغلظة، العلم - الجهل، العفة - التهتك، الزهد - الرغبة الرفق - الخرق، الرهبة - الجرأة، التواضع - الكبر، التودة- العجلة، الحلم - السفه، الصمت - الهذر، الاستسلام - الاستكبار، التسليم - التجبر، العفو- الحقد، الرحمة- القسوة، اليقين - الشك، الصبر - الجزع، الصفح - الانتقام، الغني - الفقر، التفكر - السهو، الحفظ - النسيان، التواصل - القطيعة، القناعة - الشره، المواساة - المنع، المودة- العداوة، الوفاء - الغدر، الطاعة - المعصية، الخضوع - التطاول، السلامة - البلاء، الفهم - الغباوة، المعرفة - الانكار، المداراة - المكاشفة، سلامة الغيب - المماكرة، الكتمان - الافشاء، البر -العقوق، الحقيقة- التسويف، المعروف - المنكر، التقية - الاذاعة، الانصاف - الظلم، التقي - الحسد، النظافة - القذر، الحياء - القحة، القصد - الاسراف، الراحة - التعب، السهولة - الصعوبة، العافية - البلوي، القوام - المكاثرة، الحكمة- الهوي، الوقار - الخفة، السعادة- الشقاء، التوبة - الاصرار، المحافظة- التهاون، الدعاء - الاستنكاف، النشاط - الكسل، الفرح - الحزن،الألفة - الفرقة، السخاء - البخل، الخشوع - العجب، صون الحديث - النميمة، الاستغفار - الاغترار، الكياسة- الحمق.



[ صفحه 384]



يا هشام، لا تجمع هذه الخصال الا لنبي أو وصي، أو مؤمن امتحن الله قلبه للايمان. و أما سائر الناس من المؤمنين فان أحدهم لا يخلو من أن يكون فيه بعض هذه الجنود من أجناد العقل، حتي يستكمل العقل و يتخلص من جنود الجهل؛ فعند ذلك يكون في الدرجة العليا مع الأنبياء و الأوصياء عليهم الصلاة و السلام. وفقنا الله و اياكم لطاعته [68] و عند مثل هذه الوصية الكريمة الجامعة المانعة يقف كل فكر عن الزيادة و التعليق، و يقف كل قلم عن التحليل و التأويل، اذ يقصر كل ذهن عن بلوغ معانيها السامية، و يسير كل مفكر لاهثا وراء بيان محتواها ثم لا يدرك أن يقول كلمة حولها.

و الحمدلله رب العالمين أولا و آخرا.


پاورقي

[1] انظر الاختصاص ص 22 نقلا عن تحف العقول ص 108 و انظر أيضا الأنوار البهية ص 157.

[2] الأنوار البهية ص 157 و معاني الأخبار ص 343.

[3] الأنوار البهية ص 157 هي و ما قبلها.

[4] الأنوار البهية ص 158.

[5] سورة البقرة:34.

[6] تجد كل ما سبق في تحف العقول من ص 301 الي ص 305.

[7] الأنوار البهية ص 158.

[8] كل ما سبق موجود في تحف العقول ص 297.

[9] المحجة البيضاء ج 4 ص 16 عن الكافي ص 174.

[10] المحجة البيضاء ج 3 ص 33 نقلا عن الكافي ص 284.

[11] الأنوار البهية ص 158.

[12] المصدر السابق.

[13] معاني الأخبار ص 144-143.

[14] كشف الغمة ج 3 ص 43-42.

[15] المصدر السابق.

[16] المصدر السابق.

[17] كشف الغمة ج 3 ص 47.

[18] المصدر السابق ص 8.

[19] المصدر السابق ص 412.

[20] الكافي م 1 ص 56.

[21] مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 314.

[22] المحجة البيضاء ج 3 بين الصفحة 60 و الصفحة 64.

[23] المصدر السابق.

[24] المصدر السابق.

[25] المصدر السابق ص 74 نقلا عن مكارم الأخلاق ص 281.

[26] المصدر السابق ص 18 عن مكارم الأخلاق ص 176.

[27] المحجة البيضاء ج 3 ص 37 و ص 96.

[28] المصدر السابق ص 111.

[29] المصدر السابق.

[30] المصدر السابق ص 124 و ص 125 نقلا عن الكافي.

[31] المصدر السابق.

[32] المصدر السابق ص 443 نقلا عن الكافي.

[33] مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 315-314.

[34] سورة الشعراء: 214.

[35] سورة الأحزاب: 5.

[36] الكافي م 1 من ص 539 الي ص 543.

[37] سورة الزمر: 18-17.

[38] سورة البقرة: 164-163.

[39] سورة النحل: 12.

[40] سورة الزخرف: 3-1.

[41] سورة الروم: 24.

[42] سورة الأنعام: 32.

[43] سورة القصص: 60.

[44] سورة الصافات: 138-136.

[45] سورة العنكبوت: 43.

[46] سورة البقرة: 170.

[47] سورة الأنفال: 22.

[48] سورة لقمان: 25.

[49] سورة الأنعام: 116.

[50] سورة الأنعام: 37 و الأعراف: 130 و هي مكررة في عدة سور.

[51] سورة الزخرف: 66.

[52] سورة سبأ: 13.

[53] سورة ص: 24.

[54] سورة هود: 40.

[55] سورة البقرة: 269.

[56] سورة آل عمران: 7.

[57] سورة آل عمران: 190.

[58] سورة الرعد: 19.

[59] سورة الزمر: 9.

[60] سورة ص: 29.

[61] سورة المؤمن: 54-53.

[62] سورة الذاريات: 55.

[63] سورة ق: 37.

[64] سورة لقمان: 12.

[65] سورة آل عمران: 8.

[66] هذه الوصية موجودة الي هنا في الكافي م 1 من ص 13 الي ص 20.

[67] سورة الرحمن: 60.

[68] هي بكاملها في تحف العقول من ص 283 الي ص 297 و انظر الي قسم كبير منها في الكافي م 1 من ص 13 الي ص 20.