بازگشت

بزوغ الفجر و أفول النور


و جاء أمر الله تبارك و تعالي... فبزغ النور حين اشراق الطلعة الهاشمية، و التمع سناء هالة الامام السابع الشافع، سليل النبوة و الوصية، في قرية (الأبواء) التي فيها قبر السيدة المطهرة آمنة بنت وهب أم رسول الله صلي الله عليه و آله و عليها، علي بعد ثلاثة و عشرين ميلا من (الجحفة) مما يلي المدينة المنورة، و علي طريق مكة المكرمة، في السادس من شهر رجب سنة مئة، و ثمان و عشرين للهجرة النبوية الشريفة. [1] .

و قد عاش في ظل أبيه عشرين سنة خرس المؤرخون عن ذكر شي ء عنه فيها، خصوصا و من عادة الامام أن يتكلم بوجود الامام الذي يسبقه، اذ



[ صفحه 33]



ليس من تكليفه الرباني أن يقوم بأي تحرك أو نشاط في مجتمعه أثناء حياة سلفه.ثم حمل أعباء الامامة بعد أبيه مدة خمس و ثلاثين سنة، فكان عمره الشريف خمسا و خمسين سنة تقريبا.

و قد لحق بالرفيق الأعلي يوم الخامس و العشرين من شهر رجب سنة مئة و ثلاث و ثمانين، و مات مسموما في حبس هارون الرشيد، و دفن في مشهده الشريف المعروف في ضاحية بغداد، حيث ترتفع القبة و المآذن المذهبة التي تناطح السماء، و تحتضن يوميا آلاف و آلاف الزائرين. [2] .

و هو الامام موسي، ابن الامام جعفر الصادق عليه السلام، و اسم أمه حميدة البربرية، و لها غيره اسحاق و فاطمة. و يلقب بالكاظم لكظمه الغيظ تجاه ما لقي من الظالمين، و لكثرة تجاوزه و حلمه و سمو أخلاقه.

و من ألقابه: الصابر، و الصالح، و زين المجتهدين، و النفس الزكية، و الأمين، و الوفي و الزاهر لأنه زهر بأخلاقه و كرمه. [3] .

و يكني بأبي الحسن الأول، و أبي ابراهيم، و أبي اسماعيل، و أبي علي. [4] .

و قد كان أزهر اللون، الا في حال الغيظ لحرارة مزاجه.

و هو ربع، تمام، خضر، حالك، كث اللحية. [5] .



[ صفحه 34]



و بخصوص ولادته روي علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير أنه قال:

«حججنا مع أبي عبدالله عليه السلام في السنة التي ولد فيها ابنه موسي عليه السلام.

فلما نزلنا (الأبواء) - و هو موضع بين الحرمين - وضع لنا الغداء. و كان اذا وضع الطعام لأصحابه أكثر و أطاب. فبينا نحن نأكل اذ أتاه رسول حميدة، فقال له: ان «حميدة» تقول: قد أنكرت نفسي، و قد وجدت ما كنت أجد اذا حضرت ولادتي، و قد أمرتني أن لا استبقك بابنك هذا.

فقام أبوعبدالله عليه السلام، فانطلق مع الرسول.

فلما انصرف - أي انتهي من الأمر - قال له أصحابه: سرك الله و جعلنا فداك. فما أنت صنعت من «حميدة»؟.

قال: ذكرت أنه سقط من بطنها، حين سقط، واضعا يديه علي الأرض، رافعا رأسه الي السماء. فأخبرتها أن ذلك امارة رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم، و امارة الوصي من بعده.

فقلت: جعلت فداك، و ما هذا من امارة رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم، و امارة الوصي من بعده؟.

فقال لي: انه لما كانت الليلة التي علق فيها بجدي، أتي آت جد أبي بكأس فيه شربة أرق من الماء، و ألين من الزبد، و أحلي من الشهد، و أبرد من الثلج، و أبيض من اللبن؛ فسقاه اياه، و أمره بالجماع، فقام فجامع، فعلق



[ صفحه 35]



بجدي. و لما أن كانت الليلة التي علق فيها بأبي، أتي آت جدي، فسقاه كما سقي جدي أبي، و أمره بمثل الذي أمره، فقام فجامع فعلق بأبي. و لما أن كانت الليلة التي علق فيها بي، أتي آت أبي فسقاه مما سقاهم، و أمره بالذي أمرهم به فقام فجامع فعلق بي. و لما أن كانت الليلة التي علق فيها بابني، أتاني آت كما أتاهم، ففعل بي كما فعل بهم، فقمت بعلم الله، و اني مسرور بما يهب الله لي؛ فجامعت فعلق بابني هذا المولود. فدونكم، فهو والله صاحبكم من بعدي.

ان نطفة الامام مما أخبرتك. و اذا سكنت النطفة في الرحم أربعة أشهر و أنشي ء فيه الروح، بعث الله تبارك و تعالي ملكا يقال له: حيوان، فكتب علي عضده الأيمن:(و تمت كلمت ربك صدقا و عدلا لا مبدل لكلماته و هو السميع العليم (115)). [6] و اذا وقع من بطن أمه، وقع واضعا يديه علي الأرض، رافعا رأسه الي السماء.

فأما وضعه يديه علي الأرض، فانه يقبض كل علم لله أنزله من السماء الي الأرض.

و أما رفعه رأسه الي السماء، فان مناديا ينادي به من بطنان العرش، من قبل رب العزة، من الأفق الأعلي، باسمه و اسم أبيه يقول: يا فلان بن فلان اثبت تثبت، فلعظيم ما، خلقتك!. أنت صفوتي من خلقي، و موضع سري، و عيبة علمي، و أميني علي وحيي، و خليفتي في أرضي. لك و لمن تولاك أوجبت رحمتي، و منحت جناني، و أحللت جواري... ثم و عزتي و جلالي، لأصلين من عاداك أشد عذابي، و ان وسعت عليه في دنياي من سعة رزقي.

فاذا انقضي الصوت - صوت المنادي - أجاب هو واضعا يديه، رافعا



[ صفحه 36]



رأسه يقول:(شهد الله أنه لا اله الا هو و الملائكة و أولوالعلم قائما بالقسط لا اله الا هو العزيز الحكيم (18)) [7] .

فاذا قال ذلك أعطاه الله العلم الأول، و العلم الآخر، واستحق زيارة الروح - أي الروح القدس - في ليلة القدر.

قلت: جعلت فداك، الروح ليس هو جبرائيل؟.

قال: الروح هو أعظم من جبرائيل، ان جبرائيل من الملائكة؛ و ان الروح هو خلق أعظم من الملائكة!. أليس يقول الله تبارك و تعالي: (تنزل الملائكة و الروح...). [8] .

و هكذا بين الامام الصادق عليه السلام أشياء كثيرة من مواهب الله عز و علا للامام الذي يجتبيه للناس، و هي مواهب يؤمن بها من هدي الله تعالي قلبه للحق، و يسلم بها كأمور مخلوقه مع الامام، و هي لابد منها له، كما أنه لا بد لنا من العينين للنظر، و الأذنين للسمع، و الرجلين للمشي، و بقية الأعضاء لتمام خلق الانسان الذي جعله سبحانه في «أحسن» تقويم؛ و الامام لابد له من تلك المواهب حتي يتم خلقه و يكون في «أعظم» تقويم، ممتازا عن الآخرين بتلك المواهب الربانية.

و أما من كان لا يؤمن بهذا الواقع المؤكد، فليبن صرحا و يطلع الي السماء ليسجل اعتراضا علي «ارادة الله تعالي» و يبثه علي الهواء... فيذهب هو و اعتراضه هباء في هباء...



[ صفحه 37]



و كذلك روي البرقي أن منهال القصاب قال:

«خرجت من مكة و أنا أريد المدينة، فمررت (بالأبواء) و قد ولد لأبي عبدالله عليه السلام، فسبقته الي المدينة.

و دخل عليه السلام بعدي بيوم، و أطعم الناس ثلاثا. فكنت آكل في من يأكل، فما آكل شيئا الي الغد حتي أعود فآكل. فكنت بذلك ثلاثا أطعم - أي آكل - حتي أرتفق - يعني أتكي ء علي مرفقي - ثم لا أطعم شيئا الي الغد». [9] .

و هنيئا لك يا منهال هذا الطعام الطيب الذي كنت تنهال عليه «بالكف و الأربع أصابع»ثم لا تشبع منه حتي ترتفق لفرط لذته. و حق لأبي عبدالله أن يطعم أهل المدينة ثلاثة أيام متتالية ليشاركوه هذه الفرحة السماوية، و ليشكروا معه هذه النعمة الربانية التي تجلت ببزوغ نور مولود مبارك هو - بعد أبيه - أطهر من علي ظهر الأرض.

أما طفولته فهي فذة كطفولة آبائه و أبنائه صلوات الله و سلامه عليهم.

و قد بدأها بمثل ما رواه زكريا بن آدم الذي قال:

«سمعت الرضا عليه السلام يقول: كان أبي ممن تكلم في المهد» [10] .

و هذا ليس بعجيب و ان كان خرقا للنواميس الطبيعية. فان أولياء الله تعالي لا ينسحب عليهم ما ينسحب علي الآخرين من الناس، لأنهم مصنوعون علي عين الله تعالي، و مجهزون بعطايا ربانية لا تقع تحت قدرتنا علي الفلسفة و التحليل، و لا تتاح لنا البرهنة عليها بيسر، اذ خلقوا هكذا... ولكن التاريخ المكذوب، الذي كتب تحت حكم الظالمين، طمس هذه



[ صفحه 38]



المعالم المميزة التي كانت تظهر فضلهم من جهة، و تفضح أعداءهم المتسلطين علي الناس بالسيف من جهة ثانية. و لذلك فان الكتب التاريخية تبدو صماء بكماء أمام بيان بصمات السماء التي تظهر علي هذه الفئة المختارة حين ترصد السماء عظماء للأمورالعظيمة. فما من أحد ذكر شيئا من ذلك الا و كان جزاؤه القتل المؤكد، فلم يبق في ميدان التاريخ الا المأجورون الذين باعوا ضمائرهم حين دونوا التايخ المزور فملأوا بطونا شرهة، و أفرغوها كذبا و زورا.

فكل واحد من أئمتنا الاثني عشر معجزة الهية. و قد عرف الناس كونهم معاجز خارقة، ولكن من أين لهم أن يفوهوا بكلمة واحدة بشأنهم؟!. لا سبيل الي ذلك و لو كان يعرف ذلك المحبون و المبغضون. و لذلك ترانا نجتهد كثيرا حتي نجد فلتات لسان هنا و هناك، فنجمعها و نؤلف بينها حتي نكمل الصورة التي نكون بصددها. بل قد لا نعثر علي شي ء أحيانا بسبب ارتفاع حرارة حقد الحاكمين.

و قد دخل أبوحنيفة المدينة و معه عبدالله بن مسلم، فقال له:

يا أباحنيفة، ان ها هنا جعفر بن محمد من علماء آل محمد، فاذهب بنا اليه نقتبس منه علما.

فلما أتيا اذا هما بجماعة من علماء شيعته ينتظرون خروجه أو دخولهم عليه. فبينما هم كذلك اذ خرج غلام حدث فقام الناس هيبة له. فالتفت أبوحنيفة فقال: يابن مسلم، من هذا؟!.

قال: موسي، ابنه.

قال: والله لا خجله بين يدي شيعته.



[ صفحه 39]



قال له: لن تقدر علي ذلك.

قال: والله لأفعلنه...

ثم التفت الي موسي فقال: يا غلام أين يضع الغريب في بلدكم هذه [11] .

قال: يتواري خلف الجدار، و يتوقي أعين الجار، و شطوط الأنهار، و مساقط الثمار، و لا يستقبل القبلة و لا يستدبرها. فحينئذ يضع حيث شاء.

ثم قال: يا غلام ممن المعصية...

قال: يا شيخ، لا تخلوا من ثلاث:

اما أن تكون من الله و ليس من العبد شي ء، فليس للحكيم أن يأخذ عبده بما لم يفعله.

و اما أن تكون من العبد و من الله؛ والله أقوي الشريكين، فليس للشريك الأكبر أن يأخذ الشريك الأصغر بذنبه.

و اما أن تكون من العبد و ليس من الله شي ء، فان شاء عفا، و ان شاء عاقب.

قال: فأصابت أباحنيفة سكتة كأنما ألقم فوه الحجر». [12] .

و في مصادر أخري رويت القصة هكذا:

«فقد اشتهر عند الخاص و العام حديث أبي حنيفة حين دخل دار الامام الصادق عليه السلام، فرأي ابنه موسي عليه السلام في دهليز الدار، و هو صبي في



[ صفحه 40]



الخامسة من عمره، فقال في نفسه: ان هؤلاء يزعمون أنهم يعطون العلم صبية، و أنا أسبر ذلك - أي أمتحنه -.

فقال له: يا غلام، اذا دخل الغريب بلدة أين يحدث؟.

فنظر اليه نظر مغضب و قال: يا شيخ، أين السلام؟!.

قال: فخجلت، و نبل في عيني، و عظم في قلبي. فسلمت عليه و قلت: يابن رسول الله، الغريب اذا دخل بلدة أين يحدث؟.

فقال: يتواري خلف الجدار، و يتوقي شطوط الأنهار، و مساقط الثمار، و مشارع الماء، و أفنية الدور - أي ساحاتها - و جادة الطريق، و لا يستقبل القبلة و لا يستدبرها، ثم يحدث أين شاء.

فقلت: يابن رسول الله، ممن المعصية؟.

فنظر الي و قال: اجلس حتي أخبرك.

فجلست. فقال: اما أن تكون من الله، أو من العبد، أو منهما معا.

فان كانت من الله، فهو أكرم من أن يؤاخذ العبد بما لم يجنه.

و ان كانت منهما، فالله أعدل من أن يأخذ العبد بما هو شريك فيه.

فلم يبق الا أن تكون من العبد. فان عفا الله فبفضله، و ان عاقب فبعدله.

قال أبوحنيفة: (ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم (34)) [13] .

... و قيل: انه عليه السلام نظم في هذا المعني شعرا، فقال:



[ صفحه 41]



لم تخل أفعالنا اللاتي نذم بها

احدي ثلاث خلال حين نبديها



اما تفرد بارينا بصنعتها

فيسقط اللوم عنا حين نأتيها



أو كان يشركنا فيها فيلحقه

ما سوف يلحقنا من لائم فيها



أو لم يكن لالهي في جنايتها

ذنب، فما الذنب الا ذنب جانيها [14] .



و كيف لا ينبل في عيني أبي حنيفة من يجيب بهذه الأجوبة المسددة القوية و هو في الخامسة من عمره، و أجوبته هذه تحمل أحكام الله من فوق عرشه؟!. و نحن نزيد علي قول الامام أبي حنيفة أننا نحمل اسلام لامامنا - أسمي مظاهر التقديس و الولاء، و نعترف أنه امام حق مميز عنا من عند ربه، و مرصود لهذا الأمر العظيم الذي لا ينال بامتداد الأعناق، و لا بانتخاب الناس و اختيار الرفاق للرفاق، و نجزم أن حال كونه صغيرا لا يختلف في التمكن و المقدرة عن حال كونه كبيرا - كما هو شأن كل امام - و ان كان من المحتوم علي الامام الصغير أن يصمت مدة حياة الامام الكبير الذي يسبقه. ولكن اذا تحدي أحد قدرة الله تعالي فيه، فان الله سبحانه يري هذا المتحدي عجبا، و يمكنه من الدفاع عن كرامته، و من الثأر للاعتراض علي اختيار الله تعالي له!.

و للامام أبي حنيفة موقف آخر مع امامنا عليه السلام أيام صغره. فقد دخل أبوحنيفة علي أبي عبدالله عليه السلام فقال له: رأيت ابنك موسي يصلي و الناس يمرون بين يديه.

فقال أبوعبدالله: ادعوا لي موسي.

فدعاه، فقال له في ذلك.



[ صفحه 42]



فقال: نعم يا أبه. ان الذي كنت أصلي له، كان أقرب الي منهم.

يقول الله تعالي: (... و نحن أقرب اليه من حبل الوريد (16)) [15] .

فضمه أبوعبدالله الي نفسه، ثم قال: بأبي أنت و أمي يا مودع الأسرار». [16] .

و ورد اعتراض يشبهه رواه محمد بن عمير الذي قال:

رأي سفيان الثوري أباالحسن، موسي بن جعفر عليه السلام، و هو غلام، يصلي و الناس يمرون بين يديه؛ فقال له: ان الناس يمرون بك و هم في الطواف!.

فقال عليه السلام: الذي أصلي له أقرب الي من هؤلاء». [17] .

و كيف لا يكون عند امامنا مثل هذا الجواب المسكت، و هو من قوم زقوا العلم زقا و لم يجعلهم خالقهم مفتقرين الي طلب علم من أحد من خلقه، و لا الي زيادة من المعرفة الدينية أو الدنيوية يأخذونها من الغير، بل هم علماء غير معلمين، جديرون بمركز خلافة الله تعالي علي الأرض، و هو سبحانه معلمهم الذي وهبهم معرفة كل شي ء يحتاجون اليه.

هذا و قد سكت المؤرخون عن ذكر شي ء مفصل عن حياته الكريمة في فترة عشرين عاما من حياته الكريمة التي قضاها في كنف والده صلوات الله عليهما، ولكنهم لم يحجبوا نور الشمس!.

فمناقبه سلام الله عليه كثيرة، و لو لم يكن منها الا العناية الالهية لكفاه ذلك منقبة... فهو الامام لاجتماع خلال الفضل فيه، ولكماله الرباني،



[ صفحه 43]



و لنص أبيه عليه و اشارته اليه بالولاية من بعده. [18] .

أما وفاته عليه السلام، فكانت بالسم الذي قدم اليه من خليفة المسلمين - خائن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم في ولده - هارون الرشيد، و علي يد النذل اللئيم السندي بن شاهك، الذي كان يحتجزه يومئذ في سجنه، بعد أن امتنع آخرون عن قتله حين كان في سجونهم و خافوا من تلك الجريمة النكراء، في البصرة و في بغداد كما ستري.

و أبي الحق الا أن يظهر جليا مهما أقيمت في وجهه السدود، فان تلك الجريمة البشعة من جرائم البيت العباسي، قد لبس عارها و شنارها أشهر خلفاء ذلك البيت الذي لقب بالرشيد و لم يكن برشيد و لا بذي رأي سديد، اذ لم تخف حقيقتها علي أحد. ففي أول محاولة معه فضحه الله تعالي و انكشف أمره علي يد صنف الكلاب، فقد قال عمر بن واقد:

«ان الرشيد وضع في صينية عشرين رطبة - من التمر - و أخذ سلكا ففركه في السم و أدخله في سم الخياط - أي ثقب الابرة - و أخذ رطبة منها فأقبل يرود عليها ذلك السم حتي حصل فيها، و قال لخادم: احمل هذه الصينية الي موسي بن جعفر و قل له: اني ادخرتها لك بيدي. بحقي، لا تبق منها شيئا، و لا تطعم منها أحدا.

و أتاه بها الخادم، فكان يأكل منها بالخلال - أي بقشة حتي لا تلمسها يده الشريفة فيعلق بها شي ء من السم -.

و كان للرشيد كلبة تعز عليه، فجذبت نفسها، و خرجت تجر سلاسلها



[ صفحه 44]



من ذهب و جوهر، حتي جاءت موسي بن جعفر. فبادر بالخلال الي الرطبة المسمومة و رمي بها الي الكلبة فأكلتها، و لم تلبث أن ضربت نفسها بالأرض، و عوت، و تهرت قطعة قطعة - أي تهرأ جسمها و تقطع من شدة فعل السم - و استوفي عليه السلام باقي الرطب. فأخبر الخادم الرشيد الذي قال:

ما ربحنا من موسي الا أن أطعمناه الرطب و ضيعنا سمنا فقتل كلبتنا!.ما في موسي حيلة». [19] .

ما في موسي حيلة؟!

و يكون خليفة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، محتالا!.

و من هو موسي، و من أنت يا هارون من مقعد جده المصطفي صلوات الله و سلامه عليه؟!.

و ما هو عذرك غدا أمام ربك، و بين يدي ذلك الجد العظيم الذي تربعت علي عرش خلافته تتحكم بذريته و الصالحين من أمته؟!.. لقد التف من حولك أرباب بطون من الأمراء و الوزراء الخونة، و أهل كروش من قضاة السوء، و عبدة فروج من هاهنا و هناك، و أطاعك - أو خاف سيفك - مؤرخون مزورون، و اصطنع لك العظمة ناس آخرون بأجر و بلا أجر... و نحن نهمس في أذنك أيها الظالم، و في الآذان الطويلة من حولك فنقول: (يستخفون من الناس و لا يستخفون من الله و هو معهم اذ يبيتون ما لا يرضي من القول و كان الله بما يعملون محيطا (108)) [20] .

لقد سها عن بالك أن ربك يراك و أنت تجيل الخيط المسموم في



[ صفحه 45]



الرطبة، لأنك لم تؤمن بيوم عدل يثاب المرء فيه أو يعاقب، اذ أعمي بصرك الملك و التسلط... نقول لك ذلك، و نقول لأعوانك من كافة الفئات: (هأنتم هولاء جادلتم عنهم في الحيوة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلا (109)) [21] .

انها يومئذ ستنهار جبهة دفاع الأولين و الآخرين عنك و عن سلفك و خلفك، و ستظهرون علي حقيقتكم: سلاطين سوء، و حكاما طغاة، ما آمنوا بالله و لا برسوله، و لا راود أذهانهم يوم حساب يقتص فيه المظلوم من الظالم، بالرغم من أنها قد نبهتكم لسوء فعالكم كلبة رفضتكم و رفضت سلاسلكم الذهبية و جواهركم التي زينتموها بها من بيت مال المسلمين، و جرت مسرعة الي منزل الامام لتنتحر بالسم و لتعلن للناس سوء صنيع خليفة المسلمين!.

في عيون أخبار الرضا «عن ابن بابويه»، أن موسي بن جعفر عليه السلام، دعا بالمسيب، و ذلك قبل وفاته بثلاثة أيام، و كان موكلا به، فقال له:

«يا مسيب، ان ظاعن في هذه الليلة الي المدينة، مدينة جدي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، لأعهد الي علي ابني كما عهد الي أبي، و أجعله خليفتي و وصيي، و آمره بأمري.

قال المسيب: كيف تأمرني أن أفتح لك الأبواب و عليها أقفالها و الحرس معي علي الأبواب؟!.

فقال: يا مسيب، ضعف يقينك بالله عزوجل وفينا؟.

قلت: لا، يا سيدي.



[ صفحه 46]



قال: فمه.

فسمعته يدعو، ثم فقدته عن مصلاه، فلم أزل قائما علي قدمي حتي رأيته قد عاد الي مكانه و أعاد الحديد الي رجليه، فخررت لله ساجدا، شاكرا علي ما أنعم علي بذلك من معرفة - أي من اعتراف بالامامة -.

فقال لي: ارفع رأسك يا مسيب، و اعلم أني راحل الي الله عزوجل في ثالث هذا اليوم، لا تبك يا مسيب، فان عليا ابني هو امامك و مولاك بعدي، فائته فتمسك بولايته، فانك لن تضل ما لزمته». [22] .

قال المسعودي: «و قبض موسي بن جعفر، بن محمد، بن علي، بن الحسين، بن علي بن أبي طالب ببغداد مسموما، لخمس عشرة سنة من ملك الرشيد». [23] .

و كذلك ذكر العلامة القندوزي: «أنه مات مسموما» [24] .

و روي القطب الراوندي عن محمد بن الفضل الهاشمي، أنه قال: «اني أتيت موسي بن جعفر عليه السلام قبل وفاته بيوم واحد، فقال لي: اني ميت لا محالة، فاذا واريتني في لحدي فلا تقيمن و توجه الي المدينة بودائعي هذه، و أوصلها الي علي بن موسي الرضا، فهو وصيي و صاحب الامر بعدي.

ففعلت ما أمرني، و أوصلت الودائع اليه». [25] .



[ صفحه 47]



و قال الشيخ المفيد رحمه الله:«روي أنه لما حضرته الوفاة، سأل السندي بن شاهك أن يحضره مولي مدنيا، ينزل عند دار العباس بن محمد في مشرعة القصب، ليتولي غسله و تكفينه، ففعل ذلك.

قال السندي: و كنت سألته في الاذن أن أكفنه، فأبي و قال: انا أهل بيت مهور نسائنا، و حج صيرورتنا، و أكفان موتانا، من طاهر أموالنا، و عندي كفن، و أريد أن يتولي غسلي و جهازي مولاي فلان، فتولي ذلك منه». [26] .

و الحقيقة أنه لا يتولي غسل الامام الا الامام الذي يليه، و لا يصلي عليه غيره. و أبوالحسن عليه السلام انما أوصي بذلك ليصرف أذهان السامعين عن هذا المعني الخافي عليهم، الواضح لأهل المعرفة بحالهم. ففي الخبر المروي عن المسيب أنه قال في حديث:

«فوالله لقد رأيتهم بعيني و هم يظنون أنهم يغسلونه، فلا تصل أيديهم اليه؛ و يظنون أنهم يحنطونه و يكفنونه، و أراهم لا يصنعون به شيئا!.

و رأيت شخصا أشبه الأشخاص به يتولي غسله و تحنيطه و تكفينه، و هو يظهر المعاونة لهم، و هم لا يعرفونه.

فلما فرغ عليه السلام اسلام من أمره قال لي ذلك الشخص - و هو ابنه علي الرضا قطعا -: يا مسيب، مهما شككت فيه فلا تشكن في، فاني امامك و مولاك و حجة الله عليك بعد أبي. يا مسيب، مثلي كمثل يوسف الصديق عليه السلام و مثلهم مثل اخوته حين (فدخلوا عليه فعرفهم و هم له منكرون (58)) [27] فهذا



[ صفحه 48]



هو الذي حصل بالضبط. و الامام انما عرف المسيب بنفسه ليثبت عقيدته و عقيدة أصحابه الذين يسمعون ذلك منه فيبقوا علي ما هم عليه من الولاية. و قد كان المسيب موكلا بالامام عليه السلام حين كان في حبس السندي بن شاهك، و كان من الشيعة المخلصين. «و قد دعاه الامام عليه السلام قبل وفاته بثلاثة أيام و قال له: اني علي ما عرفتك من الرحيل الي الله تعالي، فاذا دعوت بشربة من الماء فشربتها، و رأيتني قد اخضر لوني و احمر، فخبر الطاغية بوفاتي. و اذا رأيت هذا الحدث فاياك أن تظهر عليه أحدا الا بعد وفاتي.

قال المسيب: فلم أزل أرقب موعده حتي دعا بشربة فشربها، ثم أتيت بالخبر الي الرشيد». [28] .

و قال أحمد بن عبدالله:«لما نقل الكاظم عليه السلام من دار الفضل بن الربيع، الي الفضل بن يحيي البرمكي، كان ابن الربيع يبعث اليه في كل ليلة مائدة، و منع أن يدخل من عند غيره حتي مضي ثلاثة أيام بلياليها.

فلما كانت الليلة الرابعة، قدمت اليه مائدة الفضل بن يحيي البرمكي.

قال: فرفع رأسه الي السماء فقال [عليه السلام]: يارب، انك تعلم اني لو أكلت قبل اليوم كنت أعنت علي نفسي.

قال: فأكل، فمرض. فلما كان من الغد الذي فعل السم فيه فعله، بعث اليه الطبيب، فسأله عن حاله، فتغافل!. فلما كرر عليه السؤال قال عليه السلام:

هذه علتي.



[ صفحه 49]



و كانت خضرة في وسط راحته تدل علي أنه سم.

فانصرف الطبيب اليهم و قال: والله لهو أعلم بما فعلتم به منكم!. ثم توفي». [29] .

أجل... لقد بعثوا اليه الطبيب ليقول الناس انهم مهتمون بمرض الجريمة... و لكن ذلك الطبيب المسيحي الشريف فضحهم بعد أن فضحتهم الكلبة من قبل!. و ان لهم موقفا مع تلك الكلبة، و مع هذا الطبيب، تدوس فيه الكلبة كبرياءهم، و يعلن الطبيب لعنتهم علي الأشهاد، ثم ترقي الكلبة أعواد عرشهم لتعلن غضب السماء النازل علي أولئك القتالين، ثم ينادي الطبيب بشماتته بهم في يوم العدل الالهي!.

و اذا كنت أيها الخليفة قد خذلتك الكلبة مرة، و صفعك الطبيب مرة ثانية، فكيف بك اذا وقفت بين يدي ربك و أنت تحمل في عنقك دماء ثلاثة من أئمة أهل البيت صلوات الله و سلامه عليهم، قد قتلتهم جميعا دون ذنب أو جرم؟!. طاش سهمك، و ضاع فهمك!.

و لكم كان تفكيرك قاصرا - أيها التعيس - حتي ظننت أنه قد خفي شي ء من مكرك و غدرك علي الامام عليه السلام!. ولكن قلة دينك، و عدم ايمانك بربك و برسوله و كتبه، الي جانب صبر الامام علي ظلمك، كل ذلك حملك علي التمادي في الكيد لله و لآل رسول الله الذين طهرهم الرحمان و القرآن.

ألا ان صبر الامام علي الأذي، كشف زيف سلطانكم، و فضح مروقكم من الدين.



[ صفحه 50]



و في خبر مفصل لما جري بعد وفاته، قال عمر بن واقد:

«أرسل الي السندي بن شاهك في بعض الليل و أنا ببغداد، يستحضرني، فخشيت أن يكون ذلك لسوء يريده بي، فأوصيت عيالي ما احتجت اليه، و قلت: انا لله، و انا اليه راجعون... ثم ركبت اليه.

فلما رآني مقبلا قال: يا أباحفص، لعلنا أرعبناك و أفزعناك؟.

قلت: نعم.

قال: فليس هنا الا خير.

قلت: فرسول تبعثه الي منزلي يخبرهم خبري.

قال: نعم.

ثم قال: يا أباحفص، أتدري لم أرسلت اليك؟.

فقال: لا.

قال: أتعرف موسي بن جعفر؟.

فقلت: اي والله اني لأعرفه، و بيني و بينه صداقة منذ دهر.

فقال: من هاهنا ببغداد تعرفه ممن يقبل قوله؟.

فسميت له أقواما. و وقع في نفسي أنه عليه السلام قد مات.

فبعث و جاء بهم كما جاء بي، فقال: هل تعرفون قوما يعرفون موسي بن جعفر؟

فسموا له قوما. فجاء بهم. فأصبحنا - في الدار - و نحن نيف و خمسون رجلا ممن يعرف موسي بن جعفر عليه السلام و قد صحبه.

ثم قام فدخل، و صلينا.



[ صفحه 51]



فخرج خادمه و معه طومار، فكتب أسماءنا، و منازلنا، و أعمالنا، و خلانا ثم دخل الي السندي.

ثم خرج السندي فضرب يده الي فقال لي: قم يا أباحفص.

فنهضت، و نهض أصحابنا و دخلنا.

فقالي لي: يا أباحفص، اكشف الثوب عن وجه موسي بن جعفر.

فكشفته، فرأيته فبكيت و استرجعت.

ثم قال للقوم، انظروا اليه.

فدنا واحد بعد واحد، فنظروا اليه.

ثم قال: تشهدون كلكم أن هذا موسي بن جعفر بن محمد. ثم قال: يا غلام اطرح علي عورته منديلا، و اكشفه. ففعل.

فقال: أترون به أثرا تنكرونه؟

فقلنا: لا. ما نري به شيئا، و لا نراه الا ميتا.

قال: لا تبرحوا حتي تغسلوه، و أكفنه و أدفنه.

فلم نخرج حتي غسل و كفن، و حمل فصلي عليه السندي بن شاهك». [30] قبحه الله و قبح صلاته، فهو يقتل اماما مفترض الطاعة و يمشي في تشييعه.

... و هكذا تمت المراسم الشرعية المدبرة المفضوحة،«فحمل علي نعش و نودي عليه: هذا امام الرافضة، فاعرفوه!.



[ صفحه 52]



ثم أتي به الي السوق فوضع هناك، ثم نودي عليه:هذا موسي بن جعفر قد مات حتف أنفه، ألا فانظروا اليه!.

فحف به الناس، و جعلوا ينظرون اليه، لا أثر به من جراحة و لا خنق، و كان في رجله أثر الحناء.

ثم أمروا العلماء و الفقهاء أن يكتبوا شهادتهم في ذلك.

فكتبوا جميعا الا أحمد بن حنبل فكلما زجروه لم يكتب شيئا». [31] .

فكما أنه يكتب للميت حين دفنه شهادة أربعين مؤمنا بأنهم لا يعلمون منه الا خيرا، فكذلك استكتب خليفة المسلمين نيفا و خمسين كذابا من علماء قصره و فقهائه و قضاته، شهدوا بأن الامام عليه السلام لا أثر فيه من جراحة أو خنق... و وقف - فقط - أحمد بن حنبل - وحده - أمام بقر بغداد الذي تفوق علي بقر معاوية... و لم يذعن لتهديدهم، و لا شهد بغير ما يعلمه من قتلهم للامام عليه السلام.

و نقل الشيخ المفيد رحمه الله، عن جمله رواة، عن مشايخهم، هذه الرواية التي نظنها الأصدق، فقال:

«و كان السبب في قبض الرشيد علي أبي الحسن عليه السلام، و حبسه و قتله، ما ذكره أحمد بن عبيدالله بن عمار، عن علي بن محمد النوفلي عن أبيه. و أحمد بن محمد بن سعيد، و أبومحمد الحسن بن محمد بن يحيي، عن مشايخهم، قالوا:

كان السبب في أخذ موسي بن جعفر عليه السلام، أن الرشيد جعل ابنه في



[ صفحه 53]



حجر جعفر بن محمد بن الأشعث، فحسده يحيي بن خالد بن برمك علي ذلك و قال: ان أفضت اليه الخلافة زالت دولتي و دولة ولدي.

فاحتال علي جعفر بن محمد، و كان يقول بالامامة، حتي داخله و أنس اليه، و كان يكثر غشيانه في منزله فيقف علي أمره و يرفعه الي الرشيد، و يزيد عليه في ذلك بما يقدح في قلبه. ثم قال لبعض ثقاته: تعرفون لي رجلا من آل أبي طالب ليس بواسع الحال يعرفني يحتاج اليه!.

فدل علي علي بن اسماعيل بن جعفر بن محمد، فحمل اليه يحيي مالا.

و كان موسي بن جعفر عليه السلام يأنس بعلي بن اسماعيل و يصله و يبره.

ثم أرسل اليه يحيي بن خالد يرغبه في قصد الرشيد و يعده بالاحسان اليه.

فعمل علي ذلك.

فأحس به موسي بن جعفر عليه السلام، فدعا به فقال: الي أين يابن أخي؟

قال: الي بغداد.

قال: و ما تصنع؟

قال: علي دين، و أنا مملق - فقير-.

فقال له موسي عليه السلام: أنا أقضي دينك، و أفعل بك و أصنع.

فلم يلتفت الي ذلك، و عمل علي الخروج.

فاستدعاه أبوالحسن عليه السلام فقال له: أنت خارج؟.

قال: نعم، لا بد لي من ذلك.

فقال له: أنظر يابن أخي، واتق الله، و لا تؤتم أطفالي... و أمر له بثلاثمائة دينار، و أربعة آلاف درهم.



[ صفحه 54]



فلما قام بين يديه قال أبوالحسن عليه السلام لمن حضره، والله ليسعين في دمي و يؤتمن أولادي.

فقالوا: جعلنا الله فداك، و أنت تعلم هذا من حاله و تعطيه و تصله؟!

قال: نعم؛ حدثني أبي، عن آبائه، عن رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم، أن الرحم اذا قطعت فوصلت فقطعت، قطعها الله. و انني أردت أن أصله بعد قطعه، حتي اذا قطعني قطعه الله.

فخرج علي بن اسماعيل حتي أتي يحيي بن خالد - البرمكي - فتعرف منه خبر موسي بن جعفر عليه السلام، و رفعه الي الرشيد. فسأله - أي الرشيد، عن عمه - الامام عليه السلام - فسعي به اليه و قال: ان الأموال تحمل اليه من المشرق و المغرب. و أنه اشتري ضيعة سماها اليسيرية بثلاثين ألف دينار. فقال له صاحبها و قد أحضره المال: لا آخذ هذا النقد، و لا آخذ الا نقد كذا و كذا. فأمر بذلك المال فرد، و أعطاه ثلاثين ألف دينار من النقد الذي سأل بعينه.

فسمع ذلك منه الرشيد، و أمر له بمائتي ألف درهم تسبب علي بعض النواحي.

فاختار بعض كور المشرق - أي بعض المقاطعات في المشرق -.

و مضت رسله لقبض المال، و أقام ينتظرهم. فدخل في بعض تلك الأيام الي الخلاء، فزحر زحرة - أي أصابه اسهال انطلاق بطن - خرجت منها حشوته كلها! فسقط!. و جهدوا في ردها فلم يقدروا، فوقع لما به، و جاءه المال و هو ينزع، فقال: ما أصنع به و أنا في الموت!. [32] .



[ صفحه 55]



و خرج الرشيد في تلك السنة الي الحج، و بدأ بالمدينة فقبض علي أبي الحسن عليه السلام.

و انه لما ورد المدينة استقبله موسي عليه السلام في جماعة من الأشراف.

و انصرفوا من استقباله، فمضي أبوالحسن عليه السلام الي المسجد علي رسمه - أي علي عادته -. و أقام الرشيد الي الليل، و صار الي قبر رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم، فقال: يا رسول الله، اني أعتذر اليك من أمر أريد أن أفعله: أريد أن أحبس موسي بن جعفر، فانه يريد التشتيت بين أمتك، و سفك دمائهم.

ثم أمر به فأخذ من المسجد، فأدخل اليه فقيد، و استدعي قبتين فجعله في احداهما علي بغل، و جعل القبة الأخري علي بغل آخر، و خرج البغلان من داره عليهما القبتان مستورتين، و مع كل واحدة منهما خيل.

و افترقت الخيل، فمضي بعضها مع احدي القبتين علي طريق البصرة، و الأخري علي طريق الكوفة. و كان أبوالحسن عليه السلام في القبة التي مضي بها علي طريق البصرة.

و انما فعل الرشيد ذلك ليعمي علي الناس الأمر في باب أبي الحسن، و أمر القوم الذين كانوا مع قبة أبي الحسن أن يسلموه الي عيسي بن جعفر بن المنصور، و كان علي البصرة حينئذ. - أي كان واليا عليها -.

فسلم اليه، فحبسه عنده سنة، و كتب اليه الرشيد في دمه - أي بقتله - فاستدعي عيسي بن جعفر بعض خاصته و ثقاته فاستشارهم فيما كتب اليه الرشيد، فأشاروا عليه بالتوقف عن ذلك و الاستعفاء منه.

فكتب عيسي بن جعفر الي الرشيد يقول له: قد طال أمر موسي بن جعفر و مقامه في حبسي، و قد اختبرت حاله و وضعت عليه العيون طول هذه



[ صفحه 56]



المدة، ما وجدته يفتر عن العبادة. و وضعت من يسمع منه ما يقول في دعائه، فما دعا عليك و لا علي و ما ذكرنا بسوء، و ما يدعو الا بالمغفرة و الرحمة لنفسه. و ان أنت أنفذت الي من يتسلمه مني، و الا خليت سبيله فأني متحرج من حبسه - أي متضايق و متأثم -.

و روي أن بعض عيون عيسي بن جعفر رفع اليه أنه سمعه كثيرا يقول في دعائه و هو محبوس عنده: اللهم انك تعلم أني كنت أسألك أن تفرغني بعبادتك، اللهم و قد فعلت، فلك الحمد». [33] .

فوجه الرشيد من تسلمه من عيسي بن جعفر، و صار به الي بغداد فسلم الي الفضل بن الربيع فبقي عنده مدة طويلة، فأراده الرشيد علي شي ء من أمره - أي علي قتله - فأبي...

فكتب اليه بتسليمه الي الفضل بن يحيي، فتسلمه منه - في رجب يوم المبعث سنة 180 هجرية -. و جعله في بعض حجر دوره و وضع عليه الرصد.

و كان عليه السلام مغشولا بالعبادة، يحيي الليل كله صلاة و قراءة للقرآن و دعاء و اجتهادا، و يصوم النهار في أكثر الأيام، و لا يصرف وجهه عن المحراب.

فوسع عليه الفضل بن يحيي و أكرمه، فاتصل ذلك بالرشيد و هو في الرقة، فكتب اليه ينكر عليه توسيعه علي موسي بن جعفر و يأمره بقتله!.

فتوقف عن ذلك و لم يقدم عليه.

فاغتاظ الرشيد لذلك، و دعا مسرور - الخادم - و قال له: أخرج علي البريد في هذا الوقت الي بغداد، و ادخل من فورك علي موسي بن جعفر، فاذا وجدته في دعة و رفاهية فأوصل هذا الكتاب الي العباس بن محمد، و مره بامتثال ما فيه، و سلم اليه كتابا آخر الي السندي بن شاهك يأمره بطاعة العباس بن محمد.



[ صفحه 57]



فقدم مسرور فنزل دار الفضل بن يحيي لا يدري أحد ما يريد. ثم دخل علي موسي بن جعفر فوجده علي ما بلغ الرشيد؛ فمضي من فوره الي العباس بن محمد، و السندي بن شاهك، و أوصل الكتابين اليهما. [34] .

فلم يلبث الناس أن خرج الرسول الي الفضل بن يحيي، فركب معه و بدا مشدوها دهشا، حتي دخل علي العباس.

فدعا العباس بسياط و عقابين، و أمر بالفضل فجرد، و ضربه السندي بن شاهك مائة سوط!. و خرج متغير اللون خلاف ما دخل، و جعل يسلم علي الناس يمينا و شمالا.

و كتب مسرور بالخبر الي الرشيد، فأمر بتسليم موسي عليه السلام الي السندي بن شاهك. و جلس الرشيد مجلسا حافلا و قال: أيها الناس، ان الفضل بن يحيي قد عصاني و خالف طاعتي، و رأيت أن ألعنه، فالعنوه!.

فلعنه الناس من كل ناحية حتي ارتج البيت و الدار بلعنه.

و بلغ يحيي بن خالد - أي والده - الخبر، فركب الي الرشيد فدخل من غير الباب الذي يدخل الناس فيه، حتي جاءه من خلفه و هو لا يشعر، ثم قال: التفت يا أميرالمؤمنين!. فأصغي اليه فزعا. فقال له: ان الفضل حدث - أي صغير - و أنا أكفيك ما تريد.

فانطلق وجهه، و سر، و أقبل علي الناس و قال: ان الفضل كان قد عصاني في شي ء فلعنته. قد ثاب و أناب الي طاعتي فتولوه!.

قالوا: نحن أولياء من واليت، و أعداء من عاديت، و قد توليناه.

ثم خرج يحيي بن خالد علي البريد حتي وافي بغداد، فهاج الناس



[ صفحه 58]



و أرجفوا بكل شي ء. فأظهر أنه ورد لتعديل السواد و النظر في أمور العمال - أي الموظفين -. و تشاغل ببعض ذلك أياما، ثم دعا السندي فأمره فيه بأمره - أي في الامام عليه السلام - فامتثله.

و كان الذي تولي به السندي قتله سما جعله في طعام قدمه اليه. و يقال انه جعله في رطب أكل منه فأحس بالسم، و لبث بعده ثلاثا موعوكا منه - أي محموما مضطرب المزاج - ثم مات في اليوم الثالث.

و لما مات موسي عليه السلام، ادخل السندي بن شاهك الفقهاء و وجوه أهل بغداد، و فيهم الهيثم بن عدي و غيره، فنظروا اليه و لا أثر به من جراح و لا خنق، و أشهدهم علي أنه مات حتف أنفه، فشهدوا علي ذلك. - كما مر سابقا -.

و أخرج و وضع علي الجسر ببغداد، فنودي: هذا موسي بن جعفر قد مات فانظروا اليه!. فجعل الناس يتفرسون في وجهه و هو ميت صلوات الله عليه.

و قد كان قوم زعموا في أيام موسي عليه السلام أنه هو القائم المنتظر، و جعلوا حبسه هو الغيبة المذكورة للقائم، فأمر يحيي بن خالد أن ينادي عليه عند موته: هذا موسي بن جعفر الذي زعم الرافضة أنه لا يموت، فانظروا اليه!. فنظر الناس اليه ميتا، ثم حمل و دفن في مقابر قريش من باب التبن، و كانت هذه المقبرة لبني هاشم. و قد مرت بقية الحديث سابقا. [35] .



[ صفحه 59]



و أنت حين تقرأ و قائع هذه القصة الطويلة العريضة، لا بد أنه يصيبك القرف من هذا الخليفة المتعدي علي حرمة النبي صلي الله عليه و اله و سلم، و علي الأعراف و الأديان و الأخلاق، أجل يصيبك القرف عند محطات تستوقفك لتفكر بأساليب الحكم العباسي الغاشم الذي حاد عن الخط الاسلامي بونا شاسعا، وفاق الأموية التي جندت لبني علي و فاطمة و لنسل رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم علنا، و حاربتهم علي رؤوس الأشهاد، في حين أن العباسية فعلت الأفاعيل في العلن و الخفاء بسبب و بلا سبب مطلقا، و كأن من مقومات عرشها الظالم أن تقيمه علي جماجم أهل البيت النبوي، و جماجم صلحاء الأمة. فالمتهم في عرف العباسيين ينبغي أن يقتل في كل حال، و لا مجال لمحاكمته أو البحث عن براءته. فما هو ذنب هذا الامام العابد الزاهد سلام الله عليه، سوي أنه كان يفضح مروق الحكام، و يلقي كلمة الحق و العدل في مجالات الباطل و الظلم؟. و هل ذنبه أنه كان يعبد الله تعالي، و لا يعبد الخليفة المتأله المتغطرس؟!. هل كان قتله سوي عقاب لصيامه النهار، و قيامه الليل، و انصرافه للعبادة، ازاء قصر ينطوي علي المفاسد من خمور و فجور و منكرات، فلا تقع العين فيه الا علي محرم، و كأن الخليفة فيه مكلف بجمع الكذبة و السرقة و الفسقة و المردة، و الراقصات و المغنيات و أهل الخني و الزور، و كأن القصر حانة للسكاري، و مربع لا يصدر عنه شي ء يمت بقرابة الي الاسلام و المسلمين.

فتعسا لمثل هذه الخلافة الاسلامية الكاذبة التي ترتكب مثل هذه الجريمة الشنعاء و هذه الفعلة النكراء؛ و سحقا للقائمين في هذه الخلافة علي كل ما يغضب الرحمان و يرضي الشيطان!. ان الله تعالي يمهل، ولكنه لا يهمل و سيقف الخصماء بين يديه و نري لمن تكون عقبي الدار، و لمن يكون الويل في يوم لا ينفع فيه ندم نادم.



[ صفحه 60]



لقد سها عن بال خليفة المسلمين أن (و من يقتل مؤمنا متعمدا فجزآؤه جهنم خالدا فيها و غضب الله عليه و لعنه و أعد له عذابا عظيما (93)) [36] .

ولكن... عفو القول، لا يسهو عن باله مثل ذلك الجزاء لو كان مسلما حقا... فقد كان المفروض - يومئذ- بخليفة المسلمين أن يكون علي تمام التجاهل بأحكام الدين، و أن يتخطي أوامر الله في القرآن الكريم، و لا يطلع علي ذلك الا من باب: تعلم السحر و لا تعمل به.

ما هو دليلك يا هارون أن موسي بن جعفر كان يريد التشتيت بين الأمة، و سفك دمائها؟.

و اذا كان ذلك فلم لم تحاكمه علنا و تحكم عليه؟.

و ما النشاط الذي قام به حتي استحق قيود الحديد قبل السؤال و الجواب؟.

و ما هي الأسباب الموجبة التي حملتك علي الكتابة لعيسي بن جعفر بأن يقتله في البصرة بلا أخذ و لا رد؟.

و كيف لعنت الفضل بن يحيي، و أمرت المسلمين بلعنه، ثم لما دخل عليك أبوه من باب سري مهددا متوعدا خفت منه علي نفسك - مع أنك لا تخاف من الله - و حكمت رأسا بتوبة الفضل، و أمرت الناس بتوليه؟.

و بم استحق ابن يحيي المائة سوط بعد تجريده من ثيابه؟.

لله ما أغلظ رقبة خليفة الزمان التي تحمل شهادة زور أداها فقهاء قصره، و جلاوزة حكمه، و الوجهاء الذين يدورون في فلك حكمه؟.



[ صفحه 61]



و من أين جاء ببدعة كون الرافضة يعتبرون الامام الكاظم عليه السلام أنه الامام المنتظر، ليغطي علي زلته و زلة فقهائه الذين شهدوا أنه عليه السلام مات بدون جرح و بدون خنق؟.. نعم هو كذلك لأنه مات بالسم...

هذه التساؤلات، و المئات غيرها، لا تفضح القليل القليل من موبقات سلطانه و لا تظهر للملأ صورته الملحدة التي ما كانت من الاسلام في شي ء... بل و لا من الانسانية في حال...

لقد مضي امامنا طاهرا مطهرا، قد أذهب الله تعالي عنه الرجس بمحكم كتابه الكريم.

و مات الخليفة الظالم و في نفسه حسرات سيري أوزارها يوم يدع الي نار جهنم دعا... و يوم لا تنقضي حسراته، و لا يخفف عذابه...

فيا رباه، اذا ضاع دين الخلفاء، فأين يضيع الفهم و العلم؟!.

لقد رأيت - يا قارئي الحبيب - كيف تمت تواقيع شهود الزور من الطغمة المأجورة في قصر الظلم: فقهاء و وجهاء، و قوادا. ثم حمل الجثمان الشريف بعد عرضه علي الجسر حيث احتشد أهل بغداد جميعهم، و شيعوه في موكب مهيب لم يسبق له نظير؛ فلما أن أتي الموكب مجلس الشرطة، أقام أربعة نفر فنادوا: ألا من أراد أن يري موسي بن جعفر فليخرج.

و في هذه الأثناء خرج سليمان بن جعفر، ابن أبي جعفر المنصور، من قصره الي الشط في يوم ماطر، اذ مرت الجنازة و وراءها الحشد من الناس. فسمع الضوضاء و الصياح فقال لولده و غلمانه: ما هذا؟. هذه جنازة من؟!.

قالوا: السندي بن شاهك ينادي علي موسي بن جعفر - عليه السلام - علي نعش. فقد مات في حبس الرشيد، و أمر أن يدفن بحاله - أي كما هو -.



[ صفحه 62]



فقال: موسي بن جعفر يدفن هكذا؟!. فان في الدنيا من كان يخاف علي الملك، و في الآخرة لا يوفي حقه!.

ثم قال لولده و غلمانه: يوشك أن يفعل به هذا في الجانب الغربي؛ فاذا عبر به فانزلوا مع غلمانكم فخذوه من أيديهم، فان مانعوكم فاضربوهم و خرقوا ما عليهم من السواد.

فلما عبروا به نزلوا اليهم، فأخذوه من أيديهم و ضربوهم و خرقوا ما عليهم من سوادهم، و وضعوه في مفرق أربعة طرق، و أقام المنادين ينادون: ألا من أراد أن يري الطيب بن الطيب، موسي بن جعفر - عليه السلام - فليخرج.

و حضر الخلق، و غسل و حنط بحنوط فاخر، و كفنه بكفن فيه حبرة استعملت له بألفين و خمسمائة دينار، عليها القرآن كله. واحتفي و مشي في جنازته متسلبا- أي حافيا منزوع الثوب - مشقوق الجيب، حاسر الرأس الي مقابر قريش في باب التبن؛ و كانت هذه المقبرة لبني هاشم و لأشراف من الناس قديما، فدفنه هناك، و كتب بخبره الي الرشيد.

فكتب له الرشيد: وصلتك رحم يا عم، و أحسن الله جزاءك. والله ما فعل السندي بن شاهك لعنه الله ما فعله عن أمرنا». [37] .

«و يقال في رواية أنه - عليه السلام - دفن بقيوده، و أنه أوصي بذلك». [38] .

فتصور معي هذا الخليفة الخسيس، العامل بوسوسة ابليس... فانه من مقعد رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم، يقسم يمينا كاذبة و قحة بأن ما فعله السندي بن شاهك لم يكن عن أمره، ثم يلعنه و يخزيه!.

و لو أننا وقفنا علي ما في نفس اللعين السندي بن شاهك لوجدناه يلعن



[ صفحه 63]



أميره الذي أغراه بقتل الامام عليه السلام، و يسبه و يخزيه، بعد أن عرف أنها هذه هي مكافأة خدمة الظلمة و الجبابرة.

و نحن نقول لرواد ذلك القصر الذي تفوح منه رائحة المكر، و السكر، و الفجر، و القهر، و الكفر، ما قاله الله تعالي لأمثالهم من منكري الرسالات: (و قال انما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحيوة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض و يلعن بعضكم بعضا و مأواكم النار و ما لكم من ناصرين (25)) [39] .

و بخصوص وفاته أيضا، روي محمد بن عيسي، عن مسافر، أنه قال:

«أمر أبوابراهيم عليه السلام، حين أخرج به، أباالحسن - الرضا - عليه السلام - أن ينام علي بابه في كل ليلة أبدا ما كان حيا الي أن يأتيه خبره.

فكنا في كل ليلة نفرش لأبي الحسن في الدهليز، ثم يأتي بعد العشاء فينام، فاذا أصبح انصرف الي منزله.

فمكث علي هذه الحال أربع سنين، فلما كان ليلة من الليالي أبطأ عنه، و فرش له فلم يأت كما كان يأتي. فاستوحش العيال و ذعروا، و دخلنا أمر عظيم من ابطائه.

فلما كان من الغد أتي الدار، و دخل الي العيال، و قصد الي أم أحمد زوجة الامام الكاظم عليه السلام فقال لها: هاتي التي أودعك أبي.

فصرخت و لطمت وجهها، و شقت جيبها و قالت: مات والله سيدي.

فكفها و قال لها: لا تكلمي بشي ء تظهريه حتي يجي ء الخبر الي الوالي.



[ صفحه 64]



فأخرجت اليه سفطا و ألفي دينار، أو أربعة آلاف دينار، فدفعت ذلك أجمع اليه دون غيره و قالت: انه قال لي فيما بيني و بينه - و كانت أثيره عنده -: احتفظي بهذه الوديعة عندك، لا تطلعي عليها أحدا حتي أموت. فاذا مضيت، فمن أتاك من ولدي فطلبها منك فادفعيها اليه، و اعلمي أني قد مت. و قد جاءني والله علامة سيدي.

فقبض ذلك منها، و أمرهم بالامساك جميعا الي أن ورد الخبر. و انصرف و لم يعد لشي ء من المبيت كما كان يفعل.

فما لبثنا الا أياما يسيرة حتي جاءت الخريطة بنعيه. فعددنا الأيام، و تفقدنا الوقت، فاذا هو قد مات في الوقت الذي فعل أبوالحسن عليه السلام ما فعل من تخلفه عن المبيت و قبضه لما قبض». [40] .

و نقول لمن قتله، و لعن أميره الذي أغراه بقتله، ما قاله الله تبارك و تعالي: (ان الذين يكفرون بأيات الله و يقتلون النبين بغير حق و يقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب اليم (21) أولئك الذين حبطت أعمالهم في الدنيا و الأخرة و ما لهم من ناصرين (22)) [41] .

و لا نزيد علي ذلك، لأنه ليس بعد قول الله قول لأحد.

و عن محمد بن عيسي، عن بعض أصحابنا، عن أبي الحسن، موسي عليه السلام، قال:



[ صفحه 65]



«ان الله عزوجل غضب علي الشيعة، فخيرني نفسي، أو هم؟. فوقيتهم والله بنفسي» [42] .

و لعله عليه السلام يقصد بالغضب كونهم كانوا كثيرين في العمال و الموظفين في دولة السلطان، من وزراء، و رؤساء، و قواد، الي عمال مختلفين، فكانوا أعوانا للظالم؛ أو أنه عليه السلام رآهم قد تركوا التقية و تكلموا علنا علي عين السلطان، و بمرأي و مسمع منه، أو لعدم انقيادهم للامام عليه السلام في أكثر أمورهم، و قلة اخلاصهم في متابعة الائتمار بأمره... و سلام علي أئمتنا الأطهار - بمقدار ما ضحوا، و بمقدار ما بذلوا من أجل الابقاء علي شيعتهم!.



[ صفحه 66]




پاورقي

[1] أنظر كشف الغمة ج 3 ما بين ص 2 و ص 42 و الكافي م 1 ص 471 و 486 و المحجة البيضاء ج 4 ص 217 و اعلام الوري ص 243 و 286 و الارشاد ص 269 و 270 و تذكرة الخواص ص 312 و ص 314 و مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 323 و 324 و الأنوار البهية ما بين ص 152 و ص 172 و تواريخ أهل البيت ص 182 و ص 183 و وفاة الامام موسي الكاظم عليه السلام ص 49 و ص 51 و ينابيع المودة ج 3 ص 1 و ص 11 و ص 33.

و قيل: ولد سنة مئة و تسع و عشرين، و أنه أقام مع أبيه أربع عشرة سنة، أو تسع عشرة سنة، و أن أمه أندلسية، و كل ذلك خطأ.

[2] أنظر أكثر المصادر السابقة.

[3] المصدر السابق.

[4] المصدر السابق.

[5] المصدر السابق.

[6] سورة الانعام: 115.

[7] سورة آل عمران: 18.

[8] سورة القدر، 4 و الخبر في الكافي م 1 من ص 385 الي ص 387 و الأنوار البهية ص 153 ثلثه الأول المتعلق بولادته عليه السلام، و هو بتمامه في حلية الأبرار ج 2 ص 226 الي 227 و أورد قريبا منه في، ص 229 - 228 - 227 و أورده أيضا باختصار عن أبي جعفر، محمد بن علي مرفوعا.

[9] الأنوار البهية ص 153.

[10] كشف الغمة ج 3 ص 34 و المحجة البيضاء ج 4 ص 278.

[11] أي أين يتغوط فيتخلي و يضع حاجته الطبيعية. و تصور هذا السؤال موجه لطفل في الخامسة من عمره، و بمحضر من العلماء.

[12] الاحتجاج ج 2 ص 288 - 287 و تحف العقول ص 303.

[13] سورة آل عمران: 34 و الخبر في مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 314 و الأنوار البهية ص 154 و 155 و حلية الأبرار ج 2 ص 230 - 229، و 231 - 230 مكررا. و اعلام الوري ص 297 و 298.

[14] اعلام الوري ص 298 و مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 214 و حلية الأبرار ج 2 ص 231.

[15] سورة ق: 16.

[16] مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 211.

[17] التوحيد ص 180 - 179.

[18] الارشاد ص 230 و كشف الغمة ج 3 ص 2 و ص 7 و ص 9 و الكافي م 1 ص 47 و أكثر مصادر بحثنا.

[19] مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 304 - 303 و تواريخ أهل البيت ص 183 و وفاة الامام موسي الكاظم ص 29 الي ص 31.

[20] سورة النساء: 108.

[21] سورة النساء: 109.

[22] مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 303.

[23] مروج الذهب ج 3 ص 355 و هو في وفاة الامام موسي الكاظم ص 51.

[24] ينابيع المودة ج 3 ص 114.

[25] الأنوار البهية ص 167.

[26] المصدر السابق ص 168.

[27] سورة يوسف: 58 و الخبر في الأنوار البهية ص 169 و وفاة الامام موسي الكاظم ص 34 - 33.

[28] وفاة الامام موسي الكاظم ص 33 - 32.

[29] مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 327 و حلية الأبرار ج 2 ص 252 - 251 و هو في العيون ج 1 ص 88 و وفاة الامام موسي الكاظم ص 28 و من ص 49 الي ص 51 و الأنوار البهية ص 167.

[30] الأنوار البهية ص 169 - 168 و وفاة الامام موسي الكاظم ص 35 و ص 36 مكررا، و هو في الكافي م 1 ص 229 - 228 و مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 328 - 327 مع زيادة يسيرة و اختلاف في بعض الألفاظ، و لم يصل عليه قاتله.

[31] الأنوار البهية ص 170 - 169.

[32] الي هنا موجود في مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 308.

[33] أنظر حلية الأبرار ج 2 ص 252.

[34] أنظر حلية الأبرار ج 2 ص 252.

[35] كشف الغمة ج 3 من ص 20 الي ص 25 و الارشاد من ص 279 الي ص 287 و انظره في مناقب آل أبي طالب ج 4 من ص 326 الي ص 328 و هو بكامله في الأنوار البهية من ص 163 الي ص 167 و في ينابيع المودة ج 3 ص 11 ذكر شيئا منه باختصار، و هو كذلك في أعلام الوري ص 300 - 229 و في حلية الأبرار من ص 254 الي ص 259 مكررا بجمله روايات، و هو في وفاة موسي الكاظم من ص 38 الي ص 41 باختلاف يسير عن عتاب بن أمثل، و هو أيضا في تحف العقول ص 304 باختصار، و مثل ذلك تجده في الكافي م 1ص 476.

[36] سورة النساء: 93.

[37] الأنوار البهية ص 171 و مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 328 و اعلام الوري ص 300.

[38] الأنوار البهية ص 172.

[39] سورة العنكبوت: 25.

[40] الكافي م 1 ص 382 و الأنوار البهية ص 173 - 172.

[41] سورة آل عمران: 22 - 21.

[42] الكافي م 1 ص 260.