بازگشت

انهيار الحكم الأموي


كان الامام موسي (ع) أيام الثورة العارمة علي الحكم الأموي في سن مبكر، فقد كان عمره الشريف - حسب ما يقول الرواة - مما يزيد علي اربع سنين، و هو دور يسمح لصاحبه أن ينقل الي دخيلة نفسه كثيرا من المشاهدات و الصور التي تمر عليه، و لا سيما اذا كانت من الاحداث الجسام فانها تؤثر - من دون شك - في دخائل ذاته، و تتفاعل معه، و تترك فيه كثيرا من الانطباعات حسب ما يقوله علماء النفس.

و قد شاهد الامام أو سمع و هو في سنه المبكر الثورة العارمة التي عمت جميع الاقاليم الاسلامية علي الحكم الأموي، فقد واكبت تلك الثورة كثيرا من الأحداث الرهيبة فجبال من جثث الضحايا و بحور من الدماء بذلت بسخاء للتخلص من ذلك الحكم الاسود القائم علي الجور و الاستغلال و التنكر لحقوق الانسان.

و لسنا بصدد البحث عن تأسيس الدولة الأموية، و بيان دوافع ايجادها فذاك أمر يحز في النفس، و يترك لهب الحزن في القلوب، فان هذه الدولة لم تتأسس الا لعزل أهل البيت (ع) و اقصائهم عن قيادة الأمة حسب ما هو معلوم من مبدأ الشوري الذي صمم لأجل هذه الغاية... و قد رافقت تلك الدولة في جميع مراحلها كثيرا من المشاكل الاجتماعية ما أثرت به علي الحياة الاسلامية العامة من اضاعة الاهداف الاصيلة التي ينشدها الاسلام في ظلال حكمه من نشر العدالة و المساواة و الرفاهية و الدعة بين الناس.

لقد جمدت بصورة قطعية جميع المفاهيم الاسلامية البناءة، و ضاعت آمال الاسلام في ايجاد مجتمع متحرر من الجهل و الجمود، و البؤس و الفقر

لقد تبدلت الحياة الكريمة التي سعي الاسلام الي ايجادها الي حياة قاتمة تسودها النزعات الجاهلية، و يعمها الظلم و الجور و الانحراف عن القيم الانسانية.



[ صفحه 286]



و لابد لنا من وقفة قصيرة للبحث عن الاسباب التي طوت ذلك الحكم الاسود، و أزالت وجوده البغيض عن العالم الاسلامي، فان الحديث عن ذلك يرتبط ارتباطا وثيقا - فيما نحسب - بالبحث عن حياة الامام موسي فانها تصور لنا محنة أهل البيت (ع) في تلك الادوار الرهيبة، و ما عانوه من الظلم المرير و الجور الشديد، و ما قاسته شيعتهم من المجازر و السجون و المطاردة و التنكيل، و ما عاناه المسلمون جميعا من الاضطهاد الجماعي المتميز بسلب حرياته، وشل اقتصاده، و اشاعة البؤس و الفقر و انعدام الأمن في ربوعه الي غير ذلك من الوان الظلم و الاضطهاد، و من الطبيعي أن لذلك أثرا كبيرا في تكوين حياة الامام موسي، و انطباعها علي الحزن العميق، و الأسي الشديد... و فيما يلي عرض موجز لبعض تلك الاحداث.