بازگشت

سياسة الكفر والظلم


والشي ء المحقق الذي لم يختلف فيه المؤرخون هو أن الامويين لم تكن لهم أي نزعة اسلامية، و انما كانوا علي نزعاتهم الجاهلية، فلم ينفث الاسلام



[ صفحه 293]



الي دخائل قلوبهم، و انما جري علي السنتهم خوفا من حد السيوف و أسنة الرماح، و لما دخلوا في حظيرة هذا الدين أخذوا يكيدون له، و يترقبون الفرص للانتقام منه و لما آل أمر المسلمين الي عميد الامويين عثمان بن عفان حسب المخطط الرهيب الذي صممته الشوري، سارع أبوسفيان الزعيم الأموي الي قبر سيد الشهداء حمزة فركله برجله و قال:

«يا أباعمارة!.. ان الامر الذي اجتلدنا عليه بالسيف أمسي في يد غلماننا يتلعبون به..».

ثم مضي مثلوج القلب، و دخل علي عثمان فقال: «اللهم، اجعل الأمر أمر جاهلية، والملك ملك غاصبية، واجعل أوتاد الأرض لبني أمية» [1] .

لقد قال أبوسفيان كلمة الكفر: أمام عثمان، و هو خليفة المسلمين و لم يوجه له عتابا أو ينزل به عقابا.

و كانت هذه النزعة الالحادية ماثلة في معاوية، و ظل متأثرا بها طوال حياته، و قد أعرب عن هذه الظاهرة في حديثه الخطير مع المغيرة بن شعبة فقد كشف فيه جانبا كبيرا عن واقعه الجاهلي و عدم ايمانه بالاسلام. و هذا نص حديثه فيما رواه مطرف بن المغيرة قال: وفدت مع أبي المغيرة علي معاوية فكان أبي يأتيه يتحدث عنده ثم ينصرف الي فيذكر معاوية و عقله، و يعجب بما يري منه، و أقبل ذات ليلة فأمسك عن العشاء و هو مغتم أشد الغم، فانتظرته ساعة. و ظننت أنه لشي ء حدث فينا أو في عملنا فقلت له:

- ما لي أراك مغتما منذ الليلة؟

- يا بني جئت من أخبث الناس!!



[ صفحه 294]



- و ما ذاك؟

- خلوت بمعاوية فقلت له: انك قد بلغت مناك يا اميرالمؤمنين، فلو أظهرت عدلا و بسطت خيرا فانك قد كبرت، و لو نظرت الي اخوانك من بني هاشم فوصلت ارحامهم، فوالله ما عنده اليوم شي ء تخافه.

فقال لي:

«هيهات هيهات!! ملك أخو تيم فعدل، و فعل ما فعل، فوالله ما عدا ان هلك فهلك ذكره، الا ان يقول قائل أبوبكر. ثم ملك أخو عدي فاجتهد و شمر عشر سنين فوالله ماعدا ان هلك فهلك ذكره الا ان يقول قائل عمر. ثم ملك أخونا عثمان فملك رجل لم يكن أحد في مثل نسبه، فعمل ما عمل، و عمل به فوالله ما عدا ان هلك فهلك ذكره، و ذكر ما فعل به، و ان أخا بني هاشم يصرخ به في كل يوم خمس مرات «أشهد ان محمدا رسول الله» فأي عمل يبقي بعد هذا لا أم لك الا دفنا دفنا» [2] .

و هذه البادرة تدل بوضوح علي كفره و الحاده، و علي حقده البالغ علي النبي (ص) فقد هاله و أزعجه ذكره في كل يوم خمس مرات في الأذان و لو وجد سبيلا لمحا اسمه، و طمس معالم دينه، و لشدة بغضه للنبي (ص) انه مكث في ايام خلافته اربعين جمعة لا يصلي فيها علي النبي و قد سئل عن ذلك فقال:

«لا يمنعني من ذكره الا ان تشمخ رجال بآنافها» [3] .

و تمثلت هذه الظاهرة الالحادية بجميع ابعادها في ولده يزيد فانه بعد توليته الحكم اعلن الكفر و المروق من الدين، و قد اعلن كلمة الالحاد بقوله:



[ صفحه 295]





لعبت هاشم في الملك فلا

خبر جاء و لا وحي نزل



و هكذا اذا استعرضنا سيرة اغلب ملوك بني أمية لوجدناها حافلة بالزندقة و الحقد علي الاسلام، و قد حاولوا جميعا محو سطوره و اطفاء نوره و لولا فيض عارم في مبادئه و عناية فيه من الله للف لواؤه، و لم يبق له ذكر و لا أثر.

و قد ساس الامويون الأمة الاسلامية بسياستهم الالحادية التي لا تؤمن بالاسلام كقاعدة أساسية في ميادين الحكم و الادارة، و الاقتصاد السياسة، فغيروا جميع المناهج الحية التي أقامها الاسلام لاصلاح المجتمع، فعطلوا الحدود، واستحلوا ما حرم الله، و أقاموا أحكامهم علي الشبهة، و قتلوا علي الظنة و التهمة، و نهبوا أموال المسلمين و ثرواتهم، و قد ألمع الي ذلك سديف بن ميمون [4] في دعائه عن جور الأمويين و ظلمهم بقوله:



[ صفحه 296]



«اللهم: قد صار فيئنا دولة بعد القسمة، و امارتنا غلبة بعد المشورة و عهدنا ميراثا بعد الاختيار للامة، و اشتريت الملاهي و المعازف بسهم اليتيم و الأرملة، و حكم في أبشار المسلمين أهل الذمة، و تولي القيام بأمرهم كل فاسق محلة فلا ذائد يذود عن هلكة، و لا مشفق ينظر اليهم بعين الرحمة، و لا رادع يردع من آوي اليهم بمظلمة، و لا ذو شفقة يشبع الكبد الحري من السغب، فهم أهل ضرع وضيعة، و حلفاء كآبة و ذلة، قد استحصد زرع الباطل، و بلغ نهايته، و استجمع طريده، و استوسق و ضرب بجرانه اللهم فأتح له يدا من الحق حاصدة تجتث سنامه، و تهشم سوقه، و تبدد شمله، و تفرق كلمته ليظهر الحق في أحسن صورته، و أتم نوره، و أعظم بركته، اللهم: و قد عرفنا من انفسنا خلالا لا تقعد بنا عن استجابة الدعوة، و أنت المتفضل علي الخلائق أجمعين، و المتولي الاحسان الي السائلين فآت لنا من أمرنا حسب كرمك و جودك، و امتنانك، فانك تقضي ما تشاء و تفعل ما تريد...» [5] .

و قد ألم دعاء سديف بوصف رائع للسياسة الأموية التي انتهكت حقوق المسلمين، و كفرت بجميع القيم العليا التي جاء بها الاسلام و حاربت جميع مبادئه و مناهجه.

و علي أي حال فان الأمويين قد ساسوا الاقاليم الاسلامية بسياسة قد بنيت علي الكفر و الخروج علي ارادة الامة، و قد اعتقد المسلمون بأن في ظفر الأمويين بالحكم انما هو فوز للقوي المعادية للاسلام، و قد جاء هذا المعني فيما كتبه فيكلسن قال:

«اعتبر المسلمون انتصار بني أمية و علي أرسهم معاوية انتصارا



[ صفحه 297]



... ستقراطية الوثنية، التي ناصبت الرسول و أصحابه العداء، والتي جاهدها رسول الله (ص) حتي قضي عليها، و صبر معه المسلمون علي جهادها و مقاومتها حتي نصرهم الله فقضوا عليها، و أقاموا علي انقاضها دعائم الدين الاسلامي، ذلك الدين السمح الذي جعل الناس سواسية في السراء و الضراء و أزال سيادة رهط كانوا يحتقرون الفقراء، و يستذلون الضعفاء، و يبتزون الأموال، لذلك لا ندهش اذ كره المسلمون بني أمية و غطرستهم، و كبرياءهم و اثارتهم للاحقاد القديمة، و نزوعهم للروح الجاهلية..» [6] .

و لم يكن يخالط المسلمين شك في أن الأمويين خصوم الاسلام واعداؤه الذين حاولوا اخفات صوته، و اخماد ضوئه، و انهم انما دخلوا في حظيرته طمعا في الأمرة، وسعيا وراء مصالحهم الخاصة، و قد أكد ذلك العلامة «دوزي» بقوله:

«ان جمهور المسلمين كانوا يرون أن من بين الأمويين رجالا كثيرين لم يعتنقوا الاسلام الا سعيا وراء مصالحهم الشخصية، و انهم لا حق لهم في الخلافة و لا غيرها، فقد كانت سياسة بني أمية تهدف الي جعل الخلافة ملكا كسرويا، و ليس أدل علي ذلك من قول معاوية: «ألا أول الملوك» [7] .

ان من يتصفح السياسة الأموية يري أنها كانت ترمي الي بسط الالحاد و اشاعة الكفر، و فل عروش الاسلام، و ازالة وجوده، و ذلك بما صعده الأمويون من العمليات التخريبية ضده كابادة اعلامه أمثال حجر بن عدي، و عمرو ابن الحمق الخزاعي، و ميثم التمار، و رشيد الهجري، و أمثالهم من قادة الفكر في الاسلام.



[ صفحه 298]



و قد أوجبت هذه السياسة المعادية للاسلام انتفاضة الجماهير الاسلامية و اجماعها علي حرب الامويين و ازالة دولتهم و سلطانهم.


پاورقي

[1] تأريخ ابن عساكر 6 / 407.

[2] ابن أبي الحديد 2 / 357.

[3] حياة الامام الحسن بن علي 2 / 149.

[4] سديف بن ميمون: شاعر مفلق، و أديب بارع، و خطيب مصقع، بليغ في رعايته للمناسبات، و اصابته للأهداف، قال النمري: ما كان في زمان سديف أشعر منه، و لا أطبع، و لا أقدر علي ما يريده من الشعر، كان مولي لامرأة من خزاعة، و كان لها زوج من اللهيبين، وادعي سديف بذلك ولاء بني هاشم، و زعم المدائني أنه مولي بني العباس و شاعرهم، جاء ذلك في طبقات الشعراء (ص 39 - 40) و في العمدة (ص 45) أنه لما خرج محمد بن الحسن بالمدينة علي ابي جعفر المنصور قال له:



انا لنأمل أن ترتد الفتنا

بعد التباعد و الشحناء و الاحن



و تنقضي دولة احكام قادتها

فينا كأحكام قوم عابدي وثن



فانهض ببيعتكم ننهض بطاعتنا

ان الخلافة فيكم يا بني حسن



فلما بلغ المنصور ذلك كتب الي عبد الصمد ان يدفنه حيا ففعل ذلك و جاء في تأريخ ابن عساكر ان المنصور رمي به في بئر بعد أن ضربه.

[5] طبقات الشعراء ص 38 - 37.

[6] تأريخ الاسلام السياسي 1 / 398.

[7] ملوك الطوائف و نظرات في تأريخ الاسلام (ص 381).