بازگشت

السياسة المالية


و للاسلام اقتصاده الخلاق الذي ينعش الشعوب، و يزيد من دخلها الفردي، و يزيل عنا كايوس الفقر و الحرمان، و قد أوجب علي الدولة مراقبة الاقتصاد العام، و العمل علي زيادة الانتاج، و صرف الخزينة العامة علي المصالح الحيوية، و لم يبح ان يصرف قليل أو كثير من أموال الأمة في غير تطورها الاقتصادي و الصناعي، حسب ما هو معلوم من مخططات السياسة المالية في الاسلام.

و قد جافي الامويون هذه السياسة المشرقة، وابتعدوا عنها، و كان أول من انحرف عنها عثمان بن عفان فقد صرف بيت المال علي بني أمية و آل أبي معيط، و خص الوجوه و الاشراف و ذوي النفوذ بالهبات الضخمة و الثراء العريض، و حرم العامة من الانفاق عليها، و قد أوجبت هذه السياسة الملتوية اخفاقه فقد سخط عليه الأخيار و المتحرجون في دينهم، و طالبوه بالعدول عنها الا انه لم يعن بهم و أصر علي تنفيذ سياسته فثار عليه المسلمون و أردوه صريعا يتخبط بدمه، و قد ارهق المسلمين في ايام حكمه و حملهم عناءا شديدا، و كذلك أجهدهم بعد قتله حسب ما أجمع عليه المؤرخون.

و قد سار الامويون طيلة حكمهم علي وفق السياسة العثمانية فخصوا انفسهم و من يمت اليهم بالاموال و الثراء و حرموا الأمة ان تتمتع بالرفاهية فقد اصطفوا جميع ثرواتها و امكانياتها الاقتصادية و تركوا شبح الفقر ماثلا في كل بيت من بيوت المسلمين، و قد فزع والي مصر الي العاهل الاموي



[ صفحه 299]



سليمان بن عبدالملك شاكيا له ما يعانيه المصريون من الاضطهاد والثقل من الضرائب التي فرضت عليهم قائلا له:

«يا أميرالمؤمنين: اني ما جئتك حتي أنهكت الرعية، وجهدت فان رأيت أن ترفق بها، و تخفف من خراجها ما تقوي به علي عمارة بلادها و صلاح معايشها فافعل فانه يستدرك ذلك في العام المقبل...»

و هذا منطق حق و عدل الا ان الطاغية الجبار لم يع ذلك، و اجابه بما انطوت عليه نفسه من النزعات الشريرة قائلا:

«هبلتك أمك، احلب الدر فاذا انقطع فاحلب الدم و النجا» [1] و هل هناك ظلم أفحش او أقسي من هذا الظلم؟

أي استهانة بحقوق الانسان و كرامته مثل هذه الاستهانة؟ انه يريد ان يحكم علي المجتمع بالدمار، و يسلبه حياته، و مقوماته و لما شاع هذا الظلم الفاحش اخذ العمال و الولاة يتقربون اليهم بظلم الرعية و الجور عليها، فقد روي المؤرخون ان عبيدالله بن الحجاب صاحب الخراج علي مصر أراد ان يتقرب الي هشام بن عبدالملك فكتب اليه ان ارض مصر تحتمل الزيادة فأمره ان يزيد في كل دينار قيراطا [2] .

و هكذا أخذت البلاد الاسلامية ترزح تحت كابوس ثقيل من الفقر و الحرمان قد سلبت جميع مقوماتها، و صارت بأيدي هؤلاء الأوغاد يصرفونها بسخاء علي المجون و الدعارة و افساد الاخلاق، و لم يعد ما يصرف من تلك الاموال علي المصالح العامة.



[ صفحه 300]




پاورقي

[1] الجهشياري (ص 51 - 52).

[2] تأريخ الحركات الفكرية في الاسلام (ص 42).