بازگشت

الولاة و الجباة


و أقام الامويون ولاتهم و جباتهم من شذاذ الآفاق أمثال زياد بن أبيه، و المغيرة بن شعبة، و بسر بن أبي ارطاة، و سمرة بن جندب و خالد القسري، و الحجاج بن يوسف الثقفي، و نظرائهم من الظلمة المستبدين



[ صفحه 304]



الذين أثبتوا في نشاطهم السياسي والاداري انهم أعداء الانسانية، و انهم لا عهد لهم بالرحمة و الرأفة او بأي مثل كريم يمتاز به الانسان عن الحيوان السائم.

لقد سلط الامويون هؤلاء الجفاة الأوغاد علي رقاب المسلمين فامعنوا في ظلمهم، و انتهاك حرمانهم، و سلب أموالهم، يقول النمري لعبدالملك مبينا له جور عماله، واضطهادهم لقومه حتي افتقروا و هربوا في البيداء، و ليس معهم سوي ابل مهزولة، يقول النمري:



أخليفة الرحمن انا معشر

حنفاء نسجد بكرة و أصيلا



ان السعاة عصوك يوم أمرتهم

واتوا دواهي لو علمت و غولا



أخذوا العرين فقطعوا حيزومه

بالاصبحية قائما مغلولا [1] .



حتي اذا لم يتركوا لعضامه

لحما و لا لفؤاده معقولا [2] .



جاؤا بصكهم و أحدر أشأرت

منه السياط يراعه اجفيلا [3] .



أخذوا حمولته فأصبح قاعدا

لا يستطيع عن الديار حويلا



يدعو اميرالمؤمنين و دونه

خرق تجربه الرياح ذيولا [4] .



كهداهد كسر الرماة جناحها

تدعو بقارعة الطريق هديلا



أخليفة الرحمن ان عشيرتي

أمسي سوامهم عزين فلولا [5] .



قوم علي الاسلام لما يتركوا

ما عونهم و يضيعوا التهليلا [6] .



[ صفحه 305]



قطعوا اليمامة يطردون كأنهم

قوم أصابوا ظالمين فتيلا



شهري ربيع ما تذوق لبونهم

الا حموضا وخمة و ذبيلا [7] .



و أتاهم يحيي فشد عليهم

عقدا يراه المسلمون ثقيلا [8] .



كتبا تركن غنيهم ذا عيلة

بعد الغني و فقيرهم مهزولا



فتركت قومي يقسمون امورهم

اليك أم يتربصون قليلا [9] .



و قد صور النمري بهذا الشعر الجور الهائل و المظالم الفظيعة التي صبها الولاة علي قومه، و قد استمر هذا الظلم حتي في دور عمر بن عبدالعزيز الذي هو أعدل ملوك بني أمية - كما يقولون - فان عماله لم يألوا جهدا في اخذ اموال الناس بغير حق يقول كعب الاشعري مخاطبا له:



ان كنت تحفظ ما يليك فانما

عمال أرضك بالبلاد ذئاب



لن يستجيبوا للذي تدعو له

حتي تجلد بالسيوف رقاب



بأكف منصلتين اهل بصائر

في وقعهن مزاجر و عقاب [10] .



و كان عمر يخطب علي المنبر فانبري اليه رجل فقطع عليه خطابه و قال له:



ان الذين بعثت في أقطارها

نبذوا كتابك واستحل المحرم



طلس الثياب علي منابر ارضنا

كل يجور و كلهم يتظلم [11] .



و أردت ان يلي الامانة منهم

عدل و هيهات الأمين المسلم [12] .



[ صفحه 306]



لقد بالغ الولاة والجباة في اضطهاد المجتمع الاسلامي، و سلبه جميع مقوماته الاقتصادية، و لم يفعلوا ذلك من عند أنفسهم، و انما كان بايعاز من ملوك الأمويين، فهم كانوا يدفعونهم الي النهب، و يقاسمونهم ما يسلبونه من الناس، و قد جاء هذا المعني صريحا فيما قاله: «فان فلوتن»:

«و بدل ان يتخذ الخلفاء - اي خلفاء الأمويين - التدابير لمحاسبة الولاة، و منعهم من الظلم نجدهم يقاسمونهم في فوائدهم من الأموال التي جمعوها بتلك الطرق المفضوحة، و هذا معناه رضي الخلفاء بسوء تصرف العمال مع أهل البلاد بالاضافة الي انه دليل علي ان بعضهم كان يهمه مصالح الخزينة المركزية بالدرجة الأولي..» [13] .

ان ملوك الامويين لم يحاسبوا ولاتهم و جباتهم علي ما اقترفوه من الظلم الفاحش و النهب الفظيع لأموال الأمة، فقد كان ذلك بدفع منهم، فان الوالي كلما اشتد ظلمه، و جار في حكمه ازداد قربا منهم، فزياد بن أبيه كان اقرب الناس الي معاوية حتي الصق نسبه به، و ذلك لبطشه و جوره، و فتكه الذريع بالمسلمين، و الحجاج بن يوسف الثقفي كان من اقرب الولاة الي عبدالملك و آثرهم عنده حتي فوض أمر العراق اليه يتصرف فيه حيثما يشاء، و ذلك لعنفه و اسرافه في اراقة الدماء.

و علي أي حال فان ما عاناه المسلمون من جور العمال و ظلمهم من أهم اسباب الثورة الكبري التي اطاحت بنظام الحكم الأموي، و طوت سلطانه.



[ صفحه 307]




پاورقي

[1] الحيزوم: وسط الظهر، الاصبحية جمع أصبح السياط.

[2] المعقول: الادراك.

[3] اشأرت: أي بقيت في الاناء بقية، الاجفيل: الخائف.

[4] الخرق: الصحراء الواسعة.

[5] عزين: الجماعات.

[6] الماعون: الزكاة.

[7] الخموض: المر المالح.

[8] يحيي: احد السعاة الظالمين.

[9] حياة الامام الحسن 2 / 202 نقلا عن طبقات الشعراء (ص 439).

[10] البيان و التبيان 3 / 358.

[11] طلس الثياب: الوسخة منها.

[12] البيان و التبيان 3 / 359.

[13] السيادة العربية (ص 28).