بازگشت

ظلمهم للموالي


و قضت السياسة الأموية بحرمان الموالي من جميع الحقوق الطبيعية للانسان فعاملتهم معاملة الحيوان السائم، و قابلتهم بمزيد من العنف و الاضطهاد مع دخولهم في حظيرة الاسلام الذي هتف بحقوق الانسان، واعلن المساواة العادلة بين جميع الطبقات، هذا مع ان فيهم طبقة كبيرة من اعلام الاسلام وقادته الفكريين، و ان شطرا كبيرا من الفتوحات الاسلامية قد قام علي جهودهم و جهادهم، و من المؤسف حقا أن الامويين لم يألوا جهدا في اذلالهم و ارهاقهم، وقد روي المؤرخون الوانا بغيضة من ذلك العسف، و قد فتح عليهم باب الظلم و الجور - كسري العرب - معاوية بن أبي سفيان فقد انتهك حرماتهم و رام سفك دمائهم بغير حق فقد دعا كلا من الاحنف بن قيس التميمي، و سمرة بن جندب الهلالي و قال لهما: اني رأيت هذه الحمر - أي الموالي من الفرس - قد كثرت، و اراها قد قطعت علي السلف، و كأني انظر و ثبة منهم علي العرب و السلطان، فقد رأيت ان أقتل شطرا لاقامة السوق، و عمارة الطريق فما ترون؟» فأيده سمرة، و عارضه الاحنف، و أقنعه بأن لا يفعل [1] و قد سار علي هذه الخطة الفاجرة ملوك الأمويين من بعده فهانوا الموالي و حرموهم من العطاء و الرزق و قد جاء أحد الخراسانيين الي عمر بن عبدالعزيز يطالبه بالعدالة و المساواة قائلا:



[ صفحه 310]



«يا اميرالمؤمنين عشرون الفا من الموالي يغزون بلا عطاء، و لا رزق و مثلهم قد أسلموا من أهل الذمة يؤدون الخراج..» [2] .

لقد قابلتهم السلطات الأموية بالحرمان و الاجحاف فحرمتهم من العطاء و القوت مع انهم كبقية الجنود و يغزون و يفتحون، و هذا مما أوجب زيادة النقمة في صفوفهم، واتساع نطاق العداء لهم، وانضمامهم الي كل ثورة ضدهم يقول الجاحظ في كتابه - العرب و الموالي - ان الحجاج بن يوسف لما خرج عليه عبدالرحمن بن الاشعث، و حاربه، و لقي ما لقي من قراء اهل العراق، كان اكثر من قاتله الموالي من أهل البصرة، فجمعهم بعد اطفائه تلك الثورة، و قال لهم: «انما أنتم علوج و عجم و قراؤكم اولي بكم» ثم فرقهم حيث شاء في البلاد النائية، و نقش علي يد كل رجل منهم اسم البلدة التي وجهه اليها [3] .

و بلغ من تعصبهم الأعمي انهم كانوا لا يرون الموالي اكفاءا لهم فكانوا ينادونهم بأسمائهم و القابهم، و لا يكنونهم بالكني لما في الكنية من الشعور بالمساواة لهم، كما كانوا لا يسمحون لهم بالسير في الصف أمامهم أو معهم الا وراءهم، و لا يجعلون منهم قائدا علي جيش عربي، و لا يجيزون لأحد منهم ان يصلي اماما علي جنازة أحد من العرب، و اذا اطعموا أحدا من الموالي معهم - لعلمه و فضله - اجلسوه علي السفرة في طريق الخباز، لكي يعلم من يراه أنه ليس عربيا في الصميم، و اذا اقبل العربي من السوق و معه شي ء فرأي مولي دفعه اليه ليحمله عنه فلا يمتنع، و كان اذا لقيه راكبا و أراد ان ينزل فعل [4] .



[ صفحه 311]



لقد ذكر المؤرخون صورا كثيرة من الوان هذا الاضطهاد الجماعي للموالي الأمر الذي خولف فيه عما الزم به الاسلام من المساواة العادلة بين جميع المسلمين من دون فرق بين عربيهم و اعجميهم، و أبيضهم و أسودهم.

لقد سببت هذه التفرقة العنصرية شق كلمة المسلمين، و اشاعة الاحقاد و الاختلاف بينهم، كما سببت ان يكون الموالي في طليعة الثوار علي الحكم الأموي و سببا في تحطيم ملكهم.


پاورقي

[1] العقد الفريد 2 / 270.

[2] الطبري: 8 / 134، ابن الأثير 5 / 19.

[3] العقد الفريد 2 / 271.

[4] ضحي الاسلام 1 / 18 - 34.