بازگشت

خلاعة الخلفاء


وانغمس ملوك الأمويين في الدعارة و المجون فتهالكوا علي اللذة و الشهوات و الاستهتار بالقيم الاخلاقية، و قد انتشر التسيب و التحلل في أيامهم و شاع استعمال الخمر و القمار، و قد صرفت الدولة أغلب مقدراتها علي المغنين و الماجنين و العابثين، و جلبت جميع ادوات اللهو و الآت الغناء، و فيما يلي بعض خلفائهم الماجنين:

يزيد بن عبدالملك:

وانقطع يزيد بن عبدالملك الي العقار و القيان، و كان يسمي خليع الأمويين، شغف بجاريتين من جواريه تدعي احداهما (حبابة) و الاخري (سلامة) و قطع ايام حياته في احضانهما، غنته حبابة يوما بقولها:



بين التراقي و اللهاة حرارة

ما تطمئن و لا تسوغ فتبرد



فطرب حتي فقد رشده، و أخذ يطير فقالت ساخرة به:

«يا أميرالمؤمنين لنا فيك حاجة!!».

و أخذ يقول: بلا اختيار «و الله لأطيرن» وانطلقت تسخر به و تهزأ



[ صفحه 312]



من الأمة التي مكنته من رقابها قائلة له:

- علي من تدع هذه الأمة؟

- عليك

ثم انعطف عليها فجعل يقبل يدها، و هي تعبث به و تسخر منه.

خرج يوما يتنزه في بعض نواحي الأردن، و معه جاريته حبابة فأخذ يتعاطي معها كؤوس الخمر، فلما ثملا رماها بحبة عنب فدخلت فمها، فشرقت منها فتمرضت و ماتت، و قد فقد رشده علي موت هذه المغنية فقد تركها ثلاثة أيام لم يدفنها حتي أنتنت و هو يشمها و يلثم جسدها و هي جثة هامدة و يبكي عليها أمر البكاء، و قد كلمه بعض خواصه في أمرها فأذن في دفنها، و رجع الي قصره كئيبا، حزينا فسمع احدي جواريه تقول:



كفي حزنا بالهائم الصب أن يري

منازل من يهوي معطلة قفري



فأخذ يبكي أمر البكاء و قد استولي عليه الحزن و الأسي، و مكث في قصره سبعة أيام لا يواجه الناس حدادا و حزنا علي هذه الفاجرة، فأشار عليه أخوه مسلمة بالخروج الي الناس لئلا يشيع عنه هذا المنكر فيزهدون فيه، فاستجاب لنصحه و خرج الي الناس [1] و هذه البادرة قد دلت علي خلاعة هذا الماجن الذي بلي به الاسلام و بأمثاله من الماجنين الذين تقلدوا زمام الحكم.

الوليد بن يزيد:

وصح عن النبي (ص) انه قال: «ليكونن في هذه الأمة رجل يقال له الوليد، لهو شر علي هذه الأمة من فرعون علي قومه» و قد أيد



[ صفحه 313]



الأوزاعي أنه هو الوليد بن يزيد [2] و قد تمادي هذا الطاغية الخليع في الدعارة فكان أول من حمل المغنين من البلدان، و جالس الملهين، و اظهر الشراب و الملاهي، و العزف، و قد انتشر في عصره الفساد وانعكف الناس علي تعاطي الخمر و شربها، و كان مغرما بها، و قد وصفها بأدق وصف بقوله:



و صفراء كالزعفران

سباها لنا التجر من عسقلان



تريك القذاة و عرض الاناء

سترلها دون مس البنان



لها حبب كلما صفقت

تراها كلمعة برق يماني [3] .



و بلغ من مجونه انه أراد ان يبني فوق البيت الحرام قبة يشرب فيها الخمور و يشرب منها علي الطواف [4] ولكن الله حال بينه و بين ذلك و قصم ظهره و أخذه أخذ عزيز ذي انتقام فقد ظهر عليه يزيد بن الوليد مع جماعة من أهل بيته فقتلوه واحتزوا رأسه و نصبوه بدمشق [5] .

و من خلاعة هذا الماجن المستهتر ان ابن عائشة القرشي [6] غناه بقوله:



[ صفحه 314]





اني رأيت صبيحة النحر

حورا نفين عزيمة الصبر



مثل الكواكب في مطالعها

عند العشاء أطفن بالبدر



و خرجت ابغي الأجر محتسبا

فرجعت موقورا من الوزر



فطرب حتي فقد صوابه والتفت الي ابن عائشة قائلا:

«احسنت والله، بأميرالمؤمنين، اعد بحق عبد شمس اعد..».

فأعادها عليه فقال له: احسنت والله، بحق أمية اعد، فأعادها عليه فأخذ يتخطي آباءه واحدا بعد واحد و هو يقسم عليه بهم ليعيدها عليه فأعادها عليه مرارا و هو ثمل لا يعقل قد أفسدت الخمرة عقله وانكب علي ابن عائشة فجعل يقبل أطرافه و أعضاءه عضوا عضوا حتي انتهي الي عورته و بعد صراع طويل دام بينهما استطاع هذا الخليع - المسمي بأميرالمؤمنين، و خليفة المسلمين - تقبيل عورة ابن عائشة بصورة مخزية تندي منها خجلا وجه الانسانية، ثم انه نزع ثيابه فألقاها عليه، و بقي مجردا بادي العورة حتي أتوه بثياب غيرها فلبسها ثم منحه الف دينار و حمله علي بغلته، و طلب منه ان يركبها علي بساطه ثم ودعه قائلا له: «قد تركتني علي أحر من جمر الغضا» [7] .

هذه صورة موجزة عن دعارة ملوك الأمويين و خلاعتهم، و تماديهم في اللهو و الفساد الأمر الذي سبب اشاعة الحقد عليهم و الكراهية لحكمهم.



[ صفحه 315]




پاورقي

[1] ابن الأثير: (ج 5 ص 57).

[2] أمالي المرتضي: (ج 1 ص 79).

[3] مروج الذهب: (ج 3 ص 147).

[4] الأمالي: (ج 1 ص 89).

[5] اليعقوبي: (ج 3 ص 73).

[6] ابن عائشة: هو عبدالرحمن بن عبيدالله، و عائشة أمه هي أم محمد بنت عبدالله بن عبيدالله من تيم قريش، يكني أباسعيد، و كانت سمية أم زياد بن أبيه احدي جداته و في ذلك يقول:



أيا أسفي علي اسعاف دهر

وحظ من حظوظ بني الزواني



علي اني أمت الي الليالي

بعرق من سمية غير واني



جاء ذلك في طبقات الشعراء: (ص: 337 - 338).

[7] مروج الذهب: (ج 3 ص 148).