العصبية بين اليمانية و النزارية
و من أهم العوامل التي أدت الي تلاشي الحكم الأموي نشوب النزاع بين اليمانية و النزارية و تصاعد العداء فيما بينهما، الأمر الذي أدي الي اضعاف الدولة، و ذلك لانضمام اليمانية الي الدولة العباسية، و قد أوجد هذا النزاع العلويون فان الكميت شاعر الاسلام الاكبر لما أنشد هاشمياته التي مدح فيها اهل البيت (ع) قصد عبدالله بن الحسن فطلب منه أن ينشي ء شعرا يثير به حفائظ النفوس بين العرب لعل فتنة تحدث فتكون سببا لزوال دولة الامويين فاستجاب الكميت وانطلق ينظم قطعا من الشعر الحماسي الرائع يذكر فيها مناقب قومه اليمانيين و يفضلهم علي القحطانيين، و مما قاله:
لنا قمر السماء و كل نجم
تشير اليه أيدي المهتدينا
وجدت الله اذ سمي نزارا
و اسكنهم بمكة قاطنينا
لنا جعل المكارم خالصات
و للناس القفا و لنا الجبينا
و قد أثر شعره في القلوب تأثيرا عظيما حتي ثارت الحفائظ بين القبيلتين و شاع البغض و العداء بينهما، وانتصر للقحطانية شاعر اهل البيت دعبل الخزاعي، و اكبر الظن انه كان بين الشاعرين اتفاق علي ذلك فانهما معا من شعراء اهل البيت و كلاهما قد ضرب الرقم القياسي لاعمق الود و الولاء لهم و مما قاله دعبل في الرد علي الكميت:
أفيقي من ملامك يا ظعينا
كفاك اللوم مر الأربعينا
ألم تحزنك أحداث الليالي
يشيبن الذوائب و القرونا
أحيي الغرمن سروات قومي
لقد حييت عنا يا مدينا
فان يك آل اسرائيل منكم
و كنتم بالأعاجم فاخرينا
[ صفحه 316]
الي ان يقول:
و ما طلب الكميت طلاب وتر
ولكنا لنصرتنا هجينا
لقد علمت نزار ان قومي
الي نصر النبوة فاخرينا
و أخذت كل قبيلة تفتخر علي الأخري و تدلي بمناقبها و مكارمها حتي اتسع العداء و شمل سكان القري والبادية و تخربت من أجل ذلك القلوب.
وانفصمت عري الوحدة بين هاتين الأسرتين اللتين تعدان من أعظم سكان الجزيرة العربية عددا و نفوذا، و قد نتج من ذلك أن مروان بن محمد الجعدي آخر خلفاء الأمويين قد تعصب للنزاريين، مما سبب انحراف اليمانيين عنه و انضمامهم الي الدعوة العباسية، و بذلك فقد ضعف كيان الدولة الأموية الي أبعد الحدود [1] .
پاورقي
[1] مروج الذهب: (ج 3 ص 159 - 163).