بازگشت

مع نصر بن سيار


و لما رأي نصر بن سيار قوة أبي مسلم، و استحكام نفوذه أرسل الي العاهل الأموي مروان رسالة يستنهضه فيها الي مساعدته، و يستمد منه العون قبل أن تحترق حكومته بنار الثورة، و كتب في رسالته هذه الأبيات الحماسية:



أري خلل الرماد و ميض نار

و يوشك أن يكون لها ضرام



فان النار بالعيدان تذكي

و ان الحرب أولها كلام



فان لم يطفئها عقلاء قوم

يكون وقونها جثث وهام



أقول من التعجب ليت شعري

أأيقاظ أمية أم نيام



فان كانوا لحينهم نياما

فقل قوموا فقد حان القيام



و عجز مروان عن اجابته فكتب اليه يخبره بضعفه، و عجزه عن اخماد تلك النار بقوله: «يري الشاهد ما لا يراه الغائب».

و لما يئس نصر من نجدته استنجد بوالي العراق يزيد بن عمرو بن هبيرة، و كتب اليه رسالة، و ختمها بهذه الابيات:



أبلغ يزيد و خير القول أصدقه

و قد تبينت أن لا خير في الكذب



[ صفحه 328]



بأن أرض خراسان رأيت بها

بيضا اذا أفرخت حدثت بالعجب



فراخ عامين الا انها كبرت

و لم يطرن و قد سربلن بالزغب



فان يطرن و لم يحتل لهن بها

يلهبن نيران حرب أيما لهب



فقال يزيد لحامل الرسالة: «قل لصاحبك: لا غلبة الا بكثرة، فليس له عندي رجل) [1] .

و فكر نصر في الخروج من الأزمة، فأرسل الي كل من الكرماني و شيبان الخارجي هذه الابيات يقول:



ابلغ ربيعة في مرو، و من يمن

ان اغضبوا قبل أن لا ينفع الغضب



و لينصبوا الحرب ان القوم قد نصبوا

حربا، يحرق في حافاتها الحطب



ما بالكم تنشبون الحرب بينكم

كأن أهل الحجا عن رأيكم عيب



و تتركون عدوا قد أحاط بكم

ممن تجمع لا دين و لا حسب



لا عرب مثلكم في الناس نعرفهم

و لا صريح موال، ان هم نسبوا



قوم يقولون قولا ما سمعت به

عن النبي و لا جاءت به الكتب



من كان يسألني عن أصل دينهم

فان دينهم أن يقتل العرب [2] .



و لم تجد محاولات نصر في التغلب علي الأحداث فقد أخذت الثورة تتسع، و حواضر خراسان تسقط واحدة اثر أخري، و كان أبومسلم يطرب من النصر الذي أحرزه و ينشد:



أدركت بالحزم و الكتمان ما عجزت

عنه ملوك بني مروان اذ حشدوا



ما زلت أسعي بجهدي في دمائهم

و القوم في غفلة بالشام قد رقدوا



[ صفحه 329]



حتي طرقتهم بالسيف فانتبهوا

من نومة لم ينمها قبلهم أحد



و من رعي غنما في أرض مسبعة

و نام عنها تولي رعيها الاسد [3] .



وانبرت جيوش أبي مسلم تحتل المدن و الحصون، و تلحق بالعدو الخسائر الفادحة في الارواح و الاموال، و لم يستطع نصر الوقوف أمام تلك القوي الهائلة فانهزم راكبا جواده، و سلك المفازة بين الري و همذان فمات في مجاهلها كمدا [4] .

واحتل أبومسلم خراسان، و ما والاها من المدن و القري، واتجه بعد ذلك الي تحرير العراق، وسارت جيوشه كالموج تخفق عليها الرايات السود التي هي شعار بني العباس، فقامت باحتلال العراق من دون أن تلقي أي مقاومة، و قد برزت بذلك حكومة بني العباس علي يدي أبي مسلم.

اما الحديث عن سقوط الدولة الاموية، و مقتل عاهلها مروان و مالاقاه الامويون من صنوف الجهد و التنكيل من بني العباس فسوف نتحدث عنه عند البحث عن عهد السفاح.

ان الحديث عن العوامل التي أدت الي سقوط الدولة الاموية أمر تقتضيه ضرورة البحث عن حياة الامام موسي (ع) فقد قطع شوطا من حياته، و هو يسمع بتلك الازمات الاجتماعية التي غيرت مجري الحياة العامة فقد بلغ عمره الشريف حين سقوط الدولة الاموية احدي عشر سنة و هو دور يسمح لصاحبه أن ينقل الي دخائل نفسه كثيرا من المشاهدات و الصور التي تمر عليه. و قد رأي انحراف الثورة عن مجراها فقد كان باعثها ارجاع



[ صفحه 330]



الحكم لأهل البيت (ع) حتي تنعم الأمة بالعدل و الرفاهية و الدعة و الاستقرار ولكنها مع الاسف قد حملت الخلافة الي بني العباس، و اذا بهم يمعنون في قتل العلويين و مطاردتهم، و التنكيل بهم، و اذا ببيوت العلويين يعمها الأسي و الثكل و الحداد، و من الطبيعي ان لذلك أثرا بالغا في نفس الامام موسي (ع) فقد اترعت نفسه بالاسي الشديد و الحزن العميق.



[ صفحه 333]




پاورقي

[1] تأريخ ابن الاثير 4 / 305.

[2] تأريخ ابن الاثير 4 / 304.

[3] وفيات الاعيان 1 / 282.

[4] مروج الذهب 2 / 204.