بازگشت

البيعة لأبي العباس السفاح


واستقبلت الكوفة بيعة أبي العباس السفاح بكثير من الوجوم و القلق و الاضطراب لان الدولة الاموية لا تزال قائمة، و هي تسيطر علي أغلب الاقاليم الاسلامية، و العاهل الأموي مروان معسكر علي نهر الزاب في جيش ضخم يزيد علي مائة الف من فرسان الجزيرة و الشام و الموصل، و ليس مع الخليفة العباسي سوي خراسان و اطرافها، و الكوفة و لم تدخل البصرة و لا واسط في اطار البيعة... مضافا الي أن الدعوة للخلافة انما كانت للرضا من آل محمد، و لم يرد ذكر لبني العباس، فان الجماهير انما خاضت التيارات النضالية من أجل العلويين الذين هم الركيزة الاولي للعدل الاجتماعي، و ضمان مصالح الأمة.

و لم يدر في خلد احد ان الخلافة تؤول الي بني العباس لأن النفوس كانت مترعة بالشكوك و الريبة منهم، فان منهم من عرف بالغدر و الخيانة للامة في أدق ظروفها، و أحرج ساعاتها، كعبيدالله بن العباس الذي خان الله و رسوله بانضمامه الي معسكر معاوية في غلس الليل البهيم بعد أن قبض الرشوة، و ترك سبط النبي (ص).. و مما زاد في ارتياب المسلمين منهم انهم كانوا مسالمين للحكم الاموي في جميع فتراته، و لم يقوموا بأي عمل ايجابي في مناهضة جور الامويين و ظلمهم.

و علي أي حال فقد استقبلت الكوفة - في يوم الجمعة 12 ربيع الاول سنة 132 ه - موكب أبي العباس السفاح و هو متجه الي الجامع، و بعد اداء فريضة الصلاة ارتقي ابوالعباس أعواد المنبر، و كان موعوكا فخطب الناس خطبة رائعة بليغة اثني فيها علي بني العباس، و قد جاء فيها:

«يا أهل الكوفة أنتم محل محبتنا، و منزل مودتنا، أنتم الذين لم تتغيروا عن ذلك، و لم يثنكم عنه تحامل أهل الجور عليكم، حتي أدركتم زماننا، و أتاكم الله بدولتنا، فأنتم أسعد الناس بنا، و اكرمهم علينا و قد زدتكم في



[ صفحه 334]



أعطياتكم مائة درهم فأنا السفاح المبيح، و الثائر المنيح...» [1] .

وانبري من بعده عمه داود بن علي فخطب في الناس خطابا بليغا أثني فيه علي بني العباس و ذم فيه بني أمية، و جاء فيه:

«أيها الناس: انا والله ما خرجنا في طلب هذا الامر لنكثر لجينا و لا عقيانا [2] و لا نحفر نهرا، و لا نبني قصرا، و انما أخرجتنا الأنفة من ابتزازهم حقنا، و الغضب لبني عمنا، و ما كرهنا من أموركم، فلقد كانت أموركم ترمضنا [3] و نحن علي فرشنا. و يشتد علينا سوء سيرة بني أمية فيكم و استنزالهم [4] لكم و استئثارهم بفيئكم و صدقاتكم و مغانمكم عليهم، لكم ذمة الله تبارك و تعالي و ذمة رسوله (ص) و ذمة العباس رحمه الله علينا أن نحكم فيكم بما انزل الله، و نعمل فيكم بكتاب الله، و نسير في العامة و الخاصة بسيرة رسول الله (ص)...».

و أخذ يمني أهل الكوفة بالصلة و العطاء، و يكيل لهم الوعود، و قد أشرأبت اليه الاعناق، واصغت اليه الاسماع، و هو يؤكد لهم ان الدولة الجديدة ستحقق لهم العدل السياسي و العدل الاجتماعي، و تسير فيهم بسياسة قوامها الحق المحض.. ثم نزل ابوالعباس عن المنبر و معه عمه داود بن علي حتي دخل قصر الامارة، و بقي أبوجعفر المنصور في المسجد يأخذ البيعة فيه علي الناس، فلم يزل يأخذها عليهم حتي صلي بهم العصر ثم المغرب و العشاء الي ساعة متأخرة من الليل [5] .



[ صفحه 335]



و لم يطل أبوالعباس الاقامة في الكوفة التي هي مقر العلويين فخرج منها و أقام بمعسكر أبي سلمة الخلال - في حمام أعين -، و بعدها أخذ في بناء (الهاشمية) لتكون عاصمة لدولته.


پاورقي

[1] في الطبري «و الثائر المبير».

[2] اللجين: الفضة، العقيان: الذهب الخالص.

[3] ترمضنا: أي تحرقنا.

[4] في الطبري «و استذلالهم».

[5] تأريخ ابن الاثير 4 / 325.