بازگشت

واقعة الزاب


و حينما تولي ابوالعباس السفاح منصب الخلافة ارسل قواته المسلحة بقيادة محمد بن عبدالله بن علي لقتال العاهل الاموي مروان الحمار، وسار عبدالله يطوي البيداء بجيشه الضخم، فالتقي بجيش العدو بالزاب قرب الموصل، و كانت رايات بني العباس تحملها الرجال علي الجمال البخت [1] و قد جعل لها بدلا من القنا خشب الصفصاف و الغرب، فلما رآها مروان ذهل و قال لمن حوله:

«أما ترون رماحهم كأنها النخل غلظا!! أما ترون أعلامهم فوق هذه الابل كأنها قطع الغمام السود!!».

و بينما هو ينظر اليها، و قد طار قلبه رعبا و فزعا اذ نفرت قطع كبيرة من الغربان السود، فنزلت علي اول عسكر عبدالله بن علي فاتصل سوادها بسواد تلك الرايات فصارت كالليل البهيم، فازداد فزع مروان وانبري يقول:

«أما ترون الي السواد قد اتصل بالسواد حتي صار الكل كالسحب السود المتكاثفة!!».

و أقبل مروان علي رجل الي جانبه فقال له: بنبرات تقطر فزعا و خوفا

- ألا تعرفني من صاحب جيشهم؟».



[ صفحه 336]



- عبدالله بن علي بن العباس بن عبدالمطلب.

- ويحك أمن ولد العباس هو؟

- نعم

- والله لوددت أن علي بن أبي طالب مكانه في هذا الصف.

لقد ايقن مروان بالمصير المحتوم، و تمني أن يكون الفاتح الامام اميرالمؤمنين (ع) ليقابلهم بالعفو و الاحسان، و يصفح عنهم، و لم يفهم الرجل مقالة مروان، و دار في خلده أنه يتهم الامام بالجبن فانبري اليه قائلا:

- أتقول هذا لعلي مع شجاعته؟

- ويحك ان عليا مع شجاعته صاحب دين، و ان الدين غير الملك، و انا نروي عن قديمنا أنه لا شي ء لعلي و لا ولده في هذا» [2] .

واندلعت نار الحرب بين الفريقين، و ماعتمت جيوش الامويين ان تحطمت شر تحطيم، فانهزم مروان و ولي منكسرا مع بعض فلول جيشه حتي أتي الموصل فمنعه أهلها من الدخول اليها خوفا من نقمة الجيش العباسي المنتصر و ولي منهزما نحو حران، ولكنه لم يستطع البقاء فيها فانحدر نحو مدينة حمص و الجيش العباسي يلاحقه، والتحق بدمشق فأراد و اليها نصرته الا انه لم يستطع لضيق الوقت، فقد زحف العدو وراءه، فتوجه الي الاردن فوجدها قد رفعت اعلام بني العباس فحاد عنها، و نزل في فلسطين، و علم مروان ان دمشق قد سقطت بأيدي العباسيين فاستولي عليه الرعب، فترك مقامه في فلسطين واتجه الي مصر فنزل في قرية (بوصير) و أقام في كنيسة كانت فيها فأدركته كتائب صالح بن علي في ليلة مظلمة، و دارت بين الفريقبن معركة دامية قتل فيها مروان وانبري اليه شخص من أهل الكوفة فاحتز رأسه



[ صفحه 337]



و استخرج لسانه فجاءت هرة فاختطفته منه [3] .

وانتهت بذلك الدولة الأموية التي حكمت بالظلم و الجور، و عاثت فسادا في الارض، فاتخذت مال الله دولا، و عباد الله خولا، و قد انتقم الله منهم أمر الانتقام و أشده فجعل ملكهم هباءا و نصرهم جفاءا، و كتب لهم الخزي و العار علي ممر العصور الصاعدة.

و حمل رأس مروان الي أبي العباس السفاح فلما رآه سجد و أطال السجود ثم رفع رأسه، و قال:

«الحمدلله الذي لم يبق ثأرنا قبلك و قبل رهطك، الحمدلله الذي أظفرنا بك، و أظهرنا عليك. ما أبالي متي طرقني الموت، و قد قتلت بالحسين (ع) ألفا من بني أمية، و أحرقت شلو هشام بابن عمي زيد كما أحرقوا شلوه. ثم تمثل:



لو يشربون دمي لم يرو شاربهم

و لا دماؤهم جمعا ترويني



و حول وجهه الي القبلة فسجد ثانية و تمثل:



أبي قومنا أن ينصفونا فأنصفت

قواطع في ايماننا تقطر الدما



اذا خالطت هام الرجال تركتها

كبيض نعام في الثري قد تحطما



والتفت الي حضار مجلسه فقال لهم: اما مروان فقتلناه بأخي ابراهيم و قتلنا سائر بني أمية بحسين، و من قتل معه، و بعده من بني عمنا أبي طالب [4] ، و قد رسخ بذلك ملك بني العباس و أصبح السفاح ملكا علي المسلمين في جميع أقطارهم.



[ صفحه 338]




پاورقي

[1] البخت: نوع من الأبل الواحد بختي.

[2] شرح ابن أبي الحديد (7 / 134).

[3] مختصر أخبار الخلفاء.

[4] شرح ابن أبي الحديد (7 / 131).