بازگشت

السفاح و العلويون


و لم يكن من المتوقع عند احد ان يفوز العباسيون بالخلافة لأن الثورة الكبري التي اطاحت بالحكم الاموي انما كانت من اجل العلويين، فقد كانت هتافات المتظاهرين بالدعوة «الي الرضا من آل محمد» و كانت هذه الدعوة شعار الثوار الذين بذلوا المزيد من التضحيات في سبيلها، و كان العباسيون أنفسهم لا يحلمون بذلك فقد بايع السفاح و أخوه المنصور محمدا ذا النفس الزكية، ولكن الاقدار قد حولت الأمر عن العلويين، و حملته الي العباسيين.

و لما صفا الملك لأبي العباس جهد في ارضاء العلويين فمنحهم بالعطاء الجزيل، و قابلهم بشتي الوان التبجيل و التكريم، و قضي علي خصومهم الامويين، و كانت العلاقة فيما بينهما ظاهرا علاقة ود و صفاء، و اما في الواقع فان العلويين قد انطوت نفوسهم علي الحزن العميق، والأسي الشديد و ذلك لمكيدة العباسيين بهم و استئثارهم بالخلافة من دون ان يأخذوا رأيهم في الأمر.

و علي أي حال فان العلويين قد وفدوا علي أبي العباس و هو في الانبار



[ صفحه 344]



يهنئونه بالخلافة، و لم يفد عليه محمد و ابراهيم فرابه ذلك، والتفت الي ابيهما عبدالله فقال له:

- ما منعهما أن يفدا مع من وفد علي من أهل بيتهما؟

- ما كان تخلفهما لشي ء يكرهه أميرالمؤمنين.

فقبل السفاح العذر علي مضض و كره، و مما زاد في قلق السفاح و اضطرابه من محمد و أخيه أنه لما بني مدينة الانبار التي اتخذها عاصمة له دخلها مع أخيه أبي جعفر، و عبدالله بن الحسن، و هو يسير بينهما، و يطلعهما علي ما في المدينة من المصانع و القصور فظهرت من عبدالله فلتة فجعل يتمثل بهذين البيتين:



ألم تر جوشنا قد صار يبني

قصورا نفعها لبني نفيلة [1] .



يؤمل أن يعمر عمر نوح

و أمر الله يحدث كل ليلة [2] .



فتغير وجه أبي العباس، فالتفت ابوجعفر المنصور الي عبدالله فقال له:

- أتراهما ابنيك و الأمر صائر اليهما لا محالة؟

- لا والله ما ذهبت، و لا أردته، و لا كانت الا كلمة جرت علي لساني لم الق لها بالا.

و قد أوحشت هذه الكلمات قلب السفاح فلما عزم العلويون علي الخروج الي يثرب اجزل لهم العطاء و بعث معهم رجلا من ثقاته فقال له: قم بانزالهم و لا تأل في الطافهم، و كلما خلوت معهم فاظهر الميل اليهم، و التحامل علينا، و علي ناحيتنا، و انهم احق بهذا الأمر منا، واحص لي ما يقولون و ما يكون منهم في مسيرهم و مقدمهم.



[ صفحه 345]



و حينما وصل عبدالله الي يثرب اجتمع به ولده، و سألوه عن كل صغيرة و كبيرة فأخذ يشرح لهم الحالة، و حفزهم علي الثورة، و كان ذلك الرجل حاضرا فحفظ جميع ما دار بينهم فلما عاد الي ابي العباس اطلعه علي جميع ما شاهده من بني الحسن فوغر صدره عليهم، واشتد غضب المنصور عليهم.

و أخذ الذين يتزلفون الي السلطة يختلقون السعايات و يفتعلون الوشايات بأن العلويين يدعون الناس الي خلع بيعة السفاح، فضاق السفاح بذلك ذرعا، و كتب الي عبدالله كتابا شفعه بهذا البيت:



أريد حياته و يريد قتلي

عذيرك من خليلك من مراد



فأجابه عبدالله برسالة فند فيها تلك المزاعم، و كتب في آخرها هذه الأبيات:



و كيف يريد ذاك و أنت منه

بمنزلة النياط من الفؤاد



و كيف يريد ذاك و أنت منه

و زندك حين يقدح من زناد



و كيف يريد ذاك و أنت منه

و أنت لهاشم رأس وهاد [3] .



واطمأن بذلك ابوالعباس، و سكن روعه الا ان أباجعفر المنصور كان يحثه، و يدفعه الي الايقاع بمحمد و ابراهيم فزجره السفاح و قال له:

«من شدد نفر، و من لان تأسف، و التغافل من سجايا الكرام» [4] و سلك مع العلويين مسلك السياسي المحنك فلم يقابلهم بأذي و لا مكروه، بل كان يتظاهر بالود و العطف عليهم.



[ صفحه 346]




پاورقي

[1] في زهرالآداب «الم تر حوشبا لما تبني».

[2] في المقاتل «ان يعمر الف عام».

[3] تأريخ اليعقوبي (3 / 97).

[4] شذرات الذهب (1 / 159).