بازگشت

مع أبي سلمة


و لما اشرفت الدولة الأموية علي الانهيار تحت وطأة الجيوش العباسية



[ صفحه 348]



و ضرباتها المتلاحقة لها، رأي أبوسلمة الذي لقب بوزير آل محمد أن يحول الخلافة الي العلويين، و سواء أكان ذلك عن جد و اخلاص منه أم عن مكيدة و خديعة لهم، فقد كتب الي ثلاثة منهم يعرض عليهم ما فكر به، و هم: الامام جعفر بن محمد، و عبدالله المحض، و عمر الاشرف بن الامام زين العابدين (ع) و سلم رسائله الي مولي من مواليهم الذين يقطنون الكوفة و أوصاه بقوله:

«اقصد أولا جعفر بن محمد الصادق (ع) فان أجاب فابطل الكتابين الآخرين، فان لم يجب فالق عبدالله المحض فان أجاب فابطل كتاب عمر الأشرف، و ان لم يجب فالق عمر».

وانطلق الرسول حتي اذا انتهي الي يثرب بدأ بمقابلة الامام أبي عبدالله الصادق (ع) فسلمه الكتاب ليلا، فتناول (ع) الكتاب بعد ما عرض عليه حديث أبي سلمة فقال (ع):

«ما أنا و أبوسلمة و هو شيعة لغيري؟»

وانبري الرسول للامام قائلا له:

«اقرأ الكتاب، واجب عليه بما تري»

فقال الامام لخادمه: ادن السراج مني، فأدناه فوضع الكتاب علي النار حتي احترق، فقال له الرسول:

- ألا تجيبه؟

- قد رأيت الجواب

و تمثل (ع) ببيت للكميت:



فيا موقدا نارا لغيرك ضوؤها

ويا حاطبا في غير حبلك تحطب



فخرج الرسول من عنده، و أتي عبدالله بن الحسن، و دفع اليه الكتاب فقرأه وابتهج، فلما كان الغد من ذلك اليوم ركب عبدالله



[ صفحه 349]



حتي أتي منزل أبي عبدالله الصادق (ع) فقام (ع) تكريما له و قابله بمزيد من الحفاوة و قال له:

- يا أبامحمد ما أتي بك؟

- هو أجل من أن يوصف!!

- ما هو؟

- هذا كتاب أبي سلمة يدعوني الي الخلافة، و قد قدمت عليه شيعتنا من أهل خراسان.

فتأثر (ع) منه، و قال له:

«يا أبامحمد و متي كان أهل خراسان شيعة لك أنت بعثت أبامسلم الي خراسان، و أنت أمرتهم بلبس السواد؟ هل تعرف أحدا منهم باسمه او بصورته؟ فكيف يكونون شيعة لك، و أنت لا تعرفهم، و هم لا يعرفونك؟».

فأخذ عبدالله يحاججه، و يجادله، فقطع (ع) حديثه، و قال له:

«قد علم الله أني أوجب النصح علي نفسي لكل مسلم، فكيف أدخره عنك، فلا تمن نفسك الأباطيل، فان هذه الدوله ستتم لهؤلاء - يعني بني العباس - و قد جاءني مثل هذا الكتاب الذي جاءك» [1] .

لقد كشف الامام في حديثه المشرق صفحة من صفحات الغد المجهول فأنارها بعلمه، و لم يبق بها أي خفاء والتباس، من حتمية مصير الخلافة لبني العباس، و عقم المعارضة لهم، و ما انتهت حفنة من السنين حتي تحقق تنبؤه و صدقه في ذلك.

و علي أي حال فقد كان رفض الامام لدعوة أبي سلمة يحمل جانبا كبيرا من الاصالة و العمق في مجريات الأحداث، فان دعوة أبي سلمة ان



[ صفحه 350]



كان جادا فيها لم تكن بداعي الايمان بحق أهل البيت، و انما كانت ناشئة عن دواع أخري من ضياع مصالحه و آماله، و الا فلماذا لم يراسلهم قبل هذا الوقت الحافل بالاخطار، فان الجيوش العباسية التي زحفت الي احتلال العراق لم تكن شيعة للعلويين، و انما هي شيعة لبني العباس قد صهرتهم دعوتهم، فكيف يستجيب الامام لدعوة أبي سلمة أو يسير في مجاهل هذه التيارات القاتمة المحفوفة بالمهالك و الاخطار.. علي أن عبدالله ابن الحسن قد استجاب له، فماذا جناه منه غير الدمار الشامل له و لأسرته و لم يخف امر هذه الدعوة علي بني العباس فقد اوجبت قلقهم و اضطرابهم و تصميمهم علي قتله، فقد روي المؤرخون ان اباالعباس و أباجعفر المنصور قد اتفقا علي ان يخرج المنصور الي خراسان لزيارة أبي مسلم و يحدثه في امر ابي سلمة، و يطلب منه القيام باغتياله، فخرج المنصور حتي انتهي الي ابي مسلم فعرض عليه الأمر فقال له: «أفعلها ابوسلمة؟ أنا أكفيكموه» ثم دعا احد قواده «مرار بن أنس الضبي»، و قال له: «انطلق الي الكوفة فاقتل أباسلمة حيث لقيته، و انته في ذلك الي رأي الامام» فسار مرار مع جماعة من جنده الي الكوفة، و كان ابوسلمة يسمر عند السفاح الذي تظاهر باعلان العفو والرضا عنه، فجلس مرار مع جماعته في طريقه، فلما خرج ابوسلمة في منتصف الليل بادر الي قتله، و أشاعوا في الصباح ان الخوارج هي التي قتلته [2] و انتهي بذلك امر ابي سلمة في فجر مولد الدعوة العباسية.



[ صفحه 351]




پاورقي

[1] مروج الذهب 3 / 184، الأداب السلطانية (ص 137).

[2] الطبري احداث سنة 132 ه و قتل ابوسلمة في 15 من شهر رجب و ذلك بعد هزيمة مروان بشهر واحد.