بازگشت

ندم أبي مسلم


لقد ندم أبومسلم في آخر الأمر علي ما اقترفه من الموبقات و الآثام و عزي جميع ما فعله الي السفاح، و قد جاء ذلك في رسالته التي رفعها الي أبي جعفر المنصور فقد جاء فيها:

«كنت اتخذت أخاك اماما، و جعلته علي الدين دليلا لقرابته،



[ صفحه 352]



و الوصية التي زعم انها صارت اليه، فأوطأ بي عشوة الضلالة، و أوهقني في ربقة الفتنة، و أمرني ان آخذ بالظنة، و أقتل علي التهمة، و لا أقبل المعذرة، فهتكت بأمره حرمات حتم الله صونها، و سفكت دماءا فرض الله حقنها، و زويت الأمر عن أهله، و وضعته منه في غير محله، فان يعف الله عني فبفضل منه، و ان يعاقب فبما كسبت يداي، و ما الله بظلام للعبيد..» [1] .

لقد كشف أبومسلم في رسالته عن ندمه و بربرية السفاح و قسوته، و ان جميع ما فعله من سفك الدماء، و هتك الحرمات، و اذاعة الرعب، و نشر الارهاب كل ذلك مستند الي أوامر السفاح.

و ادلي ابومسلم بتصريح آخر يقرب من ذلك رفعه الي ابي جعفر المنصور و قد جاء فيه:

«أما بعد: فاني اتخذت رجلا اماما، و دليلا علي ما افترض الله علي خلقه، و كان في محلة العلم نازلا، و في قرابته من رسول الله (ص)، قريبا فاستجهلني بالقرآن فحرفه عن مواضعه طمعا في قليل قد تعافاه الله الي خلقه، و كان كالذي ادلي بغرور، و أمرني أن اجرد السيف، وارفع المرحمة و لا أقبل المعذرة، و لا أقيل العثرة، ففعلت توطيدا لسلطانكم، حتي عرفكم من كان يجهلكم، و أطاعكم من كان عدوكم، و أظهركم الله بعد الخلفاء و الذل و الحقارة..» [2] .

و اعرب ابومسلم بهذا التصريح الخطير عما اتصف به السفاح من الخداع و التضليل، و عدم الايمان بالقيم الانسانية.

و قد بلغ به وخز الضمير والندم علي ما ارتكبه من عظيم الاثم انه



[ صفحه 353]



كان لا يرجو مغفرة الله له فكان يدعو بعرفات:

«اللهم: اني تائب اليك مما لا أظنك ان تغفر لي»

فقيل له: أفيعظم علي الله غفران ذنبك؟

فقال: اني نسجت ثوب ظلم مادامت الدولة لبني العباس، فكم من صارخة تلقني عند تفاقم الظلم فكيف يغفر لمن هذا الخلق خصماؤه [3] .

لقد أفسد ابومسلم أمر آخرته، و باع دينه في سبيل توطيد الملك لبني العباس، و قد ندم حيث لا يجديه الندم، فما كان الله ليتلطف بالعفو و الغفران علي من اراق بحورا من دماء الابرياء بغير حق، و اشاع في بلاد المسلمين الثكل و الحزن و الحداد.


پاورقي

[1] تأريخ بغداد 10 / 208.

[2] البداية و النهاية 10 / 64.

[3] الكني و الالقاب 2 / 151 نقلا عن ربيع الابرار.