بازگشت

الوراثة


و ذهب علماء الوراثة و النفس الي أن الوراثة من الاسباب الفعالة في التكوين النفسي و النمو الفكري، و ان الذكاء، و سائر الوان النضوج العقلي للشخص يستند الي الوراثة استنادا مباشرا، فالفرع لا يقتصر في مشابهته لأصله علي مظاهره الشكلية، و انما يشابهه في خواصه الذاتية، وفي أدق صفاته، يقول «هكسلي»:

«انه ما من أثر أو خاصة لكائن عضوي الا و يرجع الي الوراثة أو الي البيئة، فالتكوين الوراثي يضع الحدود لما هو محتمل، و البيئة تقرر أن هذا الاحتمال سيتحقق، فالتكوين الوراثي اذن ليس الا القدرة علي التفاعل مع أية بيئة بطريق خاص...».

و معني هذا أن جميع الآثار و الخواص التي تكون في الأجهزة الحية من الانسان ترجع الي الوراثة او الي البيئة و المحيط الذي يعيش فيه الانسان، و أكد «مندل» هذه الظاهرة الوراثية التي تسمي بالوراثة الاقترانية فقال:

«ان كثيرا من الصفات الوراثية تنتقل بدون تجزئة أو تغيير من أحد الاصلين او منهما الي الفرع».

و قرر «جنجز» ذلك بقوله: «ان كل انسان لديه قوي موروثة



[ صفحه 58]



كامنة، ولكن اظهار أية واحدة يقف علي الظروف التي تحيط بهذه القوي عند نموها..».

و قد اكتشف الاسلام هذه الظاهرة، قبل أن يكتشفها علماء الوراثة و النفس، فقد أثر عن النبي (ص) أن رجلا من الانصار أقبل اليه، فقال له:

يا رسول الله، هذه بنت عمي، و أنا فلان ابن فلان.. حتي عد عشرة آباء له، و هي بنت فلان حتي عد عشرة آباء لها، و ليس في حسبي و لا حسبها حبشي، و انها وضعت لهذا الحبشي، فأطرق رسول الله (ص) ثم رفع رأسه و قال له:

«ان لك تسعة و تسعين عرقا، و لها تسعة و تسعون عرقا، فاذا اشتملت اضطربت العروق، و سأل الله عزوجل كل عرق منها أن يذهب الشبه اليه قم فانه ولدك، و لم يأتك الا من عرق منك، أو عرق منها...»

فانصرف الرجل آخذا بيد امرأته، و ولده، و في حديث آخر «تخيروا لنطفكم فان العرق دساس».

و أشار القرآن الكريم الي ما تنقله الوراثة من أدق الصفات، قال تعالي حكاية عن نبيه نوح: «رب لا تذر علي الارض من الكافرين ديارا، انك ان تذرهم يضلوا عبادك و لا يلدوا الا فاجرا كفارا» [1] لقد دلت الآية بوضوح علي انتقال عقائد الكفر و الالحاد بالوراثة من الآباء الي آبنائهم... و قد حفلت موسوعات الحديث بالاخبار الكثيرة التي وردت عن أئمة أهل البيت (ع) و هي تدل علي وافع الوراثة و قوانينها و آثارها و مالها من الأهمية البالغة في حياة الانسان [2] .

و علي ضوء قاعدة الوراثة نجزم بأن الامام موسي (ع) قد ورث من



[ صفحه 59]



آبائه (ع) جميع صفاتهم التي امتازوا بها علي سائر الناس من الرم و السخاء و الحلم و الرحمة وحب الخير، و البر بالناس و التفاني في سبيل الصالح العام.


پاورقي

[1] سورة نوح: آية 26.

[2] النظام التربوي في الاسلام.