استبداده
كان المنصور في جميع ما يتعلق بمملكته مستبدا لا يستشير احدا فيما يتصرف فيه، و اذا أدلي عليه احد برأي خالفه، فقد روي المؤرخون انه احضر ابن أخيه عيسي بن موسي و أمره بقتال محمد بن عبدالله فقال له عيسي:
«يا أميرالمؤمنين: شاور عمومتك».
فزجره قائلا له: اين قول ابراهيم بن هرمة.
تزور امري ء لا يمخض القوم سره
و لا ينتجي الأذنين فيما يحاول
اذا ما أتي شيئا مضي كالذي أتي
و ان قال اني فاعل فهو فاعل
ثم قال: «امض أيها الرجل فوالله ما يراد غيري و غيرك: و ما هو الا أن تشخص او أشخص أنا».
بمثل هذا الاعتزاز بالنفس كان يتحكم في رقاب المسلمين و في جميع امكانياتهم، و كان يتمثل دائما بقول الهيثم بن عدي لينوه عن طغيانه و استبداده:
ان قناتي لنبع لا يؤيسها
غمز الثقاف و لا دهن و لا نار
متي أجر خائنا تأمن مسارحه
و ان أخف آمنا تقلق به الدار
سيروا الي و غضوا بعض أعينكم
اني لكل امري ء من جاره جار [1] .
و دل ذلك علي مدي ما يحمله من طيش و غرور و استبداد بشؤون المسلمين، و قد ادت هذه السياسة الملتوية الي نشر الرعب و اذاعة الفزع بين جميع الناس.
[ صفحه 371]
پاورقي
[1] الطبري: (ج 9 ص 316).