بازگشت

ابومسلم


و لم تقم الدولة العباسية الا علي أكتاف أبي مسلم فهو باعثها و مؤسسها و غارس بذرتها، و لولا جهوده لم يرفع لبني العباس علم، و لم يذكر لهم اسم، و قد تنكر له المنصور فجازاه جزاء سنمار، فاستدعاه و آمنه و قابله بمزيد من الحفاوة و التكريم و انزله قصرا من قصوره و دعا رئيس حرسه عثمان بن نهيك، و شبيب بن واج، و ابوحنيفة حرب بن قيس و قال لهم: تكونوا خلف الرواق اذا دخل علي أبومسلم فاذا صفقت بيدي، دخلتم فقتلتموه، و اقبل ابومسلم علي عادته فأجلس في الحجرة المجاورة، و أخبر بأن المنصور في شغل فجلس مليا ثم اذن له بالدخول فدخل و سلم عليه، فنظر اليه نظرة انتقام وغيظ، و قال له: اخبرني عن تقدمك اياي بطريق مكة؟



[ صفحه 372]



- كرهت اجتماعنا علي الماء فيضر ذلك بالناس.

و أخذ يعدد عليه اعماله المنكرة، و يعاتبه و أبومسلم يعتذر عن ذلك، و لما طال عتابه له قال أبومسلم:

- لايقال هذا لي بعد بلائي و ما كان مني!!

فصاح به المنصور يا ابن الخبيثة، والله لو كانت أمة مكانك لا جزأت انما عملت في دولتنا، و بريحنا، فلو كان ذلك اليك ما قطعت فتيلا، و ابومسلم يعتذر منه، و لم يجد معه الاعتذار، و صفق عاليا بيده فدخل القوم عليه و بأيديهم السيوف، و شعر أبومسلم بالموت يدنو منه فقال متوسلا بالمنصور:

- استبقني لعدوك

- و أي عدو اعدي لي منك

فأخذته السيوف، و هو يصيح العفو:

و أجهز عليه القوم فقتلوه، و أخذ المنصور يرتجل:



زعمت أن الدين لا يقتضي

فاستوف بالكيل أبامسلم



سقيت كأسا كنت تسقي بها

أمر في الحلق من العلقم [1] .

و أمر أن ترمي جثته في نهر دجلة فالقيت فيه [2] و طويت بذلك حياة أبي مسلم غدرا علي يد المنصور، و قد خسر أبومسلم بذلك أمر آخرته و دنياه و ذلك هو الخسران المبين.



[ صفحه 373]




پاورقي

[1] ابن الاثير: 4 / 355.

[2] اليعقوبي: 2 / 399.