الشمم و الاباء
و فطرت نفوس العلويين علي العزة و الكرامة، وجبلت علي النبل و الشهامة و قد جهدت السلطات الجائرة في عصورهم علي اذلالهم فلم يطيقوا صبرا، و تسابقوا الي الشهادة لينعموا بالكرامة، و لما حاول يزيد بن معاوية ارغام سبط النبي (ص) و ريحانته الامام الحسين (ع) علي البيعة له، و الدخول في طاعته. فانبري (ع) الي ساحات الجهاد، واعلن يوم الطف كلمته الخالدة التي رسم فيها الاباء بما له من معني مشرق قال (ع):
«الا و ان الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة و الذلة، و هيهات منا الذلة، يأبي الله لنا ذلك، و رسوله و المؤمنون، و حجور طابت، و بطون
[ صفحه 382]
طهرت، و أنوف حمية، و نفوس أبيه من أن نؤثر طاعة اللئام علي مصارع الكرام» [1] .
و دارت هذه الكلمات النيرة مع الفلك و ارتسمت فيه فكانت درسا رائعا للمجاهدين من أبنائه، يقول زيد بن علي لما جهد الطاغية هشام في اذلاله:
«ما كره قوم حر السيوف الا ذلوا»
و لما عذله جماعة عن الثورة و خوفوه القتل أجابهم:
بكرت تخوفني المنون كأنني
اصبحت عن عرض الحياة بمعزل
فأجبتها ان المنية منهل
لابد ان أسقي بكأس المنهل [2] .
و لما أمعن الأمويون علي ارغام يحيي بن زيد علي الهوان و الذل، اندفع الي الثورة، واخذ يخاطب نفسه الكبيرة قائلا:
يا ابن زيد أليس قد قال زيد
من أحب الحياة عاش ذليلا
كن كزيد فأنت مهجة زيد
واتخذ في الجنان ظلا ظليلا [3] .
أنت - والله - يا يحيي مهجة زيد، و أنت قطعة من كبد جدك الرسول (ص) قد حملت في أعماق نفسكم الكبيرة الشمم و الاباء، فأبيت ان تعيش ذليلا مضاما فترجلت الي ساحة الحرب برغبة و شوق لتموت حرا كريما.
لقد ملأ العلويون بثوراتهم المقدسة تأريخ الاسلام بالفخر و الشرف و المجد، و رسموا للشعوب الاسلامية في جميع مراحل حياتها طريق الكفاح و النضال في سبيل الحرية و الكرامة.
[ صفحه 383]
پاورقي
[1] قريب من ذلك جاء في تأريخ ابن عساكر: 4 / 333.
[2] الروض النضير: 1 / 75.
[3] عقائد الزيدية.