بازگشت

التجسس علي العلويين


كان المنصور يعلم باجماع المسلمين علي حب العلويين و ذلك لما اتصفوا به من سجاحة الخلق، و طيب الأعراق، و بسط الكف، و الغزارة في العلم الي غير ذلك من مكارم الاخلاق التي تؤهلهم الي مركز الخلافة الاسلامية و قيادة الأمة... كما كان يعلم ببغض الناس له و كراهيتهم لملكه نظرا لما اتصف به من الشح و البخل و القسوة و الجفاء و المكر و غيرها من رذائله و مساوئه مضافا الي مساوي ء أسرته اليت عرفت بالخيانة للامة.

لقد انفق المنصور لياليه ساهرا يفكر في البغي علي العلويين و الكيد



[ صفحه 386]



لهم، فأجمع رأيه علي أن يبعث عينا له ليقف علي أمورهم و شؤونهم و يتعرف علي محمد و أخيه ابراهيم، فاختار رجلا، و كتب معه كتابا علي السنة الشيعة الي محمد يذكرون طاعتهم، و مسارعتهم و بعث بمال و الطاف، و قدم الرجل الي المدينة، فدخل علي عبدالله بن الحسن، فسأله عن ابنه محمد فكتم خبره و أخذ الرجل يتردد، و يلح عليه في المسألة، فانخدع عبدالله به، و قال له: انه في جبل جهينة، و أمره بأن يمر بعلي الذي يدعي بالأغر فهو يرشده الي مكانه، و كان للمنصور كاتب يتشيع فكتب الي عبدالله بن الحسن يخبره بذلك العين، و لما قدم كتابه ارتاعوا منه فبعثوا أباهبار الي محمد و علي بن الحسن يحذرهما الرجل، فخرج أبوهبار حتي وافي محمدا في موضعه فاذا هو جالس في كهف و معه جماعة من اصحابه و ذلك العين معهم و هو أعلاهم صوتا، و أشدهم انبساطا، فلما رأي أباهبار خافه، و عرف أن أمره قد انكشف للقوم، و قال ابوهبار لمحمد: لي اليك حاجة فقام معه فأخبره بأمر الرجل، و أشار عليه بقتله الا ان محمدا لم يستجب لذلك، و أشار عليه ثانيا بأن يوثقه و يودعه عند بعض أرحامه فاستجاب لذلك، و لما شعر الرجل بما دبر له انهزم، و تواري عنهم ففتشوا عنه فلم يظفروا به، وانطلق متواريا حتي وافي المنصور و أخبره بالامر.

واستدعي المنصور عقبة بن سلم الأزدي، و قال له: اني اريدك لأمر أنا معني به لم ازل أرتاد له رجلا عسي أن تكونه، و ان كفيتنيه رفعتك... فقال عقبة: أرجو أن أصدق ظن اميرالمؤمنين في، فأمره المنصور بأن يخفي شخصه، و يستر أمره، و يلتقي به في وقت عينه له، و لما حان ذلك الوقت خف اليه، فقال له المنصور ان بني عمنا هؤلاء قد أبوا الا كيدا لملكنا، و اغتيالا له، و لهم شيعة بخراسان بقرية كذا يكاتبونهم، و يرسلون اليهم بصدقات أموالهم، و الطاف من الطاف بلادهم، فاخرج



[ صفحه 387]



بكسي و ألطاف و عين حتي تأتيهم متنكرا بكتاب تكتبه عن أهل هذه القرية ثم تسير ناحيتهم فان كانوا قد نزعوا عن رأيهم فأحبب والله بهم و أقرب، و ان كانوا علي رأيهم علمت ذلك و كنت علي حذر فأشخص حتي تلقي عبدالله بن الحسن متخشعا و متقشفا فان جبهك - و هو فاعل - فاصبر و عاوده حتي يأنس بك، و يلين لك ناحيته فاذا أظهر لك ما قبله فاعجل علي.

و شخص عقبة الي يثرب فقدم علي عبدالله فناوله الكتاب فأنكره و نهره، و لم يزل يتردد عليه حتي قبل كتابه و ألطافه و أنس به فسأله عقبة الجواب، فقال: اما الكتاب فاني لا اكتب الي أحد ولكن أنت كتابي اليهم فاقرأهم السلام، واعلمهم انني خارج [1] و عين له وقت الخروج، و رجع عقبة الي المنصور فأخبره بالأمر [2] فاضطرب اشد الاضطراب، و أخذ يمعن في التفكير فلم ير وسيلة انجع من سفره الي يثرب ليتولي بذاته قمع الحركة و القضاء علي خصومه العلويين [3] .


پاورقي

[1] في الطبري «واخبرهم ان ابني خارجان».

[2] الكامل 4 / 370 - 371.

[3] الطبري 9 / 181.