بازگشت

رسالته الي عبدالله


و أرسل الامام الصادق (ع) رسالة الي عبدالله بن الحسن يعزيه فيها علي ما حل به من المصاب الأليم و هذا نصها:

بسم الله الرحمن الرحيم

الي الخلف الصالح و الذرية الطيبة من ولد أخيه وابن عمه

أما بعد: فلئن كنت قد تفردت أنت و أهل بيتك ممن حمل معك بما أصابكم، ما انفردت بالحزن و الغيظ و الكآبة و أليم وجع القلب دوني، و لقد نالني من ذلك من الجزع و القلق و حر المصيبة مثل ما نالك، ولكن رجعت الي ما أمر الله جل و عز به المتقين من الصبر و حسن العزاء حين قال لنبيه صلي الله عليه و آله الطيبين: «واصبر لحكم ربك فانك باعيننا» [1] و حين يقول



[ صفحه 392]



لنبيه: «فاصبر لحكم ربك و لا تكن كصاحب الحوت» [2] و حين يقول لنبيه (ص) حين مثل بحمزة «و ان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به و لئن صبرتم لهو خير للصابرين» [3] فصبر رسول الله و لم يعاقب.

و حين يقول: «و أمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقا نحن نرزقك و العاقبة للتقوي» [4] و حين يقول: «الذين اذا اصابتهم مصيبة قالوا انا لله و انا اليه راجعون، اولئك عليهم صلوات من ربهم و رحمة و اولئك هم المهتدون» [5] و حين يقول: «انما يوفي الصابرون أجرهم بغير حساب» [6] و حين يقول لقمان لابنه: «واصبر علي ما اصابك ان ذلك من عزم الامور» [7] و حين يقول عن موسي «و قال موسي لقومه استعينوا بالله واصبروا ان الأرض لله يورثها من يشاء من عباده و العاقبة للمتقين» [8] و حين يقول: «الذين آمنوا و عملوا الصالحات و تواصوا بالحق و تواصوا بالصبر» [9] و حين يقول: «ثم كان من الذين آمنوا و تواصوا بالصبر و تواصوا بالمرحمة [10] و حين يقول: «و لنبلونكم بشي ء



[ صفحه 393]



من الخوف و الجوع و نقص من الاموال و الأنفس و الثمرات و بشر الصابرين» [11] و حين يقول: «و كأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله و ما ضعفوا و ما استكانوا والله يحب الصابرين» [12] و حين يقول: «و الصابرين و الصابرات» [13] و حين يقول: «واصبر حتي يحكم الله و هو خير الحاكمين» [14] و أمثال ذلك من القرآن كثير.

واعلم أي عم وابن عم أن الله جل و عز لم يبال بضر الدنيا لوليه ساعة قط و لا شي ء أحب اليه من الضر و الجهد و البلاء مع الصبر، و انه تبارك و تعالي لم يبال بنعيم الدنيا لعدوه ساعة قط، و لولا ذلك ما كان اعداؤه يقتلون اولياءه و يخوفونهم، و يمنعونهم، و اعداؤه آمنون مطمئنون عالون ظاهرون و لولا ذلك لما قتل زكريا و يحيي بن زكريا ظلما و عدوانا في بغي من البغايا و لولا ذلك ما قتل جدك علي بن أبي طالب (ع) لما قام بأمر الله جل و عز ظلما، و عمك الحسين بن فاطمة صلي الله عليهم اضطهادا و عدوانا.

و لولا ذلك ما قال الله جل و عز في كتابه: «و لولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة و معارج عليها يظهرون» [15] و لولا ذلك لما قال في كتابه: «أيحسبون أنما نمدهم به من مال و بنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون» [16] .

و لولا ذلك لما جاء في الحديث: (لولا أن يحزن المؤمن لجعلت



[ صفحه 394]



للكافر عصابة من حديد فلا يصدع رأسه أبدا» و لولا ذلك لما جاء في الحديث: «ان الدنيا لا تساوي عندالله جل و عز جناح بعوضة» و لولا ذلك ما سقي كافرا منها شربة من ماء، و لولا ذلك لما جاء في الحديث:

«لو أن مؤمنا علي قلة جبل لا بتعث الله له كافرا أو منافقا يؤذيه» و لولا ذلك لما جاء في الحديث: «انه اذا أحب الله قوما او أحب عبدا صب عليه البلاء صبا فلا يخرج من غم الا وقع في غم».

و لولا ذلك لما جاء في الحديث: «ما من جرعتين أحب الي الله عزوجل أن يجرعهما عبده المؤمن في الدنيا من جرعة غيظ كظم عليها، و جرعة حزن عند مصيبة صبر عليها بحسن عزاء و احتساب» و لولا ذلك لما كان أصحاب رسول الله (ص) يدعون علي من ظلمهم بطول العمر و صحة البدن، و كثرة المال و الولد، و لولا ذلك ما بلغنا أن رسول الله (ص) كان اذا خص رجلا بالترحم عليه و الاستغفار استشهد، فعليكم يا عم و ابن عم و بني عمومتي و اخوتي بالصبر و الرضا و التسليم و التفويض الي الله عزوجل و الرضا بالصبر علي قضائه، و التمسك بطاعته، و النزول عند أمره، أفرغ الله علينا و عليكم الصبر، و ختم لنا و لكم بالأجر و السعادة، و انقذنا و اياكم من كل هلكة بحوله وقوته انه سميع قريب، و صلي الله علي صفوته من خلقه محمد النبي و أهل بيته...» [17] .

و كانت هذه الرسالة سلوي لهم فيما عانوه من شدة المحن و الخطوب، كما انها احتوت علي مدحهم و الثناء عليهم، ولو كانوا في خروجهم علي المنصور بغير وجه مشروع لما توجع عليهم الامام، و أثني عليهم فان شأن الامامة كشأن النبوة بعيد عن المحاباة و الاندفاع بأي عاطفة من عواطف الحب



[ صفحه 395]



و مما يدل علي انهم كانوا علي حق أنه (ع) كان يتطلع بلهفة الي التعرف علي اخبارهم فقد روي خلاد بن عمير الكندي مولي آل حجر بن عدي قال دخلت علي أبي عبدالله (ع) فقال:

«هل لكم علم بآل الحسن؟»

يقول خلاد: و كان قد اتصل بنا عنهم خبر، فلم نحب أن نبدأه به فقلنا له: نرجوا أن يعافيهم الله، فقال (ع):

«و اين هم من العافية؟»

ثم بكي حتي علا صوته، و بكينا معه [18] و يضاف الي ذلك ما ورد في حقهم من المدح فقد روي خلاد عن أبيه عن فاطمة بنت الحسين (ع) قالت: سمعت أبي (ع) يقول: يقتل منك أو يصاب منك نفر بشط الفرات ما سبقهم الأولون، و لا يدركهم الآخرون، و انه لم يبق من ولدها غيرهم [19] .

و علي أي حال فانهم لم يخرجوا علي حكومة المنصور الا بوعي من روح الاسلام و هديه الذي ألزم بمناهضة الظلم، و مقاومة الجور و الطغيان.


پاورقي

[1] سورة الطور: آية 48.

[2] سورة القلم: آية 48.

[3] سورة النحل: آية 126.

[4] سورة طه: آية 132.

[5] سورة البقرة: آية 156 - 157.

[6] سورة الزمر: آية 10.

[7] سورة لقمان: آية 17.

[8] سورة الأعراف: آية 128.

[9] سورة العصر: آية 3.

[10] سورة البلد: آية 17.

[11] سورة البقرة: آية 155.

[12] سورة آل عمران: آية 146.

[13] سورة الأحزاب: آية 35.

[14] سورة يونس: آية 109.

[15] سورة الزخرف: آية 33.

[16] سورة المؤمنون: آية 55 - 56.

[17] بحارالانوار: (47 / 299 - 301)، الاقبال (ص 51 - 49).

[18] بحارالأنوار 47 / 302.

[19] بحارالأنوار 47 / 302.