بازگشت

في الربذة


و سارت قافلة العلويين من يثرب، فلما بعدت عنها بثلاثة أميال أنزلوا عن رواحلهم، وجي ء لهم بحدادين فألقوا كل رجل منهم في كبل و غل و قد ضاقت حلقتا القيد الذي كبل به عبدالله بن الحسن فتأوه من الألم فأقسم عليه أخوه البار علي بن الحسن ان يحولها اليه فحولت له، و بذلك



[ صفحه 396]



ضرب المثل الأعلي للاخاء الصادق.

و لما انتهت القافلة الي الربذة أنزل العلويون عن رواحلهم و هم مكبلون بالحديد تصهرهم الشمس، و أمر المنصور بادخال محمد بن عبدالله عليه [1] فلما مثل عنده قابله المنصور بالسب و الشتم و القذف، واتهمه بامور أمسكنا عن ذكرها لفحشها، فان هذا الخبيث الدنس الذي حفل تأريخه بالعار و الخزي لم يتحرج من الاتهام و الكذب و قول الأفك.

و أمر الباغي الأثيم بتجريد محمد بن ثيابه فجرد منها حتي بدت عورته و أمر جلاوزته بضربه، فعلته الجلاوزة بالسياط فضرب خمسين و مائة سوط و قد بلغ به الالم كل مبلغ، و المنصور جذل مسرور، و أصاب احدي السياط وجهه، فقال للجلاد: «اكفف عن وجهي فان له حرمة من رسول الله (ص)»:

فانبري المنصور الي الجلاد قائلا:

«الرأس.. الرأس»

فضربه ثلاثين سوطا علي رأسه، ثم دعا بساجور [2] من خشب شبيه به في طوله فشد في عنقه، و شدت به يداه، و أخرج ملببا فدخل علي اصحابه كأنه زنجي قد غيرت السياط لونه، و أسالت دمه، و أصاب سوط منها احدي عينيه فسالت، و وثب اليه مولي لابي جعفر فقال له: الا الوثك بردائي؟ فقال له بلي جزيت خيرا، فوالله لشفوف أزاري أشد علي من الضرب الذي نالني، فألقي عليه المولي الثوب [3] .

واستدعي محمد و هو بتلك الحالة ماءا فلم يسقه أحد سوي رجل من



[ صفحه 397]



أهالي خراسان فانبري اليه و سقاه الماء، و لم يلبثوا قليلا حتي اجتاز عليهم المنصور و هو في محله، فانطلق اليه عبدالله بن الحسن يذكره بما أسداه جده الرسول (ص) من الفضل و الاحسان علي العباس جد المنصور حينما جي ء به أسيرا قائلا له:

«ما هكذا فعلنا بأسراكم يوم بدر؟»

فأشاح المنصور بوجهه عنه، و قد لذعه قوله، و أمر بحمل العلويين الي العراق.


پاورقي

[1] البداية و النهاية 10 / 81.

[2] الساجور: خشبة تعلق بعنق الكلب.

[3] الطبري 6 / 179.