بازگشت

في الهاشمية


و أخذت قافلة العلويين تطوي البيداء، و تسرع بهم الي القبور و السجون حتي انتهت الي «الهاشمية» فأمر المنصور بزجهم في سجن لا يعرف فيه الليل من النهار فأودعوا فيه، و كانوا لا يعرفون فيه وقت الصلاة لظلمته، فجزؤا القرآن الكريم خمسة أجزاء فكانوا يصلون الصلاة علي فراغ كل واحد منهم لحزبه [1] .

و أمر المنصور باحضار محمد بن ابراهيم، و كان آية في جماله و بهاء وجهه، و كان الناس يذهبون الي النظر لحسنه، و لما حضر عند المنصور التفت اليه بسخرية قائلا:

- أنت المسمي بالديباج الأصفر؟

- نعم

- أما والله لأقتلنك قتلة ما قتلتها أحدا من أهل بيتك.



[ صفحه 398]



ثم أمر باسطوانة مبنية ففرغت، و أدخل فيها، فبنيت عليه و هو حي [2] لقد تفجرت سياسة هذا الباغي الأثيم تجاه العلويين بجميع ألوان المنكرات و الموبقات، فلم يرع حرمة رسول الله (ص) في ابنائه، و عمد لي ابادتهم بصورة لم يعهد لها نظير في تأريخ المجازر البشرية.

و بلغ من قساوة جلاوزته ان عبدالله بن الحسن شيخ العلويين استدعي بماء فطلب بعضهم الاذن من المنصور في ذلك فسمح له فجاء اليه بماء بارد فبينما هو يشرب اذ وثب اليه أبوالأزهر فضرب الاناء برجله بشدة فألقي عبدالله ثناياه في الاناء [3] .

و بقي العلويون في سجن المنصور و هم يعانون أهوال الخطوب و أقسي المصائب، فكانوا يتوضؤن في مواضعهم حتي اشتدت عليهم الرائحة واحتال بعض مواليهم فادخل لهم شيئا من الغالية فكانوا يدفعون بشمها الروائح الكريهة، ولكنها لم تكن تجدي شيئا، فقد ورمت أقدامهم، و سري الورم الي قلوبهم فمات اكثرهم، و أمر الطاغية بهدم السجن علي من بقي فهدم عليهم، فمات اكثرهم وفيهم عبدالله بن الحسن [4] .

و حفلت هذه المأساة الخالدة في دنيا الاحزان بأنواع الرزايا و الخطوب فقد انتهكت فيها حرمة الرسول الاعظم (ص) في ذريته و ابنائه، فلم يرع لهم المنصور أي حرمة، و لم يراقب الله فيهم.

ففي سبيل الله تلك النفوس الزكية التي وهبت أرواحها لله لتنقذ عباده من شر تلك الطغمة الحاكمة التي كفرت بجميع القيم الانسانية.

و قد أثارت هذه المأساة الكبري موجات من السخط علي بني العباس



[ صفحه 399]



و قد اندفع ابوفراس الحمداني بعد احقاب من السنين يهجو العباسيين علي هذه الجريمة النكراء التي اقترفها جدهم المنصور، قال:



بئس الجزاء جزيتم في بني حسن

أباهم العلم الهادي و أمهم



لا بيعة ردعتكم عن دمائهم

و لا يمين و لا قربي و لا ذمم



هلا صفحتم عن الأسري بلاسبب

للصافحين ببدر عن أسيركم



هلا كففتم عن الديباج سوطكم

و عن بنات رسول الله شتمكم



ما نزهت لرسول الله مهجته

عن السياط فهلا نزه الحرم



ما نال منهم بنوحرب و ان عظمت

تلك الجرائم الا دون نيلكم



كم غدرة لكم في الدين واضحة

و كم دم لرسول الله عندكم



أنتم له شيعة فيما ترون و في

اظفاركم من بنيه الطاهرين دم



هيهات لا قربت قربي و لا رحم

يوما اذا أقصت الاخلاق و الشمم



كانت مودة سلمان له رحما

و لم يكن بين نوح و ابنه رحم [5] .



و في هذا الشعر أعمق الحزن علي ما أصاب العلويين من الرزايا و النكبات في عهد المنصور و سائر ملوك بني العباس الذين قطعوا أواصر الرحم و القربي و تنكروا للاحسان الذي أسداه الرسول الاعظم علي جدهم العباس فقد قابلوا ذلكم بانزال أمر العقاب و أقساه بذرية النبي و عترته.


پاورقي

[1] مروج الذهب 3 / 225.

[2] الطبري 9 / 398.

[3] مقاتل الطالبيين (ص 243).

[4] مروج الذهب 3 / 225.

[5] الغدير 3 / 238.