بازگشت

رجوع الشيعة للامام موسي


و لما فجع العالم الشيعي بوفاة زعيمه الروحي العظيم الامام الصادق (ع) رجع من بعده الي ولده الامام موسي، فقد بعثت جميع الاقطار التي تدين بالامامة وفودها لتعيين الامام بعد ابي عبدالله (ع) و جاءت تلك الوفود



[ صفحه 418]



الي يثرب فالتقت بالامام موسي و آمنت بامامته و عقدت له الولاء و الطاعة فقد وجدت فيه كل ما هو ماثل في أبيه من العلم و الايمان و التقوي و الصلاح و ما ماثل ذلك من الصفات الرفيعة التي لا توجد الا عند من عصمه الله من الزلل، و طهره من الرجس، و اختاره لارشاد عباده الي سواء السبيل.

وحدث هشام بن سالم أحد عيون الشيعة و وجوهها عن كيفية رجوعه و رجوع اخوانه الي الامام بعد وفاة أبيه يقول: كنت بالمدينة مع محمد بن النعمان صاحب الطاق حين وفاة الامام أبي عبدالله، و قد اجتمع الناس علي عبدالله بن جعفر ظانين أنه صاحب الأمر و القائم بعد أبيه فدخلت عليه مع أصحابي و لما استقر بنا المجلس وجهنا له السؤال الآتي:

- كم تجب الزكاة في المائتين من الدراهم؟

- خمسة دراهم.

- ففي المائة؟

- درهمان و نصف.

و تعجبوا من هذه الفتوي التي لا تمت الي الشريعة الاسلامية بصلة، فان النصاب الأول في نصاب الدراهم مائتان و ما نقص عنها فليس عليه شي ء و طفق هشام يقول مستهزءا بهذه الفتوي التي لا مدرك لها:

- والله ما تقول المرجئة هذا!!

- والله ما ادري ما تقول المرجئة؟

و خرج هشام و محمد من عنده و هما لا يبصران الطريق من الألم و الحزن لعدم ظفرهما بالامام القائم بعد أبي عبدالله و جعل هشام يقول:

«الي المرجئه، الي القدرية، الي المعتزلة، الي الزيدية، الي الخوارج؟!!».

و بينما كان هشام و محمد هائمين في تيار من الهواجس و الأفكار لا يعلمان



[ صفحه 419]



أي مبدأ يعتنقانه اذ اطل عليهما شيخ فأومأ الي هشام يشير اليه باتباعه، فتوهم هشام أنه من عيون المنصور و جواسيسه قد فهم حديثهما فالتفت الي صاحبه و قد استولي عليه الذعر و الارتباك و أمره بالبعد عنه ليكون وحده الذي ينال العقوبة و الجزاء، فتبع الشيخ حتي أورده علي الامام موسي بن جعفر عليه السلام، فلما دخل سكن روعه و حينما استقر به المجلس التفت اليه الامام قائلا بنبرات تفيض لطفا و حنانا:

«الي لا الي المرجئة، و لا الي القدرية، و لا الي المعتزلة، و لا الي الزيدية..»

ففرح هشام لأنه ظفر ببغيته حيث أخبره الامام بما انطوت عليه نفسه و تلك من امارة الامامة و علائمها، و وجه له هشام السؤال الآتي:

- جعلت فداك مضي أبوك؟

- نعم.

- مضي موتا؟

- نعم.

- من لنا بعده؟

- ان شاء الله أن يهديك هداك

- جعلت فداك ان عبدالله أخاك يزعم أنه الامام بعد أبيه.

- عبدالله يريد أن لا يعبد الله

- من لنا بعده؟

- فأجابه مثل جوابه الأول، و طفق هشام يقول:

- أفأنت هو:

لا اقول ذلك

وأخطأ هشام في حديثه و التفت الي خطله فقال:

- عليك امام؟



[ صفحه 420]



- لا

فداخله من الاكبار و الاجلال ما لا يعلم به الا الله، ثم قال له:

- جعلت فداك، أسألك عما كنت اسأل به أباك؟

- سل و لا تذع، فان أذعت فهو الذبح

ثم وجه اليه أسألة كثيرة فاذا به بحر لا ينزف لكثرة علمه، و فضله وانبري بعد معرفته و وثوقه بامامته قائلا:

- جعلت فداك، شيعة ابيك في ضلال فالقي اليهم هذا الأمر، و ادعوهم اليك، فقد اخذت علي الكتمان؟

- من أنست به رشدا فالق اليه، وخذ عليه الكتمان، فان اذاع فهو الذبح - و اشار بيده الي حلقه -

ثم خرج و هو ناعم الفكر مسرور القلب بما ظفر به، فبادر اليه صاحبه قائلا:

- ما وراءك؟

- الهدي

ثم حدثه بالأمر، و قصدا زرارة و أبابصير و بعد الاجتماع بهما نقل لهما الحديث، فبادر زرارة و أبوبصير الي الامام و سألاه عن بعض المسائل فأجاب عنها فقطعا بامامته، و أقبلت جماهير الشيعة تتري أفواجا نحو الامام و هي تعقد له الولاء و الطاعة، و تعترف بامامته، و قد دانت الأغلبية الساحقة من الشيعة بامامته سوي أصحاب عمار الساباطي فانهم بقوا علي فكرتهم مصرين [1] .

و تولي الامام (ع) بعد وفاة ابيه القيام بشؤون الشيعة و بنشر المبادي ء الاسلامية العليا و تزويد العلماء و الطلبة بشتي انواع العلوم و المعارف، و قد



[ صفحه 421]



وضعت عليه الحكومة بعد ذلك الرقابة الشديدة فلم يتمكن علي الاتصال بالشيعة علنا كما لم تتمكن الشيعة علي التصريح بعقيدتها و مبدأها.


پاورقي

[1] المجالس: (ج 5 ص 328).