بازگشت

مصلح كبير


و أعظم ناقد للمنصور قام بدوره بنقد سياسته، التي لا تتفق مع الحق و العدالة، هو مصلح كبير ضن التأريخ بالتصريح باسمه، فقد أوقف المنصور علي جرائمه، و حاسبه علي اعماله، و هذا نص حديثه، بينما كان المنصور يطوف بالبيت اذ انطلق اليه ذلك الرجل و هو يقول:

«اللهم: اني أشكو اليك ظهور البغي و الفساد في الأرض و ما يحول بين الحق و أهله من الطمع..»

فوقعت هذه الكلمات كصاعقة علي رأس المنصور الطاغية الجبار فلما فرغ من طوافه أمر باحضاره، فلما مثل بين يديه سأله عن قوله فطلب منه الأمن و عدم التعرض له ان كشف الحقيقة و أدلي بالحق فآمنه المنصور؟ فقال له:

«ان من دخله الطمع حتي حال بين الحق و أهله هو أنت يا أميرالمؤمنين

- ويحك!! و كيف يدخلني الطمع و الصفراء و الييضاء عندي و الحلو و الحامض في قبضتي؟!!

- ان الله استرعاك للمسلمين و أموالهم فجعلت بينك و بينهم حجابا من الجص و الآجر، و أبوابا من الحديد، و حجابا معهم الأسلحة، و أمرتهم



[ صفحه 427]



أن لا يدخل عليك الا فلان و فلان، و لم تأمر بايصال المظلوم و لا الملهوف و لا الضعيف و لا الفقير و لا الجائع و لا العاري و ما منهم الا وله في هذا المال حق فلما رآك هؤلاء النفر الذين استخلصتهم لنفسك و آثرتهم علي رعيتك يجي لك الأموال فلا تعطيها، و تجمعها فلا تقسمها قالوا: هذا قد خان الله تعالي، فما لنا لا نخونه، و قد سخرلنا نفسه، فاتفقوا علي أن لا يصل اليك من أخبار الناس الا ما أرادوا، و لا يخرج لك عامل فيخالف أمرهم الا أقصوه و نفوه حتي تسقط منزلته، و يتضع قدره، فلما اشتهر هذا عنك و عنهم عظمهم الناس و هابوهم، فكان أول من صانعهم عمالك بالهدايا ليقووا بهم علي ظلم رعيتك، ثم فعل ذلك ذوو القدرة و الثروة من رعيتك لينالوا بهم ظلم من دونهم فامتلأت بلاد الله بالطمع ظلما و فسادا، و صار هؤلاء شركاؤك في سلطانك و أنت غافل فان جاء متظلم حيل بينه و بين الدخول اليك، فان أراد رفع قصته اليك وجدك قد منعت من ذلك، و جعلت رجلا ينظر في المظالم فلا يزال المظلوم يختلف اليه و هو يدافعه خوفا من بطانتك و اذا صرخ بين يديك ضرب ليكون نكالا لغيره، و أنت تنظر و لا تفكر فما بقاء الاسلام علي هذا، فان كنت يا أميرالمؤمنين انما تجمع الاموال لولدك فقد اراك الله في الطفل يسقط من بطن أمه و ما له في الارض مال و ما من مال الا و دونه يد شحيحة تحتويه فلا يزال الله يلطف بذلك الطفل حتي يكثر ماله، و تعظم رغبة الناس اليه، و لست الذي تعطي و انما الله الذي يعطي من يشاء بغير حساب، و ان كنت انما تجمع المال لتشييد الملك و تقويته فقد أراك الله في بني امية ما أغني عنهم ما جمعوه من الذهب و الفضة، و لا ما أعدوه من الرجال و السلاح و الكراع حين أراد الله تعالي بهم ما اراد، و ان كنت انما تجمع المال لطلب غاية هي أجسم من الغاية التي أنت فيها، فوالله ما فوق ما أنت فيه منزلة الا منزلة لا تنال بخلاف



[ صفحه 428]



ما أنت عليه..» [1] .

و قد كشف هذا الناقد العظيم بهذا التصريح عن جميع ما يعانيه المسلمون من الظلم و الجور الذي صبه عليهم المنصور و عملاؤه الخونة الذين نهبوا ثروات الأمة، و حجبوا عن المنصور أخبار الرعية و ما تعانيه من الضغط و الجور، فاذا فزع اليه مظلوم حالوا بينه و بين الدخول عليه، و اذا رفع عقيرته بالشكاية و الاستغاثة نكلوا به ليكون عبرة للغير، و المنصور قد حجب نفسه عن الرعية لا يهتم بصالحها و لا يفكر في رفع مستواها قد عكف علي كنزالاموال و ادخارها فلم ينفق منها شيئا علي المسلمين.


پاورقي

[1] مختصر أخبار الخلفاء: (ص 17 - 18).