بازگشت

هلاك المنصور


و قرر المنصور السفر الي مكة، واعتقد أنه سيهلك في سفره، و قد هام في تيار من الهواجس و الافكار فكان يقول: «اني ولدت في شهر ذي الحجة و توليت الخلافة في ذي الحجة، و أهجس في نفسي اني أموت في ذي الحجة هذه السنة» [1] و قد عهد بأمره الي ولده المهدي، و نصبه ملكا من بعده و قد اوصاه بهذه الوصية التي كشفت جانبا كبيرا من سياسته الارهابية التي اشاعت الفقر و الخوف و السجون بين المسلمين فقد جاء فيها:

«اني تركت بعض المسيئين من الناس ثلاثة أصناف فقيرا لا يرجو الا غناك، و خائفا لا يرجو الا أمنك، و مسجونا لا يرجو الفرج الا منك فاذا وليت فأذقهم طعم الرفاهية، لا تمدد لهم كل المد.. و قد جمعت لك من الاموال ما لم يجمعه خليفة قبلي و جمعت لك من الموالي ما لم يجمعه خليفة قبلي و بنيت لك مدينة لم يكن في الاسلام مثلها..» [2] .

انه لم يترك بعض المسيئين من الناس علي ثلاثة اصناف، و انما ترك الناس جميعا كذلك فقد روعهم بخوفه، و سلبهم الامن و الدعة، و نشر الفقر و المجاعة بينهم، و ملي ء السجون بالاحرار و المصلحين.

وسار موكبه من بغداد يطوي البيداء فلما بعد عن الكوفة عرض له وجعه علي اشد ما يكون، و أخذت الهواجس تنتابه في الطريق فجعل يقول للربيع: «بادر بي الي حرم ربي و أمنه هاربا من ذنوبي».



[ صفحه 432]



و بلغ المرحلة الاخيرة من طريقه فقال له الربيع: قد وصلنا (بئر ميمون) و قد دخلنا الحرم فقال له المنصور: (الحمدلله فهل لك أن توصلني الي الكعبة؟» و ثقل حاله فلم يتمكن الربيع علي أن يواصل السير فاقام هناك، و منع الناس من الدخول عليه، و في فجر يوم السبت لست خلون من ذي الحجة سنة (158) هلك الطاغية الجبار الذي اذاق الناس جميع صنوف الظلم و الخوف.

لقد انطوت تلك الصفحة الحافلة بالجور و الاثم و الموبقات، فلم يعهد المسلمون في جميع مراحل تأريخهم حاكما أظلم و لا اعنف و لا اقسي من المنصور

و كان عمر الامام موسي (ع) آنذاك ثلاثين سنة، و قد قضي زهرة حياته في عهد هذا الطاغية و هو مكلوم القلب حزين النفس قد طافت به الآلام حزنا علي المسلمين و جزعا علي ما لاقاه العلويون من التنكيل و العذاب الاليم، و هنا نودعه لنلتقي به في عهد المهدي.



[ صفحه 435]




پاورقي

[1] ابن الاثير 5 / 43.

[2] تأريخ اليعقوبي 3 / 349.