بازگشت

خلاعته و مجونه


والخلافة الاسلامية ظل الله في الارض فلابد ان تمثل اهداف الاسلام و واقعه و هديه، و لابد أن تصان من العبث و المغريات، و تنزه عن اللهو و المجون، ولكن حكام الأمويين و العباسيين لم يوثر عن الكثيرين منهم انهم قد ابتعدوا عما حرمه الله من المنكر و اللهو فقد حولوا الخلافة الاسلامية الي مسارح للرقص و اللذة و الفساد، و لو انهم خلعوا عن نفوسهم ثوب الخلافة لصانوا الاسلام، و حافظوا علي مثاليته.

وشاع اللهو في عهد المهدي، وانتشر المجون، وسادت الميوعة و التحلل بين الناس، فقد ذاع شعر بشار، و حفظ الناس تغزله بالنساء، و قد ضج الاشراف و الغياري من ذلك، و دخل علي المهدي يزيد بن منصور فطلب منه أن يوقف بشارا عند حده و يمنعه من الغزل المكشوف فاستدعاه المهدي و نهاه عن ذلك، و اليه يشير بشار بقوله:



قد عشت بين الريحان و الراح

والزهر في ظل مجلس حسن



و قد ملأت البلاد ما بين

فغفور الي القيروان فاليمن [1] .



بشعر تصلي له العوائق

والثبب صلاة الغواة للوثن



ثم نهاني المهدي فانصرفت

نفسي صنيع الموفق اللقن



فالحمدلله لا شريك له

ليس بباق شي ء علي الزمن



و مع ذلك فقد ظل بشار يتغزل و يمجن من طريق خفي، و في ذلك يقول:



يا منظرا حسنا رأيته

من وجه جارية فديته



[ صفحه 437]



بعثت الي تسومني

ثوب الشباب و قد طويته



والله رب محمد

ما ان غدرت و لا نويته



أمسكت عنه و ربما

عرض البلاء و ما ابتغيته



ان الخليفة قد أبي

و اذا أبي شيئا أبيته



و نهاني الملك الهمام

عن النساء فما عصيته



بل قد وفيت و لم أضع

عهدا و لاؤيا و أيته [2] .



و أنا المطل علي العدي

و اذا غلا الحمد اشتريته



و أميل في أنس النديم

من الحياء و ما اشتهيته



و يشوقني بيت الحبيب

اذا غدوت و أين بيته



حال الخليفة دونه

فصبرت عنه و ما قليته



و يقول أيضا:



دفنت الهوي فلست بزائر

سليمي و لا صفراء ما قرقر القمري



تركت لمهدي الأنام و صالها

و راعيت عهدا بيننا ليس بالختر [3] .



و لولا أميرالمؤمنين محمد

لقلبت فاها او لكان بها فطري



لعمري لقد أوقرت نفسي خطيئة

فما أنا بالمزداد وقرا علي وقر [4] .



لقد ضيق عليه في بادي ء الامر ثم أطلق سراحه، ولكنه انجرف هو بتيار من المجون و الدعارة، و يعتبر المؤسس الاول للهو في دولة بني العباس يقول الجاحظ:

«انه احتجب بادي ء ذي بدء عن المغنين ثم قال: انما اللذة في



[ صفحه 438]



مشاهدة السرور في الدنو ممن سرني فأما من وراء وراء فما خيرها و لذتها؟» [5] و بلغه حسن صوت ابراهيم الموصلي وجودة غنائه فقربه اليه واعلي من شأنه [6] و لما أقبل علي المجون و اللهو ظن الناس به الظنون واتهموه بشتي التهم والي ذلك بشير بشار بن برد العقيلي في هجائه له:



خليفة يزني بعماته

يلعب بالدف و بالصولجان



أبدلنا الله به غيره

ودس موسي في حر الخيزران [7] .



و ذكر الجاحظ أنه كان يحب القيان و سماع الغناء، و كان معجبا بجارية يقال لها: «جوهر» كان قد اشتراها و له فيها شعر [8] و كان مولعا بشرب الخمر حتي نهاه عن ذلك وزيره يعقوب بن داود قائلا له:

«أبعد الصلاة في المسجد تفعل هذا؟».

فلم يلتفت لنصحه و قد سمع بذلك بعض الشعراء الماجنين فحبذ له الاستمرار في شربها و عدم الاعتناء بقول وزيره قائلا:



فدع عنك يعقوب بن داود جانبا

واقبل علي صهباء طيبة النشر [9] .



لقد اطلق المهدي العنان لشهواته و ملذاته و مجونه حتي نشأ ولده ابراهيم و بنته علية علي ذلك، فكان ابراهيم شيخ المغنين و علية في طليعة المغنيات و العازفات في بغداد.



[ صفحه 439]




پاورقي

[1] فغفور: من ملوك الصين.

[2] الوأي: الوعد.

[3] الختر: الغدر و الخديعة.

[4] ضحي الاسلام: (ج 1 ص 112 - 114).

[5] التاج: (ص 35).

[6] الاغاني (ج 5 ص 5).

[7] شذرات الذهب (ج 1 ص 265).

[8] اخلاق الملوك: (ص 34).

[9] الفخري: (ص 167).