بازگشت

بذخه و اسرافه


و أسرف المهدي علي شهواته جميع ما تركه المنصور من الاموال الطائلة التي نهبها من المسلمين فقد صرفها المهدي علي الملذات و المجون و ترك المجتمع يئن من الآم الفقر و البؤس، و قد بذخ المهدي بذخا كثيرا بهر الناس به و أهم صورة لبذخه و اسرافه كانت في تزويجه لولده هارون بالسيدة زبيدة فقد احتفل احتفالا كبيرا، وانفق عليه من أموال المسلمين خمسين الف الف درهم، و قد أقام الدعوة في قصر الخلد علي ضفاف دجلة، و وجه الدعوة الي الناس قبل شهور فدعا جميع الآفاق فأقبلوا مبادرين و قد منوا انفسهم بالاموال الطائلة، فنزلوا ضيوفا عند المهدي و قد أتي بالآلات المختلفة فكان منها أوان صنعت بالذهب و الفضة و كانت الفرش و البسط ارمنية فاخرة قد ظفر بها العباسيون حينما استولوا علي مقدرات الدولة الاموية، و كانت تلك البسط من تراث الوليد بن يزيد و كان مغرما بها فكان يزين بها ارض مجلسه و حيطان قصوره. و كانت أفخر ما اهدي للخلفاء و قد قال عنها (ماركو بولوا) الرحالة: لم تر عين أجمل و لا أجود منها، و أتي ايضا بالثياب المطرزات بالذهب، و بالطيب المختلف الالوان و الضروب، و بالجوهر الذي ملأ به الصناديق الكبار، و بالحلي المرتفعات الاثمان، و ملأ القصر بأجمل الوصائف و الخدم و الغلمان.

فلما كانت ليلة الزفاف، ألبست زبيدة قميصا كله من الدر الكبار، ما لم ير مثله، و لم يقف أحد من المقومين له علي قيمة لنفاسته، و البسها بدنة امرأة هشام بن عبدالملك، و البدنة ثوب كله من الذهب. لا يدخل فيه من الغزل سوي اوقيتين، و ينسج سائره بالذهب، و زينها بالحلي حتي



[ صفحه 440]



لم تقدر علي المشي لكثرة ما عليها من الجوهر. و يقول متز: «ان هذا شي ء لم يسبق اليه أكاسرة الفرس، و لا قياصرة الروم و لا ملوك الغرب».

و جاءت نساء بني هاشم فكان يدفع لكل واحدة منهن ثوب وشي، و كيس فيه دنانير و آنية ملآي بالفضة و كان الخدم يملؤن أواني الذهب بالدراهم و أواني الفضة بالدنانير ثم يدفعون ذلك الي وجوه الناس، و يردفونه بنوافح المسك و قطع العنبر [1] و ذكر الشابشتي في كتابه «الديارات» ان المهدي لما زوج ابنه الرشيد بأم جعفر ابنة أخيه استعدلها ما لم يستعد لامرأة قبلها من الآلة و صناديق الجوهر و الحلي و التيجان و الاكاليل و قباب الفضة و الذهب و الطيب و أعطاها بدنة عبدة امرأة هشام قال: و لم ير في الاسلام مثلها، و مثل الحب الذي كان فيها، و كان في ظهرها و صدرها خطان من ياقوت أحمر و باقيها من الدر الكبار الذي لا يوجد مثله [2] و يقال أن المقومين لم يقفوا علي قيمة هذا الدر لنفاسته [3] .

هذه صورة من صور البذخ و الاستهتار بأموال المسلمين التي احتاط بها الاسلام أشد الاحتياط و الزم بانفاقها علي المصالح العامة، و حرم علي ولاة الامور أن يصطفوا لانفسهم منها أي شي ء.

و من بذخه و استهانته بأموال الدولة أنه اشتري فصا من ياقوت أحمر كان في غاية النفاسة بثلاثمائة الف دينار، و كانت الاموال أكياسا فلما نضد بعضها علي بعض صارت كالجبل، و لما استلمه وهبه لولده الهادي [4] .



[ صفحه 441]



و بهذا نقف علي مدي اسرافه و تبذيره، و من يستطيع يا تري في ذلك العصر أن يجابه الخليفة بالنقد و يقول له ان تلك الأموال ملك للامة و ليس له فيها أي نصيب، و لا حق له في التصرف بها،


پاورقي

[1] بين الخلفاء و الخلعاء (ص 25 - 26) نقلا عن الديارات «دير السوسي».

[2] الديارات (ص 100).

[3] تحفة العروس: (ص 36).

[4] الجماهر: (ص 61).