بازگشت

نكبته لوزيره يعقوب


كان يعقوب بن داود قد احرز عند المهدي نفوذا كثيرا حتي أخلص له في الحب و شاركه في جميع اموره، و قد اعلن ذلك في ديوانه الرسمي و في ذلك يقول مسلم الخاسر:



قل للامام الذي جاءت خلافته

تهدي اليه بحق غير مردود



نعم القرين علي التقوي أعنت به

أخوك في الله يعقوب بن داود



و غلب يعقوب علي امر المهدي فكانت جميع أموره بيده يتصرف فيها حيثما شاء، و قد حقد عليه جماعة من أعدائه و حسدوه علي هذا النفوذ العظيم فأهابوا بالمهدي علي ابعاده عن منصبه فلم يقبل ذلك منهم وامتنع من اجابتهم، و جعل حساده يعملون شتي الوسائل لابعاده عن منصبه، فقد اجتاز المهدي علي جدار فرأي قد كتب عليه هذا البيت:



لله درك يا مهدي من رجل

لولا اتخاذك يعقوب بن داود



فلم يعتن به و أمر أن يكتب تحته هذه العبارة «علي رغم الكاتب و أنفه، و تعسا لجده»، و لما يئس منه أعداؤه جعلوا يستنجدون بني أمية و يطلبون يقظتهم و في ذلك يقول بشار بن برد:



بني أمية هبوا طال نومكم

ان الخليفة يعقوب بن داود



ضاعت خلافتكم يا قوم فالتمسوا

خليفة الله بين الناي و العود [1] .



و لما سدت علي مناوئيه جميع الطريق سلكوا طريقا آخر تمكنوا به من زوال نعمته و انزال الكارثة به، فقد قالوا للمهدي انه يميل للعلويين و انه من أنصارهم و دعاتهم، و انه كان معهم عند قيامهم علي أبيه، و كان كاتبا



[ صفحه 448]



عند ابراهيم بن عبدالله، و قد خرج مع محمد في ثورته علي المنصور في يثرب و لما سمع المهدي بهذه النقاط تغير حاله وانقلب رأسا علي عقب وهام في تيار من الهواجس و الهموم فأراد اختباره و الوقوف علي حقيقة حاله فدعاه الي بلاطه و قد فرشه بفرش موردة كما لبس ثيابا موردة، و علي رأسه جارية جميلة، و أظهر المهدي السرور و الارتياح، و أهدي له جميع ما في ذلك المجلس من الأفرشة الثمينة مع الجارية، و طلب منه مهمة أن يقوم بها و هي أن يعدم علويا أراد التخلص منه، فأجابه يعقوب الي ذلك بعد ان اقسم له بالايمان المؤكدة ان يقوم بذلك، وانصرف يعقوب و معه العلوي فلما استقر في ثويه تكلم مع العلوي فرآه أديبا كاملا ناضجا، و توسل اليه العلوي بشتي الوسائل ان يعفو عنه و يخلي سبيله فأجابه الي ذلك و أعطاه امولا يستعين بها علي دهره و محنته، و كانت الجارية التي أهداها له المهدي عينا عليه فمضت الي المهدي فنقلت له الحديث بكامله، فأرسل المهدي الشرطة و العيون خلف العلوي حتي قبضوا عليه و لما جاءوا به أخفاه ثم امر باحضار يعقوب فلما مثل عنده سأله عن العلوي فأخبره بانه قد نفذ فيه حكم الاعدام، فقال له المهدي: انه قد مات، فقال يعقوب: نعم، و طلب منه المهدي ان يضع يده علي رأسه، و يقسم علي ذلك، ففعل، فقال المهدي لغلام له: اخرج الينا من في هذا البيت، فاخرج العلوي، فلما رآه يعقوب تحير، وامتنع عليه الكلام فقال له المهدي: قد حل لي دمك ولو آثرت اراقته لأرقته ثم امر بسجنه مؤبدا في المطبق [2] وصادر جميع امواله، و بقي في سجنه



[ صفحه 449]



حتي آل الامر الي الرشيد فتوسط في اطلاق سراحه يحيي بن خالد البرمكي فعفا عنه، فخرج هزيل الجسم مكفوف البصر قد لبس ثوبا من الذل و الهوان [3] و دلت هذه البادرة علي مدي بعض المهدي للعلويين و شيعتهم.


پاورقي

[1] ابوالفداء: (ج 2 ص 10).

[2] المطبق حبس مظلم كبير بناه المنصور بين طريق البصرة و طريق باب الكوفة، و باسمه سمي الشارع الذي يقع فيه هذا السجن، و كان متين البناء قوي الاساس و كان من اهم سجون بغداد واستمر الي عهد المتوكل، جاء ذلك في (بغداد في عهد الخلافة العباسية ص 34) و جاء في الفخري (ص 221) ان المطبق كانت فيه غرف واسعة وضيقة و آبار يسجن فيها و ان يعقوب بن داود قد دلي بحبل في بئر مظلمة لا يري فيها ضوء.

[3] الوزراء و الكتاب (ص 119 - 121)، الفخري (ص 161 - 163)، و جاء في الفرج بعد الشدة: (ج 1 ص 141) ان يعقوب ابن داود قال: قد بنيت علي قبة في المطبق فمكثت فيها خمسة عشر سنة.