بازگشت

اعتقال الامام


و لما شاع ذكر الامام وانتشر اسمه في جميع الآفاق لم يملك المهدي غيظه و حقده فخاف علي كرسيه، واعتقد ان ملكه لا يستقر الا باعتقال الامام، فكتب الي عامله علي المدينة يأمره بارسال الامام اليه فورا، و لما وصلت الرسالة اليه توجه الي الامام و أخبره بذلكم فتجهز (ع) للسفر من وقته فسار (ع) حتي انتهي الي زبالة فاستقبله أبوخالد بكآبة و حزن فنظر اليه الامام نظرة رأفة و رحمة و قال له:

- ما لي أراك منقبضا؟!!

- كيف لا انقبض!! و انت سائر الي هذا الطاغية و لا آمن عليك



[ صفحه 453]



فهدأ (ع) روعه و أخبره انه لا ضير عليه في سفره هذا، و ضرب له موعدا يجتاز فيه عليه، ثم انصرف الامام متوجها الي بغداد، فلما وصل اليها أمر المهدي باعتقاله و ايداعه في السجن، و نام المهدي تلك الليلة فرأي في منامه الامام اميرالمؤمنين علي بن أبي طالب (ع) و هو متأثر حزين فخاطبه:

«يا محمد، فهل عسيتم أن توليتم ان تفسدوا في الارض و تقطعوا أرحامكم».

فقام المهدي من نومه فزعا مرعوبا فاستدعي حاجبه الربيع فلما مثل بين يديه كان المهدي يردد الآية الكريمة، و أمره باحضار الامام موسي، فلما أقبل اليه قام فعانقه و أجلسه الي جانبه ثم قال له بعطف ولين:

«يا أباالحسن، اني رأيت اميرالمؤمنين علي بن أبي طالب يقرأ علي كذا - و اشار الي الآية - أفتؤمنني ان لا تخرج علي او علي احد من ولدي؟

- والله ما فعلت ذلك، و لا هو من شأني

- صدقت، يا ربيع، اعطه ثلاثة آلاف دينار ورده الي اهله الي المدينة، فقام الربيع فشايعه و أحكم امره و سرحه في الليل فما اصبح عليه الصبح الا و هو في الطريق [1] و سارت قافلة الامام تطوي البيداء حتي



[ صفحه 454]



انتهت الي «زبالة» في اليوم الذي عينه لأبي خالد و كان يترقب قدوم الامام في ذلك الوقت بفارغ الصبر فلما قدم (ع) عليه بادر اليه و هو يلثم يديه و اطرافه و الفرح باد عليه فادرك الامام سروره البالغ فقال له:

«ان لهم الي عودة لا اتخلص منها» [2] .

و اشار (ع) بذلك الي ما يصنعه به هارون من اعتقاله في سجونه حتي يلفظ أنفاسه الأخيرة بها، و لم يجلب المهدي الامام الي بغداد سوي هذه المرة و قد قطع (ع) من سني حياته في دوره عشر سنين و قد قام خلال هذه المدة بنشر العلم و تغذية الناشئة العلمية بأنواع العلوم و الآداب و هذه المدة من أهم ادوار حياته التي شيد بها صروح العلم و الفضيلة و الاخلاق.


پاورقي

[1] تأريخ بغداد (ج 13 ص 30 - 31)، وفيات الاعيان (ج 4 ص 493) و ذكر ابن شهر اشوب في المناقب: (ج 2 ص 264) ان المهدي استدعي حميد بن قحطبة في منتصف الليل و قال له: ان اخلاص ابيك و اخيك فينا أظهر من الشمس و حالك عندي موقوف، فقال له حميد: افديك بالمال و النفس و الأهل و الولد و الدين فقال له لله درك، و عاهده علي ذلك و أمره بقتل الامام الكاظم في السحر بغتة، فنام المهدي فرآي في منامه عليا يشير اليه و يقرأ «فهل عسيتم» الآية، فانتبه مذعورا و نهي حميدا عما أمره، و اكرم الامام الكاظم و اعطاه.

[2] نور الابصار: (ص 136)، البحار: (ج 11 ص 252).