بازگشت

المؤسس الأول


و المؤسس الأول لهذه الجامعة العلمية الكبري الامام اميرالمؤمنين الرائد الأول للعلم والتطور في الاسلام، و قد جهد علي نشر العلوم و تثقيف المسلمين و قد اتخذ جامع الكوفة مدرسة له، فكان يلقي من علي منبره خطبه الذهبية الحافلة بعلم الاقتصادي و السياسة و الادارة و الفلسفة و الحكمة، و اصول التربية الواعية الهادفة الي اقامة حسن السلوك و الاخلاق، و قد خص اصحابه و حواريه بعلومه النيرة المستمدة من علوم النبي العظيم (ص) فقد أخذوا منه علم



[ صفحه 72]



الكلام و التوحيد و علم الفقه و الشريعة و التفسير، و علوم البلاغة و غيرها، و قد أمدوا العالم الاسلامي بمؤلفاتهم و تراثهم، فكان منهم عبدالله بن عباس حبر الامة، و المرجع الكبير لعلوم القرآن، و منهم أبوالأسود الدؤلي الاستاذ الاول في علم النحو، و منهم أبورافع الذي هو أول من صنف علم المغازي والسير في الاسلام [1] و هو صاحب كتاب السنن و الاحكام و القضاء [2] و كانت الصحابة تكبر هذا الكتاب، و تعظمه [3] الي كثير من أمثال هؤلاء العلماء الذين اضاؤا الحياة الفكرية في الاسلام و قام الامام الحسن (ع) ريحانة الرسول و سبطه الاول بعد أبيه بتنمية تلك المؤسسة العلمية و رعايتها، ولكنها انتقلت من الكوفة الي يثرب بعد غدر أهل العراق به و قد اتخذ (ع) الجامع النبوي معهدا له فكان يلقي به محاضراته العلمية، و قد ذكر رواة الأثر بعض اعلام تلامذته و رواة حديثه وهم:

الحسن المثني، والمسيب بن نجبة، و سويد بن غفلة، و العلا بن عبدالرحمن، و الشعبي و هبيرة بن بركم، و الاصبغ بن نباتة، و جابر بن خلد، و أبوالجواز، و عيسي بن مأمون بن زرارة، و نفالة بن المأموم، و أبويحيي عمير بن سعيد النخعي، و أبومريم بن قيس الثقفي، و طحرب العجلي، و اسحاق بن يسار والد محمد بن اسحاق، و عبدالرحمن بن عوف و سفين بن الليل، و عمر بن قيس الكوفيون [4] .

و قد ازدهرت يثرب في ذلك العصر فكانت من أخصب البلاد الاسلامية علما و أدبا و ثقافة.

و انبري الامام الحسين (ع) بعد وفاة أخيه الي رعاية ذلك المعهد،



[ صفحه 73]



و تغذية طلابه بأنواع العلوم الا انه لم يطل معهم العهد فقد ابتلي بطاغية زمانه يزيد بن معاوية، وامتحن به امتحانا عسيرا، فقد اعلن يزيد الكفر و الالحاد فرأي (ع) أن الواجب الديني يحتم عليه أن يفدي دين جده بدمه الغالي، و أن يقدم الكواكب من ابنائه و أهل بيته ضحايا في سبيل كلمة التوحيد و انقاذ المسلمين من جور الامويين و بطشهم، و قد سجل (ع) بذلك أروع تضحية في سبيل الحق و المبدأ لم يشاهد التأريخ الانساني أسمي و لا أنبل منها.

و بعد شهادة أبي الضيم انصرف الامام ولده علي بن الحسين [5] الي العبادة فكان يصوم نهاره، و ينفق ليله متعبدا حتي صار كالشن البالي من كثرة عبادته، بالاضافة الي الاحزان الموجعة التي تنتابه في كل فترة من حياته علي ما حل بأبيه من الرزايا و الخطوب، فكانت فاجعة كربلا ماثلة امامه، و هو غارق في تيار من الآلام و الأحزان، و قد عد احد البكائين الخمس اللذين مثلوا الأسي و اللوعة في دنيا الوجود، و مع هذه الآلام المبرحة التي لم تفارقه، فقد قام (ع) بدور مهم في تزويد العلماء و الرواة بأحاديثه في مختلف العلوم و الفنون فقد روي عنه اولاده محمد وزيد و عبدالله و أبوسلمة بن عبدالرحمن و طاووس بن كيسان، و أبوالزناد، و عاصم بن عمر بن قتادة، و عاصم بن عبيدالله، و القعقاع بن حكيم، و زيد بن اسلم و الحكم بن عتيبة، و حبيب بن أبي ثابت، و أبوالأسود محمد بن عبدالرحمن ابن نوفل، و مسلم البطين، و يحيي بن سعيد الانصاري، و هشام بن عروة



[ صفحه 74]



و علي بن زيد بن جدعان و آخرون [6] .

لقد روي عنه هؤلاء الرواة مختلف العلوم. و رووا عنه «الصحيفة السجادية» التي هي انجيل آل محمد (ص) و ذلك لما حوته من الثروات الفكرية المتميزة بوضع قواعد الاخلاق، و أصول الفضائل، و علوم التوحيد و غيرها.

و رووا عنه «رسالة الحقوق» التي هي أروع رسالة ألفت في الاسلام فقد وضعت الاسس الخلاقة لحقوق الدولة علي الشعب، و حقوق الشعب علي الدولة، و حقوق المسلمين بعضهم علي بعض، كما صاغت البرامج العامة لا صول التربية و انواع السلوك و آداب التعليم، و حقوق المعلم علي المتعلمين الي غير ذلك من الحقوق التي لا غني للناس عنها في حياتهم الفردية و الاجتماعية.

و رووا عنه الحكم الصائبة والآراء القيمة و الامثال السائرة، و بذلك فقد ساهم الامام في بناء الحياة العلمية، و تطوير الحياة الفكرية في الارض.

و قام الامام محمد الباقر (ع) [7] بعد وفاة أبيه برعاية تلك المؤسسة الدينية و تزويد علمائها و طلابها بعلوم الاسلام و آدابه، و قد ازدهرت في عصره معاهد العلم، والتف حوله العلماء ينتهلون من نمير علومه، و كان



[ صفحه 75]



المرجع الوحيد للعالم الاسلامي في عصره لعلوم الشريعة، و فيه يقول مالك الجهني:



اذا طلب الناس علم القران

كانت قريش عليه عيالا



و ان فاه فيه ابن بنت النبي

تلقت يداه فروعا طوالا



نجوم تهلل للمدلجين

فتهدي بأنوارهن الرجالا [8] .



و كان علماء عصره يتصاغرون أمامه [9] اعترافا منهم بسمو منزلته العلمية التي لا يدانيها أحد.

و روي عنه ثقاة الرواة طاقات كبيرة من فقه اهل البيت (ع) أمثال زرارة بن أعين الذي قال فيه الامام الصادق (ع): «لولا زرارة لظننت أن أحاديث أبي ستذهب» [10] و محمد بن مسلم، و قد سمع منه ثلاثين الف حديث [11] و أبوبصير، و قد قال الامام الصادق فيه و في اخوانه:«لولا هؤلاء انقطعت آثار النبوة و اندرست» [12] و عبدالملك بن أعين، و قد دعا له الامام الصادق، فقال اللهم ان أبا الضريس كنا عنده خيرتك من خلقك، فصيره في ثقل محمد صلواتك عليه يوم القيامة» [13] و روي عنه عمر بن دينار و هو من رجال الصحاح الستة، و الاعرج و الزهري و ابوجهضم موسي بن سالم، و القاسم بن الفضل، و الاوزاعي، وابن جريح، و الاعمش و شيبة بن نصاح، و عبدالله بن أبي بكر، و عمر بن حزم، و عبدالله



[ صفحه 76]



ابن عطاء، و بسام الصيرفي، و حرب بن سريج، و حجاج بن ارطارة، و محمد بن سوقة، و مكحول بن راشد، و معمر بن بسام [14] و غيرهم، و قد ازدهرت الحياة العلمية، و نمت في دوره جامعة أهل البيت (ع) التي أمدت العالم الاسلامي بجميع مقومات النهضة الفكرية.


پاورقي

[1] تأسيس الشيعة لعلوم الاسلام (ص 232).

[2] اعيان الشيعة 1 / القسم الثاني (ص 34 - 35).

[3] رجال النجاشي (ص 5).

[4] حياة الامام الحسن 2 / 280 نقلا عن تأريخ ابن عساكر.

[5] قال الزهري: مارأيت قرشيا افضل من علي بن الحسين، و قال ايضا ما رأيت أحدا كان افقه منه، و قال ابن وهب عن مالك لم يكن في أهل بيت رسول الله (ص) مثل علي بن الحسين.

تهذيب التهذيب 7 / 305.

[6] تهذيب التهذيب 7 / 305.

[7] لقب بالباقر لتبحره في العلم، و قد لقبه بذلك النبي (ص) قبل أن يولد عليه السلام كما في حديث جابر بن عبدالله الانصاري ان الرسول (ص) قال له: (يوشك أن تبقي حتي تلقي ولدا لي من الحسين يقال له محمد يبقر العلم بقرا فاذا لقيته فاقرأه مني السلام) جاء ذلك في الفصول المهمة لابن الصباغ (ص 193) و قريب منه جاء في عيون الاخبار لابن قتيبة 1 / 212.

[8] الاتحاف بحب الاشراف ص 52.

[9] مرآة الجنان 1 / 248.

[10] رجال الكشي ص 88.

[11] رجال الكشي ص 112.

[12] رجال الكشي ص 113.

[13] رجال الكشي ص 117.

[14] تهذيب التهذيب 9 / 350.