بازگشت

نزعاته الفذة


والتقت بشخصية الحسين جميع الصفات الكريمة من العلم و التقوي و الورع و الصلاح، و الزهد في الدنيا، و كان من اسخياء عصره، و قد روي المؤرخون بوادر كثيرة من كرمه، و قد روي أبوالفرج عن الحسن بن هذيل، قال:

كنت اصحب الحسين بن علي صاحب فخ فقدم الي بغداد فباع ضيعة له بتسعة آلاف دينار فخرجنا فنزلنا (سوق اسد) فبسط لنا علي باب الخان، فأتي رجل معه سلة فقال له: مر الغلام يأخذ مني هذه السلة، فقال له: و ما أنت؟ قال: أنا اصنع الطعام الطيب، فاذا نزل هذه القرية رجل من اهل المروءة اهديته اليه، قال: يا غلام خذ السلة منه، وعد الينا لتأخذ سلتك، قال: ثم اقبل علينا رجل عليه ثياب رثة، فقال: اعطوني مما رزقكم الله، فقال لي الحسين: ادفع اليه السلة، و قال له: خذ ما فيها ورد الاناء، ثم اقبل، و قال: اذا رد السلة فادفع اليه خمسين دينارا، و اذا جاء صاحب السلة فادفع اليه مائة دينار، فقلت له: ابقاءا مني عليه - جعلت فداك، بعت عينا لك، لتقضي دينا عليك فسألك سائل فاعطيته طعاما هو مقنع له، فلم ترض حتي أمرت له بخمسين دينارا، و جاءك رجل بطعام لعله يقدر فيه دينارا او دينارين، فأمرت له بمائة دينار، فقال:

يا حسن ان لنا ربا يعرف الحسنات، اذا جاء السائل فادفع اليه مائة دينار، و اذا جاء صاحب السلة فادفع اليه مائتي دينار، والذي نفسي بيده اني لأخاف أن لا يقبل مني، لأن الذهب و الفضة و التراب عندي بمنزلة



[ صفحه 463]



واحدة [1] .

انها نفوس كريمة تحمل نفحات من روح جدهم الرسول (ص) الذي جاء لا سعاد الناس، و رفع الشقاء عنهم.

و روي الحسن بن هذيل قال: بعت للحسين بن علي حائطا باربعين الف دينار فنثرها علي بابه، فما دخل الي اهله منها حبة، كان يعطيني كفا كفا فاذهب به الي فقراء اهل المدينة [2] .

انه معدن من معادن المعروف و الاحسان، فلم ير للمال قيمة سوي ما يرد به جوع جائع او يكسو به عاريا، شأنه شأن آبائه الذين أفاضوا البر و الخير علي جميع الناس.

ما أثر عن النبي فيه:

و أثر عن النبي (ص) انه اجتاز بفخ فصلي باصحابه صلاة الجنازة ثم قال: يقتل هاهنا رجل من اهل بيتي في عصابة من المؤمنين، ينزل لهم بأكفان و حنوط من الجنة، تسبق ارواحهم أجسادهم الي الجنة [3] .

و روي محمد بن اسحاق عن ابي جعفر محمد بن علي عليه السلام قال:

مر النبي (ص) بفخ فنزل فصلي ركعة، فلما صلي الثانية بكي، و هو في الصلاة فلما رأي الناس النبي (ص) يبكي بكوا، فلا انصرف قال: ما يبكيكم؟ قالو: لما رأيناك تبكي بكينا يا رسول الله، قال: نزل علي جبرئيل لما صليت الركعة الأولي، فقال: يا محمد ان رجلا من ولدك يقتل في هذا المكان، و أجر الشهيد معه اجر شهيدين [4] .

ما اثر عن الامام الصادق فيه:

و روي النضر قال: اكريت جعفر بن محمد من المدينة الي مكة، فلما ارتحلنا من بطن مر، قال لي: يا نضر اذا انتهيت الي فخ فاعلمني



[ صفحه 464]



قلت له:

- ألست تعرفه؟

- بلي ولكن اخشي ان تغلبني عيني

قال نضر: فلما انتهينا الي فخ دنوت من المحمل فاذا هو نائم فتنحنحت فلم يتنبه، فحركت المحمل فجلس، فقلت له: قد بلغت، فقال: حل محملي فحللته، ثم قال: صل القطار فوصلته، ثم تنحيت به عن الجادة فانخت بعيره فقال: ناولني الأداوة، و الركوة، فتوضأ وصلي ثم ركب فقلت: جعلت فداك، رأيتك قد صنعت شيئا أهو من مناسك الحج؟

قال: لا ولكن يقتل هاهنا رجل من أهل بيتي في عصابة تسبق ارواحهم اجسادهم الي الجنة [5] .


پاورقي

[1] مقاتل الطالبيين (ص 436 - 441).

[2] مقاتل الطالبيين (ص 436 - 441).

[3] مقاتل الطالبيين (ص 436 - 441).

[4] مقاتل الطالبيين (ص 436 - 441).

[5] مقاتل الطالبيين (ص 437).