بازگشت

السبب في ثورته


واجمع المؤرخون علي أن السبب في ثورة الحسين العظيم يعود الي ما عاناه من الضغط الهائل و الجور الشديد، فقد استعمل موسي الهادي واليا علي يثرب عمر بن عبدالعزيز حفيد عمر بن الخطاب [1] ، و كان فظا غليظ القلب شرس الاخلاق قد عرف بالنصب و العداء للامام اميرالمؤمنين (ع) و قد بالغ الاثيم في اذلال العلويين و ظلمهم، فألزمهم بالمثول عنده في كل يوم، و فرض عليهم الرقابة الشخصية فجعل كل واحد منهم يكفل



[ صفحه 465]



صاحبه بالحضور عنده، و قبضت شرطته علي كل من الحسن بن محمد بن عبدالله بن الحسن، و مسلم بن جندب، و عمر بن سلام، وادعت الشرطة انها وجدتهم علي شراب فامر بضربهم فضرب الحسن ثمانين سوطا، وابن جندب خمسة عشر سوطا، و ابن سلام سبعة اسواط، و جعل في اعناقهم حبالا، و أمر ان يطاف بهم في شوارع يثرب ليفضحهم، فبعثت اليه الهاشمية صاحبة الراية السوداء في ايام محمد بن عبدالله فقالت له: لا و لا كرامة لا تشهر احدا من بني هاشم، و تشنع عليهم و أنت ظالم، فكف عن ذلك، وخلي سبيلهم.

و ولي العمري علي الطالبيين رجلا يعرف بأبي بكر بن عيسي الحائك مولي الانصار فعرضهم يوم الجمعة، و لم يأذن لهم بالانصراف الي منازلهم حتي حضر وقت الصلاة فالحوا عليه في اداء الفريضة فاذن لهم بعد جهد، و بعد ادائها حبسهم في المقصورة الي العصر لا لشي ء سوي أن يتقرب الي العمري بذلك.

ثم انه عرضهم و دعا بالحسن بن محمد فلم يحضر، فقال ليحيي والحسين ابن علي:

«لتأتياني به أو لأحبسنكما، فقد تغيب عن العرض ثلاثة أيام؟..»

فرداه ردا حفيا الا انه لم يجد مع هذا الوغد حتي اضطر يحيي الي مقابلته بالمثل، فخرج مغضبا الي العمري فاخبره بالامر فأمر باحضارهما فلما مثلا عنده اخذ يتهدد و يتوعد، فضحك الحسين من منطقه الهزيل و قال له باستهزاء و سخرية:

«انت مغضب يا اباحفص؟!!»

فثار العمري و استاء منه لأنه كناه و لم يلقبه بالولاية و الامرة قائلا: «أتهزأ بي و تخاطبني بكنيتي؟»



[ صفحه 466]



فانبري اليه الحسين فسدد له سهما من بليغ منطقه قائلا:

«قد كان أبوبكر و عمر و هما خير منك يخاطبان بالكني فلا ينكران ذلك، و أنت تكره الكنية و تريد المخاطبة بالولاية!!»

فثار العمري و لم يملك صوابه قائلا:

«آخر قولك شر من أوله»

معاذ الله، يأبي الله لي ذلك و ما أنا منه!!

- أفانما ادخلتك علي لتفاخرني و تؤذيني؟

و غضب يحيي من اعتدائه الصارخ علي الحسين فقال له:

- ما تريد منا؟

- اريد ان تأتياني بالحسن بن محمد

- لا نقدر عليه هو في بعض ما يكون فيه الناس فابعث الي آل عمر ابن الخطاب فاجمعهم كما جمعتنا، ثم اعرضهم رجلا رجلا فاذا لم تجد فيهم من قد غاب اكثر من غيبة الحسن عنك فقد انصفتنا..

ففقد العمري صوابه وراح يحلف بطلاق زرجته و حرية مماليكه أن لا يخلي عن الحسين حتي يأتيه بالحسن في باقي يومه و ليلته فان فعل فذاك و الا فيركب الي «سويقة» [2] فيخربها و يحرقها، و يضربه الف سوط، و ان ظفر بالحسن ليهريق دمه، فوثب اليه يحيي و هو لا يبصر طريقه من الاستياء و قد عزم علي الثورة و مناجزة تلك الحكومة قائلا:

«أنا اعطي الله عهدا، و كل مملوك لي حر ان ذقت الليلة نوما حتي آتيك بالحسن بن محمد، أو لا اجده فأضرب عليك بابك حتي تعلم اني قد جئتك».



[ صفحه 467]



و خرجا منه و هما مغيظان قد لذعهما جفاؤه والتفت الحسين الي يحيي منددا بما اعطاه من العهد للعمري باحضار الحسن قائلا:

«بئس لعمر الله ما صنعت حين تحلف لتأتينه به، و أين تجد حسنا»

فاخبره انه قد واري في كلامه و انه يقصد القيام بوجهه قائلا:

«لم أرد ان آتيه بالحسن والله، و الا فانا نفي من رسول الله (ص) و من علي (ع)، بل اردت ان دخل عيني نوم حتي اضرب عليه بابه و معي السيف ان قدرت عليه قتلته..»

والتقي الحسين بالحسن فقال له:

«يابن عمي، قد بلغك ما كان بيني و بين هذا الفاسق، فامض حيث احببت».

- لا، والله، يابن عمي، بل أجي ء معك الساعة حتي اضع يدي في يده ما كان الله ليطلع علي و أنا جاء الي محمد (ص) و هو خصمي و حجيجي في دمك، ولكن أقيك بنفسي لعل الله يقيني من النار...».

و تمثل الشرف و النبل بهذه الكلمات التي تنم عن نفس لم تعرف الخيانة و الغدر، و لم يدنسها حب الحياة.

واجتمع العلويون و من يمت اليهم من المؤمنين و الصالحين فتذاكروا ما قابلهم العمري من الصلافة فصمموا علي أن يهجموا عليه داره، فاقتحموا عليه الدار فولي الجبان هاربا بصورة مخزية ثم قال يحيي:

«هذا الحسن قد جئت به فهاتوا العمري، و الا والله خرجت من يميني».

و هذه البادرة هي السبب في ثورة الحسين و انتفاضته فقد الجأته السلطة الحمقاء الي القيام بوجهها فانه رأي أما أن يرضخ الي الذل و الخنوع الأمر الذي يأباه العلويون الذين رسموا الاباء و العز في دنيا العرب و الاسلام، و أما



[ صفحه 468]



الموت في سبيل الكرامة، التي هي شعار العلويين حتي قالوا: «ما كره قوم حر الجلاد الا ذلوا».

واختار الحسين طريق الكفاح و النضال فصمم مع الصفوة من اهل بيته علي الموت تحت ظلال الأسنة أحرارا كراما.


پاورقي

[1] الكامل 5 / 74، و في مقاتل الطالبيين (ص 243) ان موسي الهادي ولي المدينة اسحاق بن عيسي بن علي فاستخلف عليها رجلا من ولد عمر بن الخطاب يعرف بعبدالعزيز بن عبدالله.

[2] سويقة: منزل لبني الحسن يقع بالقرب من المدينة، و هو من جملة صدقات الامام اميرالمؤمنين (ع) معجم البلدان 18/5.