شهادته
و رفع الحسين راية الثورة واعلن الجهاد المقدس فالتحق به الطالبيون و لم يتخلف عنه الا نفر يسير، و أقبل بموكبه الجهير الي الامام موسي يستشيره في ثورته فلما استقر به المجلس عرض فكرته علي الامام فالتفت (ع) اليه قائلا:
«انك مقتول فأحد الضراب، فان القوم فساق يظهرون ايمانا، و يضمرون نفاقا و شركا، فانا لله و انا اليه راجعون، و عند الله احتسبكم من عصبة».
لقد رأي الامام (ع) ان الحركة لابد ان تفشل و يذهب العلويون ضحية العدوان الغادر، ولكن الحسين لم يجد بدا من الثورة لما ناله من الضيم و الهوان، فقام من عند الامام و جمع الناس فصلي بهم و بعد الفراغ من الصلاة قام خطيبا بين الناس فقال بعد حمد الله و الثناء عليه:
«أنا ابن رسول الله، و في حرم رسول الله أدعوكم الي سنة رسول الله (ص) [1] أيها الناس أتطلبون آثار رسول الله (ص) في الحجر
[ صفحه 469]
و العود، و تضيعون بضعة منه» [2] .
و لما انتهي خطابه الرائع اقبلت اليه الجماهير تبايعه علي كتاب الله و سنة نبيه، و الدعوة للرضا من آل محمد (ص) [3] .
و قيل أنه قال لمن بايعه:
«أبايعكم علي كتاب الله، و سنة رسول الله و علي ان يطاع الله و لا يعصي، و أدعوكم الي الرضا من آل محمد، و علي ان نعمل فيكم بكتاب الله و سنة نبيه (ص) و العدل في الرعية، و القسم بالسوية، و علي أن تقيموا معنا و تجاهدوا عدونا، فان نحن و فينا لكم وفيتم لنا، و ان نحن لم نف لكم فلا بيعة لنا عليكم» [4] .
و دل هذا الخطاب علي ما ينشده في ثورته الاصلاحية من تحقيق العدالة الاجتماعية و رفع مستوي الحياة، و تطبيق احكام القرآن، و اقامة عدل الاسلام.
و بعد ما بايعه الناس خرج قاصدا الي مكة قد احتف به أهل بيته و اصحابه البالغ عددهم زهاء ثلثمائة رجل، واستخلف علي يثرب واليا من قبله دينار الخزاعي، واخذ يجد في مسيره حتي انتهي الي «فخ» فعسكر فيه، و لحقته الجيوش العباسية بقيادة العباس بن محمد، و موسي بن عيسي فالتقي الجيشان يوم التروية وقت صلاة الصبح فحملت جيوش البغي و الضلال علي تلك القلة المؤمنة التي لا هدف لها الا انقاذ المجتمع من ايدي الطغمة الحاكمة التي عاثت في الارض فسادا.
و بعد صراع رهيب بين قوي الحق و البغي قتل الحسين بسهم غادر رماه
[ صفحه 470]
به حماد التركي الوغد الأثيم، واستشهد اكثر اصحاب الحسين، و حزت رؤوسهم [5] و حملت الي الخليفة العباسي و عمدت الجيوش العباسية التي لم تعرف الشرف و الانسانية، الي دفن اصحابهم الفجرة و تركوا الحسين و اصحابه الأحرار مجزرين كالاضاحي لا مغسلين و لا مكفنين، و أبردت برؤوسهم الي موسي ابن عيسي و كان في مجلسه جماعة من العلويين في طليعتهم الامام موسي (ع) فلما رآها الامام هاله منظرها المؤلم الحزين فاندفع (ع) يؤبن الحسين و يصوغ من حزنه و لوعته كلمات قائلا:
«انا لله، و انا اليه راجعون، مضي والله مسلما صالحا، صواما، قواما، آمرا بالمعروف، ناهيا عن المنكر، ما كان في اهل بيته مثله..» [6] .
لقد كان قتل الحسين من الأحداث الكبار في ذلك العصر فقد احدث صدعا في الاسلام أي صدع فانتهكت في قتله حرمة النبي (ص) التي هي احق الحرمات بالرعاية، و قد اندفع شعراء الشيعة يبكون علي مصرعه أمر البكاء، و يندبونه باشجي ندبة فممن رثاه عيسي بن عبدالله بقوله:
فلأبكين علي الحسين
بعولة و علي الحسن [7] .
و علي ابن عاتكة الذي
أثووه ليس له كفن [8] .
تركوا بفخ غدوة
في غير منزلة الوطن
[ صفحه 471]
كانوا كراما قتلوا
لا طائشين و لا جبن
غسلوا المذلة عنهم
غسل الثياب من الدرن
هدي العباد بجدهم
فلهم علي الناس المنن [9] .
و رثاه شاعر آخر بقصيدة جاء فيها:
يا عين ابكي بدمع منك منهتن [10] .
فقد رأيت الذي لاقي بنوحسن
صرعي بفخ تجر الريح فوقهم
أذيالها و غوادي الدلج المزن
حتي عفت أعظم لو كان شاهدها
محمد ذب عنها ثم لم تهن [11] .
ماذا يقولون و الماضون قبلهم
علي العداوة و البغضاء و الاحن
ماذا يقولون: ان قال النبي لهم
ماذا صنعتم بنا في سالف الزمن
لا الناس من مضر حاموا و لا غضبوا
و لا ربيعة و الاحياء من يمن
يا ويحهم كيف لم يرعوا لهم حرما
و قدرعي الفيل حق البيت ذي الركن [12] .
لقد كان مصرع الحسين الشهيد من الاحداث الجسام في الاسلام، فقد ترك ألما ممضا في نفوس المسلمين يذكرونه بكثير من الأسي و الشجون.
پاورقي
[1] ذكر الطبري في تأريخه ان الحسين قال في آخر خطابه «أدعوكم الي كتاب الله، و سنة نبيه. فان لم أف لكم بذلك فلا بيعة لي في اعناقكم».
[2] المقاتل: (ص 484).
[3] الطبري (ج 10 ص 25).
[4] المقاتل: (ص 490).
[5] ذكر الطبري في تأريخه (ج 10 ص 28) ان عدد الرؤوس التي احتزت كانت مائة ونيفا.
[6] المقاتل: (ص 453).
[7] هو الحسن بن محمد بن الحسن السبط (ع) و قد أسر في الواقعة و ضربت عنقه صبرا.
[8] ابن عاتكة: هو عبدالله بن اسحاق بن الحسن المثني كما في الاستقصاء (ج 1 ص 67).
[9] مروج الذهب: (ج 3 ص 248 - 249).
[10] في معجم البلدان (منك منهمر).
[11] في المعجم (ثم لم يهن).
[12] مقاتل الطالبيين (ص 460).