بازگشت

مقدمة الطبعة الثانية


بسم الله الرحمن الرحيم

و اذا العرض الباحث أي جانب من حياة الامام موسي (ع) فانه يجد تراثا نديا مشرقا يفيض بالخير و الجمال، و يحمل العطاء السمح، و التوجيه المشرق للأمة.

ان حياة الامام موسي بجميع ابعادها تتميز بالصلابة في الحق، والصمود أمام الأحداث، و بالسلوك النير الذي لم يؤثر فيه أي انحراف أو التواء، و انما كان متسما بالتوازن، و منسجما مع سيرة الرسول الاعظم (ص) و هديه و اتجاهه، و التزامه بحرفية الاسلام.

و كان من بين تلك المظاهر الفذة التي تميزت بها شخصيته هو الصبر علي الأحداث الجسام، والمحن الشاقة التي لا قاها من طغاة عصره، فقد امعنوا في اضطهاده، و التنكيل به، و قد اصر هارون الرشيد علي ظلمه فعمد الي اعتقاله و زجه في ظلمات السجون، و بقي فيها حفنة من السنين يعاني الآلام و الخطوب و لم يؤثر عنه أنه ابدي أي تذمر أو شكوي أو جزع مما ألم به، و انما كان علي العكس من ذلك يبدي الشكر لله، و يكثر من الحمد له علي تفرغه لعبادته، و انقطاعه لطاعته.

واجمع المترجمون له أنه كان من اعظم الناس طاعة، و اكثرهم عبادة لله فكانت له ثفنات كثفنات البعير من كثرة السجود كما كانت لجده الامام زين العابدين من قبل حتي لقب بذي الثفنات، و قد بهر العقول بكثرة عبادته حينما كان في السجن، فكان يصوم نهاره، و ينفق ليله ساهرا في



[ صفحه 8]



عبادة الله، و قد أدلي الفضل بن الربيع بحديث له عن عبادته عليه السلام حينما كان سجينا في داره، و قد دل علي مدي تجرده عن الدنيا و اقباله علي الله، و سنذكره عند الحديث عن سجنه.

و قد بهر هارون بما رأه من تقوي الامام و كثرة عبادته فراح يبدي اعجابه قائلا: «انه من رهبان بني هاشم!!».

و لما سجن (ع) في بيت السندي بن شاهك اقبل علي عبادة الله فكان في جميع أوقاته مشغولا بذكره تعالي، و كانت عائلة السندي تطل عليه فتري هذه السيرة التي تحاكي سيرة الانبياء، فاعتنقت شقيقة السندي فكرة الامامة، و كان من آثار ذلك أن أصبح كشاجم حفيد السندي من اعلام الشيعة في عصره.

انها سيرة تملك القلوب و المشاعر فهي مترعة بجميع معاني السمو والنبل و الزهد في الدنيا و الاقبال علي الله.

و هناك ظاهرة أخري من ظواهر شخصيته الكريمة، و هي السخاء، فقد اتفق المؤرخون أنه كان من أندي الناس كفا، و اكثرهم عطاءا للمعوزين، و كانت تضرب بصراره المثل، فكان الناس يقولون: «عجبا لمن جاءته صرار موسي و هو يشتكي الفقر» و كان يصل الفقراء والمحرومين في غلس الليل البهيم لئلا يعرفه أحد، و قد انفق جميع ما يملكه بسخاء علي الضعفاء و المنكوبين، واغدق عليهم العطاء الجزيل، وانقذ الكثيرين منهم من مرارة الفقر و الحرمان.

واجمع الرواة انه (ع) كان يملك طاقات هائلة من العلم، فكان اعلم المسلمين في عصره، و قد احتف به العلماء و الرواة فكان لا يفتي بنازلة أو حادثة الا بادروا الي تسجيلها و تدوينها، و قد رووا عنه مختلف العلوم و الفنون خصوصا فيما يتعلق بالتشريع الاسلامي، فقد زودهم بطاقات ندية منه،



[ صفحه 9]



و يعتبر في هذا المجال هو أول من فتق باب الحلال و الحرام من أئمة أهل البيت (ع) [1] .

لقد قام الامام موسي (ع) بعد أبيه الامام الصادق (ع) بادارة شؤون جامعته العلمية التي تعتبر اول مؤسسة ثقافية في الاسلام، و أول معهد تخرجت منه كوكبة من كبار العلماء في طليعتهم أئمة المذاهب الاسلامية و قد قامت بدور مهم في تطوير الحياة الفكرية، و نمو الحركة العلمية في ذلك العصر، وامتدت موجاتها الي سائر العصور و هي تحمل روح الاسلام و هديه، و تبث رسالته الهادفة الي الوعي المتحرر و اليقظة الفكرية، و سنتحدث عن مدي معطياتها في غضون هذا الكتاب.

لقد كان الامام موسي (ع) من المع أئمة المسلمين في علمه، و سهره علي نشر الثقافة الاسلامية و ابراز الواقع الاسلامي و حقيقته.

و يضاف الي نزعاته الفذة التي لا تحصي حلمه و كظمه للغيظ، فكان الحلم من خصائصه و مقوماته، و قد اجمع المؤرخون أنه كان يقابل الاساءة بالاحسان، و الذنب بالعفو، شأنه في ذلك شأن جده الرسول الاعظم (ص) و قد قابل جميع ما لاقاه من سوء و أذي، و مكروه من الحاقدين عليه بالصبر و الصفح الجميل حتي لقب بالكاظم و كان ذلك من أشهر القابه.

و هكذا اذا أستعرضنا نزعات الامام، و قابلياته الفذة، و ما أثر عنه في ميادين السلوك و الاخلاق، فانا نجده حافلا بكل مقومات الانسانية، و مالها من مفاهيم بناءة خيرة، و عسي أن يلم هذا الكتاب ببعض جوانبها المشرقة، أو يعطي أضواءا عنها.

(2)

و لم تكن الشيعة تقدس أئمة أهل البيت (ع) تقديسا دينيا مجردا



[ صفحه 10]



عن الوعي و العمق، و انما يستند في حقيقته و جوهره بل في جميع ابعاده الي الدقة و التأمل و الادراك حسب ما دللوا عليه، و أقاموه من الأدلة الوثيقة التي هي بعيدة كل البعد عن عنصرالجدل و النقاش... ان ايمان الشيعة بل ايمان جميع المسلمين بلزوم مودة أهل البيت انما هو مستمد من واقع الاسلام و روحه، و من صميم رسالته، فقد أوجب علي كل مسلم أن يكن لهم في أعماق ذاته و دخائل نفسه أعمق الود و خالص الحب، و قد نطقت بذلك آية المودة قال تعالي: «قل لا أسألكم عليه أجرا الا المودة في القربي» [2] .

فقد أجمع المفسرون أنها نزلت في أهل البيت (ع) [3] و الي مضمون الآية يشير الامام الشافعي بقوله:

يا أهل بيت رسول الله حبكم فرض من الله في القرآن أنزله.

و تواترت النصوص الصحيحة في لزوم مودة أهل البيت، و ان النبي حرب لمن حاربهم، و سلم لمن سالمهم، و قد قرنهم بمحكم التنزيل قال (ص):

«اني تارك فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر، كتاب الله حبل ممدود من السماء الي الأرض، و عترتي أهل بيتي و لن يفترقا حتي يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما » [4] .



[ صفحه 11]



ان حديث الثقلين قد أجمع المسلون علي روايته، و هو من أوثق الاحاديث النبوية و أكثرها ذيوعا، و هو يحمل جانبا مهما من جوانب العقيدة الاسلامية، كما أنه من اجلي الأدلة التي تستند اليها الشيعة في حصر الامامة في أهل البيت، و في عصمتهم من الاخطاء و الاهواء لأن النبي (ص) قرنهم بالكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه، فلا يفترق أحدهما عن الآخر، و من الطبيعي ان صدور أية مخالفة لاحكام الدين تعتبر افتراقا عن الكتاب العزيز، و قد نفي الرسول (ص) افتراقهما حتي يردا عليه الحوض، فدلالته علي العصمة و لزوم مودتهم ظاهرة جلية.

و قد كرر النبي (ص) هذا الحديث في غير موطن لأنه يهدف الي صيانة الامة والحفاظ علي استقامتها و عدم انحرافها في المجالات العقائدية و غيرها ان تمسكت بأهل البيت و لم تتقدم عليهم، و لم تتأخر عنهم [5] .

و قال (ص): «انما مثل أهل بيتي كسفينة نوح، من ركبها نجا، و من تخلف عنها غرق، و انما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطة في بني اسرائيل من دخله غفر له» [6] يقول الامام شرف الدين في مراجعاته القيمة في بيان الحديث ما نصه.

«و أنت تعلم أن المراد من تشبيههم عليهم السلام بسفينة نوح أن من لجأ اليهم في الدين فأخذ أصوله و فروعه عن أئمتهم الميامين نجا من عذاب النار، و من تخلف عنهم كان كمن آوي «يوم الطوفان» الي جبل ليعصمه من أمر الله، غير أن ذاك غرق في الماء و هذا في الحميم و العياذ بالله. و الوجه في تشبيههم عليهم السلام بباب حطة هو أن الله جعل ذلك الباب



[ صفحه 12]



مظهرا من مظاهر التواضع لجلاله و البخوع لحكمه، و بهذا كان سببا للمغفرة.

هذا وجه الشبه، و قد حاوله ابن حجر اذ قال: - بعد أن أورد هذه الاحاديث و غيرها من أمثالها -.

«و وجه تشبيههم بالسفينة أن من أحبهم و عظمهم شكرا لنعمة مشرفهم، و أخذ بهدي علمائهم نجا من ظلمة المخالفات، و من تخلف عن ذلك غرق في بحر كفر النعم، و هلك في مفاوز الطغيان» الي ان قال: «و بباب حطة - يعني وجه تشبيههم بباب حطة - أن الله جعل دخول ذلك الباب الذي هو باب أربحا أو بيت المقدس مع التواضع و الاستغفار سببا للمغفرة، و جعل لهذه الأمة مودة أهل البيت سببا لها» [7] .

هذه بعض النصوص الواردة في اهل البيت، و هي صريحة في دلالتها علي لزوم مودتهم، و هو أمر مجمع عليه بين المسلمين، الا ان الذي يهمنا هو أن نلمع بايجاز الي مظاهر ذلك الولاء الخالص عند الشيعة، و هل يحمل في واقعه طابع الغلو و الافراط في الحب كما يتهمهم بذلك بعض خصومهم أو انه بعيد عن ذلك، و فيما أحسب ان الحديث عن أمثال هذه البحوث من موجبات الالفة و التقريب بين المسلمين فانها تزيل من طريقنا ما خلفته الاجيال من عوادي السوء و مغبات التفرق و الانقسام.

ان مظاهر الولاء للعترة الطاهرة عند الشيعة هي ما يلي:

أولا - ان الشيعة تأخذ معالم الدين أصولا و فروعا من أئمة أهل البيت (ع) و تجمع علي أن التعبد باقوالهم و افعالهم و تقريرهم انما هو من السنة التي يجب العمل بها عينا، و بذلك فقد بنت أطارها العقائدي علي ما أثر عن أهل البيت، و لا تتعدي في المجالات التشريعية الي غيرهم من بقية المذاهب الاسلامية، و لم يكن ذلك عن تحزب أو تعصب لأهل البيت،



[ صفحه 13]



و انما النصوص القطعية التي أثرت عن الرسول الاعظم (ص) هي التي نصت علي ذلك كحديث الثقلين و غيره من الاحاديث المتواتره التي اجمع المسلمون علي صحتها، و هي تدل بوضوح علي لزوم التمسك بالعترة الطاهرة والتعبد بما روي عنها بعد القطع أو الظن المعتبر بصحة صدوره عنهم، و قد أوضح هذه الجهة و أولاها بمزيد من البيان والاستدلال سماحة الامام المغفور له شرف الدين في مراجعاته القيمة قال رحمه الله: «ان تعبدنا في الاصول بغير المذهب الاشعري، و في الفروع بغير المذاهب الأربعة لم يكن لتحزب أو تعصب، و لا لريب في اجتهاد أئمة تلك المذاهب، و لا لعدم عدالتهم و امانتهم و نزاهتهم، و جلالتهم علما و عملا.

لكن الأدلة الشرعية أخذت باعناقنا الي الأخذ بمذاهب الائمة من أهل بيت النبوة، و موضع الرسالة، و مختلف الملائكة، و مهبط الوحي و التنزيل فانقطعنا اليهم في فروع الدين و عقائده، و أصول الفقه و قواعده و معارف السنة و الكتاب و علوم الأخلاق و السلوك و الآداب نزولا علي حكم الأدلة و البراهين، و تعبدا بسنة سيد النبيين و المرسلين صلي الله عليه و آله و عليهم أجمعين.

ولو سمحت لنا الأدلة بمخالفة الأئمة من آل محمد، أو تمكنا من تحصيل نية القربة لله سبحانه في مقام العمل علي مذهب غيرهم لقصصنا أثر الجمهور وقفونا اثرهم تأكيدا لعقد الولاء، و توثيقا لعري الاخاء، لكنها الأدلة تقطع علي المؤمن وجهته، و تحول بينه و بين ما يروم».

و أضاف لهذا قوله:

«و ما أظن أحدا يجرؤ علي القول بتفضيلهم - اي أئمة المذاهب - في علم أو عمل علي أئمتنا، و هم أئمة العترة الطاهرة، و سفن نجاة الأمة و باب حطتها، و أمانها من الاختلاف في الدين، واعلام هدايتها، و ثقل



[ صفحه 14]



رسول الله، و بقيته في أمته، و قد قال صلي الله عليه و آله و سلم، فلا تقدموهم فتهلكوا، و لا تقصروا عنهم فتهلكوا، فانهم أعلم منكم، لكنها السياسة، و ما أدراك ما اقتضت في صدر الاسلام» [8] .

و قد أيد شيخ الازهر الشيخ سليم هذا الجانب المشرق من حديث الامام شرف الدين قال:

«بل قد يقال ان أئمتكم الاثني عشرة أولي بالاتباع من الأئمة الأربعة و غيرهم، لأن الاثني عشرة كلهم علي مذهب واحد قد محصوه و قرروه باجماعهم بخلاف الأربعة فان الاختلاف بينهم شائع في أبواب الفقه كلها، فلا تحاط موارده و لا تضبط، و من المعلوم ان ما يمحصه الشخص الواحد لا يكافي ء في الضبط ما يمحصه اثنا عشر اماما، هذا كله مما لم تبق فيه وقفة لمنصف، و لا وجهة لمتعسف» [9] .

و أكد هذه الظاهرة الشيخ شلتوت شيخ الجامع الازهر، فاعلن أن الفقه الامامي من أوثق ما كتب في الفقه الاسلامي اصالة في الفكر، و عمقا في الاستدلال و قربا للواقع.

و من الطبيعي ان هذه الظاهرة التي تمسكت بها الشيعة و اعلنتها في جميع المجالات ليس فيها أي جانب من الغلو، و انما هي متسمة بالاعتدال و عدم الانحراف في جميع أبعادها.

ثانيا - ان الشيعة تجمع علي أن أئمة أهل البيت (ع) من عباد الله المكرمين الذين لا يسبقونه بالقول، و هم بأمره يعملون، و انهم أهل الذكر و أولي الأمر و بقية الله، و خيرته، و حزبه، و عيبة علمه، و انهم ساسة العباد، و اركان البلاد، و أبواب الايمان، قد عصمهم الله من الفتن،



[ صفحه 15]



و طهرهم من الدنس، و اذهب عنهم الرجس، و طهرهم تطهيرا، و وصفهم الامام اميرالمؤمنين (ع) بقوله:

«هم عيش العلم و موت الجهل يخبركم حلمهم عن علمهم، و ظاهرهم عن باطنهم، و صمتهم عن حكم منطقهم، لا يخالفون الحق و لا يختلفون فيه، هم دعائم الاسلام، و ولائج الاعتصام، بهم عاد الحق في نصابه، و انزاح الباطل عن مقامه، وانقطع لسانه عن منبته، عقلوا الدين عقل وعاية و رعاية لا عقل سماع و رواية فان رواة العلم كثير و رعاته قليل» [10] .

و وصفهم شاعر الاسلام الأكبر الكميت في احدي روائعه بقوله:



القريبين من ندي والبعيدين

من الجور في عري الأحكام



و المصيبين باب ما أخطأ النا

س و مرسي قواعد الاسلام



والحماة الكفاة في الحرب ان لف

ضرام وقوده بضرام



و الغيوث الذين ان أمحل النا

س فمأوي حواضن الأيتام



راجحي الوزن كاملي العدل في

السيرة طبين بالأمور الجسام



ساسة لا كمن يري رعية النا

س سواءا و رعية الاغنام [11] .



هذه بعض نزعات أهل البيت كما وصفها شاعر العقيدة الكميت و هو معاصر لهم قد اختلط بهم، واختبر أخلاقهم، فآمن بأنهم سلام الله عليهم نسخة لا ثاني لها في تاريخ الانسانية علما و سخاءا و تحرجا في الدين، و قد اندفع مناظلا في سبيلهم فنظم هاشمياته فيهم، و هي تصور الجانب الكثير من الفكرة الشيعية مع الاستدلال عليها بالآيات تارة و بالسنة أخري.

و علي أي حال فان الشيعة الامامية تبرأ من الغلو في أئمتهم، و تجمع علي ضلالة المغالين و خروجهم من الدين.



[ صفحه 16]



ان حقيقة الغلو رفع الامام الي منزلة الآله المعبود، فقد قال الغلاة للامام اميرالمؤمنين (ع): أنت أنت، قال: و من أنا؟ قالوا: الخالق الباري فاستتابهم فلم يرجعوا عن غيهم، فعمد الي احراق بعضهم، فكانوا يقولون: و هم يساقون الي النار، انه الله، و انه هو الذي يعذب بالنار [12] .

هذا هو منطق الغلاة الحاد في الدين و خروج عن عبودية الله وارتداد عن الاسلام، و كان موقف أئمة أهل البيت (ع) معهم موقفا صارما و عنيفا فقد حكموا بوجوب قتلهم، و حرمة الاختلاط بهم، و عزلهم عن جماهير المسلمين و قد لعن الامام موسي (ع) محمد بن بشير لما غالي فيه، و دعا عليه، و تبرأ منه [13] .

ان عقيدة الشيعة في أئمة اهل البيت مستمدة من روح الاسلام و صميمه و ليس فيها - والحمدلله - أي غلو أو خروج عن منطق العقل، و انما هي ناصعة نقية تتسم بالاصالة و المنطق و الدليل.

ثالثا - ان الشي ء البارز من مظاهر الولاء الذي تكنه الشيعة لأئمتها انها تقوم بدورها باحياء ذكرهم و الاشادة بفضلهم فتقيم الحفلات التأبينية علي ما أصابهم من عظيم الخطب و فادح الرزء، و يعرض فيها الي سيرتهم و مثلهم الحافلة بتقوي الله، وحب الصالح العام و التفاني في سبيل الحق و خدمة الأمة، كما تقوم الشيعة بزيارة تلك المراقد الطاهرة للتبرك و التقرب بها الي الله، فانها من أعظم مظاهر الود الذي فرضه الله للعترة علي جميع المسلمين.

هذه بعض مظاهر الولاء الذي تكنه الشيعة للأئمة عليهم السلام و ليس فيه أي شائبة للغلو أو افراط في الحب، و علي هذا الاساس المعتدل



[ صفحه 17]



المعتدل من الحب نتحدث عن الامام موسي (ع) بأمانة و اخلاص شأننا في ذلك شأن الباحث الذي يخلص للحق مهما استطاع اليه سبيلا.

(3)

و الشي ء الذي يدعو الي التساؤل هو أنا لم نجد اماما من أئمة أهل البيت (ع) قد عاش آمنا مطمئنا في حياته بعيدا عن الخوف و الفزع و الأرهاق فقد عانوا جميعا أشد ألوان الظلم و الجور و الاضطهاد، و كانت نهاية المطاف المحزن لكل واحد منهم القتل أو السم و لعل اهم أسباب ذلك - فيما نحسب - يعود الي ما يلي:

انهم سلام الله عليهم بحسب مركزهم الاجتماعي، و ولايتهم العامة علي الأمة كانوا مسؤولين عن رعايتها، و صيانة حقوقها، و تأمين مصالحها و كانوا لا يقرون علي كظة ظالم و لا سغب مظلوم، و كانوا ينعون علي حكام عصورهم سياستهم التي لم تحفل بالنظر للصالح العام، و انما كانت تستهدف الاثرة و الاستغلال، و ارغام الناس علي ما يكرهون فلم يؤثر عن الكثيرين منهم - امثال معاوية بن أبي سفيان و يزيد بن معاوية و مروان بن الحكم و نظرائهم من ملوك الامويين و العباسيين - أي جد في امور الرعية او اخلاص لقضاياها أو سهر علي مصالحها و انما كانوا جادين في اشاعة الظلم الاجتماعي و الجور علي العامة، وانصرفوا الي اللذة و المجون، قد حفلت قصورهم بقطاع من المغنين و المغنيات و تعاطي الخمور، و لم يعد عندهم ذكر لله و اليوم الآخر بالرغم من ان منطق الحكم الذي كانوا يمثلونه كان حكما اسلاميا قد عهد اليه القيام بشؤون الدين، و هم لا يمثلونه بقليل و لا بكثير فقد جافت سيرتهم جميع سنن الاسلام و احكامه حسب ما أجمع عليه المؤرخون.

و تميز موقف الأئمة المعصومين (ع) مع جبابرة عصورهم الحاكمين



[ صفحه 18]



بالشدة و الصرامة فلم يخلدوا معهم الي الدعة والسكون، و انما اعلنوا المقاومة و المعارضة لهم، كانت ذات طابعين:

1- المقاومة الايجابية

و قد اختار هذا النهج الثوري الامام الحسين (ع) حينما أعلن طاغية عصره يزيد بن معاوية الفكر والالحاد، و الخروج علي ارادة الأمة، و تصميمه علي اذلالها و استعبادها، و ارغامها علي ما تكره، فاضطر (ع) الي اعلان الثورة مع علمه (ع) بقلة الناصر و خذلان الصديق، و انه لابد أن تتناهب السيوف و الرماح جسمه الشريف، و قد أدلي (ع) بذلك و هو في مكة المكرمة بقوله:

«و ما أولهني الي أسلافي اشتياق يعقوب الي يوسف، و خير لي مصرع أنا لاقيه كأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس و كربلا فيملأن مني أكراشا جوفا و اجربة سغبا لا محيص عن يوم خط بالقلم» [14] .

لقد أخبر أبي الضيم عما يلاقيه في كربلا من تقطيع اعضائه و أوصاله علي صعيدها و ما اولهه الي هذا المصير المشرق الذي تنتصر به مبادؤه الهادفة الي تحقيق العدالة الاجتماعية بين الناس.

لقد قدم سيدالشهداء علي تكل التضحية الجبارة ليزيل عن جسم الأمة ذلك التخدير الذي طعمه بها الحكم الأموي، و كان لمقتله الشريف أثره الفعال في ايقاظ الجماهير و وعيها، فقد تصعدت العمليات الثورية حتي اطاحت بالحكم الأموي و أزالت جميع آثاره من العالم العربي والاسلامي.



[ صفحه 19]



2- المقاومة السلبية

و أختار هذا المنهج السليم بعض الأئمة الطاهرين لعلمهم بأن المقاومة الايجابية لا تجدي في التغلب علي الاحداث نظرا للظروف السياسية القائمة التي تؤدي الي حتمية فشل الثورة، و عدم انتفاع القضية الاسلامية بها و من ثم اعلنوا المقاومة السلبية، و كان من مظاهرها حرمة الاتصال بالجهاز الحاكم، و حرمة الترافع الي مجالس القضاء حسب ما دونه فقهاء الامامية في كتاب القضاء، و هي طريقة مجدية ذات أثر بالغ في تحقيق الأهداف السليمة التي تنشدها أئمة أهل البيت (ع) و قد أكد هذه السياسة السلبية الامام موسي (ع) في حديثه مع صفوان الجمال، و سنذكره بالتفصيل في غضون هذا الكتاب.

و سلك المستر غاندي هذه السياسة النيرة في تحريره للهند فانه حرم علي الهنود التعاون و التجاوب مع الاستعمار البريطاني، و قد نجحت هذه السياسة نجاحا باهرا فقد اضطر المستعمرون الي الجلاء عن الهند، و منحها الاستقلال السياسي.

و من المؤسف ان العلويين الثوار من الحسنيين و غيرهم لم يسيروا علي وفق هذه السياسة البناءة المعتدلة التي رفع شعارها الأئمة (ع) فقد رفعوا علم الثورة علي الحكم الأموي و العباسي، و لم يكتب لثوراتهم النجاح لعدم وضعها علي خطط سليمة، فلذا منيت بالفشل، و قد جرت لهم كثيرا من المشاكل و المصاعب، و اخلدت لهم الآلام و الخطوب.

و لم يكد يخفي علي السلطات الحاكمة أمر هذه السياسة السلبية التي اعتمد عليها أئمة اهل البيت (ع) بفقد كانت الاستخبارات منتشرة في جميع الاوساط و هي تنقل اليها كل بادرة أو جزئية تحدث في البلاد، فقد نقلت الي



[ صفحه 20]



هارون قصة صفوان الجمال حينما عمد الي بيع جماله التي كان يكريها له في موسم الحج استجابة لنصيحة الامام موسي (ع) فأرسل هارون خلفه ورام قتله الا انه عدل عن ذلك،

و علي أي حال فان الحكومات القائمة آنذاك قد وجهت جميع اجهزتها للعمل ضد أهل البيت و قد استخدمت معهم الوسائل التالية:

1- مقابلتهم بمزيد من العنف و الاضطهاد، و المبالغة في قهرهم و ظلمهم الي حد لا يوصف لفضاعته و مرارته، و قد أفرد أبوالفرج الاصفهاني كتابا خاصا، و هو «مقاتل الطالبيين» عرض فيه ما جري عليهم و علي سائر العلويين من المحن الشاقة و التنكيل الهائل.

2- فرض الحصار الاقتصادي عليهم اضعافا لشوكتهم، و قد عمد هارون الي تطبيق هذه السياسة علي الامام موسي، فانه حينما سافر الي يثرب اجزل العطاء لجميع أبناء الصحابة سوي الامام فانه لم يصله بما يتفق مع مكانته، فسأله المأمون عن ذلك فقال له: ان فقره أحب الي من غناه، و لو أوصلته بما يستحق لخرج علي، و قد وضع الرصد و العيون علي من يصله بالاموال فأوجب ذلك شدة الضيق والجهد عليه و هكذا كانت سياسة اولئك الحكام مع الائمة المعصومين متسمة بفرض الفقر و الحرمان عليهم، و قد بلغ الضيق بعموم العلويين اقصاه في أيام المتوكل، فكان من يصلهم يتعرض للسخط و الانتقام، و قد بلغت الفاقة بهم انهم كانوا لا يمكون في بيوتهم سوي عباءة واحدة فاذا رام أحد منهم أن يخرج ارتدي بها [15] و قد عمد المتوكل الي قطع جميع مواردهم الاقتصادية.

3- حجبهم عن العالم الاسلامي، و فرض الرقابة الشديدة و المطاردة المفزعة علي جميع من يتصل بهم، و قد أدي ذلك بطبيعة الحال الي ظهور



[ صفحه 21]



النزعات المختلفة بين الشيعة، و لم يكن هناك أي مجال لأئمة الهدي للعمل علي توحيد صفوف الشيعة و ازالة النزعات المذهبية الحادثة فيما بينهم [16] .

4- انها أسرفت الي حد بعيد في القسوة علي الشيعة فقد صبت عليهم ألوانا قاسية من العذاب الأليم، و قد تحدث الامام الباقر (ع) عن المحن الشاقة التي واجهتها الشيعة أيام الحكم الأموي قال (ع):

«و قتلت شيعتنا بكل بلدة، و قطعت الايدي و الارجل علي الظنة والتهمة و كان من يذكر بحبنا أو الانقطاع الينا سجن أو نهب ماله و هدمت داره» [17] .

و قد صعدت الحكومات الاموية و العباسية جميع أجهزتها الدعائية ضد الشيعة حتي أصبح حب أهل البيت عارا و منقصة، و يشار الي الشيعي بالخيبة و الخسران كما حكم بعضهم ان حب أهل البيت مروق من الدين، و خروج عن الاسلام والي ذلك كله يشير شاعر العقيدة و الجهاد الكميت بقوله:



يشيرون بالأيدي الي و قولهم

الا خاب هذا والمشيرون أخيب



فطائفة قد كفرتني بحبكم

و طائفة قالوا مسي ء و مذنب



يعيبونني [18] من خبهم و ضلالهم

علي حبكم بل يسخرون و اعجب



و قالوا ترابي هواه و رأيه

بذلك أدعي فيهم و ألقب [19] .



و علي أي حال فان تلك الاجراءات القاسية التي اتخذتها السلطات ضد أئمة أهل البيت (ع) قد خولف بها عما أثر عن النبي (ص) في لزوم المودة لعترته، و وجوب رعايتها و تكريمها في كل شي ء.



[ صفحه 22]



علي أن السلطات الحاكمة في عصورهم كانت تؤمن بأن الأئمة لم يكن لهم أي أرب في الحكم، و انما كانوا يستهدفون اشاعة العدل و المساواة، و تطبيق احكام القرآن علي واقع الحياة العامة بين المسلمين، ولكن ذلك لم يكن يتفق مع سياستهم الهادفة الي الاثرة و الاستغلال و صرف بيت المال علي الماجنين و العابثين فلذا كانوا يحقدون علي كل من يطالب بالاصلاح الاجتماعي و العدالة الاجتماعية.

و مضافا لذلك كله فقد كان الكثيرون من اولئك الحكام يحقدون علي أئمة الهدي نظرا لا جماع المسلمين علي تكريمهم و تعظيمهم، و الاشادة بفضلهم فقد كان المنصور يعلم أن الامام الصادق كان بمعزل عن الحركات السياسية في عصره، و لم يكن يبغي الحكم و السلطان، و انه نهي العلويين عن اعلان الثورة عليه، و كان قبل ذلك قد بشره بمصير الخلافة اليه، و مع ذلك فلم يتركه و شأنه و ادعا آمنا ينشر علوم جده بين المسلمين، فقد جلبه غير مرة الي عاصمته محاولا اغتياله، و لم يكن هناك أي دافع سوي الحقد عليه لعظم شخصيته و مكانته عند المسلمين، و كذلك هارون الرشيد فانه كان يعلم ان الامام موسي لم يكن يستهدف منازعته علي سلطانه، أو البغي عليه اذ لم تكن عند الامام قوي يعتمد عليها في منازعته و الخروج عليه، و مع ذلك فقد نكل به اعظم التنكيل فزجه في ظلمات السجون، ودس اليه السم حتي قضي علي حياته و سبب ذلك هو الحسد و الحقد لما يتمتع به الامام من سمو المكانة عند جميع المسلمين.

(4)

و حفل عصر الامام موسي بكثير من الازمات و الاحداث الجسام، و من بينها الثورات المتسمة بالعنف و سفك الدماء، و كان من أهمها الثورة الكبري التي اطاحت بالحكم الأموي، فقد اندفعت الشعوب الاسلامية بحماس بالغ الي الثورة العارمة علي ذلك الحكم الذي جهد علي اذلالها و حرمانها من



[ صفحه 23]



جميع مقومات الحياة.

و كان شعار الثورة الدعوة الي الرضا من آل محمد، و قد استجابت له الشعوب، و تعطشت له القلوب، فان آل محمد هم الركيزة الأولي للاهداف الضخام التي ينشدها المجتمع الاسلامي من العدل و الحرية و المساواة.

والتفت الجماهير حول هذه الثورة تحميها و تصونها، و تقدم في سبيلها المزيد من التضحيات، فقد آمنت أن لا سبيل لكرامتها و حمايتها من الاستغلال و الاضطهاد الا اذا آل الحكم الي العلويين قادة العدل، و حماة الحق. و الملجأ للمظلومين و المضطهدين.

و لم يظن أحد أن الثورة تحمل في اعماقها الدعوة لبني العباس فان هذه الأسرة لم يكن لها أي عمل ايجابي في خدمة الجماهير، و لم ينالوا أي ضيم أو ارهاق من السلطة الاموية، فقد كانوا وادعين آمنين تجزل لهم السلطات بالعطاء، و توفر لهم العيش والثراء، مضافا الي ذلك انها لم يكن لها ماض زاهر، فقد حفل تأريخ بعضهم بالغدر و الخيانة للأمة.

و علي أي حال فقد انحرفت الثورة عن مخططاتها الاصيلة، واتجهت الي حمل الحكم لبني العباس، و قد عين العباسيون أبامسلم الخراساني قائدا عاما للثورة، و منحوه ثقتهم، و قد امعن في سفك الدماء و اراقتها بغير حق فقد أجمع الرواة أنه كان سفاكا آثما لم يحفل بأي جريمة يقترفها، قد هانت عنده النفوس والأرواح، فكان يأخذ البري ء بالسقيم، و المقبل بالمدبر، و يقتل علي الظنة و التهمة، و كان عدد من قتله - فيما يقول المؤرخون - ستمائة ألف، الامر الذي يدل علي أنه لا عهد له بالله و لا باليوم الآخر.

و قد أقر العباسيون جميع خططه الارهابية، و تعزو بعض المصادر الي بني العباسيين انهم هم الذين عهدوا اليه بذلك.

و علي أي حال فان الحكم لم ينته لبني العباس الا علي بحور من الدماء



[ صفحه 24]



و جبال من جثث الضحايا و الابرياء، و حينما قبضوا علي زمام السلطة اتجهوا الي الابادة الشاملة للأموين و من يمت اليهم فأشاعوا فيهم القتل و التنكيل، و لم يقر الامام الصادق (ع) ذلك، فقد طالب السلطة بالعفو و الصفح عنهم و بهذا نقف علي مدي الانسانية الفذة الماثلة في أهل البيت فانهم لم يخلدوا الي منطق التشفي و الانتقام من العدو مهما كانت اسائته اليهم، فقد كان شأنهم العفو و الرفق و الاحسان مع المعتدين و الظالمين لهم.

و حاول أبوسلمة أحد نقباء الدولة العباسية، و العضو الفعال في قيادة ثورتهم أن ينقل الخلافة الي العلويين، و سواءأ كان ذلك عن خديعة و مكرام عن جد و اخلاص منه في الامر، فقد أوفد رسائله الي يثرب فقام رسوله فناول الامام الصادق احدي رسائله فأمر (ع) باحراقها بالنار أمامه، فطالبه الرسول بالجواب، فقال له: هو ما رأيت، و عدل الرسول الي ذي النفس الزكية و أخيه فناولهما رسائل أبي سلمة، فوجد عندهما استجابة ملحة الي طلبه، و أشار عليهما الامام الصادق بأن لا ينخدعا بذلك، فان الامر لا يتم لهما، فلم يذعنا له، واتخذا ذلك منه حسدا لهما - فيما يقول الرواة - و لم يمض كثير من الوقت حتي أعلن العلويون ثورتهم علي المنصور، و قد التفت حولها الجماهير الهائلة.

و انبري الفقهاء، و أعلام الفكر الاسلامي الي تأييدها، الا انه لم يكتب لها النجاح، فقد تمكنت جيوش العباسيين من اخمادها و القضاء عليها، و قد عرض هذا الكتاب لبيان ذلك بصورة مفصلة.

و ما انتهت ثورة العلويين الا و رؤوسهم قد حملت علي أطراف الرماح يطاف بها في الاقطار و الامصار، كما كان الحال أيام الحكم الاموي، و لم يرع المنصور آواصر الرحم التي بينه و بين العلويين، فقد جهد بعد ذلك الي قتلهم و مطاردتهم لم يستثن في ذلك الشيخ و الطفل، و انما عمهم جميعا بتعذيبه الذي لا يوصف لقسوته، حتي تمني العلويون رجوع الحكم الاموي



[ صفحه 25]



علي ما فيه من قسوة و عذاب.

و قد تركت الاجراءات القاسية التي اتخذها المنصور تجاه العلويين أعمق الحزن و أمضه في نفس الامام الصادق، و ولده الامام موسي، فقد رؤوا ابناء عمومتهم ينكل بهم المنصور افظع التنكيل، و هم لا يجدون سبيلا الي نصرتهم و انقاذهم مما هم فيه.

و من بين تلك المشاكل التي حفل بها عصر الامام موسي الحركات الفكرية الهدامة كالزندقة و غيرها، فقد كانت تستهدف القضاء علي الاسلام و تقويض دعائمه، و قد امتدت الي كثير من الاقطار الاسلامية، و هي تسعي جاهدة الي العبث بفلسفة الاخلاق الاسلامية، و انكار الاديان جميعا و حمل الناس علي ارتكاب المحرمات، و العبث بالآداب العامة، و افساد سائر النظم الاجتماعية.

و قد تصدي الامام الصادق (ع) و ولده الامام موسي الي مقاومة تلك المبادي ء، و تزييفها بالادلة العلمية.

و يضاف لتلك المذاهب الهدامة مبادي ء أخري دهمت العالم الاسلامي في تلك العصور و هي تدعو الي تفكيك الروابط الاجتماعية، و تفريق كلمة المسلمين، و تضليل الرأي العام في كثير من جوانب حياته العقائدية، و قد تصدي الامام موسي و أبوه الامام الصادق من قبل الي ايقاظ المسلمين و تحذيرهم منها، و قد عرض الكتاب بصورة موضوعية الي بسط الكلام في ذلك كله.

(5)

و ليس في ميادين الخدمة الاجتماعية ما هو أعم نفعا و أكثر عائدة علي الامة من نشر فضائل أهل البيت (ع) و عرض سيرتهم و شؤونهم، فانها تمد المجتمع بما يحتاجه من مقومات النهوض و الارتقاء... ما أحوج المسلمين



[ صفحه 26]



الي التوجيه المشرق المنبعث من رسالة أهل البيت الهادفة الي نكران الذات و التضحية في سبيل الله، و الانطلاق نحو العمل المثمر البناء.

ان الواقع المرير الذي يعيشه المسلمون زاخر بأمواج من الفتن و الاضطراب فقد عبثت القوي الاستعمارية بمقوماتهم، و سلبتهم جميع مقدراتهم، و غذت فيهم جميع عوامل الضعف والانحلال، حتي غدوا بأقصي مكان من الذل و الهوان، و نحن نؤمن ايمانا لا يخامره ادني شك أنه لا يمكن أن تكون للمسلمين نهضة يصلون بها الي اهدافهم السليمة ما لم يقتدوا بأئمة أهل البيت في سلوكهم و تعاليمهم فان في كل جانب منها ملتقي اصيل للوعي المتحرر و المثل العليا و الايمان الكامل بحق الأمة، و عسي أن نكون في بحثنا عن سيرة الامام موسي (ع) قد ساهمنا في مجال الخدمة الاجتماعية.

لقد نشر هذا الكتاب سند (1378 ه) و نفذت نسخه، و قد كثر علي الطلب و الالحاح من المعنيين بأمثال هذه البحوث، فعرضت ذلك علي المحسن الكبير الحاج محمد رشاد عجينة نجل الوجيه الحاج محمد جواد عجينة، فاستجاب حفظه الله مشكورا و موفقا الي القيام بطبعه، سائلا من الله أن يوفقه الي احياء مآثر أهل البيت (ع) و أن يمنحه المزيد من الأجر انه تعالي ولي ذلك و القادر عليه.

و تفضل علي أخي سماحة العلامة الكبير الشيخ هادي القرشي باعادة النظر في فصول الكتاب، كما تفضل سماحته بمراجعة كثير من المصادر فأفادني بما عثر عليه من البوادر التي تتعلق بحياة الامام (ع)، و قد وجدت بعد البحث الجاد أن كثيرا من الفصول التي كتبتها تحتاج الي التهذيب و التحليل كما تبدل رأيي في كثير من بحوثه، و سيجد القاري ء أن هذه الطبعة بما أضيف لها غير الطبعة الأولي مضافا الي جودة الطبع و اناقته التي اشتهرت بها مطبعة الآداب.



[ صفحه 27]



وفي ختام هذا التقديم أرجو من المعنيين بهذه البحوث أن يتفضلوا علينا بالنقد و التصحيح عسي أن نصل جميعا الي خدمة هذه الأمة انه تعالي ولي السداد و التوفيق.

باقر شريف القرشي

النجف الأشرف

1 / ذي الحجة / 1389 ه



[ صفحه 28]




پاورقي

[1] الفقه الاسلامي مدخل لدراسة نظام المعاملات ص 160.

[2] سورة الشوري: آية 23.

[3] تفسير الرازي 7 / 406، الدرالمنثور 7 / 7، تفسير النيسابوري، و روي أبونعيم بسنده عن جابر قال: جاء أعرابي الي النبي (ص) فقال يا محمد اعرض علي الاسلام، فقال تشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له، و ان محمدا عبده و رسوله قال: تسألني عليه أجرا؟ قال: - لا - الا المودة في القربي، قال: قرباي أو قرباك؟ قال: قرباي، قال: هات أبايعك، فعلي من لا يحبك، و لا يحب قرباك لعنة الله، قال رسول الله (ص): آمين.

[4] صحيح الترمذي 2 / 308، أسدالغابة 2 / 12.

[5] حياة الامام الحسن 1 / 90.

[6] مجمع الزوائد 9 / 168.

[7] المراجعات: ص 54.

[8] المراجعات: ص 40 - 41.

[9] المراجعات: ص 144.

[10] نهج البلاغة محمد عبده 2 / 259.

[11] الهاشميات.

[12] التنبيه والرد علي أهل البدع ص 14.

[13] رجال الكشي: ص 298.

[14] اللهوف: ص 33.

[15] مقاتل الطالبيين.

[16] عقائد الزيدية.

[17] شرح النهج 3 / 15.

[18] الخب الخديعة.

[19] الهاشميات.