بازگشت

فزع السلطة


و فزعت السلطات الحاكمة من مدرسة الامام، و هالها اتساع نطاقها، و كثرة المنتمين اليها و هم يحملون علوم الامام، و يحدثون الناس عنها، و ينشرون فضائله، و مناقب أهل البيت (ع) و قد أقض ذلك مضاجع المنصور و خشي علي مصالحه السياسية، و خاف أن يفتتن الناس به - علي حد قوله - فعهد الي أبي حنيفة أن يسأل الامام بأعقد المسائل و اكثرها غموضا، و لنترك أباحنيفة يحدثنا عن ذلك

قال أبوحنيفة:

(ما رأيت افقه من جعفر بن محمد، لما أقدمه المنصور بعث الي فقال يا أباحنيفة ان الناس قد أفتتنوا بجعفر بن محمد فهيأ له من المسائل الشداد، فهيأت له اربعين مسألة، ثم بعث الي جعفر و هو بالحيرة فأحضره فدخلت عليه، و جعفر بن محمد عن يمينه، فلما بصرت به دخلتني من الهيبة لجعفر



[ صفحه 91]



ما لم يدخلني لأبي جعفر المنصور فسلمت عليه، و أومأ فجلست ثم التفت اليه قائلا:

«يا أباعبدالله هذا أبوحنيفة؟»

قال (ع): نعم أعرفه

ثم التفت الي المنصور، و قال يا أباحنيفة: الق علي أبي عبدالله مسائلك فجعلت الق عليه، فيجيبني، فيقول: أنتم تقولون: كذا، و أهل المدينة يقولون: كذا، و نحن نقول: كذا، فربما تابعنا، و ربما خالفنا، حتي أتيت علي الاربعين مسألة ما أخل منها بمسألة واحدة..» [1] .

و دلت هذه البادرة علي مدي حنق السلطة و حقدها، و حذرها من الامام كما دلت علي مدي المقدرة العلمية الهائلة التي كان يتمتع بها الامام.

و قد عمد المنصور الي مكافحة مدرسة الامام، و التقليل من أهميتها، و عزل الامام عن الأمة، فوجه نظره الي مالك بن أنس، و أحاطه بكثير من التبجيل و التكريم ليجعله قبال الامام، و مرجعا للامة، و عهد اليه بوضع كتاب يحمل الناس بالقسر علي العمل به، وامتنع مالك من اجابته الا انه اجبره علي ذلك، و قال له: ضعه فما احد اليوم أعلم منك [2] فوضع مالك الموطأ، و أمر الرشيد عامله علي المدينة أن لا يقطع أمرا دون مالك، و كان الرشيد يجلس علي الأرض لاستماع حديثه [3] .

و التزمت الدولة مالك، و سخرت جميع أجهزتها الدعائية لنشر مذهبه و حمل الناس عليه، كل ذلك لصرف الناس عن مذهب أهل البيت الذي علا أمره بسبب الامام جعفر الصادق (ع).



[ صفحه 92]



كما بالغ الرشيد في تعظيم ابي يوسف و اكرامه لأنه تلميذ أبي حنيفة و ناشر مذهبه، و قد بلغ من مكانته عند الرشيد أنه ولاه منصب رآسة القضاء، و لم يقلد ببلاد العراق و خراسان و الشام و مصر قاضيا الا باشارة أبي يوسف و أمره [4] و قال له الرشيد:

«يا أبايعقوب لو جاز لي ادخالك في نسبي و مشاركتك في الخلافة المفضية الي لكنت حقيقا به» [5] .

و هكذا اخذت السلطة العباسية تسعي جاهدة الي تأسيس بعض المذاهب الاسلامية و اضفاء التكريم، و العناية البالغة علي أصحابها، و ارغام الأمة علي الأخذ بآرائها، والعمل بما تفتي به كل ذلك لصرف المسلمين عن مدرسة أهل البيت و مذهبهم، و قد فتح المنصور أبواب هذا الاضطهاد الفكري، و سار من بعده ملوك بني العباس يقتفون أثره في اخماد الوعي الديني المستمد من رسالة أهل البيت.


پاورقي

[1] تذكرة الحفاظ للذهبي.

[2] شرح الموطأ للزرقاني 1 / 8.

[3] مناقب مالك للزاوي.

[4] خطط المقريزي 4 / 144.

[5] المكافأة لابن الداية ص 63.